الأديبة الشاعرة الفلسطينية سلافة حجاوي: زمن أمراء الشعر إنتهى ... الشعر المسرحي ضعيف لغياب المسرح نفسه

حاورها : محمد توفيق أحمد كريزم

كان معظم شعرها للقضية الفلسطينية، وقلما كتبت شعراً ذاتياً، كتبت عنها الصحافة العربية من المحيط إلى الخليج خلال مؤتمر الأدباء العرب عام 1975، إنها تنبئ بمولد أكبر شاعرة عربية، ولكنها خيبت أمالهم عندما إنقطعت عن الشعر فترة لإنشغالها بالدراسات الأكاديمية، هي من أنصار الشعر الإبداعي الحديث وتدافع عنه بقوة، لم تكتب أبداً شعراً يطالب بحقوق المرأة لأنها ترى أن على المرأة أن تناضل من أجل حقوقها المهضومة.

إنها الأديبة والشاعرة الفلسطينية سلافه حجاوي التي تحدثت مطولاً عن هموم الشعر العربي في الحوار التالي:

* فجرت مأساة فلسطين عواطف الشعراء وأضرمت أحاسيسهم وألهبت مشاعرهم، فما هو التأثير الذي أحدثته المأساة في شعرك؟ وكيف كانت بداياتك الأدبية؟

- شهدت الخمسينات البداية التجريبية لقصائدي، وكانت آنذاك قصائد صغيرة، ومنذ أواخر الستينات انطلقت شاعرة، كان توجهي نحو قضيتي الوطنية، فلذلك اتسمت جميع قصائدي والتي عرفت على صعيد الوطن العربي بأنها قصائد وطنية ذات لون وطعم خاص، به كثير من الذاتية، وتأثرت كثيراً بحبي للصور والرسومات، فاتخذت قصائدي نمط اللوحة أكثر من السرد الذي ينتهجه عدد من الشعراء.

أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى عام 1975 خلال مؤتمر الأدباء العرب، وكتبت عني الصحافة في ذلك الحين من المحيط إلى الخليج، بأنني أنبئ بمولد أكبر شاعرة عربية، ولكنني خيبت أمالهم لأنني انشغلت بالقضايا السياسية وتوجهت إلى الدراسات الأكاديمية لأسباب معينة، وقد عدت إلى الشعر منذ أواسط الثمانينات لأكتب نمطاً جديداً من القصائد.

* كثيراً ما نجد الشعر الفلسطيني إما شعراً غنائياً أو قصصياً، قلما نجد الشعر المسرحي، فلماذا؟

- لأن المسرح غير موجود وإن وجد فهو ضعيف جداً في العالم العربي عامة وفلسطين خاصة، والثقافة العربية بعيدة كل البعد عن المسرح فحين يزدهر المسرح، يبدأ الشعر المسرحي في الانتعاش والازدهار.

* من المعروف أن الثورة والحجر والحنين إلى الوطن من رموز الشعر الفلسطيني، وقد طغى ذلك على الجوانب التأملية والرومانسية، السؤال هل يمكن اعتبار واقعية الأفكار واستلهام روح العصر الذي لاحت تباشيره في شعرنا المعاصر حالياً بمثابة البديل للشعر التعبوي والثوري؟

- مما لاشك فيه أن الشعر هو الشعور ..... ولذلك لابد أن لا يقتصر الشعر على الجانب التعبوي، فللشعر الثوري دور معين ومحدود ولكن الشعر الجيد هو الشعر التأملي الذي يعكس أفكاراً واقعية تتم عن قيم إنسانية، والشعر الثوري ذو مرحلة زمنية معينة دائماً، إلا إذا أخذ بعين الاعتبار المشاعر الإنسانية الراقية.

* طرحت قبل سنوات عديدة وبالأخص في الملتقى الشعري الأول في بغداد سؤالاً ولم يجب عليه، وفي نظري أرى من الضروري الإجابة عليه الآن وهو لماذا ظهر شعر المقاومة داخل فلسطين، ولم يظهر خارجها؟

- أنت تطلب مني جواباً على سؤال قد كنت طرحته أنا في ذلك الوقت، وأقول لك أن التحديات كانت مختلفة ففي داخل الوطن كان الإحتلال، وكان الوجود راسخاً في فلسطين على الأرض وهو يتحدى المحتل، أما في الخارج فكان الوضع مأساويا، فكان الشتات ..... والكل يريد أن يثبت ذاته ويريد أن يقول أنا موجود .. هذه هي مرحلة الشتات ثم تطورت إلى مقاومة بعد ذلك فهناك فارق في نوع التحديات التي واجهت الداخل والخارج.

