كيف نجعل كل حياتنا عبادة لله ( 24 ساعة )

الباحث الإسلامي: مهدي سعيد كريزم - السعودية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد .

ان اعمار أمة محمد صلى الله عليه وسام قصيرة ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( أعمار أمتي من الستين الى السبعين ) فهي ليست كأعمار الأمم السابقة ؛ اذ كانوا يعيشون مئات السنين، وعلى ذلك فلن تكون عبادات هذة الأمة موازية ولا مقاربة في الكثرة لعبادات الامم السابقة ؛ فمن عبد الله 300 سنة ليس كمن عبده 50 سنة ، فلذلك امتن الله تعالى على هذه الامة بمضاعفة الاجور فالحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف ، وخصها ايضا بأوقات فاضلة تكون فيها الأجور كبيرة ؛ مثل شهر رمضان وليلة القدر وعرفة وغيرها … كي تستطيع التعويض عن قصر الأعمار .

وان فضل الله علينا عظيم ، حيث تكرم علينا سبحانه وتعالى ولم يجعل لنا الجزاء والثواب على العبادات - فقط - كالصلاة والصيام والزكاة ! بل جعله ايضا على كل عمل دنيوي وعلى كل حركة وسكنه … بمعنى ان تصبح كل اقوالنا وأفعالنا عبادة ! فيكون طلب الرزق عبادة ! ودراستنا عبادة ، ونومنا عبادة وطعامنا وشرابنا عبادة … ويكون كل شي عبادة في عبادة! فهل هذا صحيح ومعقول؟ نعم ، انه صحيح صحيح وبأيات قرانية واحاديث نبوية كثيرة ، ولكن بشروط بسيطة ، واليكم الببان :

أولاً : نفيدكم قبل كل شيئ اننا نتكلم عن المسلم الصالح ، او حتى المسلم العادي ؛ ولا نتكلم عن المسلم الفاجر الذي ترك الفرائض والواجبات ، وفعل المحرمات والكبائر .. كلا ، بل نتكلم عن المسلم العادي الذي امن بالله وحقق شروط الاسلام والايمان ؛ الذي يصلي ويصوم ويفعل اركان الاسلام ، والطاعات ويبتعد عن المحرمات ؛ ولا نعني ان يكون وليأ من الاولياء ؛ كلا ؛ بل نقصد المسلم العادي البسيط ، والمعنى واضح

ثانياً : ان يكون الانسان مخلصا لله ، في اعماله و طائعا مستسلما ؛ لا رياء ولا سمعة ؛ لان شروط قبول اي عمل هما شرطان : الاخلاص والمتابعة ، اخلاص العمل لله ؛ ومتابعة الرسول عليه الصلاة والسلام اي أن تكون تأدية العمل موافقة لهدي النبي وليس ابتداعا.

ثالثاً : اداء الواجبات والفرائض هي عبادات واضحة وعليها اجر وثواب من الله تعالى ، كالصلاة ، والزكاة والصدقات والصوم والحج والعمرة وصلة الارحام وقراءة القران … وغيرها من عشرات العبادات المحضة ، فنقول : ان تأدية تلك العبادات يستهلك وقتا ؛ فلو حسبت مثلا كم المدة التى يأخذها أداء الصلوات الخمس ؛ فلنفترض انها ساعة او اكثر ؛ ثم اضف اليها مدة أداء السنن الرواتب ، ثم اضف ؛ كم دقيقة او ساعة قرأت فيها القران ، ثم كم من الوقت استغرقت لزيارة الاب او الام او الاخت ( صلة الارحام ) .. وغير ذلك من العبادات اليومية الكثيرة التى نمارسها بشكل طبيعي دون حساب للوقت فسنجد انها استغرقت وقتا لا بأس به من ال(24 ) ساعة ، وقد كان ذلك دون تخطيط اوترتيب منا ! فكيف لو قصدنا عمل حسبة زمنية يومية لفعل العبادات ، ثم جمعنا ذلك الوقت ، فسوف نجد اننا قضينا عدة ساعات في العبادة.

