الثقافة التربوية و الثقافة الإعلامية تكامل أم تناقض؟

 الثقافة التربوية و الثقافة الإعلامية تكامل أم تناقض؟

الثقافة التربوية و الثقافة الإعلامية تكامل أم تناقض؟   د. سعيد عبدالله حارب    الثقافة هي المعبر الحقيقي عما وصلت إليه البشرية من تقدم فكري ، فمن خلالها يتم رسم المفاهيم و التصورات كما يتم رسم القيم و السلوك .  و قد ارتبطت الثقافة بالوجود الإنساني ارتباطاً متلازماً تطور مع الحياة الإنسانية وفقاً لما يقدمه الإنسان من إبداع و إنتاج في شتى المجالات ،فالثقافة هي "المنظومة المعقدة و المتشابكة التي تتضمن اللغات و المعتقدات و المعارف و الفنون و التعليمات و القوانين و الدساتير و المعايير الخلقية و القيم و الأعراف و العادات و التقاليد الاجتماعية و المهارات التي يمتلكها أفراد مجتمع معين" (1) .  و قد وعي الإنسان أهمية الثقافة في تكوين ذلك الوعي فأسس وجودها عبر السنين من خلال التراكم النوعي و الكمي للفعل الثقافي و الإنساني ، فما تركته الثقافات القديمة  كالمصرية و الفارسية و الإغريقية يُعدّ صورة واضحة لذلك الفعل الثقافي عبر مراحله وعصوره ، و جاءت الأديان السماوية و التي خُتمت برسالة المصطفى صلى الله عليه و سلم لتعطي هذه الثقافة بُعدها الروحي و تعيدها إلى مكنونها الأخلاقي و تنقيها مما لحق بها من الشوائب التي انحرفت بالثقافة عن رسالتها الإنسانية ، مصداق ذلك قول المصطفى صلى الله عليه و سلم : "إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق" (2) .  و ما زالت الثقافة هي المحرك الأساس للفعل الإنساني ، فمقياس تحضر الأمم و رقيّها مرتبط بتقدمها الثقافي بكل دلالات اللفظ و محتوياته ، و هذا ما تشهد به المدنية المعاصرة فالأمم المتقدمة في عالمنا هي التي استطاعت أن تأخذ بتلابيب الثقافة في كافة جوانبها الإنسانية و العلمية و أن تحول وعيها الثقافي إلى فعل عام تتقدم به على غيرها ، على الرغم من الخلل الذي يلف بعض جوانب ثقافتها .  فالسيطرة العالمية المعاصرة على واقع الشعوب ليست سيطرة عسكرية أو اقتصادية فقط بل هي نسيج من السيطرة الثقافية سواء كان ذلك في حياتها الاجتماعية أم الاقتصادية أم السياسية أم التربوية ، إذ أصبحت "نمطية" الحياة لدى بعض الشعوب صورة متكررة لشعوب أخرى في فعلها الثقافي على الرغم من أنها لم تخضع لاحتلالها العسكري أو لهيمنتها الاقتصادية ، و ما ذلك إلا لغلبة ثقافتها و انتشارها مستغلة التقدم العلمي و التقني المعاصر و الذي يسّر لها سرعة الوصول إلى أطراف الدنيا في مشهد " خلدوني " يتبع في المغلوب شأن غالبه !!.  إن ذلك يشير إلى أن المجتمعات إنما هي صور ثقافية كما عبر عنها "توماس اليوت" في تعريفه للثقافة ، أو أنها تحتفظ ـ أي الثقافة ـ ببعدها الاجتماعي كما يرى ذلك "تيري إيجلتون" في كتاب : "فكرة الثقافة" .  و لقد اختلفت تعريفات المفكرين و الفلاسفة حول مفهوم الثقافة بصفة عامة ، فقد عرّفها (ثومبسون Thompson ـ2001) بأنها مميزات أو خصائص جماعة تتضمن القيم و المعتقدات و معايير السلوك التي تختلف في عضوية جماعة أخرى و تساعد على تمييز هذه الجماعة عن جماعة أخرى ، أما ( أمرود Omrod) فيعرّفها بأنها "نظم السلوك و المعتقدات التي تميّز جماعة اجتماعية" و يرى ( آرندس 2004 Arends) أنها "تصف الطريقة الكلية لحياة جماعة بتاريخها و اتجاهاتها و قيمها ، و الثقافة تُتَعلّم ، و ليست ثابتة ، و تتغير بشكل مستمر ، و الثقافات لا تمثل الجماعات ، و إنما هي ما أوجدت من قبل الجماعات"(3) .  و لقد كان عالم الاجتماع "روبرت بيرستد" أكثر وضوحاً حين عرّف الثقافة بأنها "هي كل ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله أو نتملكه كأعضاء في مجتمع".  و تتكرر رؤية الثقافة ببعدها المجتمعي عند عدد كبير من علماء الاجتماع والتربية أمثال "لويس دوللو" و "كارل مانهايم" و "رايموند وليامز" صاحب كتاب "الثقافة و المجتمع ـ 1956" و "ماثيو أرنولد" صاحب كتاب "الثقافة و الفوضى" و "ف.ر.ليفيس" صاحب كتاب "الثقافة و البنية ـ 1933" و "دينيس تومبسون" و غيرهم من علماء الاجتماع و الباحثين  و لعل علماءنا العرب و المسلمين سبقوا في دراسة ارتباط الثقافة بالمجتمع منذ عصور مضت يقف في مقدمة ركبهم مؤسس علم الاجتماع العلامة ابن خلدون مروراً بعدد كبير من علماء الاجتماع و لعل أبرزهم في السنوات الأخيرة المفكر الجزائري مالك بن نبي و عالم الاجتماع علي الوردي وغيرهم .  إن ارتباط الثقافة بالمجتمع ارتباط متلازم ، إذ لا يمكن أن نفهم مجتمعاً إلا بفهم ثقافته ، كما لا يمكن أن نفهم ثقافة أي مجتمع إلا بفهم المجتمع ذاته ، سوء كان ذلك في جوانبه الثابتة كالأديان و القيم الأخلاقية ، أم في جوانبه المتطورة و المتغيرة كالإبداع و الفن و الأدب و الإنتاج العلمي و غيرها من الأفعال الثقافية  المتطورة و التي هي أسرع تغيّراً و مواكبةً للمرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع .  و قد تأكد الدور الاجتماعي للثقافة من خلال : التأثير القيمي و الأخلاقي و السلوكي للثقافة في حياة الفرد في التصرفات و السلوك إذ يعبر عن ثقافة الفرد و رؤيته لذاته و للأشياء من حوله و بمقدار الوعي الثقافي لدى الفرد يزداد دوره في الحياة و تزداد رسالته الإنسانية نحو مجتمعه و الآخرين . للثقافة دور كبير في التواصل الإنساني على مر التاريخ ، فقد استطاع الإنسان أن يبتكر و يطور آليات ثقافية متجددة و نامية حقق من خلالها معرفة واسعة بالحياة و تعزز هذا الدور من خلال الوسائل الحديثة التي توّجت بثورة الاتصالات و المعلومات ، التي جعلت التواصل الإنساني أكثر قدرة على اختراق الحواجز و الجسور بين البشر مما زاد معرفتهم بانفسهم و بغيرهم . تزايد الإدراك لدور الثقافة في تغيير اتجاهات الرأي العام المحلي و العالمي ، من خلال التأثير غير المباشر للفعل الثقافي في حياة الشعوب ، و لقد تعزز دور الثقافة على المستوى العالمي في العقود الأخيرة من خلال إنشاء عدد من المنظمات و المؤسسات الثقافية العالمية و الإقليمية و لعل المنظمة الدولية للتربية و العلوم و الثقافة (اليونسكو) تأتي في مقدمتها ، و على المستوى الإقليمي تبرز المنظمة العربية والمنظمة الإسلامية للتربية و الثقافة و العلوم و غيرها من المؤسسات التي تشكل أدوات و آليات للفعل الثقافي الدولي و الإقليمي . و إذا كانت الثقافة تتبوأ هذه المكانة في حياة الأمم والشعوب والمجتمعات والأفراد ، فإن التربية و الإعلام هما البوابتان اللتان تلج الثقافة من خلالهما إلى الفرد في أي مجتمع ، فالتربية وثيقة الصلة بالثقافة و يؤثر كل منهما بالآخر و يتأثر به ، فالتربية هي الميدان الذي يتم من خلاله صياغة الشخصية الإنسانية بكل مقوماتها العقدية و الأخلاقية و السلوكية ، و هي المعايير الأساسية في بناء ثقافة الفرد من خلال ما تقدمه التربية من مناهج و نماذج و خطط و برامج و معايير تقويم و قياس ، و من خلال التفاعل الذي تشكله البيئة التربوية التي تكوّن الرؤى و التصورات و القيم لدى الفرد ، وتصوغ  سلوكه و أخلاقه و معاملته و علاقته بالآخرين ، و بمقدار ما تصوغ التربية شخصية الفرد تأتي مخرجات هذه العملية إيجابية أو سلبية .  و لا يقل ارتباط الثقافة بالإعلام عن ذلك ، فهو الناقل للثقافة و المعبر عنها بصورها المتعددة ، بل إن الفعل الإعلامي يحمل بداخله مضموناً ثقافياً أيّاً كان هذا المضمون ، و هذا يبيّن أهمية و دور الإعلام في تغيير كثير من التصورات و المفاهيم لدى الأفراد و الشعوب ، و قد ساعد على ذلك سرعة و تطور انتشار وسائل الإعلام المختلفة ، فالفضاء يعج بمئات المحطات التلفزيونية و الإذاعية ، و تمتلئ المكتبات بآلاف الصحف و المجلات التي تصدر كل يوم ، و قد أضاف الإعلام التكنولوجي بُعداً جديداً لذلك بحيث أصبحت الموارد الإعلامية شلالا يتدفق بكل محتوياته الإيجابية و السلبية ، التي لا يمكن وقفها إلا من خلال التكامل بين التربية و الإعلام بما يشكلانه من ثقافة مشتركة لدى الفرد ، و إذا كان التناقض هو السائد على الجانب الأعم من العلاقة فإن التكامل بينهما ليس بالأمر المستحيل أو الصعب .  إن التربية و الإعلام يشكلان المنطلقين الأساسيين لتكوين الثقافة لدى الفرد . فالثقافة التربوية هي : "المضامين الثقافية التي يتلقاها الفرد و الجماعة من المصادر التربوية و تشكل معتقداتهم و تصوراتهم و مفاهيمهم و قيمهم التي تؤثر في تكوين سلوكهم و عاداتهم و تقاليدهم و أنماط حياتهم ".  أما الثقافة الإعلامية فهي : " المضامين الثقافية التي يتلقاها الفرد و الجماعة من المصادر الإعلامية و تشكل معتقداتهم و تصوراتهم و مفاهيمهم و قيمهم التي تؤثر في تكوين سلوكهم و عاداتهم و تقاليدهم و أنماط حياتهم " .  و يلاحظ أن كلا الثقافتين ذات مصادر محددة ، و كلاهما مكوّن للمعتقدات و التصورات و المفاهيم و القيم ، و كلاهما مؤثر في تكوين السلوك و التقاليد و أنماط الحياة ، إلا أنهما يختلفان في مصادرهما سواء كان هذا الاختلاف في طبيعة المصدر أم في المضمون الثقافي الذي يحمله .     أولا : مصادر الثقافة التربوية : إذا كانت المؤسسات التربوية تهئ لطلابها و طالباتها الخطط و البرامج التعليمية و التدريبية لما لهذه الخطط و البرامج من أهمية في تحصيل الطلاب و الطالبات للمواد العلمية التي جاءوا لدراستها ، فإن هناك جانباً آخر لا يقل أهمية عن ذلك ، ألا و هي مصادر الثقافة التربوية لدى هؤلاء الطلاب و الطالبات ، إذ أن ما يقدم داخل قاعات الدرس و المختبرات و المعامل لا يمثل إلا جزءاً من عملية التربية التي يجب أن يتلقاها الطلاب و الطالبات ، و لعل أبرز مما تعنى به المؤسسات التربوية هو رفع المستوى الثقافي لطلابها و طالباتها من خلال توفير فرص التثقيف و إيجاد رؤية تثقيفية  نقدية لديهم حتى يستطيعوا أن يتعاملوا مع المؤثرات الثقافية في المجتمع ، و ذلك من أصعب المهمات أمامها إذ أن تشكيل الرؤى الثقافية يتم قبل من خلال مؤثرات كثيرة ، و تأتي هذه الرؤى ـ في بعض الأحيان ـ محملة بكثير من المعوقات التي تحد من دور المؤسسة التربوية في تكوين التصورات والأفكار الثقافية لطلابها و طالباتها ، إذ يأتي هؤلاء و قد تأثروا بمؤثرات كثيرة لعل من أبرزها الأسرة و المدرسة و الأصدقاء و غيرهم .  ولذلك فإن من أهم مصادر الثقافة التربوية ما يلي:  الأسرة : إن الاهتمام بالأسرة يعني الاهتمام بكل مجتمع ، فإذا أنشئت هذه الأسرة على أسس و قواعد ثابتة راسخة  من القيم و الفضائل فإنها بذلك تبني المجتمعات بلبنات قوية متماسكة لا تؤثر فيها عواصف الزمن و لا متغيرات الأحداث . أما إذا أهملت الأسرة دورها في التربية و التقويم فإن أفراداً في المجتمع يتخرجون من هذه الأسرة لا يمكن أن يساهموا في بنائها بل يكونون عوامل هدم و تخريب و لا يمكن أن تنشأ المجتمعات بمثل هذه العناصر الهزيلة .  و قد اهتمت الشعوب و الأمم بتكوين الأسرة على قواعد ثابتة حتى تستطيع أن تربي أجيالاً قوية ، ولعل أهم أدوار الأسرة في تكوين الثقافة التربوية يبرز في الاهتمام بالجانب الأخلاقي و السلوكي و في تعليم الأبناء الفضائل و المبادئ الخلقية الرفيعة و إرشادهم إلى السلوك المستقيم ، و هي من أهم الواجبات التي يمكن أن تقوم بها الأسرة فهي التي تستطيع أن تترجم المعاني الخلقية إلى أفعال و سلوك بممارستها لهذه الأفعال أمام الأبناء فيكتسبون منها ذلك و لا يمكن لأي مؤسسة أو فئة أو محضن تربوي أن يقوم بدور الأسرة ، و إذا حدث ذلك فإنما هو خلل في الأدوار لا بد من معالجته . و لعل أبرز جوانب التربية الخلقية هو القدوة من خلال الوالدين ، حيث أنهما يعتبران النموذج و القدوة أمام الأبناء .  و قد حث الإسلام على الاهتمام بالجانب الخلقي فجعل النموذج الأمثل للقدوة هو محمد صلى الله عليه و سلم ، حيث وصفه القرآن الكريم بقوله : " و إنك لعلى خلق عظيم " و قال عن نفسه : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " (4) .  و قد حث الإسلام الآباء على الاهتمام بالجانب الخلقي عند أبنائهم ، فقد قال صلى الله عليه و سلم : "ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن " (5) .  بل جعل الإسلام من التنشئة على حسن الخلق وجباً للأبناء على الآباء فقال عليه الصلاة و السلام : "من حق الولد على الوالد أن يحسن أدبه و يحسن اسمه"  (6) .  "و من المسلم به أن التربية الخلقية هي روح التربية الإسلامية ، و أن الوصول إلى الخلق الكامل هو الغرض الحقيقي من التربية ... فالغرض الأول و الرسمي من التربية تهذيب الخلق و تربية الروح ، و كل درس يجب أن يكون درس أخلاق ، و كل معلم يجب أن يتصف بالأخلاق المحمودة التي يكون بها المعلم مثاليا في تديّنه و سمته ، و الخلق النبيل عماد التربية في الإسلام"(7) .  فالقدوة الحسنة في التربية ، هي من أنجح الوسائل المؤثرة في سلوك الأبناء ، سواء كان ذلك في الجانب الخلقي أو الجانب العملي ، و لقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى : "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيراً" (8).   و قال تعالى إشارة إلى ضرورة القدوة حثاً للمسلم بالاتصال بالصالحين : "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" (9) .   كما يبرز دور الأسرة في الاهتمام بالسلوك الاجتماعي حيث يعيش الأبناء في مجموعة بشرية معينة و عليهم أن يتعرفوا على هذه البيئة حتى يستطيعوا أن يعيشوا معها و يتجاوبوا مع ما تطلبه منهم و يستطيعوا أن يأخذوا منها ما يحتاجون إليه ، و لذلك لا بد للأبناء من سلوك اجتماعي يتعاملون به مع الآخرين ، و هذا السلوك إنما يأتي بصورة رئيسية من الأسرة التي تدربهم و تعلمهم على ذلك .  و تأتي تنمية الجانب الثقافي كدور آخر للأسرة ، فهو جانب مهم في حياة الإنسان الذي يراد له أن يكون إنساناً سوياً ، و بالتالي لا بد له من ثقافة و معرفة يتلقاها في صغره حتى يكبر عليها و ينشأ محباً لها عاملاً بها .  فمن خلال الأسرة تتكون القيم و المفاهيم الثقافية الأولى للفرد و يستمد منها معرفته الثقافية بدءاً من معاني المفردات و الكلمات إلى الحكم على الأشياء بالصواب و الخطأ .  وقديما قال أبوالعلاء المعري :  و ينشأ ناشئ الفتيان منا              على ما كان عوّده أبوه(10).  و لعل أهم الأدوار الثقافية للأسرة مراقبة ما يقدَّم للأبناء من خلال وسائل الإعلام ، فالأسرة لا تستطيع أن تمنع ما يقدَّم في هذه الأجهزة إلا أنها تستطيع أن تراقب ما يقدَّم لأبنائها من برامج إعلامية ، لأن في بعض هذه البرامج ثقافة و فكراً لا تتفق مع ما تهدف إليه الأسرة من التربية السليمة لأبنائها.  و الأسرة  ـ كذلك ـ مرجع لثقافة الطلاب و الطالبات ، فما زال كثير منهم يلجأ إلى أسرته للتعرف على ما يحتاجه من ثقافة معينة أو معلومة جديدة خاصة إذا كانت هذه الأسرة تعنى بالثقافة .  إلا أن دور الأسرة بدأ يتراجع لصالح مؤثرات أخرى كوسائل الإعلام و المؤسسات المجتمعية ، فبسبب التحول الاجتماعي الذي طرأ على أطوار كثير من مكونات المجتمع و وحداته فقد أصبحت الأسرة مشدودة إلى مؤثرات كثيرة ، مثل طول ساعات العمل للوالدين أو أحدهما و الاهتمام بقضايا حياتية كتوفير مصادر الدخل و العلاقات الاجتماعية ، و اقتصار حجم الأسرة على الأسرة النووية بما لها من دور محدود ، و تراجع الدور الواسع و المؤثر للأسرة الممتدة ، و دخول عوامل مؤثرة جديدة داخل الأسرة و هي جهاز التلفزيون أو الكمبيوتر ، كل ذلك أثر على هذا الدور فأصبحت ساعات التواصل بين الأسرة محدودة أو قليلة ، و أصبح الأبناء يبحثون عن إجابة لتساؤلاتهم في أجهزة الإعلام كالإذاعة و التلفزيون و شبكة الاتصالات و شبكة المعلومات وغيرها من مصادر المعرفة  ،   وقد أدى ذلك كله إلى إضعاف دور الأسرة في تكوين الثقافة التربوية للأبناء .  2.	: المعلم :  يعتبر المعلم محور العملية التعليمية إذ أن جميع العوامل الأخرى كالمنهج والكتاب والوسائل المساندة لا تستطيع التأثير أو تطوير مسيرة التعليم دون أن تمر من خلال المعلم ، فهو يقوم بصياغة تفكير الإنسان وتربيته وتطوير مهاراته  فالمعلم هو القائد والمحرك للعملية التعليمية .   ومن هنا تأتي أهمية الاهتمام به بما يتناسب مع دوره الملقى عليه وهو النيابة عن الأنبياء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "العلماء ورثة الأنبياء " إن أثار المعلم واضحة على التعليم والمجتمع .  إن مهنة التعليم هي المهنة الأم كما يعبر عنها (Chandler) شاندلر فهي The Mother Profession  ، كما أنها المصدر الأساسي لبقية المهن(11).   وهي كما يقول "فردريك ماير “Fredrich Mayer" المهنة التي من خلالها يحاول المعلمون أن يجددوا وأن يبتكروا وأن ينيروا عقول طلابهم وأن يوضحوا الغامض ويكشفوا الستار عن الخفي ، كما أنهم يحاولون أن يربطوا بين الماضي والحاضر ، وبين الطيب والرديء وكل ذلك بهدف أن يبينوا لطلابهم الطريق السوي والمعلمون بعملهم هذا إنما يخلقون في نفوس الأجيال الناشئة الأمل واليقين ويبينون لهم الغث من السمين  إنهم باختصار يتركون آثاراً عميقة وتغييرات لا تنمحي من حياة المجتمعات التي يعملون بها ، كم أنهم من جانب أخر يسهمون بلا حدود في رفاهية مجتمعاتهم وفي ربط أبناء أمتهم بعضهم إلى بعض من خلال توحيد أفكارهم ، وبالتالي مشاعرهم  إنهم في حقيقة الأمر يعتبرون أن عملهم في مهنة التدريس هو خير ما يمكن أن يقدموا لمجتمعاتهم ، وليس هذا فحسب ، بل إنهم بعملهم هذا إنما يسهمون في تشكيل مستقبل تلك المجتمعات بتشكيلهم لشخصيات الشباب منذ نعومة أظافرهم ، هؤلاء الشباب الذين يحملون عبء المسؤولية في مستقبل أوطانهم وشعوبهم.  إن الاتجاه العالمي في التربية الحديثة يذهب إلى إعطاء المعلم أدواراً أكثر من مجرد الأداء للمادة العلمية إذ يتطلب منه أن يقوم بأدوار شتى كتعليم الطالب طريقة التعليم وليس التعليم وحده ، كما يطلب منه أن يتابع المستجدات الحديثة في ميدانه ويطور إمكانياته ومهاراته المهنية والتركيز على البحوث العلمية الميدانية وعدم الاكتفاء بالتلقين النظري خاصة مع تسارع المستجدات العلمية الحديثة وتطور وسائل التقانة مما يفترض معه قدره المعلم على التعامل مع هذه التقانة ، أو تنمية مهاراته كما عرفها "هندرسون Handerson " بأنها أي شئ يحدث للمعلم من أول يوم يلتحق فيه بالمهنة إلى اليوم الذي يتقاعد فيه عنها ، بحيث تسهم هذه الأشياء وبصورة مباشرة أو غير مباشرة في الطريقة التي يؤدي بها واجباته المهنية "(12).  لقد خرج المعلم بدوره إلى ميدان أوسع من ميدان التعليم إلى ميدان التربية ، وبهذا يعود المفهوم الشمولي الذي دعى إليه الإسلام في قيام المعلم بهذا الدور إذ لم يفصل بين الفكرتين بل دعى إليهما باعتبارها وجهان لعملة واحدة ، بل تكاد التربية تسبق التعليم ، يقول تعالي "كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" ولذا شاع القول المشهور "لولوا المربي ما عرفت ربي" واستمع إلى الإمام الغزالي وهو يصف المعلم ودوره فيقول " فمن علم وعمل بما علم فهو الذي يدعى عظيماً في ملكوت المساء ، سيصبح كالشمس التي تضئ لغيرها وهي مضيئة في نفسها ، والمسك الذي يطيب عبيره وهو طيب ومن اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمراً عظيماً وخطراً جسيماً وليحفظ آدابه ووظائفه "(13) .  وهذا عمر بن عقبه يقول لمعلم ولده " ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك فإن عيونهم معقودة بك ، فالحسن عندهم ما صنعت ، والقبيح عندهم ما تركت علمهم كتاب الله ، ولا تملهم فيه فيتركوه ، ولا تتركهم منه فيهجروه ، روّهم من الحديث أشرفه ومن الشعر أعفه ، ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه ، فإن ازدحام الكلام في القلب شغلة للفهم ، وعلمهم سنن الحكماء ، وأخلاق الأدباء ، وكن لهم كالطبيب الذي يعالج بالدواء حتى يعرف الداء" (14).  