* أصحيح أن الشعراء الفلسطينيين في الشتات يعانون من حالة الاغتراب النفسي؟

- نعم إنهم يعانون من حالة الاغتراب النفسي لأنهم كانوا بعيدين عن أرض الوطن حيث الشتات والضياع، لذلك شعروا بالغربة والإقتلاع.

* وهل مازال الشعراء يعانون من هذه الحالة وهم في وطنهم فلسطين؟

- لا ... بالطبع فقد إختلف الوضع الآن، فمنذ أن قويت منظمة التحرير الفلسطينية، وقادت النضال، أصبحوا أكثر تفاؤلاً بعد أن وطأت المنظمة قدميها أرض فلسطين، فأصبح الشعر الفلسطيني أكثر تفاعلاً وتحدياً ومقاومة مع وجود المؤسسة السياسية الفلسطينية التي تسند الشاعر والمثقف .... هكذا اختلفت المرحلة والآن التحدي أكبر، نحن على أرض فلسطين الآن وهي منبع الإبداع، كثير من الشعراء عادوا إلى الوطن، فأنت عندما تضع قدميك على الأرض، فأنت واثق من نفسك وتستطيع أن تقاوم المحتل بجميع الصور التي تتصورها.

* تتفاوت درجات الأداء في الأسلوب الشعري ما بين الاتجاه الإتباعي والاتجاه الإبداعي، فأين موقعك بين هذين الاتجاهين؟ وما هي المحاور الأساسية في شعرك؟

- أنا من أنصار المدافعين بقوة عن الشعر الإبداعي الحديث، أؤمن بأن التاريخ لا يقف صامتاً أو جامداً، والشعر ساحة واسعة من الإبداع والعطاء والتفاعل مع نمو الزمن وتطوره، ينبغي أن لا نقف صامتين أو جامدين أمام هذه الحركة في الحياة، ولابد للشعر أن يتطور ويعكس الوقائع الجديدة في فهم الإنسان لنفسه في معركة الحياة.

* إلى أي حد يبدو الأدب والفكر وممارسته القائمة اليوم في العالم لغة عالمية؟ وما هي التخوم التي تفصل بين ما هو عالمي وما هو عربي أو فلسطيني؟

- الشعر إما أن يكون عالمياً أو لا يكون .... هذا رأيي، ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أنك تكتب قصيدة تجسد خصوصيتك كفلسطيني أو كأي مواطن في أي دولة أخرى، ولكنها تعطي مفهوماً يفهمه ويستوعبه جميع أفراد العالم .... وهذا هو الشعر العالمي لا يعني الشعر العالمي أن تكتب عن أشياء بعيدة عن واقعك، لا .... أنظر إلى الشاعر العظيم ( لوركا ) لقد كتب عن تفاصيل حياة الغجر، وهي تفاصيل حياة صغيرة ومحدودة جداً، ولكن لوركا استحق عن جدارة ( العالمية ) لأن كل إنسان يقرأ الشعر في العالم يفهم ويتفاعل مع لوركا، لأنه يعبر في قصائده من خلال هذه الخصوصية عن مشاعر وألام وأحلام عالمية يفهمها أي إنسان في أي بقعة من العالم، فالعالمية لا تتضارب ولا تتناقض مع الخصوصية إذا كان يلفها الإبداع.

* هل الشاعر يعرف التعصب أو الحزبية؟

- الشاعر الذي يحترم نفسه هو ذو إحساس مرهف ومشاعره راقية، وعموماً الشعر خارج الحزبية وإلا فيعتبر شعر دعائي، يمكن للشاعر أن يكون حزبياً، ولكن الشعر لا يتحزب، إنه يتحزب للقضايا والأفكار والمثل الإنسانية العالمية كلها، يتحزب للمشاكل التي تعترض البشر.

* ما رأيك في الشعراء والأدباء المحليين في فلسطين، وكيف تقيمين قصائد شعرهم؟

- نستطيع القول أن هناك محاولات جيدة. قد تكون سنوات النضال والاحتلال خاصة الفترة الأخيرة، قد حالت دون تفرغ الشاعر للإبداع، لذلك الفرصة الآن أمامه متاحة للإبداع، وأنا أقول أن الشاعر لا يمكن أن يكون شاعراً جيداً إلا إذا قرأ وتيقن، فالشعر ليس بالعملية التلقائية، إنه مهارة وصنعة وحرفة، ولذلك لابد للشعراء أن يقرأوا عن ماهية الشعر، ليعيدوا تشكيل رؤاهم الشعرية وإثرائها.