رابعاً : اضف الى ذلك ، الوقت المستهلك في التجهيز والاستعداد للعبادة قبل ممارستها والدخول فيها ؛ مثل مدة الوضوء والمشي للصلاة، اوالمدة للوصول لمنزل القريب الذي نريد صلته ، او الوقت المستهلك لايصال الصدقة ، او للوصول لمساعدة شخص… وغير ذلك فسوف نجد انه وقت - في مجموعه - طويل ، وعند اضافته لمدة اصل العبادة فسوف تزيد الحصيلة ، فالمشي للمسجد فيه اجر ،وهو عبادة ، ووقت الوضوء فيه اجر لان الوضوء نفسه عبادة … وغيره وغيره ….

خامساً : هناك حديث نبوي عظيم يعتبر قاعدة كبرى من قواعد الشريعة , هو ( انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى) فأي عمل دنيوي ؛ ولم يكن عبادة من اصله ، فيمكن ان نحوله ونجعله عبادة نثاب عليها ! وهذا يشمل كل اعمال الانسان وأقواله؛ من بداية قيامه من النوم الى ان ينام مرة اخرى ، واليكم التفصيل

النوم امر طبيعي جسدي ، ليس عبادة ، وليس عليه اجر ؛ اذا فكيف نجعله عبادة ونأخذ عليه اجرا ؟ اجعل نيتك من النوم من اجل ان يرتاح بدنك وينشط ويقوى على طاعة الله وعبادته ؛ فسوف يكون نومك ست ساعات او ثمان ساعات ، عبادة ! تؤجر عليها ، اي ان ست ساعات تضاف الى رصيد زمن العبادة اليومي ، ولكن اياك ان تترك صلاة الفجر او اي صلاة اخرى ، او تضيع واجبا ، فلابد من الالتزام بالشروط التي وردت في الفقرة 1 اعلاه

اذا كان الانسان مواظبا على بعض العبادات من صيام تطوع او قيام ليل او قراءة قران او صلة ارحام او غيرها ، ثم مرض او سافر ، فلم يستطع ان يفعل تلك العبادات او جاءه عذر قاهر يمنعه من فعلها ؛ فان الله تعالى بفضله وكرمه يكتب كل ذلك له وكأنه فعله ؛ قال صلى الله عليه وسلم ( اذا مرض العبد او سافر ، كتب له من العمل ما كان يعمله وهوصحيح مقيم ) رواه البخاري وقال العلماء : بل حتى الفرائض والواجبات تكتب له .

وكذلك من كان مواظبا على العبادات والفرائض ؛ والنوافل والسنن ثم اصابه حادث فأقعده او اصابته عاهة واعاقة ، او غيبوبة او زهايمر او غيره ؛ فان الله يكتب له كل ذلك كما كان يعمله .

من اراد ونوى مخلصا ان يفعل طاعة ؛ ولكنه لم يتمكن من ذلك لعدم القدرة المالية او اي مانع اخر ، فان الله سبحانه يكتب اجره له وكأنه عمله ، قال تعالى ( ولا على الذين اذا ما أتوك لتحملهم قلت لا اجد ما احملكم عليه تولوا واعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ماينفقون ) سورة التوبة

والاية تتحدث عن اناس من الصحابة ارادوا الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم لا يملكون نفقة للخروج مع الجيش ؛ ولم يكن عند النبي عليه السلام ما يحملهم عليه من الدواب ، ولا من النفقات ؛ فحزنوا كثيرا وبكوا ؛ فاولئك كانوا عازمين وراغبين ومخلصين للجهاد وانما منعهم مانع ، فلهم الاجر كأنهم جاهدوا .