ولذا فالمعلم الذي يؤمل أن يقوم بهذا الدور هو المعلم المطبوع وليس المعلم المصنوع وفق ما يعرف هانت ولورنس Hunt and Lawrence أي المعلم الذي طُبع على عملية التربية والتعليم فأصبح ذلك جزء من حياته وطبعه وليس ذلك المعلم الذي "يصنع صناعة" ليصبح معلماً حيث أن هذا الدور ليس دوراً تكفي فيه الدربة والصناعة بل لا بد من مميزات وسمات ذاتية ترقى بالإنسان إلى أن يكون في منزلة المعلم ، لذلك فإن أمثال هؤلاء المعلمين هم الذين يتركون أثراً واضحاً على العملية التعليمية ، كما يقول "جون لاسكا John A. Laska في كتابه “Schooling and Education"  (التمدرس والتربية) حيث يذكر "أن المناهج تكاد تكون واحدة في معظم مدارس البلد الواحد ، وكذا الكتب التي تعالج تلك المناهج بالإضافة إلى أن المباني المدرسية تكاد تتشابه ، إن لم تتطابق ، ولكن المخرج أو الناتج من هذه المدارس متمثلاً في الخريجين من الطلاب ، وما حصلوا من علوم ومعارف ومهارات ، وما اكتسبوا من صفات جديدة أضيفت إلى شخصياتهم التي دخلوا بها المدارس من قبل ، هذا الناتج يختلف من مدرسة إلى أخرى ، ويستنتج الرجل أن العنصر الفعال والفارق المميز في الحالتين هو بلا شك ، المعلم والدور الذي يقوم به ، ذلك أنه يترك بصماته الواضحة على العملية التربوية بشكل لا يقبل الجدل(15) .     لكن هذه الصورة المثالية ليست منطبقة في بعض الأحيان على المؤسسات التعليمية العربية في كثير من البلدان .    إذ مازالت العلاقة بين الأستاذ والطالب في عالمنا العربي تعتريها حالات من التردد ، فصورة الأستاذ أو المعلم في ذهن الطالب هو ذلك الإنسان المتعالي المتشدد في معاملته قليل الابتسامة، يستخدم مصطلحات وكلمات لا يستوعب الطلاب كثيراً منها، ويقيم حاجزاً نفسياً بينه وبينهم، لا علاقة لهم به خارج قاعة الدرس .. إلى غير ذلك من الصور السلبية التي يرسمها الطلاب عن أساتذتهم ومازالت مخيلة الذين درسوا في المؤسسات التعليمية العربية تحتفظ بنماذج من هؤلاء الأساتذة على الرغم من الإقرار لهم بالفضل والعلم!! وإذا كانت هذه الرؤية لدى الطلاب فإن رؤية الأساتذة لطلابهم لا تقل (سوداوية) عنه إذ هم يرون في طلابهم مجموعة من الأشخاص الذين لا يسعى معظمهم للعلم وتحصيله بل للحصول على الشهادة العلمية بقليل من الجهد وأن هذا الجيل ليس كالأجيال السابقة في جدّه واجتهاده، وقليلاً ما يتميز بعض الأساتذة بعلاقات جيدة مع طلبتهم، ويساعد على ذلك أن قوانين وأنظمة المؤسسات التعليمية لا تنظم مثل هذه العلاقة من خلال قاعات الدرس أو ما شابهها، كما أن إعداد الأساتذة والمعلمين ـ في الغالب ـ لا يتضمن طرائق التعامل مع الطلبة وإنما تجعل ذلك وفقاً للأنظمة واللوائح ووفقاً لاجتهادات الأستاذ أثناء أدائه للخدمة. ومن هنا نشأت حالة من الانفصام بين الأستاذ أو المعلم من جهة وبين طلبته من جهة أخرى وتراجع دور المربي والقدوة إلى دور آلي خال من الروح الإنسانية، ويكون الضحية في ذلك هو الطالب والطالبة الذي جاء إلى المؤسسة التعليمية مثقلاً بكثير من الأسئلة التي يحتاج إلى إجابة لها كما جاء بقيم وأفكار ومعتقدات ومفاهيم تحتاج من الأستاذ والمعلم إلى تصويبها أو تأكيدها خاصة وأنه يعيش في نظام تعليمي يفتقد في كثير من جوانبه إلى حرية التعامل والحوار، كما يفتقد إلى أسس التعلم الذاتي الصحيح ، والتي هي أهم ركائز التعليم .  إن دور الأستاذ أو المعلم في علاقته مع الطالب قد تجاوز الأطر التقليدية التي كانت سائدة في المؤسسات العربية وبدا واضحاً أهمية تطوير هذه العلاقة من خلال وضع أسس جديدة تتلاءم وروح المتغيرات المعاصرة التي تقوم على تعدد مصادر المعرفة العلمية للطالب، فلم يعد الأستاذ يشكل المصدر الأساسي للتعليم و التثقف ، كما كان عليه الحال قبل عقود مضت بل أصبح دور الأستاذ أو المعلم هو مساعدة الطالب للوصول إلى مصادر المعرفة من خلال تنمية الرغبة في التعليم والبحث ورفع دافعيته لذلك، بعيداً عن ارتباط التعليم بتحقيق الغايات المحدودة للطالب –خاصة في مجتمعات الخليج العربي- إذ أن دافعية الطالب المحدودة للتعليم قد تراجعت –بصفة عامة- بسبب تغيير النظم الاجتماعية والاقتصادية إذ شكلت الوفرة المادية حاجزاً دون تنمية الرغبة في التعليم ولذا نجد بعض الطلاب يأتي للمؤسسة التعليمية من أجل الحصول على الشهادة العلمية كمكانة اجتماعية دون أن يكون العلم هدف لذاته، كما أن فئة أخرى جاءت من أجل الحصول على الشهادة العلمية كمدخل للعمل الوظيفي، ومع أهمية الهدفين السابقين إلا أن ذلك يحد من رغبة الإنسان ـ طالباً كان أم غيره ـ في الحصول على العلم والمعرفة لذاتهما، وهنا يأتي دور الأستاذ أو المعلم في معالجة هذه الظاهرة –لا إلغائها- وتغيير رؤية الطلاب للشهادة العلمية وتنمية دافعيتهم للتعلم حتى تبقى هذه الروح مستمرة معهم بعد تخرجهم .  3.	: المكتبات التعليمية : ما زالت المكتبات بصفة عامة و المكتبات في المؤسسات التعليمية بصفة خاصة مصدراً أساسياً من مصادر الثقافة التربوية للطلاب و الطالبات ، فهي مصدر علمي يسند المقررات الدراسية و التدريبية حيث يجد فيه الطلاب و الطالبات مبتغاهم من المصادر و المراجع التي يحتاجونها لدعم دراستهم التخصصية أو أبحاثهم العلمية ، و تسعى المؤسسات التعليمية إلى أن تكون مكتباتها ملبية لاحتياج الباحثين فيها سواء كانوا أساتذة أم طلاباً ، و لذا فإنها تقوم بتطوير مكتباتها و رفدها بالدراسات و الأبحاث و الكتب الجديدة ، و قد يسرت وسائل التكنولوجيا سبل الاستفادة العلمية من المكتبات خاصة مع توفر الكتاب الإلكتروني أو المكتبة الإلكترونية التي لا تحتاج إلى انتقال مكاني أو ساعة زمنية محددة للاستفادة منها .  و إذا كانت المكتبة مصدراً علمياً أساسياً للطلاب و الطالبات فإنها مصدر ثقافي لهم كذلك إذ أنها تخرج من كونها مصدراً مسانداً للعملية التعليمية لتصبح مصدراً للثقافة من خلال ما تحتويه من كتب و مراجع و مصادر مختلفة إلى جانب احتوائها على المجلات العلمية و الصحف و البرامج السمعية و البصرية ، فهي بذلك جزء من دعم النشاط الثقافي العام و مصدر لثقافة الطلاب و الطالبات .  لكن المتتبع لدور المكتبات في المؤسسات التعليمية يجد أن الاستفادة منها كمصدر للثقافة ما زال محدوداً ، إذ ما زال طلاب و طالبات المؤسسات التعليمية يعتقدون أن دور المكتبة مقصور على توفير المراجع و المصادر العلمية و أن مصادرهم الثقافية لا مكان لها في هذه المكتبة ، و لعل مرجع ذلك إلى (تقليدية) الدور الذي تقوم به بعض المكتبات ، إذ يقتصر دورها على توفير الكتب دون القيام ببرامج و أنشطة تخرج بها من هذا الدور إلى الدور الثقافي العام بحيث تشجع الطلاب و الطالبات على الاستفادة منها و من برامجها ، و ترجع بعض الأسباب إلى الطلاب و الطالبات أنفسهم ، و من ذلك :  أ . عدم إدراك الطلاب و الطالبات للثقافة كمكوّن أساسي لحياتهم الشخصية ، إذ لا يتوقف دور الطالب أو الطالبة بعد تخرجه على المادة العلمية التي درسها ، بل يمارس دوراً واسعاً في الحياة يتطلب منه إحاطة شاملة بشؤونها ، و من لم يتسلح بالثقافة العامة و المعرفة إلى جانب التأهيل العلمي و التدريب فلن يستطيع أن يقوم بدوره في الحياة كما ينبغي .  ب . تراجع مكانة القراءة كمدخل للثقافة ، فكثير من الطلاب و الطالبات لا يقرءون إلا المقررات الدراسية أو ما يكلفهم به أساتذتهم من واجبات ، لكن القراءة و المطالعة كرغبة و هواية لم يعد لها ذلك الدور المهم على الرغم من توفر الوسائل المساعدة في ذلك .  إن كثيراً من الطلاب و الطالبات لديه الرغبة في القراءة لكنه لا يعرف كيف يبدأ و ماذا يقرأ و لا يعرف أساليب القراءة و كيفية الاستفادة مما قرأ ، إلى غير ذلك من المعوقات أمامه التي يحتاج معها إلى توجيه وإرشاد يمكنه من الاستفادة من المكتبة .  ج . غياب الاهتمام الثقافي العام و التثقيف الذاتي ، إذ أدى تطور الحياة السريع و تشتت الاهتمام في جوانب كثيرة من الحياة و انصراف الإنسان إلى الاهتمام بحياته و مصادر رزقه و ضياع كثير من الأوقات ، و غياب الاستعداد للعمل الثقافي و تراجع هذا العمل إلى العزوف عن الشأن الثقافي ـ بصفة عامة ـ لصالح مظاهر اجتماعية أخرى ،إن المراقب  لحال طلاب و طالبات لا يجدهم يختلفون كثيراً عن واقع المجتمع الذي يعيشون فيه ، و هم في ذلك غير ملامين ، فهم نتاج مجتمعهم أو بيئتهم ، و قد تأثروا به و تعودوا على ما عودهم عليه ، و من هنا فإن الشكوى من ضعف المستوى الثقافي لكثير من للطلاب و الطالبات ليس إلا تعبيراً عن المستوى الثقافي العام .  ولذا تدني مستوى القراءة ـ وهي المدخل للثقافة بصفة عامة والثقافة التربوية بصفة خاصة ، تدنى ـ بحيث أصبحت نسبة من يقرأ منهم قراءات خارج المنهج الدراسة محدودة ، تشير إحدى الدراسات ( العاني2005 ) إلى أن "عدد الكتب التي قرأها الطالب في العام الأكاديمي (فترة إعداد الدراسة ) 2003/2004 -غير الكتب الدراسية المقررة- ( تتفاوت بين الطلبة ) فنجد أن أعلى نسبة سجلت لفئة (1-2) كتاب بلغت (37.5%) وأن فئة (3-4) كتب بلغت نسبتها (29%) وفئة (5) كتب فأكثر بلغت نسبتها (25.3%)،  فهذه النتائج تشير إلى أن الطالب يقرأ كتباً إضافية ويطالع مطالعات خارجية ولكن لا تزال قليلة جداً في الوقت الذي يتطلب منه أن يقرأ أكثر وخاصة أنه في مرحلة إعداد أكاديمي- تربوي يتطلب منه الاستزادة من طلب المعرفة الموجودة في الكتب والتي لا تتحقق إلا من خلال قراءتها واستيعاب مضامينها بدافع ذاتي، فالقراءة هي مفتاح العلم والمعرفة (16) .  وقد كشفت دراسة أخرى (حوّاس1999) حول المستوى الثقافي للطلاب ، نتائج مقلقة ،إذ أن معظم الطلاب لا يقرؤون الصحف المحلية مطلقاً ، في حين بلغ متوسط ساعات الجلوس أمام التلفاز 6 ساعات يومياً ، وكشفت الأسئلة التي تتعلق بالشخصيات العامة عن جهل الطلبة بأسماء شخصيات لها دور وطني بارز ، فمثلاً عرف الكثيرون المفكر التنويري عبد الرحمن الكواكبي على أنه صحافي مصري ، وسعد زغلول بأنه شاعر سوري والشاعر التشيلي ( بابلوينرودا ) بأنه أديب مغربي وهكذا . ولكن الأمر اختلف عند ما تعلق السؤال بمسألة تلفزيونية أو سينمائية ، إذ تم السؤال عن جنسية الممثلة الأمريكية " شارون ستون" وعن فلم "غريرة أساسية " كأشهر أفلامها إذ كانت أجوبة أكثر الطلاب صحيحة ، وأنحى الطلاب باللائمة على أساتذتهم في ذلك ، وعن مسؤوليتهم في أنهم يلقّنونهم معلومات غير صحيحة تدل على جهلهم بالحقائق التاريخية ، وأعطى أحدهم مثالاً بأستاذه الذي لا يعرف أن سورية استقلت عام 1946م !! وفي مصر تقدم لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري أكثر من ( 2000 ) من خريجي الجامعات للعمل مذيعين ومترجمين ومحررين ، ولم ينجح واحد منهم في الاختبار رغم أن الأسئلة كانت تدور حول المعلومات العامة فإن إجاباتهم حملت العجب العجاب منها أن انجلترا عاصمة بريطانيا ومنابع نهر النيل تبدأ من دلتا مصر والسد العالي أنشئ بعد حرب أكتوبر 1973 ، تركيا دولة عربية ونجيب محفوظ من رواد الواقعية في السينما المصرية!! ، أما في الكويت فالأمر لا يختلف كثيراً حيث أجرت صحفية الرأي العام الكويتية استطلاعاً على مجموعة من الشباب لقياس مستوى ثقافتهم فتبين أن لديهم معلومات جيدة عن الممثلين واللاعبين وعروض الأزياء والموضة ، وبسؤالهم عن كوفي عنان اعتبره59% من العينة حارس مرمى منتخب الكاميرون ، وبعضهم اعتبره منظراً شيوعياً ، بينما لم يتعرف على عمله الحقيقي كأمين عام للأمم المتحدة ( السابق ) سوى 23% ، أما روجيه غار ودي فأجاب 16% من أفراد العينة أنه لاعب في منتخب فرنسا 1998 م ، بينما لم يتعرف عليه سوى 23% من الشباب ، أما الشيخ أحمد ياسين زعيم حماس فقد اعتبرته الأغلبية أنه شقيق الممثل الكوميدي إسماعيل ياسين (17) .     ولا تختلف الصورة ـ كثيرـ في أي أو مؤسسة تعليميةعربية عما ورد في مثل هذه الاستبيانات .    4.	: جماعة الأصدقاء :  يشكل الأصدقاء مصدراً للثقافة التربوية بالنسبة لزملائهم خاصة لأولئك الذين لا يجدون مصدراً للإجابة على تساؤلاتهم التربوية و الثقافية ، فقد أصبح "عالم" الأصدقاء بالنسبة لكثير من الفتيان و الفتيات موئلاً مهماً للإباحة لهم بمشكلاتهم ، و هو مهم ، خاصة و أنهم يجدون فيهم الثقة المناسبة و المقاربة في العمر و القدرة على التجاوب معهم دون تعنيف أو إساءة كما يحدث ـ أحياناً ـ من بعض الوالدين أو المعلمين ، و لذا يلجأ بعضهم إلى أصدقائهم للاستفادة من آرائهم و أفكارهم و حلولهم للمشكلات التي تواجههم ، خاصة أولئك الأصدقاء الذين يملكون قدراً من المعرفة يميزهم عن أقرانهم ، أو يملكون قدرات قيادية يستطيعون من خلالها قيادة زملائهم و أصدقائهم .  إن جماعة الأصدقاء تمارس ـ أحياناً ـ أدواراً تتجاوز دور المدرسة أو الأسرة ، يقول (وارنر) (Warner) و (لنت) (Lunt) : "إن العضو المراهق أو المراهقة في جماعة الأصدقاء ، قد يقف من أسرته موقف التحدي و يعارضها ، في سبيل المحافظة على كرامة رفاقه و احترامهم ، في حالة تعارض ميول الجماعتين" (18) .  و إذا كان الأصدقاء يشكلون مصدراً للثقافة التربوية فإن بعضهم ـ قد ـ يشكل مصدراً للانحراف خاصة تلك المجموعات التي تلتقي على القيام بأعمال منافية للأخلاق أو مخالفة للقانون ، مثل تعاطي المخدرات أو الانحرافات السلوكية أو جرائم السرقة أو حتى مشاجرات الطرق ، و من هنا تأتي أهمية و خطورة الثقافة التربوية التي يتلقاها الطلاب من أصدقائهم ، و لذا نجد التعاليم الإسلامية تحض على حسن اختيار الأصدقاء ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "مثل الجليس الصالح و جليس السوء كمثل حامل المسك و نافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تشتري منه أو تجد منه ريحاً طيبة ، و نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحاً نتنة" (19).   و قال عليه الصلاة و السلام : "المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل" (20).   إن كثيراً من جماعات الأصدقاء تنشئ لها ثقافات خاصة و علاقات مقيدة ، إذ يكون تأثيرها أكبر من المؤثرات الأخرى ، لأن التفاعل داخلها يتم اختيارياً و بإرادة حرة عكس ما عليه التفاعل داخل الأسرة أو المدرسة الذي يكون متصفاً بالإلزام ، كما أن الاندماج داخل جماعة الأصدقاء يتم بحرية و سهولة ، و يستطيع الفرد داخلها أن يعبر عن ذاته و ميوله و انفعالاته بيسر و حرية ، بينما يتم ذلك داخل الأسرة و المدرسة تحت إشرافهما و في كثير من الأحيان بإجازتهما ، إضافة إلى أن جماعة الأصدقاء تشعر الفرد باستقلاليته الشخصية و قدرته على اختيار عناصر المجموعة ، و على الرغم من السلبيات التي قد تعتري جماعة الأصدقاء إلا أنها تسهم في الإثراء الثقافي و المعرفي لأعضائها إذا أحسن الواحد منهم اختيار المجموعة التي ينتمي إليها، أو كانت هناك قيم إيجابية مشتركة بين المجموعة .  و قد ساعدت وسائل الاتصال الحديثة من هواتف نقالة ذات قدرات تكنولوجية عالية و شبكات المعلومات و طرق الاتصال التكنولوجية من تعاظم دور الأصدقاء في التأثير الذي تقوم به مجموعاتهم ، و لعل المنتديات على شبكة الإنترنت تمثل نموذجاً لما يمكن أن تؤثر فيه وسائل الاتصال الحديثة من أدوار لمجموعات الأصدقاء ، ففي دراسة حول اتجاهات الشباب الخليجي نحو وسائل الإعلام ( الحمود و آخرون )أجاب 35% من العينة التي تم استقصاء آرائهم بأنهم يشاركون المنتديات على شبكة الإنترنت بصفة دائمة ، كما أجاب 25% أنهم يتابعون ذلك أحياناً ، أي أن الذين يتابعون هذه المنتديات يبلغ 60% من عدد المشاركين . و المتتبع لهذه المنتديات يجد أنها قد طورت علاقة الأصدقاء من علاقة مباشرة إلى علاقة واسعة ممتدة لا يمكن أن توضع لها حدود و لا يتوقف تأثيرها على مستوى معين أو فئة معينة ، بل يمكن أن تمتد إلى مساحات واسعة من التأثير ، و لا أدل على ذلك من أن 26% ممن تم استقصاء آرائهم في الدراسة السابقة أجابوا بنعم حين تم سؤالهم عن تأثير المنتديات في نشر ثقافة التفرقة الطائفية أو القبلية، كما أجاب 47% بـ أحياناً ، أي أن الذين يرون أن المنتديات تسهم في نشر هذه الثقافة هم 73% !! مما يشير إلى أهمية دراسة ظاهرة الصداقة الإلكترونية !!(21)  .  5.	: المؤسسات المجتمعية : إن طلاب المؤسسات التعليمية و طالباتها يأتون إليها و هم محملون بكثير من القيم الثقافية التي تلقوها من مؤسسات المجتمع و مكوناته المتعددة ، و تستمر معهم هذه القيم في مرحلة دراستهم ، بل تزداد رسوخاً من خلال تأكيد الدراسة على هذه القيم أو أنها تتعرض للتهذيب و التوجيه من خلال ما يتلقاه الطلاب و الطالبات على يد أساتذتهم و في مؤسستهم التعليمية و التربوية .  و لعل أبرز مؤسسات المجتمع تأثيراً في الثقافة ، هي المؤسسات الدينية كالمساجد و المراكز الدعوية و هيئات الإفتاء و وزارات الشؤون الإسلامية و غيرها من المؤسسات الدينية التي ترسم إطاراً محدداً لكثير من التصورات و الثقافات التي يتلقاها الطلاب و الطالبات ، و يمتد تأثيرها إلى كافة أطياف المجتمع ، و لقد توسع هذا الدور و أصبح مصدراً ثقافياً مهماً خاصةً في جوانب معرفة الأحكام الشرعية ككثير من أمور العبادات و المعاملات و الحياة و تزكية النفس و تهذيبها ، و لبيان مواقف الإسلام من القضايا العامة أو للرد على الشبهات و التحديات التي تواجه المسلمين أو لغيرها من مكونات الثقافة العامة للفرد . و قد تزايد دور هذه المؤسسات في السنوات الأخيرة من خلال استخدام وسائل جديدة كالأشرطة المسجلة أو أشرطة الكمبيوتر المدمجة (C.D) أو الكتيبات الصغيرة أو استخدام شبكة الإنترنت بل استخدام الرسائل الهاتفية القصيرة .  إن كثيراً من الطلاب و الطالبات يبنون آراءهم و يتخذون مواقفهم من خلال التأثير الثقافي لهذه الوسائل مما يعني أهميته دورها في رسم السلوك و القيم لدى هؤلاء الطلاب و الطالبات ، خاصة و أن هذه المؤسسات تحظى بالرضا و القبول لدى متلقي رسالتها الثقافية لارتباطها بالمشروعية الدينية المعتمدة على النصوص و الأدلة الشرعية .  و من مؤسسات المجتمع المؤثرة ثقافياً المراكز و الأندية الثقافية و الأدبية و الجمعيات الاجتماعية التي تنتشر في بعض الأقطار ، إذ تشكل هذه المراكز و الأندية مصدراً تثقيفياً لعامة أبناء المجتمع ولطلبة وطالبات المؤسسات التربوية و التعليمية من خلال البرامج الثقافية والأدبية كالمحاضرات والندوات والمؤتمرات وكذا نشر الكتب والدوريات والمجلات وغيرها من البرامج التي تُقدم و يتم تنفيذها سواء كان ذلك في ذات المركز أو النادي أو الجمعية ، أو يتم تقديمها في المؤسسات وفق برامج مشتركة بينهما .  لقد أصبح للمؤسسات المجتمعية دور كبير في الثقافة التربوية وأصبح من الضرورة أن يتكامل ما تقدمه هذه المؤسسات مع ما تقدمه المؤسسات التربوية و التعليمية .   ثانيا : مصادر الثقافة الإعلامية : تعتبر وسائل الإعلام من أكثر وسائل التأثير في الرأي العام و تحديد اتجاهاته ، بل أصبحت هذه الوسائل مصدراً أساسياً للثقافة العامة لكافة فئات المجتمع ، فقد امتد تأثيرها إلى معظم أفراد المجتمع من خلال ما تقدمه من محتوى يحمل مضامين متعددة تلقى قبولاً لدى هذه الفئات ، فبين برامج موجهة للأطفال و الأسرة إلى برامج تعنى بالشأن السياسي و الاقتصادي و الرياضي والفني ، تتوزع المادة الإعلامية التي تبثها القنوات الفضائية بكل ما تحمله من مضامين ، بل بدأت بعض وسائل الإعلام في التحول إلى إعلام متخصص في مجال محدد ، فهناك قنوات فضائية مخصصة للأطفال و أخرى للأسرة و ثالثة للصحة  رابعة للبيئة ، كما اتجهت قنوات أخرى للاهتمام بالثقافة سواء كان ذلك بتخصيص برامج ثقافية على خارطتها الإعلامية أو أن يكون محتوى القناة الفضائية ثقافياً بحتاً وجود أي برامج الأخرى ، و ما يقال في القنوات الفضائية يمكن أن يمتد إلى الإذاعة و الصحافة ، أما الإعلام التكنولوجي كشبكة الإنترنت والوسائط التكنولوجية فقد تجاوزت جميع الأدوار لتصبح أحدى مصادر الثقافة الإعلامية المهمة بما تتميز به من تجاوز لكافة العوائق سواء كان ذلك في الوقت الذي تبث فيه المادة الإعلامية أو مجالها الجغرافي أو مجالات رقابتها و منعها .  إن وسائل الإعلام التكنولوجية المعاصرة تشكل أهم التحديات أمام الثقافة ، فهي بين استجابة لمتطلبات هذه الوسائل و قدرة على الاستفادة منها ، و بين الحد من بعض آثارها السلبية التي لم تعد خافية على أحد ، ولذا فإن الثقافة الإعلامية تتم صياغيتها من خلال عدد من الوسائل أبرزها :  1.	