جاسوس في حضرة الرئيس ١

 جاسوس في حضرة الرئيس ١

بقلم : على السكري - مصر

يبدو أن قدرة النصابين في الوصول إلى أعلى المناصب شأن له تاريخ ليس في أقطارنا العربية فحسب بل في كل بلاد أخرى كثيرة،

و من هؤلاء الذين وصلوا لأعلي المراتب  والمناصب صاحب قصتنا اليوم .وُلد  الطفل" علي العطيفي" في ليلة ممطرة من ليالي العام ١٩٢٢ في أحد البيوت القديمة في حواري حي السيدة زينب من عائلة فقيرة، لم يستطع أن يكمل تعليمه لرقة حال أسرته حيث كان يعمل ليساعدها في المعيشة واكتفي بالدراسة حتى المرحلة الإعدادية ثم ترك فصول المدرسة ليبدأ رحلته مع الحياة، عمل في أماكن كثيرة ومهن مختلفة فما بين عامل في مقهى، إلى صبي بقال، ثم  عامل في مخبز، الي عامل في صيدلية؛  وفي كل مرة كان يترك العمل بمشكلة لأنه يرى أنه أعلى شأناً من أن يعمل في مثل تلك الأعمال البسيطة وأنه يستحق أفضل من ذلك.

كان يذهب كل يوم للجلوس على المقهى ليراقب الناس من بعيد وكله غضب وحقد علي المجتمع الذي لا يقدّر قيمته، ينظر لأصحاب السيارات والياقات البيضاء و تعتمل في صدره مشاعر شتي .تعرّف أثناء تواجده المتكرر في المقهي علي أحد الأشخاص وتوطّدت علاقته به وعندما عرف حكايته قدّمه لأحد المدلّكين الخواجات لكي يعمل معه .احتوي الخواجه هذا الشاب النشيط وأخذ يعلّمه المهنة بإخلاص وبعد أن أتقنها بدأ يرسله لبعض العملاء المهمين .تحسنت أموره المادية وصارت الأمور علي مايرام وبدأ يشعر أن الدنيا ابتسمت  له أخيراً وأنه يوما ما سيكون من أصحاب القصور. مع قدوم العام ١٩٥٦ بدأت حياته تأخذ منحى آخر  فبعد أن طرد عبد الناصر اليهود الذي كانوا يسيطرون علي مهنة التدليك في البلاد، بدأ نجمه يسطع بين الطبقات الأرستقراطية وكان يقدم نفسه للآخرين كخبير وأخصائي في العلاج الطبيعي، تزامن  مع ذلك توجه الدولة لإنشاء أقسام للعلاج الطبيعي في معاهد التربية الرياضية وغيرها من المعاهد المتخصصة فبدأت ترسل البعثات الخارجية لدراسته في أوروبا والإتحاد السوفيتي وأمريكا  فكان صاحبنا ممن أرسلتهم الدولة لأمريكا في عام ١٩٦٣ وهناك راودته أحلام الحصول على شهادة الدكتوراه ولكنه لم يكن يعرف كيف وهو الحاصل على شهادة الإعدادية المتوسطة ، .