* هل أخذت قضايا المرأة خاصة ما يتعلق بحقوقها حيزاً من شعرك؟

- لا... لم أكتب بهذه الطريقة، أنا لا أؤمن بالمطالبة بحقوق المرأة، وإنما أؤمن بانتزاع الحقوق، وعلى المرأة أن تناضل ولا تطالب فقط، لذلك لم أكتب شيئاً يطالب بحقوق المرأة مطلقاً، لقد كنت على الدوام أخذ وأنتزع حقوقي بقدرتي وكفاءتي ومهاراتي، فالمرأة التي لا تناضل من أجل حقها تفقد هذا الحق، وحقوق المرأة مهضومة وفي اعتقادي أن المرأة الفلسطينية لم تأخذ حقوقها وعلى المرأة الفلسطينية أن لا تنكمش أو تنكفئ على نفسها.

* إذن هل يمكن أن نرجع قلة وجود الشاعرات الفلسطينيات لانكفاء المرأة وانكماشها؟

- نعم، عموماً عدد الشاعرات إجمالاً في ساحتنا الفلسطينية قليل، وهذا يعكس الواقع، لأن الشعر يريد حرية نفسية، والمرأة في مجتمعنا بشكل عام لا تتمتع بهذه الحرية النفسية، إضافة إلى أن الشعر يريد ثقافة، وقد تشعر النساء الفلسطينيات بخوالج وأحاسيس ولكنهن لا يستطعن التعبير عنها بالشكل المطلوب، فالفرصة في مجتمعنا أمام المرأة مازالت ضئيلة، وأطالب بمزيد من الحريات للمرأة.

* لماذا تغيب عن الساحة الفلسطينية المهرجانات الأدبية؟

- لا بد أن نسعى لإقامة مثل هذه المهرجانات الأدبية في فلسطين، ولكنني لم أعد أؤمن كثيراً في المهرجانات الشعرية، أنا أعتقد أن الشعر الخطابي قد انتهى تماماً، وعلينا أن نعود إلى ذواتنا ونتفحصها من جديد، أنا أفضل أن ألقي قصيدة في جلسة تشتمل على عدد قليل من الناس، وأقرؤها بهدوء وليس على المنصة.

* في تقديرك كيف يمكن استنهاض الحركة الأدبية في فلسطين؟

- نحن الآن في خضم بدايات جديدة، وأنا أعتقد أن هذه الحالة ستفرز واقعاً جديداً يستنهض الكثير من الشعراء، ولكن الموضوع يحتاج إلى بعض الوقت، مسافة من الزمن تتيح للشعراء التفكير.

* في نظرك هل يعتبر الشاعر محمود درويش أمير الشعراء المعاصرين؟

- في نظري لا ... ليس هناك أمراء شعر في الواقع، لا أؤمن بوجود أمراء شعر ولا أهتم بأي شاعر، أنا أهتم بالشعر، قد أرى أن بعض قصائد محمود درويش أو غيره من الشعراء قصائد جيدة وجميلة ورائعة، لذلك فمعياري هو القصيدة وليس الشاعر.