: وسائل الإعلام الفضائية : يشكل البث الفضائي (التلفزيون و الإذاعة) أبرز مصادر الثقافة الإعلامية ، و تكمن خطورته في عدم القدرة على الحد من تأثيراته السلبية على الرغم من الجوانب الإيجابية التي لا يمكن إنكارها ، و التي تشكل مصدراً جيداً للثقافة الإعلامية ، لكن التأثيرات السلبية هي الغالبة على ما  تقدمه القنوات الفضائية المرئية منها و المسموعة ، فمتابعة لكثير من القنوات الإذاعية و الفضائية يمكن أن يخرج منها المتابع بحصيلة وافرة من الآثار التي تخلفها المواد الإعلامية التي يتم بثها ، خاصة تلك المضامين التي تحملها المواد الإعلامية و تكون متناقضة مع المضامين التربوية التي يتلقاها الفرد من المجتمع ، علما بأن أكثر المتأثرين بهذه المواد الإعلامية هم جيل الشباب و خاصة الطلاب و الطالبات . فالمواد الإعلامية التي تقدمها القنوات الفضائية ترتبط بأساليب تشويق و جذب تفتقر إليه مصا ر الثقافة التربوية ، فالصورة و الصوت تترافقان ـ عادةً ـ مع مؤثرات تسيطر على إدراك المشاهد و وعيه ، و تبث إليه بصورة غير مدركة قيما و مفاهيم و نماذج للحياة يتلقاها المشاهد أو المستمع بحواسه ثم يختزلها في عقله الباطن لتتحول بعد ذلك إلى سلوك و عادات قد لا تتفق مع ما عليه المجتمع من قيم و أعراف .  لقد تطورت أدوات الإعلام السمعية و البصرية تطوراً واسعاً و سريعاً ليس على مستوى الإمكانيات المادية بل على مستوى المحتوى الإعلامي الذي تقدمه ، فمنذ دخل التلفزيون إلى حياة الإنسان على يد عالم الفيزياء الأمريكي (الروسي الأصل) فلاديمير كوزما زوريكين ، عام 1924 شهدت البشرية نقلة نوعية في مجال الاتصال ، ازدادت تطوراً مع التقدم العلمي الذي وصلت إليه البشرية في عصرنا الحاضر ، و ازداد بالمقابل تأثيرها على الفرد و الأسرة و المجتمع .  إن معظم الدراسات العلمية تشير إلى أن مدى تأثير وسائل الإعلام على تكوين ثقافة الفرد و سلوكه ، خاصة السلوكيات السلبية في حياة كثير من الشباب فقد جاء في إحدى المجلات :(أن الفضاء العربي ازدحم في وقت قصير نسبياً بنحو 140 قناة فضائية وتزايدت نسب مشاهدة الجمهور لهذه الفضائيات وتفيد إحدى الدراسات العلمية الحديثة أن نسبة 69 % من الجمهور العربي يشاهدون الفضائيات لمدة أربع ساعات يومياً وأن 31 % منهم يشاهدونها لمدة ثلاث ساعات يومياً و 34.5 % لمدة ساعتين و15 % لمدة ساعة واحدة يومياً على حين بلغت نسبة نمو مقتني أطباق البث 12 % سنوياً و 40 % من هذه الفضائيات تتبع الحكومات العربية والبقية تعتبر مستقلة ظاهرياً فقط ، وتمثل البرامج الإخبارية في هذه الفضائيات حوالي 5 % فقط .  وأكد استبيان أجرته مجلة (ولدي) على 57 من آباء والأمهات و65 من الأبناء في كل من ( الكويت والسعودية والإمارات ) أن :الأبناء من سن 3 أعوام إلى 18 عام يشاهدون " الفيديو كليب ، منهم 3’92. % من الأبناء يتابعون باستمرار " الفيديو كليب "و7.7 % فقط من العينة من لا تحرص على متابعتها وأن 39 % من الأبناء تعجبهم كلمات الأغنية و 31 % يشاهدونها لجمال المغني / المغنية والراقص والراقصة و 26 % منهم يجذبهم إخراج الأغنية وعلاقة المرأة بالرجل فيها و25 % يتابعها لما تحتويه من إثارة وتشويق (22) .  و تأتي التأثيرات الثقافية على الشباب من انفتاح الفضاء أمام قنوات مختلفة منها ما يسهم إسهاماً إيجابياً ، و منها ما يؤدي إلى انحراف فكري و سلوكي لدى بعض الشباب ، و لم يعد من الممكن السيطرة على ما تبثه القنوات الفضائية العربية منها والدولية ، خاصة في ظل تراجع و ضعف القنوات الرسمية ، ففي استفتاء أجراه موقع     (arab polls) للاستفتاءات العربية أشار 53,3% ممن تمّ استقصاء آرائهم أنهم لا يثقون في الصحافة و التلفزيون الحكومي في بلدانهم , كما أشار 20% فقط أنهم يثقون بها، بينما توزعت بقية النسبة تقسيمات أخرى ، و عند سؤالهم عن القنوات التي يتابعونها تبين أن معظمها قنوات غير حكومية ، مما  يشير إلى أن ما يتلقاه شبابنا و من بينهم طلاب و طالبات المؤسسات التربوية من الثقافة ليس بيد المؤسسة الرسمية  ـ في الغالب ـ و أن مكونات هذه الثقافة ليست ـ بالضرورة ـ هي المكونات الثقافية السائدة في المجتمع ، و هذا ما يفسر بعض مظاهر التقليد التي تنتشر بين طلابنا و طالباتنا ، فهي انعكاس لما يتلقونه من ثقافات متعددة ، و ليس هذا شأن شبابنا فقط ، فقد أصبحت الظاهرة عالمية ، و غير مقتصرة على مجتمع دون غيره ،   و تشير دراسة أخرى (البياتي 2006) إلى أن 21% من المشاهدين يشاهدون التلفزيون ساعة ، و 27,5% يشاهدونه لمدة ساعتين ، و 22,5% يشاهدونه لمدة ثلاث ساعات ، أما الذين تزيد مدة مشاهدتهم عن 3 ساعات فهم 29% ، أما نوعية البرامج المفضلة لدى الشباب فهي 4,5% البرامج الإخبارية و 4% التربوية و التعليمية و 9,5% المسرحيات و 10,5% الدينية و 14% الرياضية و 26% للأغاني والموسيقى و 8% للأفلام العاطفية و 11% لأفلام العنف و الجريمة و 4,5% للبرامج الثقافية و 8% لأفلام الرعب (ياسين خضر البياتي ـ التأثيرات الاجتماعية المحتملة للتلفزيون على الشباب ص128)  أما عن دور التلفزيون في إضعاف العلاقات الأسرية (البياتي 2006) (23)فإن 57,5% أجابوا بأن التلفزيون يتسبب في ذلك ، كما أجاب 51% بأن التلفزيون أكثر تأثيراً في الشباب من الأسرة ، كما أجاب 66% بأن للتلفزيون تأثيرات سلبية على قيم و عادات الشباب .  و تشير دراسة (الحمود و آخرون 2007) إلى إن 31% من شباب الخليج العربي يتابعون برامج (تلفزيون الواقع) أو (التصوير الحي) مثل برامج (ستار أكاديمي و سوبر ستار و الوادي)   و في دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية و الثقافة و العلوم (اليونسكو) حول معدلات تعرض الأطفال العرب للتلفزيون إلى أن الطفل قبل أن يبلغ الثامنة العشرة يكون قد أمضى أمام شاشة التلفزيون 22,000 ساعة ، في حين يقضي 14,000 ساعة في قاعات المدرسة ، هذا إذا علمنا أن نسبة الذين يشاهدون التلفزيون ما بين سن الثامنة و الخامسة عشر بلغت 99,9% و أن هؤلاء الأطفال يقضون جزءاً كبيراً في مشاهدة التلفزيون دون رفقة من أهلهم   و لعل أطرف الأرقام تشير إلى أن أطفال اليوم حين يبلغون عامهم السبعين يكونون قد قضوا سبعاً و عشرين سنة أمام شاشة التلفزيون .  و إذا كانت هذه الأرقام تشير إلى عظم الدور الذي تقوم به القنوات الفضائية فإن تأثيرها يأتي مساوياً لهذا الدور ، فقد نشرت إحدى الصحف(24) تقريراً حول تأثر عنف التلفزيون جاء فيه   " أجرى أحد المواقع الإلكترونية الكندية والمسمى ijp استطلاعا لآراء 100 شاب كندي يعيشون في مدن مختلفة من «كيبيك» و«ياسينت» ولاحظت من خلال طرح عدة أسئلة  ،الأسباب المولدة للعنف لدى الشباب والتأثير القوي للتلفزيون، كأحد العوامل التي تفرز العنف لدى الشباب. وكانت الأسئلة تنحصر في إطار التلفزيون وما ينتجه من أفلام تحرض على العنف وتبعث عليه فكان السؤال الأول على الشكل التالي: إذا كنت تحضر أفلام العنف ، هل هذا يجعلك تقوم بحركات عنيفة تقلد بها ما شاهدته عبر التلفزيون؟ وجاءت إجابات الشباب بنسبة 58% نعم و 42% لا. وكان الاستنتاج أن أفلام العنف تولد لدى الشباب غريزة التقليد، فيقلد بطل الفيلم بحركاته وبما يقوم به من أعمال عنيفة، وتدمير وقتل وحرق. أما السؤال الثاني فكان يتعلق بحالة العنف في العالم ، هل ما نشهده اليوم في العالم من أعمال عنف لدى الشباب سببه التلفزيون ؟ فأجاب 62% من الشباب بالإيجاب و38% منهم بالنفي، فتبين من الأجوبة أن الشباب يعترفون بالتأثير الجامح للتلفزيون علي. ولمعرفة ميول الشباب تجاه الأصناف المتعددة للأفلام كانت النسبة الكبرى لأفلام العنف دون غيرها من الأفلام حيث بلغت النسبة المئوية 42% يحبذون أفلام العنف في حين أن محبي الأفلام الكوميدية كانوا 6% وأفلام الحب كانت حصتها 26% ، وأفلام الرعب كان معجبوها يشكلون 26% من مجموع الشباب الذين أجرى عليهم الاستفتاء. وهذه النسب تدل على أن الشباب يفضلون أفلام العنف ، إذ بإمكاننا أن نجمع النسبة المئوية لأفلام العنف مع النسبة المئوية لأفلام الرعب فنحصل على 68% من الشباب الذين يفضلون مشاهدة أفلام العنف. و لعل من أهم الآثار التي تخلفها المواد الإعلامية المستقاة من القنوات الفضائية هو تأثيرها على الهوية ، إذ أن كثيراً مما تبثه هذه الفضائيات يأتي من الدول الأجنبية بكل ما تحمله من قيم و مفاهيم و أسلوب حياة ، بل إن كثيراً مما ينتج و يقدم محلياً إنما هو صورة مكررة و مشوهة لما تقدمه الفضائيات الأجنبية ، فهناك قنوات عربية لا تقدم إلا مواداً أجنبية بكل ما تحمله من تصورات و مفاهيم و قيم تختلف أو تتناقض في كثير من جوانبها مع مقومات الهوية التي يتبناها المتلقي للرسالة الإعلامية .  و إلى جانب هذا هناك التأثيرات السلوكية التي تخلفها القنوات الفضائية ، فقد أصبح لها تأثيرات سلبية كما تشير إلى ذلك الإحصائيات و الدراسات ، ففي دراسة (البياتي 2006) أجاب 66% أنهم يرون أن للتلفزيون آثار سلبية على عادات و قيم الشباب ، كما أجاب 3% أنه (التلفزيون) يؤدي إلى انتشار الجريمة ، و أجاب 14% أنه يؤدي إلى الكسل و التراخي و 2% إلى شيوع الرذيلة ، و أجاب 22% بأن التلفزيون يؤثر سلباً على المستوى الدراسي ، لكن 59% أجابوا بأن التلفزيون يتسبب في كل تلك الآثار السلبية ، و في سؤال آخر أجاب 80% إلى أنه يؤدي إلى شيوع الاستهلاك في حياة الفرد و الأسرة ، و في إجابة أخرى ذكر 26,5% أن التلفزيون يشيع ظواهر الموضة و قص الشعر ، و أجاب 9,5% أنهم يقلدون نجوم التمثيل و الأفلام و المسلسلات في سلوكهم ، و أجاب 8,5% أنهم يتأثرون بالمفردات و الكلمات و الألفاظ السلبية من خلال التلفزيون ، و قد أجاب 55,5% بأنهم يعتقدون أن التلفزيون يؤدي إلى كل تلك الظواهر السلبية .  ومن التأثيرات السلبية الثقافية ـ التي تخلفها وسائل الإعلام ـ هو التأثير على اللغة العربية إذ تحولت هذه اللغة لدى بعض أبنائها غلى لغة (هجين) خليط من لغات شتى حتى أصبح كثير من طلاب المؤسسات الجامعية و طالباتها لا يحسن التعبير باللغة العربية أو الكتابة بها  و قد شعرت كثير من الدول بخطورة التأثير الثقافي على لغتها و ثقافتها ، فهذه وزيرة الثقافة اليونانية السابقة (ملينا ميركوري) تشتكي من مداهمة الثقافة الأمريكية ، و في فرنسا صرح وزير الثقافة (أنه خائف من وقوع الشعب الفرنسي ضحية الاستعمار الثقافي الأمريكي) بل إن رئيس وزراء كندا الأسبق (بيار ترودو) يشتكي من تأثير الثقافة الأمريكية على الشعب الكندي علماً بأن كندا هي الأقرب ثقافياً إلى أمريكا بحكم الجوار الجغرافي .  و إذا كانت هذه هي الآثار السلبية للقنوات التلفزيونية الفضائية ، فإن الجانب الآخر يجب ألا يغيب عن أي باحث ، فلا شك أن للتلفزيون آثاراً إيجابية لعل من أبرزها دوره في زيادة مدركات المشاهد خاصة الأطفال أو الشباب حيث يتعرف هؤلاء على كم كبير من المعلومات و الأفكار و الآراء مما يوسع من إدراكهم ، فالفضائيات تقدم كثيراً من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها بل استخدامها في العملية التربوية ، هذا إضافة إلى أن مشاهدة التلفزيون تزيد من قدرة الأطفال على التذكر و الاستيعاب و تنمي لديهم الخيال و الابتكار كما تسهم في بناء شخصيتهم من خلال إعطائهم حرية الاختيار و الرقابة ا لذاتية و تعزز لديهم الاستقلالية و القدرة على إبداء الرأي و الرغبة في الحوار من خلال محاكاة ما يقدم في التلفزيون .  أما تأثيره الإيجابي على المؤسسة التعليمية فإنه يختصر لها كثيراً مما تقدمه ، فالبرامج التعليمية والتربوية التي تقدمها بعض الفضائيات يمكن أن تكون مصدراً معرفياً جيداً للعاملين و المؤسسة التعليمية ، كما يمكن الاستفادة من المادة العلمية في العملية التعليمية و اعتبار بعض البرامج العلمية و التربوية مرجعاً مفيداً للأساتذة و الطلبة على السواء ، لكن ذلك كله مرتبط بحسن استخدام ما تقدمه الفضائيات ، و بحسن التوجيه لمتلقي الرسالة الإعلامية من الطلاب و الطالبات . 	  2.	:وسائل الإعلام التكنولوجية : فتحت ثورة المعلومات عصراً جديداً للبشرية يقارن بعصر الثورة الصناعية التي غيرت كثيراً من أوجه النشاط الإنساني ، و جاءت ثورة المعلومات لفتح آفاق جديدة للمعرفة و الثقافة ، و أصبح الإنسان قادراً على التواصل مع الآخر دون حواجز أو موانع ، و تعددت مصادر المعرفة التي يمكن أن ترفع السوية الثقافية للمتعاملين معها ، و لعل أبرز وسائل الاتصال الحديثة تأثيراً في ذلك هي الوسائل التقنية كشبكة الإنترنت و البريد الإلكتروني (e.mail)  و الرسائل الهاتفية النصية (s.m.s.)  التي تجاوز دورها كوسيلة للاتصال إلى مصدر من مصادر الثقافة و المعرفة ، فشبكة الإنترنت أصبحت مصدراً مهماً للوصول إلى المعلومات سواء كانت معلومات متخصصة أم عامة ، وسواء كانت مقروءة أم مسموعة أم مرئية ، مع تيسير سرعة الوصول إلى المعلومة و سهولة الحصول عليها و تعدد هذه المعلومة ، و تزداد المادة المطروحة على شبكة الإنترنت يوماً بعد يوم فهناك اليوم ملايين الكتب و الدراسات و المقالات والأبحاث التي يمكن للإنسان الاستفادة منها بسهولة و يسر ، و تجاوز الإنسان بذلك الجهد الكبير الذي كان يبذله للحصول على هذه المعلومة في وقت واحد و مكان واحد .  و إذا كان هذا شأن شبكة الإنترنت بصفة عامة ، فإن استفادة الطلاب و الطالبات ـ بصفة خاصة ـ تأتي في مقدمة  المستفيدين منها ، نظراً لحصولهم ـ في الغالب ـ على تأهيل و تدريب علمي يمكنهم من الاستفادة من هذه الشبكة بصورة جيدة و سهلة ، كما أن مهاراتهم التقنية أكبر من غيرهم ممن لم يتوفر لهم حظ التعرف على هذه التقنية ، و هذا ما نجده في الفرق بين طلاب المؤسسات التربوية و عامة الناس بل وبعض آبائهم في استخدام شبكة الإنترنت ، ففي دراسة حول استخدام الطلبة لشبكة الانترنت ( العاني 2006 ) (25)أجاب 75.4% أنهم يستخدمون الشبكة لمدة تتراوح لبن 1ـ2 ساعة ، بينما أجاب 17% أنهم يستخدمونها مبين 3ـ ساعات ، وأجاب 3.8% انهم يستخدمونها أكثر من 5 ساعات ، وفي دراسة أخرى ( الحمود وآخرون 2007 ) (26)أجاب 26% أنهم يستخدمون شبكة الانترنت أقل من ساعة بينما أجاب 30% أنهم يستخدمونها ما بين 1ـ2 ساعة ,أجاب 26% انهم يستخدمونها مابين 2ـ4 ساعات ، أما الذين يستخدمونها أكثر من 4 ساعات فإن نسبتهم تبلغ 18% و يلاحظ أن الذين يستخدمون شبكة الانترنت من الشباب لأكثر من ساعة تبلغ نسبتهم 74% مما يشير إلى أهمية ودور هذه الشبكة وتأثيرها في تكوين وعي الطلاب و الطالبات ، و قد ساعد على ذلك الانتشار الواسع لهذه الشبكة في الجامعات و المؤسسات و البيوت و المقاهي و الأماكن العامة بحيث لم يعد هناك معوق يقف دون استخدام هذه الوسيلة التي أصبحت مصدراً للتثقيف العلمي و السياسي والاجتماعي و الصحي و الاقتصادي و غيرها من صور الثقافة التي يحتاجها الإنسان في حياته.     و لعل من مميزات شبكة الإنترنت هو انفتاحها على ثقافات العالم و تنوع محتواها مما يفتح آفاقاً واسعةً أمام المتعامل معها .    و تزداد أهمية شبكة الإنترنت من خلال استخدامها وسيلة للاتصال عبر البريد الإلكتروني (e.mail) أو بوابات التواصل بين المستخدمين للشبكة ، و إذا كانت الشبكة الأم تضم معلومات لا يستطيع المتصفح لها تغيير المادة المعروضة أمامه ، فإن البريد الإلكتروني يحقق تلك الرغبة للتعامل معها من خلال ما يرسله من معلومات أو مواد علمية أو ثقافية عامة أو رسائل شخصية أو صور أو ملفات مسموعة أو مرئية أو غيرها من المواد ، و مما ساعد على ذلك أن مزايا استخدام البريد الإلكتروني سهلة و رخيصة ؛ فالمتعامل لن يضطر إلى مراعاة فروق التوقيت أو المسافات الجغرافية ، كما أن الاستخدام أقل تكلفةً و أقل جهداً ؛ فهي لا تحتاج إلى التعامل مع مكان معين أو شخص بعينه ، كما أن حجم ما يتم إرساله ليس محدوداً بل يمكن استخدام أعداد كثيرة من الرسائل و المعلومات لإرسالها وفقاً للطاقة الاستيعابية للبريد الإلكتروني ، و لقد أحدث البريد الإلكتروني ثورة في العملية التعليمية ، فقد أصبح وسيطاً بين  الأساتذة و الطلاب و الطالبات حيث يمكن التواصل بينهم لإرسال الواجبات الدراسية أو التكليفات أو تقديم الأسئلة و تلقي الردود عليها ، أو حتى لاستخدام البريد الإلكتروني أو شبكة الإنترنت ـ بصفة عامة ـ للتواصل بين المجموعات خلال الدروس (الإلكترونية) أو الساعات المكتبية ، كما أن الشبكة يسّرت للطالب و الطالبة التسجيل في المساقات الدراسية (لطلبة الجامعات) أو تغييرها أو تقديم الامتحانات غير المباشرة و تلقي نتائج الامتحان أو غيرها من أشكال التواصل غير المباشر ، و إذا كان هذا شأن الطلاب و الطالبات فإن أعضاء هيئة التدريس أكثر استفادةً و ذلك في تواصلهم مع طلابهم أو مع الإدارات المختلفة في المؤسسة الجامعية أو التواصل مع زملائهم في الجامعات و المعاهد و المؤسسات المختلفة .   لقد أحدثت شبكة المعلومات ( الإنترنت ) "نقلة مهمة في آليات التعليم و التعلم ، فهي تعمل على توفير الخدمات التربوية بصورة أسرع و بتكلفة أقل ، هذه المكاسب تعود إلى إعادة النظر في فلسفة العمل التربوي و مناهجه و آلياته ، و العمل على دمج قواعد المعلومات التربوية و تكاملها .  كما أنها تطور نظام الإدارة التربوية و المدرسية (School Governance) و تعمل على إيجاد علاقة جديدة بين العاملين في الحقل التربوي و بعضهم البعض من جانب ، و بينهم و بين الشركاء التربويين و المستفيدين من الخدمات التربوية من جانب آخر (27).   و بفضل هذا( الشبكة ) " فقد ظهرت اليوم بوادر نقل الثقافة من جيل إلى جيل آخر بدون استخدام الورق . و لدى البحث في الإنترنت يجد القارئ مواد كثيرة تحت عنوان صفوف بلا أوراق (Paperless Classroom) ، و في هذا الخصوص تشير كامبن (Campen,2004) إلى مثل هذا التطور التكنولوجي من حيث أن استخدام التكنولوجيا المتقدمة أوجد صفوفاً دون أوراق . فالمحاضرات تُلقى و الواجبات البيتية تُؤدّى ، و الامتحانات تجرى جميعاً على الآلة المبرمجة بدون استخدام الأوراق ، و يحصل الأساتذة على التغذية الراجعة المباشرة من الطلاب و يزودونهم بنتائجهم على الآلة المبرمجة مباشرة دون استخدام الأوراق . و هم يقتصدون في الكثير من الوقت الذي كان يصرف في تسجيل المحاضرة على الأوراق. كما أن المحاضرة يتم إعدادها باستخدام الباور بوينت (Power Point) على الآلة المبرمجة مع الكثير من الصور و الرسوم البيانية التي تثير الدافعية لدى الطلاب ، و التي تمكّن الطلاب من تركيز انتباههم دون مشتتات و دون الحاجة إلى صرف جهود من أجل تسجيل الملاحظات ، إذ يرسل المحاضر فحوى محاضرته إلى بريد الطلاب الإلكتروني . كما يحصل الذين لا يستطيعون الحضور إلى الدرس على كامل المحاضرة بوساطة الإنترنت . و لا تطلب بعض المدارس التي تطبق نظام التدريس بدون أوراق شراء الكتب الدراسية ، و بدلاً من ذلك تقدم كل شيء على الإنترنت .  و بجانب ذلك يجمع بعض الأساتذة بين الصفوف التي دون أوراق و الطريقة الكلاسيكية التي تستخدم فيها الأوراق في أداو الامتحانات و الواجبات البيتية فقط ، و تبرز جوانب إيجابية عديدة للصفوف التي بدون أوراق ، و يزداد اهتمام الطلاب و يصل إلى الذروة باستخدام التكنولوجيا المتقدمة ، و يحصل الطلاب على درجاتهم في الامتحانات و الواجبات البيتية مباشرة دون أي تأخير ، و يوفر استخدام الآلة المبرمجة للأساتذة الوقت للانشغال بأمور أكثر أهمية "(28).   