استقر الرجل في هولندا وحصل على الجنسية وظل الحلم يراوده بأن يكون رجل سلطة في مصر، ولكن كيف السبيل الى ذلك، وأخيرا دلّه شيطانه علي الطريق، انها الخيانة والتعاون مع اسرائيل ولم لا؟ عزم النية وذهب بالفعل إلى سفارتهم في أمستردام وهناك كانت البداية ،لم يكن من الصعب علي رجال الموساد هناك اكتشاف أن من يجلس أمامهم ما هو إلا صيد ثمين.بعد عدة جلسات ومراقبة مستمرة  وأساليب مخابراتيه تمت الموافقة على تجنيده.كان سعيداً وكأن السماء قد فتحت أبوابها له و أخيراً سيتحقق الحُلم ،طلبت منه الموساد السفر لمصر وانتظار اتصال .وفي صبيحة يوم جمعة دق جرس الهاتف و جاءه الصوت رخيما وواضحاً يأمره بسرعة العودة لأمستردام،  وبينما تحلق الطائرة فوق سماء القاهرة ظل يسأل نفسه عشرات الأسئلة ولماذا استدعوه بمثل هذه السرعة، ظل عدة أيام يتجول في الشوارع والمقاهي والمطاعم في إنتظار  تواصلهم معه ، وفي ظهيرة أحد الأيام وبينما يتسكع في أحد الحدائق  توقفت  بجواره سيارة من الطراز القديم حيث طلب منه سائقها الركوب بسرعه، ركب في المقعد الخلفي ولم ينبت السائق ببنت شفة طوال الطريق  بينما السيارة تأخذ طريقها مسرعة عبر حي الجنس والمخدرات Warme straat حيث عبرته مسرعة رغم زحمته المعهودة، وعلى بعد أمتار من مركز شرطة الحي وأمام إحدي البنايات القديمة توقفت السيارة و ساد الصمت بين الرجلين لم يقطعه سوى لهجة السائق الآمرة : إنزل واتبعني، سار خلفه صامتا والأفكار في رأسه كأنها كرة بينج بونج ، ردهات صامته، رائحة غامضة تنتشر في المكان حتي وصل إلي أحد المكاتب فأشار له بالجلوس  ثم تركه واختفي، ظل " علي " جالسا يتطلع في سقف الغرفة وجدرانها وليس هناك اي شئ يدل على هوية المكان وبهدوء انفتح باب المكتب دون أن يحدث صوتاً  ليجد أمامه شاباً قصير القامه له عينان واسعتان وأنف صغير وعلي شفتيه ابتسامة كبيرة مرحبة، تقدم نحوه بخطوات سريعه ثم قدم نفسه له بإسم "ايلي برجمان"

 وُلد "برجمان" بمصر وعاش بها حتى سن الشباب ولذلك يتقن اللهجة المصرية كأهلها . بعد حوار قصير أخبره "برجمان" بأنه ضابط المخابرات المكلف به وانه سيخضع لدورات تدريبية مكثفة بعدها سيتم الاتفاق على الجوانب المادية مقابل كل مهمة.

كان برنامج التدريب يركز على تأهيله ليكون نواة لشبكة تجسس تخترق الوسط الطبي والأكاديمي في مصر ،وتم  بالفعل تدريبه على وسائل وأجهزة التجسس في ذلك الحين والتي كانت تُغد وقتها أساليب متقدمة حتى أصبح مؤهلا تماما فنيا ونفسياً  للقيام بالمهمة. وجد " برجمان" في الرجل فرصة ذهبية تستحق الاقتناص  ولذلك حقق له حلم حياته بالحصول على شهادة الدكتوراه في العلاج الطبيعي من إحدى الجامعات الكبرى في العالم ،لم يكن ذلك من أجل عيونه بل من أجل وضعه في المكانه التي يمكن أن تفيدهم أكثر، ليس هذا فحسب بل اقترح "برجمان" علي رئيس الموساد الإسرائيلي بمساعدة الرجل علميا في اسرائيل بدعوته لحضور المؤتمرات الدولية العلمية في مجال التخصص، إضافة إلى القيام  بتمويل حملة دعائية عنه في مصر وخارجها حتى يتم التردد عليه من الشخصيات المهمة في الدولة ذات المراكز العالية حتي يصير قريبا من المطبخ السياسي لصنع القرار في مصر.تم الموافقة على اقتراح "برجمان" وبدأت الخطة، ليس هذا فحسب بل انهم زوجوه من فاتنة هولنديه يقال أنها كانت يهودية الجنسيه ولها صلة بالموساد ،قاموا بتدريبه في أرقى وأفخم المستشفيات المتخصصة في العلاج الطبيعي حتى أصبح فعلا خبيراً بأعمال التدليك لتتوالى  عليه الدعوات كالمطر من جامعات عدة ليقوم بالمحاضرة في مجال تخصّصه ،كتبت عنه الصحف المصرية والأجنبية  وكانت تسعي بكل قوة لإجراء حوار معه وكان ذلك كله نتيجة الفيلم المدوي الذي ألفه وأعده وأخرجه " برجمان " حتى يستطيع الوصول به لمطبخ القرار السياسي وفي تلك الأيام تم افتتاح أول معهد للعلاج الطبيعي لتكون الخطوة الفعلية الأولى في حياة صبي البقال ليتم إختياره  ليكون العميد الأول لهذا المعهد.


يتبع


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -
    news-releaseswoman