حاورها : محمد توفيق أحمد كريزم     الأديبة الشاعرة الفلسطينية سلافة حجاوي:    زمن أمراء الشعر إنتهى ...    الشعر المسرحي ضعيف لغياب المسرح نفسه      كان معظم شعرها للقضية الفلسطينية، وقلما كتبت شعراً ذاتياً، كتبت عنها الصحافة العربية من المحيط إلى الخليج خلال مؤتمر الأدباء العرب عام 1975، إنها تنبئ بمولد أكبر شاعرة عربية، ولكنها خيبت أمالهم عندما إنقطعت عن الشعر فترة لإنشغالها بالدراسات الأكاديمية، هي من أنصار الشعر الإبداعي الحديث وتدافع عنه بقوة، لم تكتب أبداً شعراً يطالب بحقوق المرأة لأنها ترى أن على المرأة أن تناضل من أجل حقوقها المهضومة.  إنها الأديبة والشاعرة الفلسطينية سلافه حجاوي التي تحدثت مطولاً عن هموم الشعر العربي في الحوار التالي:  * فجرت مأساة فلسطين عواطف الشعراء وأضرمت أحاسيسهم وألهبت مشاعرهم، فما هو التأثير الذي أحدثته المأساة في شعرك؟ وكيف كانت بداياتك الأدبية؟  - شهدت الخمسينات البداية التجريبية لقصائدي، وكانت آنذاك قصائد صغيرة، ومنذ أواخر الستينات انطلقت شاعرة، كان توجهي نحو قضيتي الوطنية، فلذلك اتسمت جميع قصائدي والتي عرفت على صعيد الوطن العربي بأنها قصائد وطنية ذات لون وطعم خاص، به كثير من الذاتية، وتأثرت كثيراً بحبي للصور والرسومات، فاتخذت قصائدي نمط اللوحة أكثر من السرد الذي ينتهجه عدد من الشعراء.  أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى عام 1975 خلال مؤتمر الأدباء العرب، وكتبت عني الصحافة في ذلك الحين من المحيط إلى الخليج، بأنني أنبئ بمولد أكبر شاعرة عربية، ولكنني خيبت أمالهم لأنني انشغلت بالقضايا السياسية وتوجهت إلى الدراسات الأكاديمية لأسباب معينة، وقد عدت إلى الشعر منذ أواسط الثمانينات لأكتب نمطاً جديداً من القصائد.  * كثيراً ما نجد الشعر الفلسطيني إما شعراً غنائياً أو قصصياً، قلما نجد الشعر المسرحي، فلماذا؟  - لأن المسرح غير موجود وإن وجد فهو ضعيف جداً في العالم العربي عامة وفلسطين خاصة، والثقافة العربية بعيدة كل البعد عن المسرح فحين يزدهر المسرح، يبدأ الشعر المسرحي في الانتعاش والازدهار.  * من المعروف أن الثورة والحجر والحنين إلى الوطن من رموز الشعر الفلسطيني، وقد طغى ذلك على الجوانب التأملية والرومانسية، السؤال هل يمكن اعتبار واقعية الأفكار واستلهام روح العصر الذي لاحت تباشيره في شعرنا المعاصر حالياً بمثابة البديل للشعر التعبوي والثوري؟  - مما لاشك فيه أن الشعر هو الشعور ..... ولذلك لابد أن لا يقتصر الشعر على الجانب التعبوي، فللشعر الثوري دور معين ومحدود ولكن الشعر الجيد هو الشعر التأملي الذي يعكس أفكاراً واقعية تتم عن قيم إنسانية، والشعر الثوري ذو مرحلة زمنية معينة دائماً، إلا إذا أخذ بعين الاعتبار المشاعر الإنسانية الراقية.  * طرحت قبل سنوات عديدة وبالأخص في الملتقى الشعري الأول في بغداد سؤالاً ولم يجب عليه، وفي نظري أرى من الضروري الإجابة عليه الآن وهو لماذا ظهر شعر المقاومة داخل فلسطين، ولم يظهر خارجها؟  - أنت تطلب مني جواباً على سؤال قد كنت طرحته أنا في ذلك الوقت، وأقول لك أن التحديات كانت مختلفة ففي داخل الوطن كان الإحتلال، وكان الوجود راسخاً في فلسطين على الأرض وهو يتحدى المحتل، أما في الخارج فكان الوضع مأساويا، فكان الشتات ..... والكل يريد أن يثبت ذاته ويريد أن يقول أنا موجود .. هذه هي مرحلة الشتات ثم تطورت إلى مقاومة بعد ذلك فهناك فارق في نوع التحديات التي واجهت الداخل والخارج.  * أصحيح أن الشعراء الفلسطينيين في الشتات يعانون من حالة الاغتراب النفسي؟  - نعم إنهم يعانون من حالة الاغتراب النفسي لأنهم كانوا بعيدين عن أرض الوطن حيث الشتات والضياع، لذلك شعروا بالغربة والإقتلاع.  * وهل مازال الشعراء يعانون من هذه الحالة وهم في وطنهم فلسطين؟  - لا ... بالطبع فقد إختلف الوضع الآن، فمنذ أن قويت منظمة التحرير الفلسطينية، وقادت النضال، أصبحوا أكثر تفاؤلاً بعد أن وطأت المنظمة قدميها أرض فلسطين، فأصبح الشعر الفلسطيني أكثر تفاعلاً وتحدياً ومقاومة مع وجود المؤسسة السياسية الفلسطينية التي تسند الشاعر والمثقف .... هكذا اختلفت المرحلة والآن التحدي أكبر، نحن على أرض فلسطين الآن وهي منبع الإبداع، كثير من الشعراء عادوا إلى الوطن، فأنت عندما تضع قدميك على الأرض، فأنت واثق من نفسك وتستطيع أن تقاوم المحتل بجميع الصور التي تتصورها.  * تتفاوت درجات الأداء في الأسلوب الشعري ما بين الاتجاه الإتباعي والاتجاه الإبداعي، فأين موقعك بين هذين الاتجاهين؟ وما هي المحاور الأساسية في شعرك؟  - أنا من أنصار المدافعين بقوة عن الشعر الإبداعي الحديث، أؤمن بأن التاريخ لا يقف صامتاً أو جامداً، والشعر ساحة واسعة من الإبداع والعطاء والتفاعل مع نمو الزمن وتطوره، ينبغي أن لا نقف صامتين أو جامدين أمام هذه الحركة في الحياة، ولابد للشعر أن يتطور ويعكس الوقائع الجديدة في فهم الإنسان لنفسه في معركة الحياة.  * إلى أي حد يبدو الأدب والفكر وممارسته القائمة اليوم في العالم لغة عالمية؟ وما هي التخوم التي تفصل بين ما هو عالمي وما هو عربي أو فلسطيني؟  - الشعر إما أن يكون عالمياً أو لا يكون .... هذا رأيي، ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أنك تكتب قصيدة تجسد خصوصيتك كفلسطيني أو كأي مواطن في أي دولة أخرى، ولكنها تعطي مفهوماً يفهمه ويستوعبه جميع أفراد العالم .... وهذا هو الشعر العالمي لا يعني الشعر العالمي أن تكتب عن أشياء بعيدة عن واقعك، لا .... أنظر إلى الشاعر العظيم ( لوركا ) لقد كتب عن تفاصيل حياة الغجر، وهي تفاصيل حياة صغيرة ومحدودة جداً، ولكن لوركا استحق عن جدارة ( العالمية ) لأن كل إنسان يقرأ الشعر في العالم يفهم ويتفاعل مع لوركا، لأنه يعبر في قصائده من خلال هذه الخصوصية عن مشاعر وألام وأحلام عالمية يفهمها أي إنسان في أي بقعة من العالم، فالعالمية لا تتضارب ولا تتناقض مع الخصوصية إذا كان يلفها الإبداع.  * هل الشاعر يعرف التعصب أو الحزبية؟  - الشاعر الذي يحترم نفسه هو ذو إحساس مرهف ومشاعره راقية، وعموماً الشعر خارج الحزبية وإلا فيعتبر شعر دعائي، يمكن للشاعر أن يكون حزبياً، ولكن الشعر لا يتحزب، إنه يتحزب للقضايا والأفكار والمثل الإنسانية العالمية كلها، يتحزب للمشاكل التي تعترض البشر.  * ما رأيك في الشعراء والأدباء المحليين في فلسطين، وكيف تقيمين قصائد شعرهم؟  - نستطيع القول أن هناك محاولات جيدة. قد تكون سنوات النضال والاحتلال خاصة الفترة الأخيرة، قد حالت دون تفرغ الشاعر للإبداع، لذلك الفرصة الآن أمامه متاحة للإبداع، وأنا أقول أن الشاعر لا يمكن أن يكون شاعراً جيداً إلا إذا قرأ وتيقن، فالشعر ليس بالعملية التلقائية، إنه مهارة وصنعة وحرفة، ولذلك لابد للشعراء أن يقرأوا عن ماهية الشعر، ليعيدوا تشكيل رؤاهم الشعرية وإثرائها.  * هل أخذت قضايا المرأة خاصة ما يتعلق بحقوقها حيزاً من شعرك؟  - لا... لم أكتب بهذه الطريقة، أنا لا أؤمن بالمطالبة بحقوق المرأة، وإنما أؤمن بانتزاع الحقوق، وعلى المرأة أن تناضل ولا تطالب فقط، لذلك لم أكتب شيئاً يطالب بحقوق المرأة مطلقاً، لقد كنت على الدوام أخذ وأنتزع حقوقي بقدرتي وكفاءتي ومهاراتي، فالمرأة التي لا تناضل من أجل حقها تفقد هذا الحق، وحقوق المرأة مهضومة وفي اعتقادي أن المرأة الفلسطينية لم تأخذ حقوقها وعلى المرأة الفلسطينية أن لا تنكمش أو تنكفئ على نفسها.  * إذن هل يمكن أن نرجع قلة وجود الشاعرات الفلسطينيات لانكفاء المرأة وانكماشها؟  - نعم، عموماً عدد الشاعرات إجمالاً في ساحتنا الفلسطينية قليل، وهذا يعكس الواقع، لأن الشعر يريد حرية نفسية، والمرأة في مجتمعنا بشكل عام لا تتمتع بهذه الحرية النفسية، إضافة إلى أن الشعر يريد ثقافة، وقد تشعر النساء الفلسطينيات بخوالج وأحاسيس ولكنهن لا يستطعن التعبير عنها بالشكل المطلوب، فالفرصة في مجتمعنا أمام المرأة مازالت ضئيلة، وأطالب بمزيد من الحريات للمرأة.  * لماذا تغيب عن الساحة الفلسطينية المهرجانات الأدبية؟  - لا بد أن نسعى لإقامة مثل هذه المهرجانات الأدبية في فلسطين، ولكنني لم أعد أؤمن كثيراً في المهرجانات الشعرية، أنا أعتقد أن الشعر الخطابي قد انتهى تماماً، وعلينا أن نعود إلى ذواتنا ونتفحصها من جديد، أنا أفضل أن ألقي قصيدة في جلسة تشتمل على عدد قليل من الناس، وأقرؤها بهدوء وليس على المنصة.  * في تقديرك كيف يمكن استنهاض الحركة الأدبية في فلسطين؟  - نحن الآن في خضم بدايات جديدة، وأنا أعتقد أن هذه الحالة ستفرز واقعاً جديداً يستنهض الكثير من الشعراء، ولكن الموضوع يحتاج إلى بعض الوقت، مسافة من الزمن تتيح للشعراء التفكير.  * في نظرك هل يعتبر الشاعر محمود درويش أمير الشعراء المعاصرين؟  - في نظري لا ... ليس هناك أمراء شعر في الواقع، لا أؤمن بوجود أمراء شعر ولا أهتم بأي شاعر، أنا أهتم بالشعر، قد أرى أن بعض قصائد محمود درويش أو غيره من الشعراء قصائد جيدة وجميلة ورائعة، لذلك فمعياري هو القصيدة وليس الشاعر.