و إذا كانت هذه الاستخدامات تتم من خلال شبكة الإنترنت و البريد الإلكتروني فإن البريد الإلكتروني أصبح مصدراً للتثقيف العام بما يتلقاه الطلاب و الطالبات من رسائل متعددة المصادر ، فبين مقالة و رسالة و حكمة و موقع و خبر و معلومة صحية أو اجتماعية أو تربوية أو غيرها تتواصل الرسائل الإلكترونية مقدم خدمة تثقيفية واسعة على الرغم من الآثار السلبية التي يمكن أن تخلفها بعض الرسائل التي تصل على البريد الإلكتروني كالرسائل الإعلانية أو الرسائل الخادعة باسم الكسب السريع أو الثراء المالي ، أو الرسائل غير الأخلاقية أو الأخبار الكاذبة أو الإشاعات أو غيرها من الطرق السيئة لاستخدام هذه الوسيلة التقنية ،  فقد ذكر موقع عالم التقنية الإلكتروني نقلا التقارير التي نشرها مؤخراً موقع فيريس (29) أن أكثر من 45% من رسائل البريد الإلكتروني ما هي إلا عبارة عن رسائل دعائية ( spam ) يتم إرسالها إلى مستخدمي البريد الإلكتروني حول العالم دون استئذان. وتتسبب هذه الرسائل حسب الموقع بخسائر سنوية بمئات الملايين من الدولارات رغم كافة المحاولات للتصدي لها ووضع العقبات في طريق وصولها إلى صناديق البريد، والمشكلة الأكبر هي أن تلك الرسائل تصل أيضاً إلى الأطفال والكثير منها يضم محتوىً له ضرر كبير على الأطفال واليافعين ، في هذا الإطار قامت شركة (سيمانتك)العاملة في ميدان حماية البيانات بإجراء استطلاع للرأي بغية التعرف على مدى الأخطار التي تشكلها تلك الرسائل على الأطفال وموقف الأطفال من تلك الرسائل وكيفية التعامل معها. وقد أظهر الاستطلاع أن مانسبته 80% من الأطفال الذين يستخدمون البريد الإلكتروني يستقبلون رسائل بريد إلكتروني دعائية كل يوم وبخاصة خلال فترات العطلة حيث يقضي الأطفال الكثير من الوقت في تصفح الإنترنت. وبعض تلك الرسائل تتضمن محتوىً لا ينبغي عليهم أن يطلعوا عليه، و شمل الاستطلاع 1000 شخصاً تتراوح أعمارهم ما بين 7 و18 عاماً وتطرق لبعض المواضيع التي تتعلق بتجارب الأطفال مع الرسائل الدعائية وموقفهم من  تلك الرسائل. وعندما سئل من شملهم الاستطلاع عن طبيعة الرسائل التي تصلهم، أشار 80% منهم إلى أنهم يستقبلون رسائل تدعو للمشاركة بمسابقات وسحوبات معنونة بعناوين رنانة مثل ''اربح وحدة بلاي ستيشن2'' أو ''اربح رحلة إلى هاواي مدفوعة التكاليف''. و62% منهم يتلقون رسائل تتعلق ببناء علاقات الصداقة والدردشة عبر الإنترنت تحمل عناوين مثل ''تعرف على أجمل الفتيات عبر شبكة الإنترنت''. أما 61% منهم فأشاروا إلى تلقيهم رسائل تروّج لبضائع وسلع تجارية و55% تلقوا رسائل دعائية لمنتجات التخسيس والحمية تحمل عناوين مثل ''تخلص من 15 باوند من وزنك خلال يومين فقط''، و51% أيضاً تلقوا رسائل تروّج لمنتجات ومستحضرات دوائية كالفياغرا وغيرها. و47% تلقوا رسائل تحمل وصلات إلى مواقع إباحية تضم صوراً وأفلاماً لا يجب أن يطّلعوا عليها ، والمشكلة تكمن في أن معظم الأطفال لا يتجاهلون تلك الرسائل ويفتحونها مدفوعين بالفضول الذي تحركه لديهم العناوين الرنانة لتلك الرسائل، فوفقاً للاستطلاع يقوم واحد من كل خمسة من هؤلاء الأطفال (ما يقارب 21%) بفتح تلك الرسائل والقيام الكثير من هؤلاء الأطفال بالطبع ينزعجون من تلك الرسائل ولا يناقشون الموضوع مع أهاليهم، وقد أشار 51% من هؤلاء في الاستطلاع إلى أن هذه الرسائل تزعجهم، إلا أن 13% منهم أشاروا إلى أن مثل تلك الرسائل تثير فضولهم ويطلعون عليها، وحتى عندما يطلعون على محتوى تلك الرسائل فإن 38% منهم لا يطلعون أهاليهم على ذلك ،ومن ناحية أخرى أشار الاستطلاع المذكور إلى أن الكثير من الأطفال ليس لديهم فكرة وافية عن ماهية تلك الرسائل، كما أن واحد من كل ثلاثة لا يعلمون ما إذا كانت تلك الرسائل مفيدة لهم أم لا، وما إذا كان ينبغي عليهم فتحها أم لا. إضافة لذلك، هناك 22 % من المشاركين في الاستطلاع أشاروا إلى أن أهاليهم لم يناقشوا معهم مسألة البريد الإلكتروني أو أية تعليمات مرتبطة بتلك الرسائل فيما يتعلق بطرق التعامل مع الرسائل الدعائية غير المرغوبة.  وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن معظم الأطفال يملكون عناوين بريد إلكتروني خاصة بهم، كما أن أكثر من 50 % منهم يتفقدون بريدهم الإلكتروني باستمرار دون أي رقابة من أهاليهم، حتى أن 76% من هؤلاء يملكون أكثر من عنوان بريد إلكتروني واحد. و عندما سئل هؤلاء الأطفال الذين شاركوا في الاستطلاع عن عدد المرات التي يتفقدون فيها بريدهم أشار 72 % منهم إلى أنهم يتفقدونه عدة مرات كل يوم. و عند ما سئلوا عما إذا كانوا يتفقدونه بحضور أحد الوالدين، أشار أكثر من 30% منهم إلى أنهم لا يولون ذلك أي اهتمام، كما أن 16% منهم أعربوا عن عدم رغبتهم في إطلاع أهاليهم على الرسائل التي تصل إلى بريدهم الإلكتروني. و لما تم سؤالهم ما إذا كانوا يستأذنون أهاليهم عندما يريدون إعطاء عنوان بريدهم الإلكتروني لأحد الأصدقاء أو أحد مواقع الإنترنت فقد أجاب 46% منهم بـ''لا''.  الدراسة التي أجرتها ( سيمانتك ) أظهرت أن الأطفال يدخلون إلى الإنترنت بكثافة أكبر خلال أشهر الصيف بعد أن تغلق المدارس أبوابها. و عندما تم سؤالهم عن عدد الساعات التي يقضونها في تصفح الإنترنت، أشار 44% منهم إلى أنهم يستخدمون الإنترنت لمدة ساعتين تقريباً كل يوم. أما الذين يستخدمون الإنترنت لأكثر من ساعتين في اليوم فوصلت نسبتهم إلى 23%. وأشار 75% من هؤلاء الذين يقضون أكثر من ساعتين في اليوم في استخدام الإنترنت إلى أن معظم هذا الوقت يقضونه في قراءة وإرسال البريد الإلكتروني.  وإذا كان هذا حال الأطفال ، ذووا المهارات التقنية المحدودة فكيف بالطلاب والطالبات الذين ليهم مهارات متقدمة في استخدام التكنولوجيا ؟!!.  لكن أخطر التأثيرات على مستخدمي البريد الإلكتروني هي الرسائل والاستخدامات غير الأخلاقية  ، ففي تقرير(30) أجري على طلاب المدارس في بريطانيا تبين أن واحداً على الأقل من كل 10 قد استخدم رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل الهاتفية النصية في التهكم على الآخرين. ويقول تقرير بثته إذاعة بي بي سي- 5 إنه تصعب مواجهة أو منع الاستخدام المسيء لمثل تلك الوسائل الحديثة حتى على الآباء والجمعيات المهتمة وفي المدارس.  لكن هذه السلبيات و المخاطر لا يمكن أن تقف عائقاً دون الاستخدام الأمثل لشبكة الإنترنت و البريد الإلكتروني خاصة إذا خضعت هذه الشبكة لمراجعة و تنقية من الجهات المشرفة على تقديم الخدمة .  و من وسائل التثقيف العامة لدى طلاب المؤسسات التربوية و التعليمة و طالباتها ، الرسائل الهاتفية النصية (s.m.s.)  ، فقد وفرت هذه الخدمة الإلكترونية وسيلة سهلة و بسيطة للتواصل بين الناس ، و قد زاد الإقبال عليها في السنوات الأخيرة كوسيلة تثقيفية أيضاً إذ تصل رسائل من مصادر عامة كالمؤسسات التعليمية و المؤسسات الحكومية و الشركات و غيرها معرّفة بنشاطها أو برامجها أو أخبارها ، كما تصل رسائل شخصية مباشرة كالرسائل التي يتبادلها الناس يوم الجمعة والمناسبات تحمل توجيهات دينية أو أدعية أو حث على أداء فريضة أو نهي عن سلوك سيء أو غير ذلك من الرسائل القصيرة التي أصبح لها تأثير واضح على متلقيها ، و قد تستعمل هذه الرسائل كذلك في المناسبات العامة أو الخاصة كالتهنئة بحلول شهر رمضان أو العيدين أو التهنئة بالمناسبات الخاصة كالزواج و النجاح و السفر و غيرها ، كما تتضمن بعض الرسائل تعريف بالأنشطة التي تقوم بها المؤسسات التعليمية كالمحاضرات العامة و الندوات و المؤتمرات وغيرها مما يشكل مصدراً تثقيفياً جديداً بدأ يلج إلى ساحة المؤسسات التعليمية ، كما يمكن الاستفادة تربويا من هذه الوسائل  .  ثالثاً : وسائل الإعلام الورقية :  تمثل الصحافة أ و الإعلام الورقي أو الإعلام المقروء الضلع الثالث في مثلث مصادر الثقافة الإعلامية ، فمنذ اخترع جوتنبرغ عام (1436 ـ 1438هـ) المطبعة شهد العالم تحوّلاً واسعاً في هذا المجال ، إذ ازداد عدد المطبوعات و اتسع انتشارها و تكررت نسخها و توفرت لكل من يطلبها ، و قد عرف العرب المطبعة أول مرة عام 1734 م في لبنان ثم جاء نابليون بحملته الشهيرة حاملاً المطبعة معه إلى مصر عام 1798 م ، ثم انطلقت مسيرتها بعد ذلك في كافة البلاد العربية لتسهم في إيجاد نهضة ثقافية واسعة كان للإعلام نصيب فيها ، حيث انتشرت الصحف و المجلات في البلاد العربية و تطورت مع تطور الآلة حتى أصبحت صورة جديدة عما كانت عليه الصحافة عند بدايتها ، سواء كان ذلك من حيث المحتوى أم الشكل أم الأدوات المستخدمة في ذلك ، و الإعلام الورقي من صحافة ومجلات ، هي من أقل وسائل الثقافة الإعلامية تأثيراً على جيل الشباب و خاصة من كان منهم في المراحل التعليمية ، إذ أن اهتمامهم بالشأن العام الذي ـ هو محور ما تدور عليه الصحافة ـ قليل ، و لذا فإن اهتمامهم يتجه ـ غالباً ـ إلى الصحافة المجتمعية أو المرتبطة بالقضايا التي تهتم الشباب في هذه المرحلة من العمر مثل المجلات الاجتماعية و الفنية ـ و خاصة بالنسبة للفتيات ـ أو المجلات الرياضية و مجلات السيارات و الأجهزة الإلكترونية و غيرها ـ بالنسبة للفتيان ـ و هذا ما تشير إليه الدراسات المتخصصة ، ففي دراسة (وطفة) أشار إلى أن 20% فقط من الشباب يقرأون الصحف يوميا ، و 28% يقرأونها أكثر من مرة أسبوعياً ، و 14% يقرأونها شهرياً ، و 31% يقرأونها عرضياً ، أما 5,9% فلم يبدوا رأيهم(31) .  و في دراسة أخرى(المحمود و آخرون 2007) (31) فقد أشارت الدراسة إلى أن 34% من شباب الخليج العربي يتابعون الصحف اليومية و 61% يتابعونها أحياناً و 5% لا يتابعونها !!  لكن النتيجة الأخرى تبين السبب في عدم متابعة الشباب للصحف اليومية ، إذ أجاب 5% فقط!! ممن تم استقصاء آرائهم بأنهم يصدقون أو يؤمنون بما يقرأونه في الصحيفة اليومية ، بينما أجاب 89% بأنهم يصدقون ذلك أحياناً ، أما 6% فإنهم لا يصدقون و لا يؤمنون بما في الصحف اليومية ، و هذه نتيجة تبين السبب في قلة إقبال الشباب ـ خاصة الطلاب و الطالبات ـ على متابعة الصحف اليومية ، كما يبين مدى تأثير ذلك على تكوين الثقافة الإعلامية  لديهم .   تكامل أم تناقض ؟ لا شك أن العلاقة بين الثقافة التربوية و الثقافة الإعلامية ستبقى قضية مجتمعية عامة و ميداناً   للدراسات و البحوث المتخصصة ، لما لهذه المسألة من علاقة مباشرة بالمجتمع و الحياة و لما لها من تأثير مباشر كذلك على العملية التعليمية و التربوية لا في داخل المؤسسات التعليمية فقط بل على كافة المؤسسات التربوية بدءاً من الأسرة و انتهاءً بالمجتمع الذي يسهم إسهاماً كبيراً في العملية التربوية .  لقد\ انشغلت المؤسسات البحثية و المعنية بالتربية ـ خاصة ـ بعدد من الأنشطة التي تعنى بذلك فبين مؤتمر و ندوة و دراسة و حوار التقت جميعها على أن العلاقة بين الطرفين ليست تكاملية كما أنها ليست تناقض كذلك ، بل إن العلاقة تعتريها كثير من المؤثرات و الأسباب التي تجعل هذه العلاقة ليست كما يجب أن تكون عليه (التكامل) و ليست كما توصف (التناقض) ، لقد بدا واضحاً في كثير من الأنشطة التي تبحث في طبيعة العلاقة سعة الهوة التي تفرق بين الفريقين ، فالتربويون ينظرون إلى الإعلام باعتباره قوة مؤثرة في العملية التعليمية من خلال ما تحتويه المادة الإعلامية التي تبثها أجهزة الإعلام ، و وصلت العلاقة بينهم و بين الإعلاميين إلى التناقض أو الدعوة إلى القطيعة إذ ما يزال كثير من التربويين يحذرون من الآثار التي تخلفها وسائل الإعلام على الطلاب و الطالبات و على العملية التربوية بمجملها .  و هم بذلك يؤسسون لعلاقة القطيعة ، مع ما لهذه العلاقة من أثر سلبي على الطلاب و الطالبات الذين سريعاً ما يلتقون بالإعلام حال مغادرتهم المؤسسة التعليمية إذ تتلقاهم أجهزة التلفزيون عند دخولهم منازلهم و تجرهم منتديات الدردشة على شبكة الإنترنت إليها في جلسات تمتد لساعات طويلة ، ثم ما يلبث الطالب أو الطالبة أن يعود في اليوم التالي إلى مؤسسته التعليمية ليتلقى سيل النقد و التوبيخ لوسائل الإعلام ، مما يجعله يعيش حالة من الانفصام النكد الذي يؤثر سلباً في علاقته بكلا الجهتين خاصة حين تتغلب الرؤى التربوية ـ و هذا ما يحدث غالباً ـ في رسم صورة الثقافة الإعلامية ، فينتقل الفرد من التصرف الطبيعي في علاقته بوسائل الإعلام إلى رؤية جديدة  يتجاذبها طرفان ؛ إما الرفض المطلق لكل ما يقدم في الوسيلة الإعلامية أو الانغماس المطلق في ما تقدمه هذه الوسيلة ، و لعل مرجع ذلك غياب الروح النقدية المتوازنة ، إذ أن التربويين غالباً ما ينظرون إلى الإعلام من خلال ما تقدمه شريحة محددة فيه ، و هي القنوات الفضائية التي لا تضع ضوابط لمحتواها الإعلامي ، أو حتى من خلال بعض البرامج التي تقدم في قنوات تتسم بالتوازن و الاعتدال ، لكنها في بعض برامجها تفقد هذا الاعتدال!! فسريعاً ما تتجه نحو البرامج الهابطة أو غير ذات مردود تربوي إيجابي ، إن غياب نظرة التوازن في التعامل مع الوسيلة الإعلامية قد يدفع بالجيل الجديد إلى مواقف متطرفة و متشددة أو منحلة و منحرفة .  إن عودة العلاقة إلى صورتها الطبيعية بين المؤسستين سيجنب الأوطان كثيراً من المشكلات الاجتماعية والفكرية ، بل سيرفد المجتمع بعدد من البرامج التي تخدمه وتعمل على تطويره " فقد قامت عديد التجارب في العديد من البلدان لتوظيف وسائل الإعلام في خدمة أغراض تربويّة محدّدة. وحظيت هذه التجارب أحيانا بدعم من قبل بعض المنظمات الإقليمية والدوليّة. وهكذا تمّ استغلال وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والبصرية في خدمة حملات منظمة لمحو الأميّة. كما انتظمت حملات مشابهة لفائدة المجتمعات القرويّة أو الريفيّة وغيرها. وتمّ توظيف وسائل الإعلام أيضا في خدمة التربية الصحية والغذائية أو في خدمة الإرشاد الفلاحي أو في خدمة أغراض تنموية أخرى.  وبالرغم من هذه الاستعمالات المتعدّدة والمتنوّعة لوسائل الإعلام في خدمة أغراض تربويّة، فإنّ الجدل بقي قائما بين المربين والدارسين حول الجدوى الفعلية لوسائل الإعلام في العملية التربويّة.  وبقي التساؤل قائما حول مدى تجانس أو تناقض المؤسستين التربويّة والإعلاميّة. على أنّ طرح الإشكاليات المتعلّقة بالعلاقة بين المؤسسة التربويّة ووسائل الإعلام أصبحت تفرض ذاتها في الوقت الراهن، فقد أحدثت الثورة التكنولوجيّة في مجال الإعلام والاتصال تحوّلا جذريا في طبيعة العلاقة بين التربية والإعلام.  ويتمثل هذا التحوّل في استعمالات المؤسسة التربويّة للتقنيات الجديدة للإعلام والاتّصال كأدوات بيداغوجيّة لإكساب عملية تبليغ المعرفة مزيدا من النجاعة، كما أنّ وسائل الإعلام أصبحت في حدّ ذاتها محورا للعمليّة وضمن برامج التعليم في المدرسة(33).   أما الإشكالية الثانية التي تبدو في العلاقة بين الطرفين أن هناك حالة من الانبهار بوسائل الإعلام و تأثيراتها إذ أن التطور السريع و المتنامي لأجهزة الإعلام و تنوعه محتواها و تعدد مضمون رسالتها الإعلامية جعلها أكثر قرباً من الإنسان بل أكثر تأثيراً ، خاصة و أنها تستخدم مؤثرات عدة على حواس الإنسان بين السمع و البصر و الإدراك بالعين الباصرة ، كما أن صفة التشويق تجعل من الوسيلة الإعلامي أكثر جذباً و أكثر تأثيراً كذلك .  إلا أن الملاحظ أن طبيعة العصر و سرعة التغيير التي فرضت نفسها على الوسيلة الإعلامية جعلت من أثر هذه الوسيلة ، أثرا قصير المدى ، فالتأثير الإعلامي في تكوين اتجاهات للرأي العام لم يعد كما كان عليه قبل عشر سنوات مثلاً ، فالمعلومة أو التحليل أو الخبر أو حتى المضمون الثقافي الذي تحمله الوسيلة الإعلامية سريعاً ما يتغير لا بسبب مصداقيتها فقط بل بسبب تعدد هذه الوسيلة ، فالخبر الذي تأتي به صحيفة أو مجلة قد تنقضه أو تكذبه صحيفة أخرى ، و التحليل الذي تعرضه قناة فضائية يخالفه تحليل آخر في قناة أخرى ، و لا يثبت في ذهن المتلقي للرسالة الإعلامية كحقائق ثابتة إلا تلك المعلومات الوثائقية أو الأخبار القطعية ، و بذلك فإن تأثير الثقافة الإعلامية ـ بصفة عامة ـ ليست تأثيراً ثابتاً بل هو متغير ، أما الثقافة التربوية فهي أبطأ من حيث تأثيرها لكنها أكثر استقراراً و ثباتاً خاصة و أن عمليات التغيير في العملية التربوية ـ بطبيعتها ـ بطيئة و ذات مدى زمني طويل مما يجعل منها ـ في الغالب ـ مرجعية ثابتة للإنسان بدءاً من مراحله التعليمية الأولى و امتداداً إلى نهاية حياته ، و لذلك فإن كثيراً من الطلاب و الطالبات كثيراً ما يطرحون أسئلة على معلميهم عما تلقوه من الوسيلة الإعلامية ، و مدى صواب ذلك من خطئه ، لكن الثقافة التربوية ذات مصادر محدودة بينما تتسع دائرة الثقافة الإعلامية يوماً بعد يوم و تتعدد صورها و أشكالها .   النتائج و التوصيات :  العلاقة بين التربية والإعلام هي إحدى الإشكاليات التي ما زالت ميداناً للدراسة و البحث من قبل المتخصصين ، و ستبقى كذلك لطبيعة كل واحد منهما ، و لذا فلا بد من إعداد الدراسات و البحوث التي تجسّر العلاقة بينهما و تربط المؤسسات التربوية بالمؤسسات الإعلامية بما يحقق الأهداف المرجوة لبناء الشخصية الإنسانية السوية . مصادر الثقافة التربوية هي المؤثر الأهم في تكوين تصورات الفرد و أفكاره و مهاراته ، و لذا لا بد من تعزيز مصادر الثقافة التربوية و تطويرها و دعمها حتى تستطيع أن تواكب المتغيرات على الساحة التربوية و الإعلامية . إن إيجاد برامج مشتركة بين المؤسسات التربوية و المؤسسات الإعلامية سيرسخ الجانب الإيجابي فيما تقدمه وسائل الإعلام ، و سيمكن المجتمع من الاستفادة من هذه الوسائل ، و بغير ذلك ستبقى المشكلة بينهما قائمة . التربية الأسرية و المدرسية مدخلان أساسيان في تكوين أسس بناء شخصية الطالب ، و لذا لزم إعطاؤهما الأمر كاملاً للقيام بدورهما من خلال اهتمام الأسرة و المدرسة بأبنائها و الحرص على تكوين الرؤية النقدية لديهم بحيث يستطيعون أن يتعاملوا مع المؤثرات الخارجية كوسائل الإعلام ، و مجموعات الأصدقاء و غيرهم بأسلوب يحفظهم من الوقوع في الانحراف الفكري و السلوكي. إن الانفتاح الإعلامي المحلي و العالمي قد فرض نفسه ، و لا يمكن منعه أو الوقوف أمامه ، و لكن طرح البدائل من خلال إعلام يقدم الخدمة الإعلامية الراقية و يحافظ على القيم التربوية سيكون بديلاً ناجحاً في المجتمعات العربية . لا بد من تغيير بيئة المؤسسات التعليمية العربية لتكون بيئات جاذبة لطلابها و طالباتها من خلال تطوير هذه المؤسسات و توفير الإمكانيات المادية و البشرية و إدخال  التكنولوجيا بصورة تمكنها من الاستفادة القصوى من هذه الوسيلة ، و تجعلها مصدراً للثقافة التربوية الجيدة . إن التأثير السلبي لبعض وسائل الإعلام ـ و خاصة القنوات الفضائية ـ قد أدى إلى مشكلات في المجتمعات العربية ، سواء كان ذلك في ظاهرة الإرهاب و العنف أم انتشار الجريمة و الانحراف و التحلل ، و قد كلف المجتمعات كثيراً من الأرواح و الأموال . و لذا لابد من إعادة النظر في دعم هذه القنوات سواء كان ذلك من خلال الدعم المباشر أو غير المباشر ، حتى لا تقوم هذه القنوات بهدم المجتمع و أبنائه بأمواله . إن الدعوة إلى الحد من الآثار السلبية لمصادر الإعلام لا يعني الانغلاق أو التقليل من الإيجابيات الكثيرة التي تقدمها هذه المصادر ، لأن في ذلك خطر لا يقل عن الانفتاح السلبي ، بل إن مزيداً من الحرية و الشفافية و الجودة فيما يقدم كفيل بتحول متلقي الرسالة الإعلامية إلى ما هو أجود و أفضل . لا بد من الاستفادة التربوية من وسائل الإعلام و تسخير التكنولوجيا لخدمة العملية التربوية و التعليمية ، و تطوير مهارات الأساتذة و الطلاب و الطالبات و العاملين في المؤسسات التربوية في استخدام التكنولوجيا و   تطويرها و تسخيرها لخدمة التربية و الإسهام فيها بما يثري الثقافة التربوية . إن ميثاق شرف بين المؤسسات التربوية و المؤسسات الإعلامية الرسمية منها و الخاصة سيضع الملامح الأساسية لانتقال العلاقة بينهما من التناقض إلى التكامل .  الهوامش : رضا ، أنور طاهر :الثقافة : سباق الورقة و الشاشة ـ ص 26 . رواه أحمد في مسندة . انظر : رضا  ـ مصدر سابق  ص 24 . رواه الإمام أحمد في مسندة . رواه الترمذي و أحمد . أخرجه البيهقي . الصالح ، محمد ـ الطفل في الشريعة الإسلامية ـ ص 214 الأحزاب ـ 21 الأنعام ـ الآية 90 ديوان أبو العلاء المعري . CHANDLER, B, J. AND OTHERS EDUCATION AND NEW TEACHER, DODD MEAD COMPANY N.Y. TORENTO 1971 يوسف ،عبد القادر "مشكلات إعداد المعلم وتدريبه أثناء الخدمة" – الكويت ذات السلاسل 1987م – ص 67 الغزالي ، أبوحامد – إحياء علوم الدين – ج3  - ص52 الصالح ، محمد ـ ا الطفل في الشريعة الإسلامية ـ ص 214 LASKA, JOHN A. SCHOOLING AND EDUCATION 	VOUD NOSTRAND COMPANY N.Y  1976, P.111 العاني ،وجيهة ثابت ـ اهتمامات الشباب الثقافية المعاصرة ـ مؤتمر الأطفال والشباب في  مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا  ـ   التصدى لتحديات التعليم دبي 16-18 مايو 2005م ـ  حواس ، محمود ـ العالم العربي و الأمية الثقافية ص5س الرشدان ، عبدالله وجعنيني ، نعيم ـ المدخل إلى التربية و التعليم ص 286 رواه البخاري و مسلم.  رواه الترمذي . الحمود، مشاري وآخرون ـ اتجاهات الشباب الخليجي نحو وسائل الاعلام ـ منتدى التنمية الخليجي ـ 7 فبراير2007م مجلة  البيان ـ عدد رقم 189 البياتي ، ياسر خضير ـ التأثيرات الإجتماعية المحتملة للتلفزيون على الشباب ـ مجلة شؤون اجتماعية ـ عدد90  ص133 جريدة الجزيرة السعودية بتاريخ 11 شوال1424 هـ العاني ـ مصدر سابق الحمود وآخرون ـ مصدر سابق مكتب التربية ـ التعليم و الحكومة الالكترونية ص30 رضا ـ مصدر سابق ـ ص84 www.ferris.com مجلة العالم الرقمي ( الإلكترونية ) عدد 160 بتاريخ 30 إبريل 2006 وطفة ، علي ـ موقف الشباب من وسائل الإعلام ـ مجلة شؤون اجتماعية ـ العدد49  الحمود وآخرون ـ مصدر سابق  حمدان ، محمد ـ العلاقة بين الإعلام والتربية في الوطن العربي ـ ص3

