شرح حديث «من صَام رمضان إيِمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِر له ما تَقدَّم من ذَنْبِه».

الباحث الإسلامي/ مهدي سعيد كريزم  - السعودية

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .  وبعد

 الحقيقة هناك ثلاثة احاديث في هذا الموضوع ، وهي مترادفة متكاملة ، ومضيئة بعظيم فضل الله تعالى  وسعة كرمه  ، وجزيل عطائه . 

1 /  الحديث الأول  :  قوله صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان ايمانا واحتسابا ؛ غفر له ما تقدم من ذنبه )

2 / الحديث الثاني :  قوله صلى الله عليه وسلم ( من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه )

3 / الحديث الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم : ( من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )

  أولا : مقدمة مهمة .

انظر أيها المسلم  الى ذلك الاجر العظيم جدا ، والكبير جدا  ، لمن صام  رمضان ايمانا واحتسابا ، او قام رمضان ايمانا واحتسابا ، او قام ليلة القدر فقط ايمانا واحتسابا ؛ فان الجزاء هو مغفرة كل الذنوب السابقة منذ ولادتك حتى الان  ؛ ومحوها تماما ، فترجع صفحة بيضاء خالية  ، فتخيل معي شخصا عمره 70 او 80  عاما وعليه من الذنوب كأمثال الجبال ؛ ثم يصوم رمضان ايمانا واحتسابا ، او يقومه ايمانا واحتسابا ، او يقوم ليلة القدر فقط ايمانا واحتسابا ؛ فتمسح عنه كل تلك الذنوب الهائلة ؛ فلا شك ان ذلك فضل عظيم كبير من رب العالمين  الرحمن الرحيم  - وكلنا يريد ذلك - 

ولا نستبعد شيئا  على الله تعالى ، ولا نستكثر شيئا عليه سبحانه ؛ فهو ذو رحمة واسعة رحمته وسعت كل شيء  ، وقد سمى نفسه سبحانه وتعالى : الرحيم والغفور والغفار والكريم والعفو والمنان والوهاب   …

فلا تعجب من ذلك الاجر الكبير على العمل اليسير  لان  الجزاء من اكرم الاكرمين  !  فلا عجب .

  ثانيا / شرح وبيان .

1 /  ما معنى ايمانا  : - 

• الايمان هو التصديق الجازم ، واليقين الحق  بهذا الركن العظيم وهو الصيام ، وان صيامه يرضي الله سبحانه وتعالى ، وان الصيام بالذات قد اختصه الله تعالى لنفسه  من دون كل العبادات  ( أي لمحبة الله تعالى في الصيام والصائمين فقد نسب الصيام لنفسه سبحانه ، واختص بتقدير اجره منه مباشرة   وليس مثل العبادات الأخرى فأجرها معلوم  عند الملائكة الكاتبين  ؛ الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف ).
• وايمانا  معناه أيضا  الاعتقاد بفرض صومه ، وصيامه عن رغبة  ومحبة  وصيامه طاعة وعبادة لله تعالى ، وأيضا  صيامه  امتثالا واستسلاما لله تعالى  ؛   والصوم ايمانا  هو منتهى الاستسلام لله  ويتضمن معنى التصديق والرجاء .
• وايمانا  معناه أيضا  التصديق بما ورد في الصوم من ثواب عظيم  ، ويستحضر ذلك الثواب في قلبه  اثناء الصيام .

2/ ما معنى احتسابا  : -

• احتسابا معناه طلب الاجر من الله فقط ؛  فلا يصوم رياء ولا سمعة
• واحتسابا  أيضا خالصا مخلصا لله. 
• واحتسابا   أي عزيمة ،   فيصوم بعزيمة ورغبة .
• واحتسابا  أيضا  هو ادخار اجره فهو رصيد لا يضيع ؛ وسوف يجده في حياته وفي قبره  وفي يوم القيامة .

3 / ايمانا واحتسابا ، أي يصوم  عبادة لله وطاعة  ،  وليس عادة  ووراثة ؛ ولا رياء  وسمعة . 

4 / ايمانا واحتسابا  من حيث الاعراب النحوي أيضا  هي مفعول لأجله  ؛ أي  ما صام رمضان ولا قامه  الا من اجل الايمان بالله  والطاعة له  . 

5 /  جاءت الفاظ ايمانا واحتسابا مع الصيام بشكل مؤكد  لانه سر خفي فلا يعلم  بصومك الا الله ؛  فقد يكون الانسان  مفطرا  ويقول امام الناس انه صائم  بخلاف الصلاة فالمصلي ظاهر واضح ، 

ان  تلك المعاني للإيمان والاحتساب  تشمل الصيام  والقيام  وتنطبق عليهما معا .  فالصيام والقيام  لابد ان يكونا ايمانا واحتسابا  .