حاورها : محمد توفيق أحمد كريزم     الأديبة الشاعرة الفلسطينية سلافة حجاوي:    زمن أمراء الشعر إنتهى ...    الشعر المسرحي ضعيف لغياب المسرح نفسه      كان معظم شعرها للقضية الفلسطينية، وقلما كتبت شعراً ذاتياً، كتبت عنها الصحافة العربية من المحيط إلى الخليج خلال مؤتمر الأدباء العرب عام 1975، إنها تنبئ بمولد أكبر شاعرة عربية، ولكنها خيبت أمالهم عندما إنقطعت عن الشعر فترة لإنشغالها بالدراسات الأكاديمية، هي من أنصار الشعر الإبداعي الحديث وتدافع عنه بقوة، لم تكتب أبداً شعراً يطالب بحقوق المرأة لأنها ترى أن على المرأة أن تناضل من أجل حقوقها المهضومة.  إنها الأديبة والشاعرة الفلسطينية سلافه حجاوي التي تحدثت مطولاً عن هموم الشعر العربي في الحوار التالي:  * فجرت مأساة فلسطين عواطف الشعراء وأضرمت أحاسيسهم وألهبت مشاعرهم، فما هو التأثير الذي أحدثته المأساة في شعرك؟ وكيف كانت بداياتك الأدبية؟  - شهدت الخمسينات البداية التجريبية لقصائدي، وكانت آنذاك قصائد صغيرة، ومنذ أواخر الستينات انطلقت شاعرة، كان توجهي نحو قضيتي الوطنية، فلذلك اتسمت جميع قصائدي والتي عرفت على صعيد الوطن العربي بأنها قصائد وطنية ذات لون وطعم خاص، به كثير من الذاتية، وتأثرت كثيراً بحبي للصور والرسومات، فاتخذت قصائدي نمط اللوحة أكثر من السرد الذي ينتهجه عدد من الشعراء.  أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى عام 1975 خلال مؤتمر الأدباء العرب، وكتبت عني الصحافة في ذلك الحين من المحيط إلى الخليج، بأنني أنبئ بمولد أكبر شاعرة عربية، ولكنني خيبت أمالهم لأنني انشغلت بالقضايا السياسية وتوجهت إلى الدراسات الأكاديمية لأسباب معينة، وقد عدت إلى الشعر منذ أواسط الثمانينات لأكتب نمطاً جديداً من القصائد.  * كثيراً ما نجد الشعر الفلسطيني إما شعراً غنائياً أو قصصياً، قلما نجد الشعر المسرحي، فلماذا؟  - لأن المسرح غير موجود وإن وجد فهو ضعيف جداً في العالم العربي عامة وفلسطين خاصة، والثقافة العربية بعيدة كل البعد عن المسرح فحين يزدهر المسرح، يبدأ الشعر المسرحي في الانتعاش والازدهار.  * من المعروف أن الثورة والحجر والحنين إلى الوطن من رموز الشعر الفلسطيني، وقد طغى ذلك على الجوانب التأملية والرومانسية، السؤال هل يمكن اعتبار واقعية الأفكار واستلهام روح العصر الذي لاحت تباشيره في شعرنا المعاصر حالياً بمثابة البديل للشعر التعبوي والثوري؟  - مما لاشك فيه أن الشعر هو الشعور ..... ولذلك لابد أن لا يقتصر الشعر على الجانب التعبوي، فللشعر الثوري دور معين ومحدود ولكن الشعر الجيد هو الشعر التأملي الذي يعكس أفكاراً واقعية تتم عن قيم إنسانية، والشعر الثوري ذو مرحلة زمنية معينة دائماً، إلا إذا أخذ بعين الاعتبار المشاعر الإنسانية الراقية.  * طرحت قبل سنوات عديدة وبالأخص في الملتقى الشعري الأول في بغداد سؤالاً ولم يجب عليه، وفي نظري أرى من الضروري الإجابة عليه الآن وهو لماذا ظهر شعر المقاومة داخل فلسطين، ولم يظهر خارجها؟  - أنت تطلب مني جواباً على سؤال قد كنت طرحته أنا في ذلك الوقت، وأقول لك أن التحديات كانت مختلفة ففي داخل الوطن كان الإحتلال، وكان الوجود راسخاً في فلسطين على الأرض وهو يتحدى المحتل، أما في الخارج فكان الوضع مأساويا، فكان الشتات ..... والكل يريد أن يثبت ذاته ويريد أن يقول أنا موجود .. هذه هي مرحلة الشتات ثم تطورت إلى مقاومة بعد ذلك فهناك فارق في نوع التحديات التي واجهت الداخل والخارج.  * أصحيح أن الشعراء الفلسطينيين في الشتات يعانون من حالة الاغتراب النفسي؟  - نعم إنهم يعانون من حالة الاغتراب النفسي لأنهم كانوا بعيدين عن أرض الوطن حيث الشتات والضياع، لذلك شعروا بالغربة والإقتلاع.  * وهل مازال الشعراء يعانون من هذه الحالة وهم في وطنهم فلسطين؟  - لا ... بالطبع فقد إختلف الوضع الآن، فمنذ أن قويت منظمة التحرير الفلسطينية، وقادت النضال، أصبحوا أكثر تفاؤلاً بعد أن وطأت المنظمة قدميها أرض فلسطين، فأصبح الشعر الفلسطيني أكثر تفاعلاً وتحدياً ومقاومة مع وجود المؤسسة السياسية الفلسطينية التي تسند الشاعر والمثقف .... هكذا اختلفت المرحلة والآن التحدي أكبر، نحن على أرض فلسطين الآن وهي منبع الإبداع، كثير من الشعراء عادوا إلى الوطن، فأنت عندما تضع قدميك على الأرض، فأنت واثق من نفسك وتستطيع أن تقاوم المحتل بجميع الصور التي تتصورها.  * تتفاوت درجات الأداء في الأسلوب الشعري ما بين الاتجاه الإتباعي والاتجاه الإبداعي، فأين موقعك بين هذين الاتجاهين؟ وما هي المحاور الأساسية في شعرك؟  - أنا من أنصار المدافعين بقوة عن الشعر الإبداعي الحديث، أؤمن بأن التاريخ لا يقف صامتاً أو جامداً، والشعر ساحة واسعة من الإبداع والعطاء والتفاعل مع نمو الزمن وتطوره، ينبغي أن لا نقف صامتين أو جامدين أمام هذه الحركة في الحياة، ولابد للشعر أن يتطور ويعكس الوقائع الجديدة في فهم الإنسان لنفسه في معركة الحياة.  * إلى أي حد يبدو الأدب والفكر وممارسته القائمة اليوم في العالم لغة عالمية؟ وما هي التخوم التي تفصل بين ما هو عالمي وما هو عربي أو فلسطيني؟  - الشعر إما أن يكون عالمياً أو لا يكون .... هذا رأيي، ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أنك تكتب قصيدة تجسد خصوصيتك كفلسطيني أو كأي مواطن في أي دولة أخرى، ولكنها تعطي مفهوماً يفهمه ويستوعبه جميع أفراد العالم .... وهذا هو الشعر العالمي لا يعني الشعر العالمي أن تكتب عن أشياء بعيدة عن واقعك، لا .... أنظر إلى الشاعر العظيم ( لوركا ) لقد كتب عن تفاصيل حياة الغجر، وهي تفاصيل حياة صغيرة ومحدودة جداً، ولكن لوركا استحق عن جدارة ( العالمية ) لأن كل إنسان يقرأ الشعر في العالم يفهم ويتفاعل مع لوركا، لأنه يعبر في قصائده من خلال هذه الخصوصية عن مشاعر وألام وأحلام عالمية يفهمها أي إنسان في أي بقعة من العالم، فالعالمية لا تتضارب ولا تتناقض مع الخصوصية إذا كان يلفها الإبداع.  * هل الشاعر يعرف التعصب أو الحزبية؟  - الشاعر الذي يحترم نفسه هو ذو إحساس مرهف ومشاعره راقية، وعموماً الشعر خارج الحزبية وإلا فيعتبر شعر دعائي، يمكن للشاعر أن يكون حزبياً، ولكن الشعر لا يتحزب، إنه يتحزب للقضايا والأفكار والمثل الإنسانية العالمية كلها، يتحزب للمشاكل التي تعترض البشر.  * ما رأيك في الشعراء والأدباء المحليين في فلسطين، وكيف تقيمين قصائد شعرهم؟  - نستطيع القول أن هناك محاولات جيدة. قد تكون سنوات النضال والاحتلال خاصة الفترة الأخيرة، قد حالت دون تفرغ الشاعر للإبداع، لذلك الفرصة الآن أمامه متاحة للإبداع، وأنا أقول أن الشاعر لا يمكن أن يكون شاعراً جيداً إلا إذا قرأ وتيقن، فالشعر ليس بالعملية التلقائية، إنه مهارة وصنعة وحرفة، ولذلك لابد للشعراء أن يقرأوا عن ماهية الشعر، ليعيدوا تشكيل رؤاهم الشعرية وإثرائها.  * هل أخذت قضايا المرأة خاصة ما يتعلق بحقوقها حيزاً من شعرك؟  - لا... لم أكتب بهذه الطريقة، أنا لا أؤمن بالمطالبة بحقوق المرأة، وإنما أؤمن بانتزاع الحقوق، وعلى المرأة أن تناضل ولا تطالب فقط، لذلك لم أكتب شيئاً يطالب بحقوق المرأة مطلقاً، لقد كنت على الدوام أخذ وأنتزع حقوقي بقدرتي وكفاءتي ومهاراتي، فالمرأة التي لا تناضل من أجل حقها تفقد هذا الحق، وحقوق المرأة مهضومة وفي اعتقادي أن المرأة الفلسطينية لم تأخذ حقوقها وعلى المرأة الفلسطينية أن لا تنكمش أو تنكفئ على نفسها.  * إذن هل يمكن أن نرجع قلة وجود الشاعرات الفلسطينيات لانكفاء المرأة وانكماشها؟  - نعم، عموماً عدد الشاعرات إجمالاً في ساحتنا الفلسطينية قليل، وهذا يعكس الواقع، لأن الشعر يريد حرية نفسية، والمرأة في مجتمعنا بشكل عام لا تتمتع بهذه الحرية النفسية، إضافة إلى أن الشعر يريد ثقافة، وقد تشعر النساء الفلسطينيات بخوالج وأحاسيس ولكنهن لا يستطعن التعبير عنها بالشكل المطلوب، فالفرصة في مجتمعنا أمام المرأة مازالت ضئيلة، وأطالب بمزيد من الحريات للمرأة.  * لماذا تغيب عن الساحة الفلسطينية المهرجانات الأدبية؟  - لا بد أن نسعى لإقامة مثل هذه المهرجانات الأدبية في فلسطين، ولكنني لم أعد أؤمن كثيراً في المهرجانات الشعرية، أنا أعتقد أن الشعر الخطابي قد انتهى تماماً، وعلينا أن نعود إلى ذواتنا ونتفحصها من جديد، أنا أفضل أن ألقي قصيدة في جلسة تشتمل على عدد قليل من الناس، وأقرؤها بهدوء وليس على المنصة.  * في تقديرك كيف يمكن استنهاض الحركة الأدبية في فلسطين؟  - نحن الآن في خضم بدايات جديدة، وأنا أعتقد أن هذه الحالة ستفرز واقعاً جديداً يستنهض الكثير من الشعراء، ولكن الموضوع يحتاج إلى بعض الوقت، مسافة من الزمن تتيح للشعراء التفكير.  * في نظرك هل يعتبر الشاعر محمود درويش أمير الشعراء المعاصرين؟  - في نظري لا ... ليس هناك أمراء شعر في الواقع، لا أؤمن بوجود أمراء شعر ولا أهتم بأي شاعر، أنا أهتم بالشعر، قد أرى أن بعض قصائد محمود درويش أو غيره من الشعراء قصائد جيدة وجميلة ورائعة، لذلك فمعياري هو القصيدة وليس الشاعر.

نشر - بتاريخ - 10/1/1996 - مجلة الرأي - عدد 13


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -
    news-releaseswoman