د. سعيد عبدالله حارب


الثقافة هي المعبر الحقيقي عما وصلت إليه البشرية من تقدم فكري ، فمن خلالها يتم رسم المفاهيم و التصورات كما يتم رسم القيم و السلوك .

و قد ارتبطت الثقافة بالوجود الإنساني ارتباطاً متلازماً تطور مع الحياة الإنسانية وفقاً لما يقدمه الإنسان من إبداع و إنتاج في شتى المجالات ،فالثقافة هي "المنظومة المعقدة و المتشابكة التي تتضمن اللغات و المعتقدات و المعارف و الفنون و التعليمات و القوانين و الدساتير و المعايير الخلقية و القيم و الأعراف و العادات و التقاليد الاجتماعية و المهارات التي يمتلكها أفراد مجتمع معين" (1) .

و قد وعي الإنسان أهمية الثقافة في تكوين ذلك الوعي فأسس وجودها عبر السنين من خلال التراكم النوعي و الكمي للفعل الثقافي و الإنساني ، فما تركته الثقافات القديمة  كالمصرية و الفارسية و الإغريقية يُعدّ صورة واضحة لذلك الفعل الثقافي عبر مراحله وعصوره ، و جاءت الأديان السماوية و التي خُتمت برسالة المصطفى صلى الله عليه و سلم لتعطي هذه الثقافة بُعدها الروحي و تعيدها إلى مكنونها الأخلاقي و تنقيها مما لحق بها من الشوائب التي انحرفت بالثقافة عن رسالتها الإنسانية ، مصداق ذلك قول المصطفى صلى الله عليه و سلم : "إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق" (2) .

و ما زالت الثقافة هي المحرك الأساس للفعل الإنساني ، فمقياس تحضر الأمم و رقيّها مرتبط بتقدمها الثقافي بكل دلالات اللفظ و محتوياته ، و هذا ما تشهد به المدنية المعاصرة فالأمم المتقدمة في عالمنا هي التي استطاعت أن تأخذ بتلابيب الثقافة في كافة جوانبها الإنسانية و العلمية و أن تحول وعيها الثقافي إلى فعل عام تتقدم به على غيرها ، على الرغم من الخلل الذي يلف بعض جوانب ثقافتها .

فالسيطرة العالمية المعاصرة على واقع الشعوب ليست سيطرة عسكرية أو اقتصادية فقط بل هي نسيج من السيطرة الثقافية سواء كان ذلك في حياتها الاجتماعية أم الاقتصادية أم السياسية أم التربوية ، إذ أصبحت "نمطية" الحياة لدى بعض الشعوب صورة متكررة لشعوب أخرى في فعلها الثقافي على الرغم من أنها لم تخضع لاحتلالها العسكري أو لهيمنتها الاقتصادية ، و ما ذلك إلا لغلبة ثقافتها و انتشارها مستغلة التقدم العلمي و التقني المعاصر و الذي يسّر لها سرعة الوصول إلى أطراف الدنيا في مشهد " خلدوني " يتبع في المغلوب شأن غالبه !!.

إن ذلك يشير إلى أن المجتمعات إنما هي صور ثقافية كما عبر عنها "توماس اليوت" في تعريفه للثقافة ، أو أنها تحتفظ ـ أي الثقافة ـ ببعدها الاجتماعي كما يرى ذلك "تيري إيجلتون" في كتاب : "فكرة الثقافة" .

و لقد اختلفت تعريفات المفكرين و الفلاسفة حول مفهوم الثقافة بصفة عامة ، فقد عرّفها (ثومبسون Thompson ـ2001) بأنها مميزات أو خصائص جماعة تتضمن القيم و المعتقدات و معايير السلوك التي تختلف في عضوية جماعة أخرى و تساعد على تمييز هذه الجماعة عن جماعة أخرى ، أما ( أمرود Omrod) فيعرّفها بأنها "نظم السلوك و المعتقدات التي تميّز جماعة اجتماعية" و يرى ( آرندس 2004 Arends) أنها "تصف الطريقة الكلية لحياة جماعة بتاريخها و اتجاهاتها و قيمها ، و الثقافة تُتَعلّم ، و ليست ثابتة ، و تتغير بشكل مستمر ، و الثقافات لا تمثل الجماعات ، و إنما هي ما أوجدت من قبل الجماعات"(3) .

و لقد كان عالم الاجتماع "روبرت بيرستد" أكثر وضوحاً حين عرّف الثقافة بأنها "هي كل ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله أو نتملكه كأعضاء في مجتمع".

و تتكرر رؤية الثقافة ببعدها المجتمعي عند عدد كبير من علماء الاجتماع والتربية أمثال "لويس دوللو" و "كارل مانهايم" و "رايموند وليامز" صاحب كتاب "الثقافة و المجتمع ـ 1956" و "ماثيو أرنولد" صاحب كتاب "الثقافة و الفوضى" و "ف.ر.ليفيس" صاحب كتاب "الثقافة و البنية ـ 1933" و "دينيس تومبسون" و غيرهم من علماء الاجتماع و الباحثين

و لعل علماءنا العرب و المسلمين سبقوا في دراسة ارتباط الثقافة بالمجتمع منذ عصور مضت يقف في مقدمة ركبهم مؤسس علم الاجتماع العلامة ابن خلدون مروراً بعدد كبير من علماء الاجتماع و لعل أبرزهم في السنوات الأخيرة المفكر الجزائري مالك بن نبي و عالم الاجتماع علي الوردي وغيرهم .

إن ارتباط الثقافة بالمجتمع ارتباط متلازم ، إذ لا يمكن أن نفهم مجتمعاً إلا بفهم ثقافته ، كما لا يمكن أن نفهم ثقافة أي مجتمع إلا بفهم المجتمع ذاته ، سوء كان ذلك في جوانبه الثابتة كالأديان و القيم الأخلاقية ، أم في جوانبه المتطورة و المتغيرة كالإبداع و الفن و الأدب و الإنتاج العلمي و غيرها من الأفعال الثقافية  المتطورة و التي هي أسرع تغيّراً و مواكبةً للمرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع .

و قد تأكد الدور الاجتماعي للثقافة من خلال :

  1. التأثير القيمي و الأخلاقي و السلوكي للثقافة في حياة الفرد في التصرفات و السلوك إذ يعبر عن ثقافة الفرد و رؤيته لذاته و للأشياء من حوله و بمقدار الوعي الثقافي لدى الفرد يزداد دوره في الحياة و تزداد رسالته الإنسانية نحو مجتمعه و الآخرين .
  2. للثقافة دور كبير في التواصل الإنساني على مر التاريخ ، فقد استطاع الإنسان أن يبتكر و يطور آليات ثقافية متجددة و نامية حقق من خلالها معرفة واسعة بالحياة و تعزز هذا الدور من خلال الوسائل الحديثة التي توّجت بثورة الاتصالات و المعلومات ، التي جعلت التواصل الإنساني أكثر قدرة على اختراق الحواجز و الجسور بين البشر مما زاد معرفتهم بانفسهم و بغيرهم .
  3. تزايد الإدراك لدور الثقافة في تغيير اتجاهات الرأي العام المحلي و العالمي ، من خلال التأثير غير المباشر للفعل الثقافي في حياة الشعوب ، و لقد تعزز دور الثقافة على المستوى العالمي في العقود الأخيرة من خلال إنشاء عدد من المنظمات و المؤسسات الثقافية العالمية و الإقليمية و لعل المنظمة الدولية للتربية و العلوم و الثقافة (اليونسكو) تأتي في مقدمتها ، و على المستوى الإقليمي تبرز المنظمة العربية والمنظمة الإسلامية للتربية و الثقافة و العلوم و غيرها من المؤسسات التي تشكل أدوات و آليات للفعل الثقافي الدولي و الإقليمي .

و إذا كانت الثقافة تتبوأ هذه المكانة في حياة الأمم والشعوب والمجتمعات والأفراد ، فإن التربية و الإعلام هما البوابتان اللتان تلج الثقافة من خلالهما إلى الفرد في أي مجتمع ، فالتربية وثيقة الصلة بالثقافة و يؤثر كل منهما بالآخر و يتأثر به ، فالتربية هي الميدان الذي يتم من خلاله صياغة الشخصية الإنسانية بكل مقوماتها العقدية و الأخلاقية و السلوكية ، و هي المعايير الأساسية في بناء ثقافة الفرد من خلال ما تقدمه التربية من مناهج و نماذج و خطط و برامج و معايير تقويم و قياس ، و من خلال التفاعل الذي تشكله البيئة التربوية التي تكوّن الرؤى و التصورات و القيم لدى الفرد ، وتصوغ  سلوكه و أخلاقه و معاملته و علاقته بالآخرين ، و بمقدار ما تصوغ التربية شخصية الفرد تأتي مخرجات هذه العملية إيجابية أو سلبية .

و لا يقل ارتباط الثقافة بالإعلام عن ذلك ، فهو الناقل للثقافة و المعبر عنها بصورها المتعددة ، بل إن الفعل الإعلامي يحمل بداخله مضموناً ثقافياً أيّاً كان هذا المضمون ، و هذا يبيّن أهمية و دور الإعلام في تغيير كثير من التصورات و المفاهيم لدى الأفراد و الشعوب ، و قد ساعد على ذلك سرعة و تطور انتشار وسائل الإعلام المختلفة ، فالفضاء يعج بمئات المحطات التلفزيونية و الإذاعية ، و تمتلئ المكتبات بآلاف الصحف و المجلات التي تصدر كل يوم ، و قد أضاف الإعلام التكنولوجي بُعداً جديداً لذلك بحيث أصبحت الموارد الإعلامية شلالا يتدفق بكل محتوياته الإيجابية و السلبية ، التي لا يمكن وقفها إلا من خلال التكامل بين التربية و الإعلام بما يشكلانه من ثقافة مشتركة لدى الفرد ، و إذا كان التناقض هو السائد على الجانب الأعم من العلاقة فإن التكامل بينهما ليس بالأمر المستحيل أو الصعب .

إن التربية و الإعلام يشكلان المنطلقين الأساسيين لتكوين الثقافة لدى الفرد .

فالثقافة التربوية هي : "المضامين الثقافية التي يتلقاها الفرد و الجماعة من المصادر التربوية و تشكل معتقداتهم و تصوراتهم و مفاهيمهم و قيمهم التي تؤثر في تكوين سلوكهم و عاداتهم و تقاليدهم و أنماط حياتهم ".

أما الثقافة الإعلامية فهي : " المضامين الثقافية التي يتلقاها الفرد و الجماعة من المصادر الإعلامية و تشكل معتقداتهم و تصوراتهم و مفاهيمهم و قيمهم التي تؤثر في تكوين سلوكهم و عاداتهم و تقاليدهم و أنماط حياتهم " .

و يلاحظ أن كلا الثقافتين ذات مصادر محددة ، و كلاهما مكوّن للمعتقدات و التصورات و المفاهيم و القيم ، و كلاهما مؤثر في تكوين السلوك و التقاليد و أنماط الحياة ، إلا أنهما يختلفان في مصادرهما سواء كان هذا الاختلاف في طبيعة المصدر أم في المضمون الثقافي الذي يحمله .   

أولا : مصادر الثقافة التربوية :

إذا كانت المؤسسات التربوية تهئ لطلابها و طالباتها الخطط و البرامج التعليمية و التدريبية لما لهذه الخطط و البرامج من أهمية في تحصيل الطلاب و الطالبات للمواد العلمية التي جاءوا لدراستها ، فإن هناك جانباً آخر لا يقل أهمية عن ذلك ، ألا و هي مصادر الثقافة التربوية لدى هؤلاء الطلاب و الطالبات ، إذ أن ما يقدم داخل قاعات الدرس و المختبرات و المعامل لا يمثل إلا جزءاً من عملية التربية التي يجب أن يتلقاها الطلاب و الطالبات ، و لعل أبرز مما تعنى به المؤسسات التربوية هو رفع المستوى الثقافي لطلابها و طالباتها من خلال توفير فرص التثقيف و إيجاد رؤية تثقيفية  نقدية لديهم حتى يستطيعوا أن يتعاملوا مع المؤثرات الثقافية في المجتمع ، و ذلك من أصعب المهمات أمامها إذ أن تشكيل الرؤى الثقافية يتم قبل من خلال مؤثرات كثيرة ، و تأتي هذه الرؤى ـ في بعض الأحيان ـ محملة بكثير من المعوقات التي تحد من دور المؤسسة التربوية في تكوين التصورات والأفكار الثقافية لطلابها و طالباتها ، إذ يأتي هؤلاء و قد تأثروا بمؤثرات كثيرة لعل من أبرزها الأسرة و المدرسة و الأصدقاء و غيرهم .

ولذلك فإن من أهم مصادر الثقافة التربوية ما يلي:

  1.  الأسرة :

إن الاهتمام بالأسرة يعني الاهتمام بكل مجتمع ، فإذا أنشئت هذه الأسرة على أسس و قواعد ثابتة راسخة  من القيم و الفضائل فإنها بذلك تبني المجتمعات بلبنات قوية متماسكة لا تؤثر فيها عواصف الزمن و لا متغيرات الأحداث . أما إذا أهملت الأسرة دورها في التربية و التقويم فإن أفراداً في المجتمع يتخرجون من هذه الأسرة لا يمكن أن يساهموا في بنائها بل يكونون عوامل هدم و تخريب و لا يمكن أن تنشأ المجتمعات بمثل هذه العناصر الهزيلة .

و قد اهتمت الشعوب و الأمم بتكوين الأسرة على قواعد ثابتة حتى تستطيع أن تربي أجيالاً قوية ، ولعل أهم أدوار الأسرة في تكوين الثقافة التربوية يبرز في الاهتمام بالجانب الأخلاقي و السلوكي و في تعليم الأبناء الفضائل و المبادئ الخلقية الرفيعة و إرشادهم إلى السلوك المستقيم ، و هي من أهم الواجبات التي يمكن أن تقوم بها الأسرة فهي التي تستطيع أن تترجم المعاني الخلقية إلى أفعال و سلوك بممارستها لهذه الأفعال أمام الأبناء فيكتسبون منها ذلك و لا يمكن لأي مؤسسة أو فئة أو محضن تربوي أن يقوم بدور الأسرة ، و إذا حدث ذلك فإنما هو خلل في الأدوار لا بد من معالجته . و لعل أبرز جوانب التربية الخلقية هو القدوة من خلال الوالدين ، حيث أنهما يعتبران النموذج و القدوة أمام الأبناء .

و قد حث الإسلام على الاهتمام بالجانب الخلقي فجعل النموذج الأمثل للقدوة هو محمد صلى الله عليه و سلم ، حيث وصفه القرآن الكريم بقوله : " و إنك لعلى خلق عظيم " و قال عن نفسه : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " (4) .

و قد حث الإسلام الآباء على الاهتمام بالجانب الخلقي عند أبنائهم ، فقد قال صلى الله عليه و سلم : "ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن " (5) .

بل جعل الإسلام من التنشئة على حسن الخلق وجباً للأبناء على الآباء فقال عليه الصلاة و السلام : "من حق الولد على الوالد أن يحسن أدبه و يحسن اسمه"  (6) .

"و من المسلم به أن التربية الخلقية هي روح التربية الإسلامية ، و أن الوصول إلى الخلق الكامل هو الغرض الحقيقي من التربية ... فالغرض الأول و الرسمي من التربية تهذيب الخلق و تربية الروح ، و كل درس يجب أن يكون درس أخلاق ، و كل معلم يجب أن يتصف بالأخلاق المحمودة التي يكون بها المعلم مثاليا في تديّنه و سمته ، و الخلق النبيل عماد التربية في الإسلام"(7) .

فالقدوة الحسنة في التربية ، هي من أنجح الوسائل المؤثرة في سلوك الأبناء ، سواء كان ذلك في الجانب الخلقي أو الجانب العملي ، و لقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى : "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيراً" (8). 

و قال تعالى إشارة إلى ضرورة القدوة حثاً للمسلم بالاتصال بالصالحين : "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" (9) . 

كما يبرز دور الأسرة في الاهتمام بالسلوك الاجتماعي حيث يعيش الأبناء في مجموعة بشرية معينة و عليهم أن يتعرفوا على هذه البيئة حتى يستطيعوا أن يعيشوا معها و يتجاوبوا مع ما تطلبه منهم و يستطيعوا أن يأخذوا منها ما يحتاجون إليه ، و لذلك لا بد للأبناء من سلوك اجتماعي يتعاملون به مع الآخرين ، و هذا السلوك إنما يأتي بصورة رئيسية من الأسرة التي تدربهم و تعلمهم على ذلك .

و تأتي تنمية الجانب الثقافي كدور آخر للأسرة ، فهو جانب مهم في حياة الإنسان الذي يراد له أن يكون إنساناً سوياً ، و بالتالي لا بد له من ثقافة و معرفة يتلقاها في صغره حتى يكبر عليها و ينشأ محباً لها عاملاً بها .

فمن خلال الأسرة تتكون القيم و المفاهيم الثقافية الأولى للفرد و يستمد منها معرفته الثقافية بدءاً من معاني المفردات و الكلمات إلى الحكم على الأشياء بالصواب و الخطأ .

وقديما قال أبوالعلاء المعري :

و ينشأ ناشئ الفتيان منا              على ما كان عوّده أبوه(10).

و لعل أهم الأدوار الثقافية للأسرة مراقبة ما يقدَّم للأبناء من خلال وسائل الإعلام ، فالأسرة لا تستطيع أن تمنع ما يقدَّم في هذه الأجهزة إلا أنها تستطيع أن تراقب ما يقدَّم لأبنائها من برامج إعلامية ، لأن في بعض هذه البرامج ثقافة و فكراً لا تتفق مع ما تهدف إليه الأسرة من التربية السليمة لأبنائها.

و الأسرة  ـ كذلك ـ مرجع لثقافة الطلاب و الطالبات ، فما زال كثير منهم يلجأ إلى أسرته للتعرف على ما يحتاجه من ثقافة معينة أو معلومة جديدة خاصة إذا كانت هذه الأسرة تعنى بالثقافة .

إلا أن دور الأسرة بدأ يتراجع لصالح مؤثرات أخرى كوسائل الإعلام و المؤسسات المجتمعية ، فبسبب التحول الاجتماعي الذي طرأ على أطوار كثير من مكونات المجتمع و وحداته فقد أصبحت الأسرة مشدودة إلى مؤثرات كثيرة ، مثل طول ساعات العمل للوالدين أو أحدهما و الاهتمام بقضايا حياتية كتوفير مصادر الدخل و العلاقات الاجتماعية ، و اقتصار حجم الأسرة على الأسرة النووية بما لها من دور محدود ، و تراجع الدور الواسع و المؤثر للأسرة الممتدة ، و دخول عوامل مؤثرة جديدة داخل الأسرة و هي جهاز التلفزيون أو الكمبيوتر ، كل ذلك أثر على هذا الدور فأصبحت ساعات التواصل بين الأسرة محدودة أو قليلة ، و أصبح الأبناء يبحثون عن إجابة لتساؤلاتهم في أجهزة الإعلام كالإذاعة و التلفزيون و شبكة الاتصالات و شبكة المعلومات وغيرها من مصادر المعرفة  ، 

وقد أدى ذلك كله إلى إضعاف دور الأسرة في تكوين الثقافة التربوية للأبناء .

2. : المعلم :

يعتبر المعلم محور العملية التعليمية إذ أن جميع العوامل الأخرى كالمنهج والكتاب والوسائل المساندة لا تستطيع التأثير أو تطوير مسيرة التعليم دون أن تمر من خلال المعلم ، فهو يقوم بصياغة تفكير الإنسان وتربيته وتطوير مهاراته  فالمعلم هو القائد والمحرك للعملية التعليمية .

 ومن هنا تأتي أهمية الاهتمام به بما يتناسب مع دوره الملقى عليه وهو النيابة عن الأنبياء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "العلماء ورثة الأنبياء " إن أثار المعلم واضحة على التعليم والمجتمع .

إن مهنة التعليم هي المهنة الأم كما يعبر عنها (Chandler) شاندلر فهي The Mother Profession  ، كما أنها المصدر الأساسي لبقية المهن(11). 

وهي كما يقول "فردريك ماير “Fredrich Mayer" المهنة التي من خلالها يحاول المعلمون أن يجددوا وأن يبتكروا وأن ينيروا عقول طلابهم وأن يوضحوا الغامض ويكشفوا الستار عن الخفي ، كما أنهم يحاولون أن يربطوا بين الماضي والحاضر ، وبين الطيب والرديء وكل ذلك بهدف أن يبينوا لطلابهم الطريق السوي والمعلمون بعملهم هذا إنما يخلقون في نفوس الأجيال الناشئة الأمل واليقين ويبينون لهم الغث من السمين  إنهم باختصار يتركون آثاراً عميقة وتغييرات لا تنمحي من حياة المجتمعات التي يعملون بها ، كم أنهم من جانب أخر يسهمون بلا حدود في رفاهية مجتمعاتهم وفي ربط أبناء أمتهم بعضهم إلى بعض من خلال توحيد أفكارهم ، وبالتالي مشاعرهم  إنهم في حقيقة الأمر يعتبرون أن عملهم في مهنة التدريس هو خير ما يمكن أن يقدموا لمجتمعاتهم ، وليس هذا فحسب ، بل إنهم بعملهم هذا إنما يسهمون في تشكيل مستقبل تلك المجتمعات بتشكيلهم لشخصيات الشباب منذ نعومة أظافرهم ، هؤلاء الشباب الذين يحملون عبء المسؤولية في مستقبل أوطانهم وشعوبهم.

إن الاتجاه العالمي في التربية الحديثة يذهب إلى إعطاء المعلم أدواراً أكثر من مجرد الأداء للمادة العلمية إذ يتطلب منه أن يقوم بأدوار شتى كتعليم الطالب طريقة التعليم وليس التعليم وحده ، كما يطلب منه أن يتابع المستجدات الحديثة في ميدانه ويطور إمكانياته ومهاراته المهنية والتركيز على البحوث العلمية الميدانية وعدم الاكتفاء بالتلقين النظري خاصة مع تسارع المستجدات العلمية الحديثة وتطور وسائل التقانة مما يفترض معه قدره المعلم على التعامل مع هذه التقانة ، أو تنمية مهاراته كما عرفها "هندرسون Handerson " بأنها أي شئ يحدث للمعلم من أول يوم يلتحق فيه بالمهنة إلى اليوم الذي يتقاعد فيه عنها ، بحيث تسهم هذه الأشياء وبصورة مباشرة أو غير مباشرة في الطريقة التي يؤدي بها واجباته المهنية "(12).

لقد خرج المعلم بدوره إلى ميدان أوسع من ميدان التعليم إلى ميدان التربية ، وبهذا يعود المفهوم الشمولي الذي دعى إليه الإسلام في قيام المعلم بهذا الدور إذ لم يفصل بين الفكرتين بل دعى إليهما باعتبارها وجهان لعملة واحدة ، بل تكاد التربية تسبق التعليم ، يقول تعالي "كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" ولذا شاع القول المشهور "لولوا المربي ما عرفت ربي" واستمع إلى الإمام الغزالي وهو يصف المعلم ودوره فيقول " فمن علم وعمل بما علم فهو الذي يدعى عظيماً في ملكوت المساء ، سيصبح كالشمس التي تضئ لغيرها وهي مضيئة في نفسها ، والمسك الذي يطيب عبيره وهو طيب ومن اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمراً عظيماً وخطراً جسيماً وليحفظ آدابه ووظائفه "(13) .

وهذا عمر بن عقبه يقول لمعلم ولده " ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك فإن عيونهم معقودة بك ، فالحسن عندهم ما صنعت ، والقبيح عندهم ما تركت علمهم كتاب الله ، ولا تملهم فيه فيتركوه ، ولا تتركهم منه فيهجروه ، روّهم من الحديث أشرفه ومن الشعر أعفه ، ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه ، فإن ازدحام الكلام في القلب شغلة للفهم ، وعلمهم سنن الحكماء ، وأخلاق الأدباء ، وكن لهم كالطبيب الذي يعالج بالدواء حتى يعرف الداء" (14).

ولذا فالمعلم الذي يؤمل أن يقوم بهذا الدور هو المعلم المطبوع وليس المعلم المصنوع وفق ما يعرف هانت ولورنس Hunt and Lawrence أي المعلم الذي طُبع على عملية التربية والتعليم فأصبح ذلك جزء من حياته وطبعه وليس ذلك المعلم الذي "يصنع صناعة" ليصبح معلماً حيث أن هذا الدور ليس دوراً تكفي فيه الدربة والصناعة بل لا بد من مميزات وسمات ذاتية ترقى بالإنسان إلى أن يكون في منزلة المعلم ، لذلك فإن أمثال هؤلاء المعلمين هم الذين يتركون أثراً واضحاً على العملية التعليمية ، كما يقول "جون لاسكا John A. Laska في كتابه “Schooling and Education"  (التمدرس والتربية) حيث يذكر "أن المناهج تكاد تكون واحدة في معظم مدارس البلد الواحد ، وكذا الكتب التي تعالج تلك المناهج بالإضافة إلى أن المباني المدرسية تكاد تتشابه ، إن لم تتطابق ، ولكن المخرج أو الناتج من هذه المدارس متمثلاً في الخريجين من الطلاب ، وما حصلوا من علوم ومعارف ومهارات ، وما اكتسبوا من صفات جديدة أضيفت إلى شخصياتهم التي دخلوا بها المدارس من قبل ، هذا الناتج يختلف من مدرسة إلى أخرى ، ويستنتج الرجل أن العنصر الفعال والفارق المميز في الحالتين هو بلا شك ، المعلم والدور الذي يقوم به ، ذلك أنه يترك بصماته الواضحة على العملية التربوية بشكل لا يقبل الجدل(15) .


