النجاة والنمو في عالم يزداد احتباسه الحراري
التنمية المستدامة بما في ذلك المرونة المناخية تستدعي منا مقاربة مشتركة تشدد سياقياً على تأثيرات تغير المناخ ومتطلبات التطور في عالم التحديات المطردة.
وقد رسخت جائحة «كوفيد 19» التاركة بصماتها على مختلف قطاعات الاقتصاد ميلاً نحو المرونة والاستدامة في الجبهات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وإن الحاجة للممارسات الجيدة في إطار الأعمال مثلاً تفرض حضورها بشكل متنامٍ.
وتتم ملاحظة مؤشرات التشجيع على التنمية المستدامة بين أصحاب المصالح بمن في ذلك الأكاديميون وصناع القرار السياسي والقطاعات الصناعية والاستهلاكية التي تضع البحث العلمي قيد التطبيق. وقد أصبح تغير المناخ في أولوية الاهتمامات الخاضعة للنقاش في أوساط اللجان العلمية.
ونشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) fتقريراً حديثاً عن تأثيرات المناخ والهشاشة والتكيف إذ أشارت إلى أن التكيف مع تلك التأثيرات في المدى القريب والمتوسط يمكن أن يساعد المجتمعات والأنظمة البيئية على أن تصبح أكثر مرونة بوجه التهديدات الحالية والمستقبلية لمستويات الاحتباس الحراري.
وفي حين تلامس خطر الإفراط في التبسيط، يبدو أن رسالة التقرير تشير إلى أنه في حين يمكن لحادثة مناخية متطرفة واحدة أن تقوض عقوداً من الازدهار الاقتصادي بالنسبة للمجتمعات المتضررة، فإنه يمكن التخفيف من حدة التأثيرات المناخية عن طريق الإعداد الكافي.
ويوصى من أجل التكيف القائم على الأنظمة البيئية مثلاً، بالاهتمام بالمجتمعات والرفاه الاجتماعي مع الحفاظ على الغابات والأراضي والأنظمة البحرية.
ويفصل التقرير التنوع في التأثيرات المناخية المتصورة ومكامن الضعف التي يمكن توقعها في مناطق العالم تبعاً لمستوى الاحتباس الحراري والموقع الجغرافي والأنظمة الديموغرافية والسياقات الثقافية والاجتماعية والمادية الحيوية الفريدة.
وإنه لمن المنطقي والمحسوم أن الحاجة للتصرف مناخياً على جبهة التكيف ستكون ذات طابع متمايز وأن التكيف غير المكلف يعتمد على مجموعة من عناصر التمكين الواجب على الشراكات العالمية توفيرها.
وتتضمن عناصر التمكين تلك التعاون الدولي والتكنولوجيا الشاملة والتدفق المالي وتبادل المعرفة وبناء القدرات، إذ تدعم المؤسسات والابتكارات سياسة التنمية والتطبيق الميداني.
ولطالما حرصت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على الإشارة إلى نقص العلوم الوافية من وحول الدول النامية.
وطالبت تلك الدول بدورها في إشراكها في ما يعرف عموماً بـ«أدبيات الرمادية» من مواد وبحوث تنتجها المنظمات خارج قنوات النشر والتوزيع التجاري والأكاديمي التقليدي، أو المؤلفات التي لا تخضع لمراجعة الأقران كالتقارير والأوراق البحثية في المجال العام، ضمن عمل الهيئة، إذ يقوم المؤلفون بتقييم الأدب المتوافر بغية التوصل لإصدار توصيات لصناع القرار.
وتحظى الموارد «الرمادية» بدعم مؤسسات مانحة محترمة وحكومات وتشكل مصادر قيمة من المعلومات إذ موارد البحث والنشر محدودة.
إن فهم تمويل التكيف وتحديد تكلفة التكيف ورسم خريطة التأثيرات المناخية وحاجات التكيف ضمن المجتمعات في المواقع الجغرافية النائية قد تتحسن مع إيجاد مصدر مناسب للمعلومات.
كما أن العلوم الجيدة تشمل ما هو رسمي وغير رسمي كما النظري والتطبيقي والتقليدي والحديث. كما أنها تتكل على التطور عبر الإقرار بوجود ثغرات وأمور مجهولة وسلبيات وإيجابيات المعارف السابقة.
وتشير المزيد من الأدلة إلى أن الدول النامية التي كانت تسير جيداً نحو تحقيق أو التفوق في إطار أهداف التنمية المستدامة لمنظمة الأمم المتحدة، سيكون عليها ربما العمل بشكل شاق أكثر للوصول إلى المستويات المنظورة لما قبل فترة الجائحة.
إن المسار المؤدي للتبني ينطوي على مقاربة تقييم الأخطار المدمجة حيث الحلول والتدخلات التي تؤثر في المحصلات المباشرة والمتوسطة وبعيدة المدى للاقتصادات النامية.
إن التوصل للتوازن الصحيح خيار تقوده على الدوام عناصر التمكين من قدرات وأساليب حياة وقيم وتدفقات مالية ومعارف تقنية، تماماً كما توجهه قيود متمثلة بمستويات الاحتباس الحراري والفقر واللامساواة وغياب الصحة والتعليم. لقد سلطت الجائحة الضوء على الحاجة للتوازن في علاقات البشر والطبيعة، كما أنها أخضعت للاختبار قدرة الدول النامية لتكون معتمدة على ذاتها في حالات تقوم فيها الدول بالعمل على حماية شعوبها واقتصاداتها.
في حين أن أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما المتعلقة بتخفيف الفقر والصحة الجيدة والرفاه والوظائف، أصبحت المرجع في تحديد معنى التعافي في دول العالم النامية، بدا واضحاً أن المجتمعات المستعدة جيداً هي تلك المجهزة كما يجب للاهتمام بنفسها.
وتبعاً لمطالبة التقرير بمسارات تنمية مرنة مناخياً تبرز الحاجة للتحرك المتابع. وإن بناء الثقة والتأكد من أن الدول النامية ستشهد تحسينات في عناصر التمكين المتعلقة بالتحرك المناخي والاستثمار في المساعي لتخطي القيود مسألة تحدد مسار النجاح.
وكالة البيارق الإعلامية www.bayariq.net
bayariqmedia@gmail.com
المدير العام ورئيس التحرير
محمد توفيق أحمد كريزم