 ثالثا / خلاصة المعنى 

أقول  : كيف نحقق   الصيام والقيام  ايمانا واحتسابا  ،  ان ذلك سهل ميسور  لمن أراد وعزم  وجاهد النفس على الطاعة ؛ وصعب وعسير على  ضعيف الإرادة والعزم  ، 

وأقول : ان تحقيق ايمانا واحتسابا  يكون  بما يلي

• الفرح بقدوم رمضان
• الصوم برغبة وسرور
• المحافظة على الصلاة  والقران
• المحافظة على أداء كل ما ورد في رمضان من فضائل  وسنن 
• المحافظة على التراويح والقيام والوتر
• البعد عن اللغو والعبث  والمعاصي 
• يصوم ولا يتضجر  ولا يتأفف ، وعليه بالصبر  .
• اذا صلى  يقف خاشعا ويتحمل الوقوف والتعب والسهر .

وأقول /  من  استثقل  رمضان     وتمني انقضاءه ، وكأنه ضيف ثقيل فهذا ما صام ايمانا واحتسابا  ، ومن ينتظر وقت الغروب  وينظر للساعة كل دقيقة  ويقول : عطشان جوعان  فما صام ايمانا واحتسابا ، ومن  اطلق لسانه وسمعه وبصره  فما صام ايمانا واحتسابا  ، ومن اذى الناس بغضبه وكأنه الصائم الوحيد على الأرض فما صام ايمانا واحتسابا  ، ومن قام في الصلوات والتراويح  غافلا متكاسلا  متمايلا  وكأنه في قفص  ينتظر انتهاء الصلاة  فما قام ايمانا واحتسابا  ،     وامور أخرى كثيرة  كلنا نعرفها  ؛ بل يستطيع كل انسان الحكم على نفسه  هل صام وقام ايمانا واحتسابا ام  لا   . 

 رابعا /  امامك ثلاث فرص لمغفرة جميع ذنوبك .

الفرصة الأولى  :  الصيام ايمانا واحتسابا ، فاجتهد فيها ، ولكن قد يحدث خلل ونقص في الصيام   ، فلديك فرصة اخرى  للتدارك والتعويض .

الفرصة الثانية : القيام ايمانا واحتسابا 

فحاول جاهدا تحقيق ذلك  لتجبر نقص الصيام  ،  ومع هذا فقد يعترى القيام خلل ونقص ، فلديك فرصة العمر .

الفرصة الثالثة : وهي عطاء لا يوصف

 وفضل من الله كبير ،  ومنحة لا نتخيلها   وهي قيام  ليلة واحدة ايمانا واحتسابا وهي  ليلة القدر ،  وحيث اننا لا نعرف ليلة القدر بالتحديد لأنها واحدة من ليالي الوتر من العشر الأواخر؛ فقد تكون واحدة من خمس ليال : اما ليلة 21 او 23 او 25 او 27 او 29  فعليك قيام خمس ليال فقط  وليس كل ليالي رمضان.

فالله سبحانه وتعالى يريد ان يغفر لنا  ويرحمنا  فيعطينا تلك الفرص العظيمة ، فعلينا استغلال  تلك المواسم والرحمات .

خامسا /  هل تغفر كل الذنوب 

قال جمهور العلماء : المقصود هو جميع الذنوب الصغيرة  اما الكبائر فلابد ان يتوب الانسان منها أولا  ، بدليل الحديث الاخر في قوله صلى الله عليه وسلم ( الجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان  مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ) فهذا الحديث واضح ان تكفير الذنوب للصغائر فقط  ، اما الكبائر  فلا ،   اذ لابد لها من توبة نصوحا  بترك تلك الذنوب وعدم العودة لها 

وقال بعض العلماء  : بل  الصيام والقيام إيمانا واحتسابا يغفر كل الذنوب الصغائر والكبائر؛ لان لفظ الحديث   عام  لم يحدد  ولكن بشرط  الا يكون الشخص مقترفا لذنوب توصل الى الكفر والشرك  - كممارسة السحر ، والذهاب للسحرة والكهان وتصديقهم ، وترك الصلاة بالكلية ….  فهؤلاء لابد لهم من التوبة الصادقة من تلك الذنوب ، والعودة الصحيحة للإسلام . 

وليس من المعقول شرعا ولا عقلا  ان انسان لا يصلي ومرتكب للفواحش والربا  ويشرب الخمر -  مثلا -  ثم يصوم رمضان  بشكل جيد  فيغفر له  كل ذلك   ، كلا !  بل هناك تعارض أصلا  لأنه لا يمكن ان يكون الصيام  ايمانا واحتسابا  لمن لا يصلي  او يتعامل بالربا  او بالسحر !!  فأين الايمان   أصلا  مع ممارسة تلك الموبقات  ،  ولا نتصور ان شخصا يترك الصلاة ويفعل الكبائر  ثم يقول  انه صائم ايمانا واحتسابا !!!

نسأل الله التوفيق والهداية وإخلاص العمل والبعد عن المعاصي  ؛ ونسأله سبحانه ان يوفقنا  للصيام والقيام ايمانا واحتسابا

تعديل المقال