لكن هذه الصورة المثالية ليست منطبقة في بعض الأحيان على المؤسسات التعليمية العربية في كثير من البلدان .


إذ مازالت العلاقة بين الأستاذ والطالب في عالمنا العربي تعتريها حالات من التردد ، فصورة الأستاذ أو المعلم في ذهن الطالب هو ذلك الإنسان المتعالي المتشدد في معاملته قليل الابتسامة، يستخدم مصطلحات وكلمات لا يستوعب الطلاب كثيراً منها، ويقيم حاجزاً نفسياً بينه وبينهم، لا علاقة لهم به خارج قاعة الدرس .. إلى غير ذلك من الصور السلبية التي يرسمها الطلاب عن أساتذتهم ومازالت مخيلة الذين درسوا في المؤسسات التعليمية العربية تحتفظ بنماذج من هؤلاء الأساتذة على الرغم من الإقرار لهم بالفضل والعلم!! وإذا كانت هذه الرؤية لدى الطلاب فإن رؤية الأساتذة لطلابهم لا تقل (سوداوية) عنه إذ هم يرون في طلابهم مجموعة من الأشخاص الذين لا يسعى معظمهم للعلم وتحصيله بل للحصول على الشهادة العلمية بقليل من الجهد وأن هذا الجيل ليس كالأجيال السابقة في جدّه واجتهاده، وقليلاً ما يتميز بعض الأساتذة بعلاقات جيدة مع طلبتهم، ويساعد على ذلك أن قوانين وأنظمة المؤسسات التعليمية لا تنظم مثل هذه العلاقة من خلال قاعات الدرس أو ما شابهها، كما أن إعداد الأساتذة والمعلمين ـ في الغالب ـ لا يتضمن طرائق التعامل مع الطلبة وإنما تجعل ذلك وفقاً للأنظمة واللوائح ووفقاً لاجتهادات الأستاذ أثناء أدائه للخدمة. ومن هنا نشأت حالة من الانفصام بين الأستاذ أو المعلم من جهة وبين طلبته من جهة أخرى وتراجع دور المربي والقدوة إلى دور آلي خال من الروح الإنسانية، ويكون الضحية في ذلك هو الطالب والطالبة الذي جاء إلى المؤسسة التعليمية مثقلاً بكثير من الأسئلة التي يحتاج إلى إجابة لها كما جاء بقيم وأفكار ومعتقدات ومفاهيم تحتاج من الأستاذ والمعلم إلى تصويبها أو تأكيدها خاصة وأنه يعيش في نظام تعليمي يفتقد في كثير من جوانبه إلى حرية التعامل والحوار، كما يفتقد إلى أسس التعلم الذاتي الصحيح ، والتي هي أهم ركائز التعليم .

إن دور الأستاذ أو المعلم في علاقته مع الطالب قد تجاوز الأطر التقليدية التي كانت سائدة في المؤسسات العربية وبدا واضحاً أهمية تطوير هذه العلاقة من خلال وضع أسس جديدة تتلاءم وروح المتغيرات المعاصرة التي تقوم على تعدد مصادر المعرفة العلمية للطالب، فلم يعد الأستاذ يشكل المصدر الأساسي للتعليم و التثقف ، كما كان عليه الحال قبل عقود مضت بل أصبح دور الأستاذ أو المعلم هو مساعدة الطالب للوصول إلى مصادر المعرفة من خلال تنمية الرغبة في التعليم والبحث ورفع دافعيته لذلك، بعيداً عن ارتباط التعليم بتحقيق الغايات المحدودة للطالب –خاصة في مجتمعات الخليج العربي- إذ أن دافعية الطالب المحدودة للتعليم قد تراجعت –بصفة عامة- بسبب تغيير النظم الاجتماعية والاقتصادية إذ شكلت الوفرة المادية حاجزاً دون تنمية الرغبة في التعليم ولذا نجد بعض الطلاب يأتي للمؤسسة التعليمية من أجل الحصول على الشهادة العلمية كمكانة اجتماعية دون أن يكون العلم هدف لذاته، كما أن فئة أخرى جاءت من أجل الحصول على الشهادة العلمية كمدخل للعمل الوظيفي، ومع أهمية الهدفين السابقين إلا أن ذلك يحد من رغبة الإنسان ـ طالباً كان أم غيره ـ في الحصول على العلم والمعرفة لذاتهما، وهنا يأتي دور الأستاذ أو المعلم في معالجة هذه الظاهرة –لا إلغائها- وتغيير رؤية الطلاب للشهادة العلمية وتنمية دافعيتهم للتعلم حتى تبقى هذه الروح مستمرة معهم بعد تخرجهم .

3. : المكتبات التعليمية :

ما زالت المكتبات بصفة عامة و المكتبات في المؤسسات التعليمية بصفة خاصة مصدراً أساسياً من مصادر الثقافة التربوية للطلاب و الطالبات ، فهي مصدر علمي يسند المقررات الدراسية و التدريبية حيث يجد فيه الطلاب و الطالبات مبتغاهم من المصادر و المراجع التي يحتاجونها لدعم دراستهم التخصصية أو أبحاثهم العلمية ، و تسعى المؤسسات التعليمية إلى أن تكون مكتباتها ملبية لاحتياج الباحثين فيها سواء كانوا أساتذة أم طلاباً ، و لذا فإنها تقوم بتطوير مكتباتها و رفدها بالدراسات و الأبحاث و الكتب الجديدة ، و قد يسرت وسائل التكنولوجيا سبل الاستفادة العلمية من المكتبات خاصة مع توفر الكتاب الإلكتروني أو المكتبة الإلكترونية التي لا تحتاج إلى انتقال مكاني أو ساعة زمنية محددة للاستفادة منها .

و إذا كانت المكتبة مصدراً علمياً أساسياً للطلاب و الطالبات فإنها مصدر ثقافي لهم كذلك إذ أنها تخرج من كونها مصدراً مسانداً للعملية التعليمية لتصبح مصدراً للثقافة من خلال ما تحتويه من كتب و مراجع و مصادر مختلفة إلى جانب احتوائها على المجلات العلمية و الصحف و البرامج السمعية و البصرية ، فهي بذلك جزء من دعم النشاط الثقافي العام و مصدر لثقافة الطلاب و الطالبات .

لكن المتتبع لدور المكتبات في المؤسسات التعليمية يجد أن الاستفادة منها كمصدر للثقافة ما زال محدوداً ، إذ ما زال طلاب و طالبات المؤسسات التعليمية يعتقدون أن دور المكتبة مقصور على توفير المراجع و المصادر العلمية و أن مصادرهم الثقافية لا مكان لها في هذه المكتبة ، و لعل مرجع ذلك إلى (تقليدية) الدور الذي تقوم به بعض المكتبات ، إذ يقتصر دورها على توفير الكتب دون القيام ببرامج و أنشطة تخرج بها من هذا الدور إلى الدور الثقافي العام بحيث تشجع الطلاب و الطالبات على الاستفادة منها و من برامجها ، و ترجع بعض الأسباب إلى الطلاب و الطالبات أنفسهم ، و من ذلك :

أ . عدم إدراك الطلاب و الطالبات للثقافة كمكوّن أساسي لحياتهم الشخصية ، إذ لا يتوقف دور الطالب أو الطالبة بعد تخرجه على المادة العلمية التي درسها ، بل يمارس دوراً واسعاً في الحياة يتطلب منه إحاطة شاملة بشؤونها ، و من لم يتسلح بالثقافة العامة و المعرفة إلى جانب التأهيل العلمي و التدريب فلن يستطيع أن يقوم بدوره في الحياة كما ينبغي .

ب . تراجع مكانة القراءة كمدخل للثقافة ، فكثير من الطلاب و الطالبات لا يقرءون إلا المقررات الدراسية أو ما يكلفهم به أساتذتهم من واجبات ، لكن القراءة و المطالعة كرغبة و هواية لم يعد لها ذلك الدور المهم على الرغم من توفر الوسائل المساعدة في ذلك .

إن كثيراً من الطلاب و الطالبات لديه الرغبة في القراءة لكنه لا يعرف كيف يبدأ و ماذا يقرأ و لا يعرف أساليب القراءة و كيفية الاستفادة مما قرأ ، إلى غير ذلك من المعوقات أمامه التي يحتاج معها إلى توجيه وإرشاد يمكنه من الاستفادة من المكتبة .

ج . غياب الاهتمام الثقافي العام و التثقيف الذاتي ، إذ أدى تطور الحياة السريع و تشتت الاهتمام في جوانب كثيرة من الحياة و انصراف الإنسان إلى الاهتمام بحياته و مصادر رزقه و ضياع كثير من الأوقات ، و غياب الاستعداد للعمل الثقافي و تراجع هذا العمل إلى العزوف عن الشأن الثقافي ـ بصفة عامة ـ لصالح مظاهر اجتماعية أخرى ،إن المراقب  لحال طلاب و طالبات لا يجدهم يختلفون كثيراً عن واقع المجتمع الذي يعيشون فيه ، و هم في ذلك غير ملامين ، فهم نتاج مجتمعهم أو بيئتهم ، و قد تأثروا به و تعودوا على ما عودهم عليه ، و من هنا فإن الشكوى من ضعف المستوى الثقافي لكثير من للطلاب و الطالبات ليس إلا تعبيراً عن المستوى الثقافي العام .

ولذا تدني مستوى القراءة ـ وهي المدخل للثقافة بصفة عامة والثقافة التربوية بصفة خاصة ، تدنى ـ بحيث أصبحت نسبة من يقرأ منهم قراءات خارج المنهج الدراسة محدودة ، تشير إحدى الدراسات ( العاني2005 ) إلى أن "عدد الكتب التي قرأها الطالب في العام الأكاديمي (فترة إعداد الدراسة ) 2003/2004 -غير الكتب الدراسية المقررة- ( تتفاوت بين الطلبة ) فنجد أن أعلى نسبة سجلت لفئة (1-2) كتاب بلغت (37.5%) وأن فئة (3-4) كتب بلغت نسبتها (29%) وفئة (5) كتب فأكثر بلغت نسبتها (25.3%)،  فهذه النتائج تشير إلى أن الطالب يقرأ كتباً إضافية ويطالع مطالعات خارجية ولكن لا تزال قليلة جداً في الوقت الذي يتطلب منه أن يقرأ أكثر وخاصة أنه في مرحلة إعداد أكاديمي- تربوي يتطلب منه الاستزادة من طلب المعرفة الموجودة في الكتب والتي لا تتحقق إلا من خلال قراءتها واستيعاب مضامينها بدافع ذاتي، فالقراءة هي مفتاح العلم والمعرفة (16) .

وقد كشفت دراسة أخرى (حوّاس1999) حول المستوى الثقافي للطلاب ، نتائج مقلقة ،إذ أن معظم الطلاب لا يقرؤون الصحف المحلية مطلقاً ، في حين بلغ متوسط ساعات الجلوس أمام التلفاز 6 ساعات يومياً ، وكشفت الأسئلة التي تتعلق بالشخصيات العامة عن جهل الطلبة بأسماء شخصيات لها دور وطني بارز ، فمثلاً عرف الكثيرون المفكر التنويري عبد الرحمن الكواكبي على أنه صحافي مصري ، وسعد زغلول بأنه شاعر سوري والشاعر التشيلي ( بابلوينرودا ) بأنه أديب مغربي وهكذا . ولكن الأمر اختلف عند ما تعلق السؤال بمسألة تلفزيونية أو سينمائية ، إذ تم السؤال عن جنسية الممثلة الأمريكية " شارون ستون" وعن فلم "غريرة أساسية " كأشهر أفلامها إذ كانت أجوبة أكثر الطلاب صحيحة ، وأنحى الطلاب باللائمة على أساتذتهم في ذلك ، وعن مسؤوليتهم في أنهم يلقّنونهم معلومات غير صحيحة تدل على جهلهم بالحقائق التاريخية ، وأعطى أحدهم مثالاً بأستاذه الذي لا يعرف أن سورية استقلت عام 1946م !! وفي مصر تقدم لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري أكثر من ( 2000 ) من خريجي الجامعات للعمل مذيعين ومترجمين ومحررين ، ولم ينجح واحد منهم في الاختبار رغم أن الأسئلة كانت تدور حول المعلومات العامة فإن إجاباتهم حملت العجب العجاب منها أن انجلترا عاصمة بريطانيا ومنابع نهر النيل تبدأ من دلتا مصر والسد العالي أنشئ بعد حرب أكتوبر 1973 ، تركيا دولة عربية ونجيب محفوظ من رواد الواقعية في السينما المصرية!! ، أما في الكويت فالأمر لا يختلف كثيراً حيث أجرت صحفية الرأي العام الكويتية استطلاعاً على مجموعة من الشباب لقياس مستوى ثقافتهم فتبين أن لديهم معلومات جيدة عن الممثلين واللاعبين وعروض الأزياء والموضة ، وبسؤالهم عن كوفي عنان اعتبره59% من العينة حارس مرمى منتخب الكاميرون ، وبعضهم اعتبره منظراً شيوعياً ، بينما لم يتعرف على عمله الحقيقي كأمين عام للأمم المتحدة ( السابق ) سوى 23% ، أما روجيه غار ودي فأجاب 16% من أفراد العينة أنه لاعب في منتخب فرنسا 1998 م ، بينما لم يتعرف عليه سوى 23% من الشباب ، أما الشيخ أحمد ياسين زعيم حماس فقد اعتبرته الأغلبية أنه شقيق الممثل الكوميدي إسماعيل ياسين (17) .


ولا تختلف الصورة ـ كثيرـ في أي أو مؤسسة تعليميةعربية عما ورد في مثل هذه الاستبيانات .


4. : جماعة الأصدقاء :

يشكل الأصدقاء مصدراً للثقافة التربوية بالنسبة لزملائهم خاصة لأولئك الذين لا يجدون مصدراً للإجابة على تساؤلاتهم التربوية و الثقافية ، فقد أصبح "عالم" الأصدقاء بالنسبة لكثير من الفتيان و الفتيات موئلاً مهماً للإباحة لهم بمشكلاتهم ، و هو مهم ، خاصة و أنهم يجدون فيهم الثقة المناسبة و المقاربة في العمر و القدرة على التجاوب معهم دون تعنيف أو إساءة كما يحدث ـ أحياناً ـ من بعض الوالدين أو المعلمين ، و لذا يلجأ بعضهم إلى أصدقائهم للاستفادة من آرائهم و أفكارهم و حلولهم للمشكلات التي تواجههم ، خاصة أولئك الأصدقاء الذين يملكون قدراً من المعرفة يميزهم عن أقرانهم ، أو يملكون قدرات قيادية يستطيعون من خلالها قيادة زملائهم و أصدقائهم .

إن جماعة الأصدقاء تمارس ـ أحياناً ـ أدواراً تتجاوز دور المدرسة أو الأسرة ، يقول (وارنر) (Warner) و (لنت) (Lunt) : "إن العضو المراهق أو المراهقة في جماعة الأصدقاء ، قد يقف من أسرته موقف التحدي و يعارضها ، في سبيل المحافظة على كرامة رفاقه و احترامهم ، في حالة تعارض ميول الجماعتين" (18) .

و إذا كان الأصدقاء يشكلون مصدراً للثقافة التربوية فإن بعضهم ـ قد ـ يشكل مصدراً للانحراف خاصة تلك المجموعات التي تلتقي على القيام بأعمال منافية للأخلاق أو مخالفة للقانون ، مثل تعاطي المخدرات أو الانحرافات السلوكية أو جرائم السرقة أو حتى مشاجرات الطرق ، و من هنا تأتي أهمية و خطورة الثقافة التربوية التي يتلقاها الطلاب من أصدقائهم ، و لذا نجد التعاليم الإسلامية تحض على حسن اختيار الأصدقاء ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "مثل الجليس الصالح و جليس السوء كمثل حامل المسك و نافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تشتري منه أو تجد منه ريحاً طيبة ، و نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحاً نتنة" (19). 

و قال عليه الصلاة و السلام : "المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل" (20). 

إن كثيراً من جماعات الأصدقاء تنشئ لها ثقافات خاصة و علاقات مقيدة ، إذ يكون تأثيرها أكبر من المؤثرات الأخرى ، لأن التفاعل داخلها يتم اختيارياً و بإرادة حرة عكس ما عليه التفاعل داخل الأسرة أو المدرسة الذي يكون متصفاً بالإلزام ، كما أن الاندماج داخل جماعة الأصدقاء يتم بحرية و سهولة ، و يستطيع الفرد داخلها أن يعبر عن ذاته و ميوله و انفعالاته بيسر و حرية ، بينما يتم ذلك داخل الأسرة و المدرسة تحت إشرافهما و في كثير من الأحيان بإجازتهما ، إضافة إلى أن جماعة الأصدقاء تشعر الفرد باستقلاليته الشخصية و قدرته على اختيار عناصر المجموعة ، و على الرغم من السلبيات التي قد تعتري جماعة الأصدقاء إلا أنها تسهم في الإثراء الثقافي و المعرفي لأعضائها إذا أحسن الواحد منهم اختيار المجموعة التي ينتمي إليها، أو كانت هناك قيم إيجابية مشتركة بين المجموعة .

و قد ساعدت وسائل الاتصال الحديثة من هواتف نقالة ذات قدرات تكنولوجية عالية و شبكات المعلومات و طرق الاتصال التكنولوجية من تعاظم دور الأصدقاء في التأثير الذي تقوم به مجموعاتهم ، و لعل المنتديات على شبكة الإنترنت تمثل نموذجاً لما يمكن أن تؤثر فيه وسائل الاتصال الحديثة من أدوار لمجموعات الأصدقاء ، ففي دراسة حول اتجاهات الشباب الخليجي نحو وسائل الإعلام ( الحمود و آخرون )أجاب 35% من العينة التي تم استقصاء آرائهم بأنهم يشاركون المنتديات على شبكة الإنترنت بصفة دائمة ، كما أجاب 25% أنهم يتابعون ذلك أحياناً ، أي أن الذين يتابعون هذه المنتديات يبلغ 60% من عدد المشاركين . و المتتبع لهذه المنتديات يجد أنها قد طورت علاقة الأصدقاء من علاقة مباشرة إلى علاقة واسعة ممتدة لا يمكن أن توضع لها حدود و لا يتوقف تأثيرها على مستوى معين أو فئة معينة ، بل يمكن أن تمتد إلى مساحات واسعة من التأثير ، و لا أدل على ذلك من أن 26% ممن تم استقصاء آرائهم في الدراسة السابقة أجابوا بنعم حين تم سؤالهم عن تأثير المنتديات في نشر ثقافة التفرقة الطائفية أو القبلية، كما أجاب 47% بـ أحياناً ، أي أن الذين يرون أن المنتديات تسهم في نشر هذه الثقافة هم 73% !! مما يشير إلى أهمية دراسة ظاهرة الصداقة الإلكترونية !!(21)  .

5. : المؤسسات المجتمعية :

إن طلاب المؤسسات التعليمية و طالباتها يأتون إليها و هم محملون بكثير من القيم الثقافية التي تلقوها من مؤسسات المجتمع و مكوناته المتعددة ، و تستمر معهم هذه القيم في مرحلة دراستهم ، بل تزداد رسوخاً من خلال تأكيد الدراسة على هذه القيم أو أنها تتعرض للتهذيب و التوجيه من خلال ما يتلقاه الطلاب و الطالبات على يد أساتذتهم و في مؤسستهم التعليمية و التربوية .

و لعل أبرز مؤسسات المجتمع تأثيراً في الثقافة ، هي المؤسسات الدينية كالمساجد و المراكز الدعوية و هيئات الإفتاء و وزارات الشؤون الإسلامية و غيرها من المؤسسات الدينية التي ترسم إطاراً محدداً لكثير من التصورات و الثقافات التي يتلقاها الطلاب و الطالبات ، و يمتد تأثيرها إلى كافة أطياف المجتمع ، و لقد توسع هذا الدور و أصبح مصدراً ثقافياً مهماً خاصةً في جوانب معرفة الأحكام الشرعية ككثير من أمور العبادات و المعاملات و الحياة و تزكية النفس و تهذيبها ، و لبيان مواقف الإسلام من القضايا العامة أو للرد على الشبهات و التحديات التي تواجه المسلمين أو لغيرها من مكونات الثقافة العامة للفرد . و قد تزايد دور هذه المؤسسات في السنوات الأخيرة من خلال استخدام وسائل جديدة كالأشرطة المسجلة أو أشرطة الكمبيوتر المدمجة (C.D) أو الكتيبات الصغيرة أو استخدام شبكة الإنترنت بل استخدام الرسائل الهاتفية القصيرة .

إن كثيراً من الطلاب و الطالبات يبنون آراءهم و يتخذون مواقفهم من خلال التأثير الثقافي لهذه الوسائل مما يعني أهميته دورها في رسم السلوك و القيم لدى هؤلاء الطلاب و الطالبات ، خاصة و أن هذه المؤسسات تحظى بالرضا و القبول لدى متلقي رسالتها الثقافية لارتباطها بالمشروعية الدينية المعتمدة على النصوص و الأدلة الشرعية .

و من مؤسسات المجتمع المؤثرة ثقافياً المراكز و الأندية الثقافية و الأدبية و الجمعيات الاجتماعية التي تنتشر في بعض الأقطار ، إذ تشكل هذه المراكز و الأندية مصدراً تثقيفياً لعامة أبناء المجتمع ولطلبة وطالبات المؤسسات التربوية و التعليمية من خلال البرامج الثقافية والأدبية كالمحاضرات والندوات والمؤتمرات وكذا نشر الكتب والدوريات والمجلات وغيرها من البرامج التي تُقدم و يتم تنفيذها سواء كان ذلك في ذات المركز أو النادي أو الجمعية ، أو يتم تقديمها في المؤسسات وفق برامج مشتركة بينهما .

لقد أصبح للمؤسسات المجتمعية دور كبير في الثقافة التربوية وأصبح من الضرورة أن يتكامل ما تقدمه هذه المؤسسات مع ما تقدمه المؤسسات التربوية و التعليمية . 

ثانيا : مصادر الثقافة الإعلامية :

تعتبر وسائل الإعلام من أكثر وسائل التأثير في الرأي العام و تحديد اتجاهاته ، بل أصبحت هذه الوسائل مصدراً أساسياً للثقافة العامة لكافة فئات المجتمع ، فقد امتد تأثيرها إلى معظم أفراد المجتمع من خلال ما تقدمه من محتوى يحمل مضامين متعددة تلقى قبولاً لدى هذه الفئات ، فبين برامج موجهة للأطفال و الأسرة إلى برامج تعنى بالشأن السياسي و الاقتصادي و الرياضي والفني ، تتوزع المادة الإعلامية التي تبثها القنوات الفضائية بكل ما تحمله من مضامين ، بل بدأت بعض وسائل الإعلام في التحول إلى إعلام متخصص في مجال محدد ، فهناك قنوات فضائية مخصصة للأطفال و أخرى للأسرة و ثالثة للصحة  رابعة للبيئة ، كما اتجهت قنوات أخرى للاهتمام بالثقافة سواء كان ذلك بتخصيص برامج ثقافية على خارطتها الإعلامية أو أن يكون محتوى القناة الفضائية ثقافياً بحتاً وجود أي برامج الأخرى ، و ما يقال في القنوات الفضائية يمكن أن يمتد إلى الإذاعة و الصحافة ، أما الإعلام التكنولوجي كشبكة الإنترنت والوسائط التكنولوجية فقد تجاوزت جميع الأدوار لتصبح أحدى مصادر الثقافة الإعلامية المهمة بما تتميز به من تجاوز لكافة العوائق سواء كان ذلك في الوقت الذي تبث فيه المادة الإعلامية أو مجالها الجغرافي أو مجالات رقابتها و منعها .

إن وسائل الإعلام التكنولوجية المعاصرة تشكل أهم التحديات أمام الثقافة ، فهي بين استجابة لمتطلبات هذه الوسائل و قدرة على الاستفادة منها ، و بين الحد من بعض آثارها السلبية التي لم تعد خافية على أحد ، ولذا فإن الثقافة الإعلامية تتم صياغيتها من خلال عدد من الوسائل أبرزها :

1. : وسائل الإعلام الفضائية :

يشكل البث الفضائي (التلفزيون و الإذاعة) أبرز مصادر الثقافة الإعلامية ، و تكمن خطورته في عدم القدرة على الحد من تأثيراته السلبية على الرغم من الجوانب الإيجابية التي لا يمكن إنكارها ، و التي تشكل مصدراً جيداً للثقافة الإعلامية ، لكن التأثيرات السلبية هي الغالبة على ما  تقدمه القنوات الفضائية المرئية منها و المسموعة ، فمتابعة لكثير من القنوات الإذاعية و الفضائية يمكن أن يخرج منها المتابع بحصيلة وافرة من الآثار التي تخلفها المواد الإعلامية التي يتم بثها ، خاصة تلك المضامين التي تحملها المواد الإعلامية و تكون متناقضة مع المضامين التربوية التي يتلقاها الفرد من المجتمع ، علما بأن أكثر المتأثرين بهذه المواد الإعلامية هم جيل الشباب و خاصة الطلاب و الطالبات . فالمواد الإعلامية التي تقدمها القنوات الفضائية ترتبط بأساليب تشويق و جذب تفتقر إليه مصا ر الثقافة التربوية ، فالصورة و الصوت تترافقان ـ عادةً ـ مع مؤثرات تسيطر على إدراك المشاهد و وعيه ، و تبث إليه بصورة غير مدركة قيما و مفاهيم و نماذج للحياة يتلقاها المشاهد أو المستمع بحواسه ثم يختزلها في عقله الباطن لتتحول بعد ذلك إلى سلوك و عادات قد لا تتفق مع ما عليه المجتمع من قيم و أعراف .

لقد تطورت أدوات الإعلام السمعية و البصرية تطوراً واسعاً و سريعاً ليس على مستوى الإمكانيات المادية بل على مستوى المحتوى الإعلامي الذي تقدمه ، فمنذ دخل التلفزيون إلى حياة الإنسان على يد عالم الفيزياء الأمريكي (الروسي الأصل) فلاديمير كوزما زوريكين ، عام 1924 شهدت البشرية نقلة نوعية في مجال الاتصال ، ازدادت تطوراً مع التقدم العلمي الذي وصلت إليه البشرية في عصرنا الحاضر ، و ازداد بالمقابل تأثيرها على الفرد و الأسرة و المجتمع .

إن معظم الدراسات العلمية تشير إلى أن مدى تأثير وسائل الإعلام على تكوين ثقافة الفرد و سلوكه ، خاصة السلوكيات السلبية في حياة كثير من الشباب فقد جاء في إحدى المجلات :(أن الفضاء العربي ازدحم في وقت قصير نسبياً بنحو 140 قناة فضائية وتزايدت نسب مشاهدة الجمهور لهذه الفضائيات وتفيد إحدى الدراسات العلمية الحديثة أن نسبة 69 % من الجمهور العربي يشاهدون الفضائيات لمدة أربع ساعات يومياً وأن 31 % منهم يشاهدونها لمدة ثلاث ساعات يومياً و 34.5 % لمدة ساعتين و15 % لمدة ساعة واحدة يومياً على حين بلغت نسبة نمو مقتني أطباق البث 12 % سنوياً و 40 % من هذه الفضائيات تتبع الحكومات العربية والبقية تعتبر مستقلة ظاهرياً فقط ، وتمثل البرامج الإخبارية في هذه الفضائيات حوالي 5 % فقط .

وأكد استبيان أجرته مجلة (ولدي) على 57 من آباء والأمهات و65 من الأبناء في كل من ( الكويت والسعودية والإمارات ) أن :الأبناء من سن 3 أعوام إلى 18 عام يشاهدون " الفيديو كليب ، منهم 3’92. % من الأبناء يتابعون باستمرار " الفيديو كليب "و7.7 % فقط من العينة من لا تحرص على متابعتها وأن 39 % من الأبناء تعجبهم كلمات الأغنية و 31 % يشاهدونها لجمال المغني / المغنية والراقص والراقصة و 26 % منهم يجذبهم إخراج الأغنية وعلاقة المرأة بالرجل فيها و25 % يتابعها لما تحتويه من إثارة وتشويق (22) .

و تأتي التأثيرات الثقافية على الشباب من انفتاح الفضاء أمام قنوات مختلفة منها ما يسهم إسهاماً إيجابياً ، و منها ما يؤدي إلى انحراف فكري و سلوكي لدى بعض الشباب ، و لم يعد من الممكن السيطرة على ما تبثه القنوات الفضائية العربية منها والدولية ، خاصة في ظل تراجع و ضعف القنوات الرسمية ، ففي استفتاء أجراه موقع     (arab polls) للاستفتاءات العربية أشار 53,3% ممن تمّ استقصاء آرائهم أنهم لا يثقون في الصحافة و التلفزيون الحكومي في بلدانهم , كما أشار 20% فقط أنهم يثقون بها، بينما توزعت بقية النسبة تقسيمات أخرى ، و عند سؤالهم عن القنوات التي يتابعونها تبين أن معظمها قنوات غير حكومية ، مما  يشير إلى أن ما يتلقاه شبابنا و من بينهم طلاب و طالبات المؤسسات التربوية من الثقافة ليس بيد المؤسسة الرسمية  ـ في الغالب ـ و أن مكونات هذه الثقافة ليست ـ بالضرورة ـ هي المكونات الثقافية السائدة في المجتمع ، و هذا ما يفسر بعض مظاهر التقليد التي تنتشر بين طلابنا و طالباتنا ، فهي انعكاس لما يتلقونه من ثقافات متعددة ، و ليس هذا شأن شبابنا فقط ، فقد أصبحت الظاهرة عالمية ، و غير مقتصرة على مجتمع دون غيره ، 

و تشير دراسة أخرى (البياتي 2006) إلى أن 21% من المشاهدين يشاهدون التلفزيون ساعة ، و 27,5% يشاهدونه لمدة ساعتين ، و 22,5% يشاهدونه لمدة ثلاث ساعات ، أما الذين تزيد مدة مشاهدتهم عن 3 ساعات فهم 29% ، أما نوعية البرامج المفضلة لدى الشباب فهي 4,5% البرامج الإخبارية و 4% التربوية و التعليمية و 9,5% المسرحيات و 10,5% الدينية و 14% الرياضية و 26% للأغاني والموسيقى و 8% للأفلام العاطفية و 11% لأفلام العنف و الجريمة و 4,5% للبرامج الثقافية و 8% لأفلام الرعب (ياسين خضر البياتي ـ التأثيرات الاجتماعية المحتملة للتلفزيون على الشباب ص128)

أما عن دور التلفزيون في إضعاف العلاقات الأسرية (البياتي 2006) (23)فإن 57,5% أجابوا بأن التلفزيون يتسبب في ذلك ، كما أجاب 51% بأن التلفزيون أكثر تأثيراً في الشباب من الأسرة ، كما أجاب 66% بأن للتلفزيون تأثيرات سلبية على قيم و عادات الشباب .

و تشير دراسة (الحمود و آخرون 2007) إلى إن 31% من شباب الخليج العربي يتابعون برامج (تلفزيون الواقع) أو (التصوير الحي) مثل برامج (ستار أكاديمي و سوبر ستار و الوادي) 

و في دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية و الثقافة و العلوم (اليونسكو) حول معدلات تعرض الأطفال العرب للتلفزيون إلى أن الطفل قبل أن يبلغ الثامنة العشرة يكون قد أمضى أمام شاشة التلفزيون 22,000 ساعة ، في حين يقضي 14,000 ساعة في قاعات المدرسة ، هذا إذا علمنا أن نسبة الذين يشاهدون التلفزيون ما بين سن الثامنة و الخامسة عشر بلغت 99,9% و أن هؤلاء الأطفال يقضون جزءاً كبيراً في مشاهدة التلفزيون دون رفقة من أهلهم 

و لعل أطرف الأرقام تشير إلى أن أطفال اليوم حين يبلغون عامهم السبعين يكونون قد قضوا سبعاً و عشرين سنة أمام شاشة التلفزيون .

و إذا كانت هذه الأرقام تشير إلى عظم الدور الذي تقوم به القنوات الفضائية فإن تأثيرها يأتي مساوياً لهذا الدور ، فقد نشرت إحدى الصحف(24) تقريراً حول تأثر عنف التلفزيون جاء فيه 

" أجرى أحد المواقع الإلكترونية الكندية والمسمى ijp استطلاعا لآراء 100 شاب كندي يعيشون في مدن مختلفة من «كيبيك» و«ياسينت» ولاحظت من خلال طرح عدة أسئلة  ،الأسباب المولدة للعنف لدى الشباب والتأثير القوي للتلفزيون، كأحد العوامل التي تفرز العنف لدى الشباب. وكانت الأسئلة تنحصر في إطار التلفزيون وما ينتجه من أفلام تحرض على العنف وتبعث عليه فكان السؤال الأول على الشكل التالي: إذا كنت تحضر أفلام العنف ، هل هذا يجعلك تقوم بحركات عنيفة تقلد بها ما شاهدته عبر التلفزيون؟ وجاءت إجابات الشباب بنسبة 58% نعم و 42% لا. وكان الاستنتاج أن أفلام العنف تولد لدى الشباب غريزة التقليد، فيقلد بطل الفيلم بحركاته وبما يقوم به من أعمال عنيفة، وتدمير وقتل وحرق. أما السؤال الثاني فكان يتعلق بحالة العنف في العالم ، هل ما نشهده اليوم في العالم من أعمال عنف لدى الشباب سببه التلفزيون ؟ فأجاب 62% من الشباب بالإيجاب و38% منهم بالنفي، فتبين من الأجوبة أن الشباب يعترفون بالتأثير الجامح للتلفزيون علي. ولمعرفة ميول الشباب تجاه الأصناف المتعددة للأفلام كانت النسبة الكبرى لأفلام العنف دون غيرها من الأفلام حيث بلغت النسبة المئوية 42% يحبذون أفلام العنف في حين أن محبي الأفلام الكوميدية كانوا 6% وأفلام الحب كانت حصتها 26% ، وأفلام الرعب كان معجبوها يشكلون 26% من مجموع الشباب الذين أجرى عليهم الاستفتاء. وهذه النسب تدل على أن الشباب يفضلون أفلام العنف ، إذ بإمكاننا أن نجمع النسبة المئوية لأفلام العنف مع النسبة المئوية لأفلام الرعب فنحصل على 68% من الشباب الذين يفضلون مشاهدة أفلام العنف. و لعل من أهم الآثار التي تخلفها المواد الإعلامية المستقاة من القنوات الفضائية هو تأثيرها على الهوية ، إذ أن كثيراً مما تبثه هذه الفضائيات يأتي من الدول الأجنبية بكل ما تحمله من قيم و مفاهيم و أسلوب حياة ، بل إن كثيراً مما ينتج و يقدم محلياً إنما هو صورة مكررة و مشوهة لما تقدمه الفضائيات الأجنبية ، فهناك قنوات عربية لا تقدم إلا مواداً أجنبية بكل ما تحمله من تصورات و مفاهيم و قيم تختلف أو تتناقض في كثير من جوانبها مع مقومات الهوية التي يتبناها المتلقي للرسالة الإعلامية .

و إلى جانب هذا هناك التأثيرات السلوكية التي تخلفها القنوات الفضائية ، فقد أصبح لها تأثيرات سلبية كما تشير إلى ذلك الإحصائيات و الدراسات ، ففي دراسة (البياتي 2006) أجاب 66% أنهم يرون أن للتلفزيون آثار سلبية على عادات و قيم الشباب ، كما أجاب 3% أنه (التلفزيون) يؤدي إلى انتشار الجريمة ، و أجاب 14% أنه يؤدي إلى الكسل و التراخي و 2% إلى شيوع الرذيلة ، و أجاب 22% بأن التلفزيون يؤثر سلباً على المستوى الدراسي ، لكن 59% أجابوا بأن التلفزيون يتسبب في كل تلك الآثار السلبية ، و في سؤال آخر أجاب 80% إلى أنه يؤدي إلى شيوع الاستهلاك في حياة الفرد و الأسرة ، و في إجابة أخرى ذكر 26,5% أن التلفزيون يشيع ظواهر الموضة و قص الشعر ، و أجاب 9,5% أنهم يقلدون نجوم التمثيل و الأفلام و المسلسلات في سلوكهم ، و أجاب 8,5% أنهم يتأثرون بالمفردات و الكلمات و الألفاظ السلبية من خلال التلفزيون ، و قد أجاب 55,5% بأنهم يعتقدون أن التلفزيون يؤدي إلى كل تلك الظواهر السلبية .

ومن التأثيرات السلبية الثقافية ـ التي تخلفها وسائل الإعلام ـ هو التأثير على اللغة العربية إذ تحولت هذه اللغة لدى بعض أبنائها غلى لغة (هجين) خليط من لغات شتى حتى أصبح كثير من طلاب المؤسسات الجامعية و طالباتها لا يحسن التعبير باللغة العربية أو الكتابة بها

و قد شعرت كثير من الدول بخطورة التأثير الثقافي على لغتها و ثقافتها ، فهذه وزيرة الثقافة اليونانية السابقة (ملينا ميركوري) تشتكي من مداهمة الثقافة الأمريكية ، و في فرنسا صرح وزير الثقافة (أنه خائف من وقوع الشعب الفرنسي ضحية الاستعمار الثقافي الأمريكي) بل إن رئيس وزراء كندا الأسبق (بيار ترودو) يشتكي من تأثير الثقافة الأمريكية على الشعب الكندي علماً بأن كندا هي الأقرب ثقافياً إلى أمريكا بحكم الجوار الجغرافي .

و إذا كانت هذه هي الآثار السلبية للقنوات التلفزيونية الفضائية ، فإن الجانب الآخر يجب ألا يغيب عن أي باحث ، فلا شك أن للتلفزيون آثاراً إيجابية لعل من أبرزها دوره في زيادة مدركات المشاهد خاصة الأطفال أو الشباب حيث يتعرف هؤلاء على كم كبير من المعلومات و الأفكار و الآراء مما يوسع من إدراكهم ، فالفضائيات تقدم كثيراً من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها بل استخدامها في العملية التربوية ، هذا إضافة إلى أن مشاهدة التلفزيون تزيد من قدرة الأطفال على التذكر و الاستيعاب و تنمي لديهم الخيال و الابتكار كما تسهم في بناء شخصيتهم من خلال إعطائهم حرية الاختيار و الرقابة ا لذاتية و تعزز لديهم الاستقلالية و القدرة على إبداء الرأي و الرغبة في الحوار من خلال محاكاة ما يقدم في التلفزيون .

أما تأثيره الإيجابي على المؤسسة التعليمية فإنه يختصر لها كثيراً مما تقدمه ، فالبرامج التعليمية والتربوية التي تقدمها بعض الفضائيات يمكن أن تكون مصدراً معرفياً جيداً للعاملين و المؤسسة التعليمية ، كما يمكن الاستفادة من المادة العلمية في العملية التعليمية و اعتبار بعض البرامج العلمية و التربوية مرجعاً مفيداً للأساتذة و الطلبة على السواء ، لكن ذلك كله مرتبط بحسن استخدام ما تقدمه الفضائيات ، و بحسن التوجيه لمتلقي الرسالة الإعلامية من الطلاب و الطالبات .

2. :وسائل الإعلام التكنولوجية :

فتحت ثورة المعلومات عصراً جديداً للبشرية يقارن بعصر الثورة الصناعية التي غيرت كثيراً من أوجه النشاط الإنساني ، و جاءت ثورة المعلومات لفتح آفاق جديدة للمعرفة و الثقافة ، و أصبح الإنسان قادراً على التواصل مع الآخر دون حواجز أو موانع ، و تعددت مصادر المعرفة التي يمكن أن ترفع السوية الثقافية للمتعاملين معها ، و لعل أبرز وسائل الاتصال الحديثة تأثيراً في ذلك هي الوسائل التقنية كشبكة الإنترنت و البريد الإلكتروني (e.mail)  و الرسائل الهاتفية النصية (s.m.s.)  التي تجاوز دورها كوسيلة للاتصال إلى مصدر من مصادر الثقافة و المعرفة ، فشبكة الإنترنت أصبحت مصدراً مهماً للوصول إلى المعلومات سواء كانت معلومات متخصصة أم عامة ، وسواء كانت مقروءة أم مسموعة أم مرئية ، مع تيسير سرعة الوصول إلى المعلومة و سهولة الحصول عليها و تعدد هذه المعلومة ، و تزداد المادة المطروحة على شبكة الإنترنت يوماً بعد يوم فهناك اليوم ملايين الكتب و الدراسات و المقالات والأبحاث التي يمكن للإنسان الاستفادة منها بسهولة و يسر ، و تجاوز الإنسان بذلك الجهد الكبير الذي كان يبذله للحصول على هذه المعلومة في وقت واحد و مكان واحد .

و إذا كان هذا شأن شبكة الإنترنت بصفة عامة ، فإن استفادة الطلاب و الطالبات ـ بصفة خاصة ـ تأتي في مقدمة  المستفيدين منها ، نظراً لحصولهم ـ في الغالب ـ على تأهيل و تدريب علمي يمكنهم من الاستفادة من هذه الشبكة بصورة جيدة و سهلة ، كما أن مهاراتهم التقنية أكبر من غيرهم ممن لم يتوفر لهم حظ التعرف على هذه التقنية ، و هذا ما نجده في الفرق بين طلاب المؤسسات التربوية و عامة الناس بل وبعض آبائهم في استخدام شبكة الإنترنت ، ففي دراسة حول استخدام الطلبة لشبكة الانترنت ( العاني 2006 ) (25)أجاب 75.4% أنهم يستخدمون الشبكة لمدة تتراوح لبن 1ـ2 ساعة ، بينما أجاب 17% أنهم يستخدمونها مبين 3ـ ساعات ، وأجاب 3.8% انهم يستخدمونها أكثر من 5 ساعات ، وفي دراسة أخرى ( الحمود وآخرون 2007 ) (26)أجاب 26% أنهم يستخدمون شبكة الانترنت أقل من ساعة بينما أجاب 30% أنهم يستخدمونها ما بين 1ـ2 ساعة ,أجاب 26% انهم يستخدمونها مابين 2ـ4 ساعات ، أما الذين يستخدمونها أكثر من 4 ساعات فإن نسبتهم تبلغ 18% و يلاحظ أن الذين يستخدمون شبكة الانترنت من الشباب لأكثر من ساعة تبلغ نسبتهم 74% مما يشير إلى أهمية ودور هذه الشبكة وتأثيرها في تكوين وعي الطلاب و الطالبات ، و قد ساعد على ذلك الانتشار الواسع لهذه الشبكة في الجامعات و المؤسسات و البيوت و المقاهي و الأماكن العامة بحيث لم يعد هناك معوق يقف دون استخدام هذه الوسيلة التي أصبحت مصدراً للتثقيف العلمي و السياسي والاجتماعي و الصحي و الاقتصادي و غيرها من صور الثقافة التي يحتاجها الإنسان في حياته.


و لعل من مميزات شبكة الإنترنت هو انفتاحها على ثقافات العالم و تنوع محتواها مما يفتح آفاقاً واسعةً أمام المتعامل معها .


و تزداد أهمية شبكة الإنترنت من خلال استخدامها وسيلة للاتصال عبر البريد الإلكتروني (e.mail) أو بوابات التواصل بين المستخدمين للشبكة ، و إذا كانت الشبكة الأم تضم معلومات لا يستطيع المتصفح لها تغيير المادة المعروضة أمامه ، فإن البريد الإلكتروني يحقق تلك الرغبة للتعامل معها من خلال ما يرسله من معلومات أو مواد علمية أو ثقافية عامة أو رسائل شخصية أو صور أو ملفات مسموعة أو مرئية أو غيرها من المواد ، و مما ساعد على ذلك أن مزايا استخدام البريد الإلكتروني سهلة و رخيصة ؛ فالمتعامل لن يضطر إلى مراعاة فروق التوقيت أو المسافات الجغرافية ، كما أن الاستخدام أقل تكلفةً و أقل جهداً ؛ فهي لا تحتاج إلى التعامل مع مكان معين أو شخص بعينه ، كما أن حجم ما يتم إرساله ليس محدوداً بل يمكن استخدام أعداد كثيرة من الرسائل و المعلومات لإرسالها وفقاً للطاقة الاستيعابية للبريد الإلكتروني ، و لقد أحدث البريد الإلكتروني ثورة في العملية التعليمية ، فقد أصبح وسيطاً بين  الأساتذة و الطلاب و الطالبات حيث يمكن التواصل بينهم لإرسال الواجبات الدراسية أو التكليفات أو تقديم الأسئلة و تلقي الردود عليها ، أو حتى لاستخدام البريد الإلكتروني أو شبكة الإنترنت ـ بصفة عامة ـ للتواصل بين المجموعات خلال الدروس (الإلكترونية) أو الساعات المكتبية ، كما أن الشبكة يسّرت للطالب و الطالبة التسجيل في المساقات الدراسية (لطلبة الجامعات) أو تغييرها أو تقديم الامتحانات غير المباشرة و تلقي نتائج الامتحان أو غيرها من أشكال التواصل غير المباشر ، و إذا كان هذا شأن الطلاب و الطالبات فإن أعضاء هيئة التدريس أكثر استفادةً و ذلك في تواصلهم مع طلابهم أو مع الإدارات المختلفة في المؤسسة الجامعية أو التواصل مع زملائهم في الجامعات و المعاهد و المؤسسات المختلفة . 

لقد أحدثت شبكة المعلومات ( الإنترنت ) "نقلة مهمة في آليات التعليم و التعلم ، فهي تعمل على توفير الخدمات التربوية بصورة أسرع و بتكلفة أقل ، هذه المكاسب تعود إلى إعادة النظر في فلسفة العمل التربوي و مناهجه و آلياته ، و العمل على دمج قواعد المعلومات التربوية و تكاملها .

كما أنها تطور نظام الإدارة التربوية و المدرسية (School Governance) و تعمل على إيجاد علاقة جديدة بين العاملين في الحقل التربوي و بعضهم البعض من جانب ، و بينهم و بين الشركاء التربويين و المستفيدين من الخدمات التربوية من جانب آخر (27). 

و بفضل هذا( الشبكة ) " فقد ظهرت اليوم بوادر نقل الثقافة من جيل إلى جيل آخر بدون استخدام الورق . و لدى البحث في الإنترنت يجد القارئ مواد كثيرة تحت عنوان صفوف بلا أوراق (Paperless Classroom) ، و في هذا الخصوص تشير كامبن (Campen,2004) إلى مثل هذا التطور التكنولوجي من حيث أن استخدام التكنولوجيا المتقدمة أوجد صفوفاً دون أوراق . فالمحاضرات تُلقى و الواجبات البيتية تُؤدّى ، و الامتحانات تجرى جميعاً على الآلة المبرمجة بدون استخدام الأوراق ، و يحصل الأساتذة على التغذية الراجعة المباشرة من الطلاب و يزودونهم بنتائجهم على الآلة المبرمجة مباشرة دون استخدام الأوراق . و هم يقتصدون في الكثير من الوقت الذي كان يصرف في تسجيل المحاضرة على الأوراق. كما أن المحاضرة يتم إعدادها باستخدام الباور بوينت (Power Point) على الآلة المبرمجة مع الكثير من الصور و الرسوم البيانية التي تثير الدافعية لدى الطلاب ، و التي تمكّن الطلاب من تركيز انتباههم دون مشتتات و دون الحاجة إلى صرف جهود من أجل تسجيل الملاحظات ، إذ يرسل المحاضر فحوى محاضرته إلى بريد الطلاب الإلكتروني . كما يحصل الذين لا يستطيعون الحضور إلى الدرس على كامل المحاضرة بوساطة الإنترنت . و لا تطلب بعض المدارس التي تطبق نظام التدريس بدون أوراق شراء الكتب الدراسية ، و بدلاً من ذلك تقدم كل شيء على الإنترنت .

و بجانب ذلك يجمع بعض الأساتذة بين الصفوف التي دون أوراق و الطريقة الكلاسيكية التي تستخدم فيها الأوراق في أداو الامتحانات و الواجبات البيتية فقط ، و تبرز جوانب إيجابية عديدة للصفوف التي بدون أوراق ، و يزداد اهتمام الطلاب و يصل إلى الذروة باستخدام التكنولوجيا المتقدمة ، و يحصل الطلاب على درجاتهم في الامتحانات و الواجبات البيتية مباشرة دون أي تأخير ، و يوفر استخدام الآلة المبرمجة للأساتذة الوقت للانشغال بأمور أكثر أهمية "(28). 

و إذا كانت هذه الاستخدامات تتم من خلال شبكة الإنترنت و البريد الإلكتروني فإن البريد الإلكتروني أصبح مصدراً للتثقيف العام بما يتلقاه الطلاب و الطالبات من رسائل متعددة المصادر ، فبين مقالة و رسالة و حكمة و موقع و خبر و معلومة صحية أو اجتماعية أو تربوية أو غيرها تتواصل الرسائل الإلكترونية مقدم خدمة تثقيفية واسعة على الرغم من الآثار السلبية التي يمكن أن تخلفها بعض الرسائل التي تصل على البريد الإلكتروني كالرسائل الإعلانية أو الرسائل الخادعة باسم الكسب السريع أو الثراء المالي ، أو الرسائل غير الأخلاقية أو الأخبار الكاذبة أو الإشاعات أو غيرها من الطرق السيئة لاستخدام هذه الوسيلة التقنية ،

فقد ذكر موقع عالم التقنية الإلكتروني نقلا التقارير التي نشرها مؤخراً موقع فيريس (29) أن أكثر من 45% من رسائل البريد الإلكتروني ما هي إلا عبارة عن رسائل دعائية ( spam ) يتم إرسالها إلى مستخدمي البريد الإلكتروني حول العالم دون استئذان. وتتسبب هذه الرسائل حسب الموقع بخسائر سنوية بمئات الملايين من الدولارات رغم كافة المحاولات للتصدي لها ووضع العقبات في طريق وصولها إلى صناديق البريد، والمشكلة الأكبر هي أن تلك الرسائل تصل أيضاً إلى الأطفال والكثير منها يضم محتوىً له ضرر كبير على الأطفال واليافعين ، في هذا الإطار قامت شركة (سيمانتك)العاملة في ميدان حماية البيانات بإجراء استطلاع للرأي بغية التعرف على مدى الأخطار التي تشكلها تلك الرسائل على الأطفال وموقف الأطفال من تلك الرسائل وكيفية التعامل معها. وقد أظهر الاستطلاع أن مانسبته 80% من الأطفال الذين يستخدمون البريد الإلكتروني يستقبلون رسائل بريد إلكتروني دعائية كل يوم وبخاصة خلال فترات العطلة حيث يقضي الأطفال الكثير من الوقت في تصفح الإنترنت. وبعض تلك الرسائل تتضمن محتوىً لا ينبغي عليهم أن يطلعوا عليه، و شمل الاستطلاع 1000 شخصاً تتراوح أعمارهم ما بين 7 و18 عاماً وتطرق لبعض المواضيع التي تتعلق بتجارب الأطفال مع الرسائل الدعائية وموقفهم من  تلك الرسائل. وعندما سئل من شملهم الاستطلاع عن طبيعة الرسائل التي تصلهم، أشار 80% منهم إلى أنهم يستقبلون رسائل تدعو للمشاركة بمسابقات وسحوبات معنونة بعناوين رنانة مثل ''اربح وحدة بلاي ستيشن2'' أو ''اربح رحلة إلى هاواي مدفوعة التكاليف''. و62% منهم يتلقون رسائل تتعلق ببناء علاقات الصداقة والدردشة عبر الإنترنت تحمل عناوين مثل ''تعرف على أجمل الفتيات عبر شبكة الإنترنت''. أما 61% منهم فأشاروا إلى تلقيهم رسائل تروّج لبضائع وسلع تجارية و55% تلقوا رسائل دعائية لمنتجات التخسيس والحمية تحمل عناوين مثل ''تخلص من 15 باوند من وزنك خلال يومين فقط''، و51% أيضاً تلقوا رسائل تروّج لمنتجات ومستحضرات دوائية كالفياغرا وغيرها. و47% تلقوا رسائل تحمل وصلات إلى مواقع إباحية تضم صوراً وأفلاماً لا يجب أن يطّلعوا عليها ، والمشكلة تكمن في أن معظم الأطفال لا يتجاهلون تلك الرسائل ويفتحونها مدفوعين بالفضول الذي تحركه لديهم العناوين الرنانة لتلك الرسائل، فوفقاً للاستطلاع يقوم واحد من كل خمسة من هؤلاء الأطفال (ما يقارب 21%) بفتح تلك الرسائل والقيام الكثير من هؤلاء الأطفال بالطبع ينزعجون من تلك الرسائل ولا يناقشون الموضوع مع أهاليهم، وقد أشار 51% من هؤلاء في الاستطلاع إلى أن هذه الرسائل تزعجهم، إلا أن 13% منهم أشاروا إلى أن مثل تلك الرسائل تثير فضولهم ويطلعون عليها، وحتى عندما يطلعون على محتوى تلك الرسائل فإن 38% منهم لا يطلعون أهاليهم على ذلك ،ومن ناحية أخرى أشار الاستطلاع المذكور إلى أن الكثير من الأطفال ليس لديهم فكرة وافية عن ماهية تلك الرسائل، كما أن واحد من كل ثلاثة لا يعلمون ما إذا كانت تلك الرسائل مفيدة لهم أم لا، وما إذا كان ينبغي عليهم فتحها أم لا. إضافة لذلك، هناك 22 % من المشاركين في الاستطلاع أشاروا إلى أن أهاليهم لم يناقشوا معهم مسألة البريد الإلكتروني أو أية تعليمات مرتبطة بتلك الرسائل فيما يتعلق بطرق التعامل مع الرسائل الدعائية غير المرغوبة.

وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن معظم الأطفال يملكون عناوين بريد إلكتروني خاصة بهم، كما أن أكثر من 50 % منهم يتفقدون بريدهم الإلكتروني باستمرار دون أي رقابة من أهاليهم، حتى أن 76% من هؤلاء يملكون أكثر من عنوان بريد إلكتروني واحد. و عندما سئل هؤلاء الأطفال الذين شاركوا في الاستطلاع عن عدد المرات التي يتفقدون فيها بريدهم أشار 72 % منهم إلى أنهم يتفقدونه عدة مرات كل يوم. و عند ما سئلوا عما إذا كانوا يتفقدونه بحضور أحد الوالدين، أشار أكثر من 30% منهم إلى أنهم لا يولون ذلك أي اهتمام، كما أن 16% منهم أعربوا عن عدم رغبتهم في إطلاع أهاليهم على الرسائل التي تصل إلى بريدهم الإلكتروني. و لما تم سؤالهم ما إذا كانوا يستأذنون أهاليهم عندما يريدون إعطاء عنوان بريدهم الإلكتروني لأحد الأصدقاء أو أحد مواقع الإنترنت فقد أجاب 46% منهم بـ''لا''.

الدراسة التي أجرتها ( سيمانتك ) أظهرت أن الأطفال يدخلون إلى الإنترنت بكثافة أكبر خلال أشهر الصيف بعد أن تغلق المدارس أبوابها. و عندما تم سؤالهم عن عدد الساعات التي يقضونها في تصفح الإنترنت، أشار 44% منهم إلى أنهم يستخدمون الإنترنت لمدة ساعتين تقريباً كل يوم. أما الذين يستخدمون الإنترنت لأكثر من ساعتين في اليوم فوصلت نسبتهم إلى 23%. وأشار 75% من هؤلاء الذين يقضون أكثر من ساعتين في اليوم في استخدام الإنترنت إلى أن معظم هذا الوقت يقضونه في قراءة وإرسال البريد الإلكتروني.

وإذا كان هذا حال الأطفال ، ذووا المهارات التقنية المحدودة فكيف بالطلاب والطالبات الذين ليهم مهارات متقدمة في استخدام التكنولوجيا ؟!!.

لكن أخطر التأثيرات على مستخدمي البريد الإلكتروني هي الرسائل والاستخدامات غير الأخلاقية  ، ففي تقرير(30) أجري على طلاب المدارس في بريطانيا تبين أن واحداً على الأقل من كل 10 قد استخدم رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل الهاتفية النصية في التهكم على الآخرين. ويقول تقرير بثته إذاعة بي بي سي- 5 إنه تصعب مواجهة أو منع الاستخدام المسيء لمثل تلك الوسائل الحديثة حتى على الآباء والجمعيات المهتمة وفي المدارس.

لكن هذه السلبيات و المخاطر لا يمكن أن تقف عائقاً دون الاستخدام الأمثل لشبكة الإنترنت و البريد الإلكتروني خاصة إذا خضعت هذه الشبكة لمراجعة و تنقية من الجهات المشرفة على تقديم الخدمة .

و من وسائل التثقيف العامة لدى طلاب المؤسسات التربوية و التعليمة و طالباتها ، الرسائل الهاتفية النصية (s.m.s.)  ، فقد وفرت هذه الخدمة الإلكترونية وسيلة سهلة و بسيطة للتواصل بين الناس ، و قد زاد الإقبال عليها في السنوات الأخيرة كوسيلة تثقيفية أيضاً إذ تصل رسائل من مصادر عامة كالمؤسسات التعليمية و المؤسسات الحكومية و الشركات و غيرها معرّفة بنشاطها أو برامجها أو أخبارها ، كما تصل رسائل شخصية مباشرة كالرسائل التي يتبادلها الناس يوم الجمعة والمناسبات تحمل توجيهات دينية أو أدعية أو حث على أداء فريضة أو نهي عن سلوك سيء أو غير ذلك من الرسائل القصيرة التي أصبح لها تأثير واضح على متلقيها ، و قد تستعمل هذه الرسائل كذلك في المناسبات العامة أو الخاصة كالتهنئة بحلول شهر رمضان أو العيدين أو التهنئة بالمناسبات الخاصة كالزواج و النجاح و السفر و غيرها ، كما تتضمن بعض الرسائل تعريف بالأنشطة التي تقوم بها المؤسسات التعليمية كالمحاضرات العامة و الندوات و المؤتمرات وغيرها مما يشكل مصدراً تثقيفياً جديداً بدأ يلج إلى ساحة المؤسسات التعليمية ، كما يمكن الاستفادة تربويا من هذه الوسائل  .

ثالثاً : وسائل الإعلام الورقية : 

تمثل الصحافة أ و الإعلام الورقي أو الإعلام المقروء الضلع الثالث في مثلث مصادر الثقافة الإعلامية ، فمنذ اخترع جوتنبرغ عام (1436 ـ 1438هـ) المطبعة شهد العالم تحوّلاً واسعاً في هذا المجال ، إذ ازداد عدد المطبوعات و اتسع انتشارها و تكررت نسخها و توفرت لكل من يطلبها ، و قد عرف العرب المطبعة أول مرة عام 1734 م في لبنان ثم جاء نابليون بحملته الشهيرة حاملاً المطبعة معه إلى مصر عام 1798 م ، ثم انطلقت مسيرتها بعد ذلك في كافة البلاد العربية لتسهم في إيجاد نهضة ثقافية واسعة كان للإعلام نصيب فيها ، حيث انتشرت الصحف و المجلات في البلاد العربية و تطورت مع تطور الآلة حتى أصبحت صورة جديدة عما كانت عليه الصحافة عند بدايتها ، سواء كان ذلك من حيث المحتوى أم الشكل أم الأدوات المستخدمة في ذلك ، و الإعلام الورقي من صحافة ومجلات ، هي من أقل وسائل الثقافة الإعلامية تأثيراً على جيل الشباب و خاصة من كان منهم في المراحل التعليمية ، إذ أن اهتمامهم بالشأن العام الذي ـ هو محور ما تدور عليه الصحافة ـ قليل ، و لذا فإن اهتمامهم يتجه ـ غالباً ـ إلى الصحافة المجتمعية أو المرتبطة بالقضايا التي تهتم الشباب في هذه المرحلة من العمر مثل المجلات الاجتماعية و الفنية ـ و خاصة بالنسبة للفتيات ـ أو المجلات الرياضية و مجلات السيارات و الأجهزة الإلكترونية و غيرها ـ بالنسبة للفتيان ـ و هذا ما تشير إليه الدراسات المتخصصة ، ففي دراسة (وطفة) أشار إلى أن 20% فقط من الشباب يقرأون الصحف يوميا ، و 28% يقرأونها أكثر من مرة أسبوعياً ، و 14% يقرأونها شهرياً ، و 31% يقرأونها عرضياً ، أما 5,9% فلم يبدوا رأيهم(31) .

و في دراسة أخرى(المحمود و آخرون 2007) (31) فقد أشارت الدراسة إلى أن 34% من شباب الخليج العربي يتابعون الصحف اليومية و 61% يتابعونها أحياناً و 5% لا يتابعونها !!

لكن النتيجة الأخرى تبين السبب في عدم متابعة الشباب للصحف اليومية ، إذ أجاب 5% فقط!! ممن تم استقصاء آرائهم بأنهم يصدقون أو يؤمنون بما يقرأونه في الصحيفة اليومية ، بينما أجاب 89% بأنهم يصدقون ذلك أحياناً ، أما 6% فإنهم لا يصدقون و لا يؤمنون بما في الصحف اليومية ، و هذه نتيجة تبين السبب في قلة إقبال الشباب ـ خاصة الطلاب و الطالبات ـ على متابعة الصحف اليومية ، كما يبين مدى تأثير ذلك على تكوين الثقافة الإعلامية  لديهم . 

تكامل أم تناقض ؟

لا شك أن العلاقة بين الثقافة التربوية و الثقافة الإعلامية ستبقى قضية مجتمعية عامة و ميداناً   للدراسات و البحوث المتخصصة ، لما لهذه المسألة من علاقة مباشرة بالمجتمع و الحياة و لما لها من تأثير مباشر كذلك على العملية التعليمية و التربوية لا في داخل المؤسسات التعليمية فقط بل على كافة المؤسسات التربوية بدءاً من الأسرة و انتهاءً بالمجتمع الذي يسهم إسهاماً كبيراً في العملية التربوية .

لقد\ انشغلت المؤسسات البحثية و المعنية بالتربية ـ خاصة ـ بعدد من الأنشطة التي تعنى بذلك فبين مؤتمر و ندوة و دراسة و حوار التقت جميعها على أن العلاقة بين الطرفين ليست تكاملية كما أنها ليست تناقض كذلك ، بل إن العلاقة تعتريها كثير من المؤثرات و الأسباب التي تجعل هذه العلاقة ليست كما يجب أن تكون عليه (التكامل) و ليست كما توصف (التناقض) ، لقد بدا واضحاً في كثير من الأنشطة التي تبحث في طبيعة العلاقة سعة الهوة التي تفرق بين الفريقين ، فالتربويون ينظرون إلى الإعلام باعتباره قوة مؤثرة في العملية التعليمية من خلال ما تحتويه المادة الإعلامية التي تبثها أجهزة الإعلام ، و وصلت العلاقة بينهم و بين الإعلاميين إلى التناقض أو الدعوة إلى القطيعة إذ ما يزال كثير من التربويين يحذرون من الآثار التي تخلفها وسائل الإعلام على الطلاب و الطالبات و على العملية التربوية بمجملها .

و هم بذلك يؤسسون لعلاقة القطيعة ، مع ما لهذه العلاقة من أثر سلبي على الطلاب و الطالبات الذين سريعاً ما يلتقون بالإعلام حال مغادرتهم المؤسسة التعليمية إذ تتلقاهم أجهزة التلفزيون عند دخولهم منازلهم و تجرهم منتديات الدردشة على شبكة الإنترنت إليها في جلسات تمتد لساعات طويلة ، ثم ما يلبث الطالب أو الطالبة أن يعود في اليوم التالي إلى مؤسسته التعليمية ليتلقى سيل النقد و التوبيخ لوسائل الإعلام ، مما يجعله يعيش حالة من الانفصام النكد الذي يؤثر سلباً في علاقته بكلا الجهتين خاصة حين تتغلب الرؤى التربوية ـ و هذا ما يحدث غالباً ـ في رسم صورة الثقافة الإعلامية ، فينتقل الفرد من التصرف الطبيعي في علاقته بوسائل الإعلام إلى رؤية جديدة  يتجاذبها طرفان ؛ إما الرفض المطلق لكل ما يقدم في الوسيلة الإعلامية أو الانغماس المطلق في ما تقدمه هذه الوسيلة ، و لعل مرجع ذلك غياب الروح النقدية المتوازنة ، إذ أن التربويين غالباً ما ينظرون إلى الإعلام من خلال ما تقدمه شريحة محددة فيه ، و هي القنوات الفضائية التي لا تضع ضوابط لمحتواها الإعلامي ، أو حتى من خلال بعض البرامج التي تقدم في قنوات تتسم بالتوازن و الاعتدال ، لكنها في بعض برامجها تفقد هذا الاعتدال!! فسريعاً ما تتجه نحو البرامج الهابطة أو غير ذات مردود تربوي إيجابي ، إن غياب نظرة التوازن في التعامل مع الوسيلة الإعلامية قد يدفع بالجيل الجديد إلى مواقف متطرفة و متشددة أو منحلة و منحرفة .

إن عودة العلاقة إلى صورتها الطبيعية بين المؤسستين سيجنب الأوطان كثيراً من المشكلات الاجتماعية والفكرية ، بل سيرفد المجتمع بعدد من البرامج التي تخدمه وتعمل على تطويره " فقد قامت عديد التجارب في العديد من البلدان لتوظيف وسائل الإعلام في خدمة أغراض تربويّة محدّدة. وحظيت هذه التجارب أحيانا بدعم من قبل بعض المنظمات الإقليمية والدوليّة. وهكذا تمّ استغلال وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والبصرية في خدمة حملات منظمة لمحو الأميّة. كما انتظمت حملات مشابهة لفائدة المجتمعات القرويّة أو الريفيّة وغيرها. وتمّ توظيف وسائل الإعلام أيضا في خدمة التربية الصحية والغذائية أو في خدمة الإرشاد الفلاحي أو في خدمة أغراض تنموية أخرى.

وبالرغم من هذه الاستعمالات المتعدّدة والمتنوّعة لوسائل الإعلام في خدمة أغراض تربويّة، فإنّ الجدل بقي قائما بين المربين والدارسين حول الجدوى الفعلية لوسائل الإعلام في العملية التربويّة.

وبقي التساؤل قائما حول مدى تجانس أو تناقض المؤسستين التربويّة والإعلاميّة. على أنّ طرح الإشكاليات المتعلّقة بالعلاقة بين المؤسسة التربويّة ووسائل الإعلام أصبحت تفرض ذاتها في الوقت الراهن، فقد أحدثت الثورة التكنولوجيّة في مجال الإعلام والاتصال تحوّلا جذريا في طبيعة العلاقة بين التربية والإعلام.

ويتمثل هذا التحوّل في استعمالات المؤسسة التربويّة للتقنيات الجديدة للإعلام والاتّصال كأدوات بيداغوجيّة لإكساب عملية تبليغ المعرفة مزيدا من النجاعة، كما أنّ وسائل الإعلام أصبحت في حدّ ذاتها محورا للعمليّة وضمن برامج التعليم في المدرسة(33). 

أما الإشكالية الثانية التي تبدو في العلاقة بين الطرفين أن هناك حالة من الانبهار بوسائل الإعلام و تأثيراتها إذ أن التطور السريع و المتنامي لأجهزة الإعلام و تنوعه محتواها و تعدد مضمون رسالتها الإعلامية جعلها أكثر قرباً من الإنسان بل أكثر تأثيراً ، خاصة و أنها تستخدم مؤثرات عدة على حواس الإنسان بين السمع و البصر و الإدراك بالعين الباصرة ، كما أن صفة التشويق تجعل من الوسيلة الإعلامي أكثر جذباً و أكثر تأثيراً كذلك .

إلا أن الملاحظ أن طبيعة العصر و سرعة التغيير التي فرضت نفسها على الوسيلة الإعلامية جعلت من أثر هذه الوسيلة ، أثرا قصير المدى ، فالتأثير الإعلامي في تكوين اتجاهات للرأي العام لم يعد كما كان عليه قبل عشر سنوات مثلاً ، فالمعلومة أو التحليل أو الخبر أو حتى المضمون الثقافي الذي تحمله الوسيلة الإعلامية سريعاً ما يتغير لا بسبب مصداقيتها فقط بل بسبب تعدد هذه الوسيلة ، فالخبر الذي تأتي به صحيفة أو مجلة قد تنقضه أو تكذبه صحيفة أخرى ، و التحليل الذي تعرضه قناة فضائية يخالفه تحليل آخر في قناة أخرى ، و لا يثبت في ذهن المتلقي للرسالة الإعلامية كحقائق ثابتة إلا تلك المعلومات الوثائقية أو الأخبار القطعية ، و بذلك فإن تأثير الثقافة الإعلامية ـ بصفة عامة ـ ليست تأثيراً ثابتاً بل هو متغير ، أما الثقافة التربوية فهي أبطأ من حيث تأثيرها لكنها أكثر استقراراً و ثباتاً خاصة و أن عمليات التغيير في العملية التربوية ـ بطبيعتها ـ بطيئة و ذات مدى زمني طويل مما يجعل منها ـ في الغالب ـ مرجعية ثابتة للإنسان بدءاً من مراحله التعليمية الأولى و امتداداً إلى نهاية حياته ، و لذلك فإن كثيراً من الطلاب و الطالبات كثيراً ما يطرحون أسئلة على معلميهم عما تلقوه من الوسيلة الإعلامية ، و مدى صواب ذلك من خطئه ، لكن الثقافة التربوية ذات مصادر محدودة بينما تتسع دائرة الثقافة الإعلامية يوماً بعد يوم و تتعدد صورها و أشكالها . 

النتائج و التوصيات : 

  1. العلاقة بين التربية والإعلام هي إحدى الإشكاليات التي ما زالت ميداناً للدراسة و البحث من قبل المتخصصين ، و ستبقى كذلك لطبيعة كل واحد منهما ، و لذا فلا بد من إعداد الدراسات و البحوث التي تجسّر العلاقة بينهما و تربط المؤسسات التربوية بالمؤسسات الإعلامية بما يحقق الأهداف المرجوة لبناء الشخصية الإنسانية السوية .
  2. مصادر الثقافة التربوية هي المؤثر الأهم في تكوين تصورات الفرد و أفكاره و مهاراته ، و لذا لا بد من تعزيز مصادر الثقافة التربوية و تطويرها و دعمها حتى تستطيع أن تواكب المتغيرات على الساحة التربوية و الإعلامية .
  3. إن إيجاد برامج مشتركة بين المؤسسات التربوية و المؤسسات الإعلامية سيرسخ الجانب الإيجابي فيما تقدمه وسائل الإعلام ، و سيمكن المجتمع من الاستفادة من هذه الوسائل ، و بغير ذلك ستبقى المشكلة بينهما قائمة .
  4. التربية الأسرية و المدرسية مدخلان أساسيان في تكوين أسس بناء شخصية الطالب ، و لذا لزم إعطاؤهما الأمر كاملاً للقيام بدورهما من خلال اهتمام الأسرة و المدرسة بأبنائها و الحرص على تكوين الرؤية النقدية لديهم بحيث يستطيعون أن يتعاملوا مع المؤثرات الخارجية كوسائل الإعلام ، و مجموعات الأصدقاء و غيرهم بأسلوب يحفظهم من الوقوع في الانحراف الفكري و السلوكي.
  5. إن الانفتاح الإعلامي المحلي و العالمي قد فرض نفسه ، و لا يمكن منعه أو الوقوف أمامه ، و لكن طرح البدائل من خلال إعلام يقدم الخدمة الإعلامية الراقية و يحافظ على القيم التربوية سيكون بديلاً ناجحاً في المجتمعات العربية .
  6. لا بد من تغيير بيئة المؤسسات التعليمية العربية لتكون بيئات جاذبة لطلابها و طالباتها من خلال تطوير هذه المؤسسات و توفير الإمكانيات المادية و البشرية و إدخال  التكنولوجيا بصورة تمكنها من الاستفادة القصوى من هذه الوسيلة ، و تجعلها مصدراً للثقافة التربوية الجيدة .
  7. إن التأثير السلبي لبعض وسائل الإعلام ـ و خاصة القنوات الفضائية ـ قد أدى إلى مشكلات في المجتمعات العربية ، سواء كان ذلك في ظاهرة الإرهاب و العنف أم انتشار الجريمة و الانحراف و التحلل ، و قد كلف المجتمعات كثيراً من الأرواح و الأموال . و لذا لابد من إعادة النظر في دعم هذه القنوات سواء كان ذلك من خلال الدعم المباشر أو غير المباشر ، حتى لا تقوم هذه القنوات بهدم المجتمع و أبنائه بأمواله .
  8. إن الدعوة إلى الحد من الآثار السلبية لمصادر الإعلام لا يعني الانغلاق أو التقليل من الإيجابيات الكثيرة التي تقدمها هذه المصادر ، لأن في ذلك خطر لا يقل عن الانفتاح السلبي ، بل إن مزيداً من الحرية و الشفافية و الجودة فيما يقدم كفيل بتحول متلقي الرسالة الإعلامية إلى ما هو أجود و أفضل .
  9. لا بد من الاستفادة التربوية من وسائل الإعلام و تسخير التكنولوجيا لخدمة العملية التربوية و التعليمية ، و تطوير مهارات الأساتذة و الطلاب و الطالبات و العاملين في المؤسسات التربوية في استخدام التكنولوجيا و   تطويرها و تسخيرها لخدمة التربية و الإسهام فيها بما يثري الثقافة التربوية .
  10. إن ميثاق شرف بين المؤسسات التربوية و المؤسسات الإعلامية الرسمية منها و الخاصة سيضع الملامح الأساسية لانتقال العلاقة بينهما من التناقض إلى التكامل .

الهوامش :

  1. رضا ، أنور طاهر :الثقافة : سباق الورقة و الشاشة ـ ص 26 .
  2. رواه أحمد في مسندة .
  3. انظر : رضا  ـ مصدر سابق  ص 24 .
  4. رواه الإمام أحمد في مسندة .
  5. رواه الترمذي و أحمد .
  6. أخرجه البيهقي .
  7. الصالح ، محمد ـ الطفل في الشريعة الإسلامية ـ ص 214
  8. الأحزاب ـ 21
  9. الأنعام ـ الآية 90
  10. ديوان أبو العلاء المعري .
  11. CHANDLER, B, J. AND OTHERS EDUCATION AND NEW TEACHER, DODD MEAD COMPANY N.Y. TORENTO 1971
  12. يوسف ،عبد القادر "مشكلات إعداد المعلم وتدريبه أثناء الخدمة" – الكويت ذات السلاسل 1987م – ص 67
  13. الغزالي ، أبوحامد – إحياء علوم الدين – ج3  - ص52
  14. الصالح ، محمد ـ ا الطفل في الشريعة الإسلامية ـ ص 214
  15. LASKA, JOHN A. SCHOOLING AND EDUCATION VOUD NOSTRAND COMPANY N.Y  1976, P.111
  16. العاني ،وجيهة ثابت ـ اهتمامات الشباب الثقافية المعاصرة ـ مؤتمر الأطفال والشباب في  مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا  ـ   التصدى لتحديات التعليم دبي 16-18 مايو 2005م ـ 
  17. حواس ، محمود ـ العالم العربي و الأمية الثقافية ص5س
  18. الرشدان ، عبدالله وجعنيني ، نعيم ـ المدخل إلى التربية و التعليم ص 286
  19. رواه البخاري و مسلم. 
  20. رواه الترمذي .
  21. الحمود، مشاري وآخرون ـ اتجاهات الشباب الخليجي نحو وسائل الاعلام ـ منتدى التنمية الخليجي ـ 7 فبراير2007م
  22. مجلة  البيان ـ عدد رقم 189
  23. البياتي ، ياسر خضير ـ التأثيرات الإجتماعية المحتملة للتلفزيون على الشباب ـ مجلة شؤون اجتماعية ـ عدد90  ص133
  24. جريدة الجزيرة السعودية بتاريخ 11 شوال1424 هـ
  25. العاني ـ مصدر سابق
  26. الحمود وآخرون ـ مصدر سابق
  27. مكتب التربية ـ التعليم و الحكومة الالكترونية ص30
  28. رضا ـ مصدر سابق ـ ص84
  29. www.ferris.com
  30. مجلة العالم الرقمي ( الإلكترونية ) عدد 160 بتاريخ 30 إبريل 2006
  31. وطفة ، علي ـ موقف الشباب من وسائل الإعلام ـ مجلة شؤون اجتماعية ـ العدد49 
  32. الحمود وآخرون ـ مصدر سابق 
  33. حمدان ، محمد ـ العلاقة بين الإعلام والتربية في الوطن العربي ـ ص3


  



تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -
    news-releaseswoman