ومن كان يريد الجهاد والدفاع عن الارض والعرض ، ومقاومة المحتل خالصا من قلبه ولكنه لم يستطع لانه كبير او ضعيف او مقعد او اعمى او غيره ، فان الله تعالى يكتب لهم الاجر كمن جاهد ؛ قال صلى الله عليه وسلم ( ان بالمدينة اقواما ما قطعتم واديا ولا سرتم سيرا الا وهم معكم - وشاركوكم الاجر - قالوا : وهم بالمدينة يارسول الله ؛ قال نعم ، حبسهم العذر - او المرض)

وهذا ينطبق على اي إنسان يريد عمل اي عبادة خالصا من قلبه ولكنه يعجز او لا يجد المال ، او يمنعه اي مانع ؛ فان الله تعالى يكتب له الاجر بالنية
تعمل وتكدح وتسعى لطلب الرزق ساعات طويلة فهذه ليست عبادة ؛ ولكن يمكنك ان تجعلها عبادة ؛ ويحسب لك الاجر والثواب من الله طوال ساعات العمل ؛ كيف ؟ اجعل نيتك صادقة خالصة لله انك تعمل وتحصل على المال ليكون لك عونا على عبادة الله وطاعته ؛ ولا تنفقه في المعاصي ، وتكون نيتك الكسب الحلال لتطعم نفسك واهلك وتنفق عليهم تنفيذا لامر الله . ففي تلك الحالة سيكون عملك نفسه عبادة !

وقس على ذلك اي عمل او نشاط مباح حتى لو تمارس الرياضة لتتقوى على الطاعة ستكون تللك الرياضة عبادة ! ولو خرجت للنزهة لتتفكر في خلق الله ، وتعظمه وتسبحه كانت النزهة عبادة ؛ ولو كانت تلك النزهة ايضا لغرض الترويح عن النفس وراحة الاعصاب حتى تعبد الله بطاقة اكبر وراحة اعمق فسوف تكون تلك النزهة والتمشية عبادة .. وقس على ذلك عشرات الامثلة ، فالمهم النية الصادقة.

وكذلك الطعام والشراب ؛ فاذا أكلت او شربت ؛ ونيتك تقوية جسمك على طاعة الله فتلك عبادة ؛ واللباس والزينة والاستحمام والاثاث وكل النعم المادية التى لديك ؛ لو نويت من استعمالها ان تعينك على طاعة الله ، صار استعمالها والتمتع بها عبادة !
ابتعادك عن المحرمات والمعاصي عبادة ! لك فيها اجر، لانك صبرت عن تلك المعصية وتركتها طاعة لله ،وخوفا منه .

هذا مثال عظيم وشاهد كبير يعطيك كل القناعة واليقين بصحة عنوان هذا الموضوع ( كيف نجعل كل حياتنا عبادة ) فاستمع الى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وكان يعدد للصحابة خصال الخير ( …ان بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة وبكل تهليلة صدقة وبكل تحميدة صدقة وامر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة . ثم قال : وفي بضع احدكم صدقة ، قالوا يارسول الله أيأتي احدنا شهوته ويكون له فيها اجر ؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه فيها وزر ؟ قالوا : بلى ، قال فكذلك اذا وضعها في الحلال كان له اجر ) رواه مسلم

فانظر الى توجيه الرسول الكريم الى ذلك الميزان في الاعمال والعبادات ، حيث اشار بالاجمال الى ان كل عمل - دنيوي حلال - يعمله الانسان ويبتغي به وجه الله واتباع اوامره واجتناب نواهيه ؛ فله به اجر ، حتى في اشياء لاتخطر ببال احد ؛ ان فيها اجرا ،، مثل جماع الانسان لزوجته ، وهو ما ذكره النبي صراحة في هذا الحديث بقوله (وفي بضع احدكم صدقة ) اي في جماع الانسان لزوجتة والزوجة لزوجها صدقة واجر ، فانظر كيف صار ذلك العمل وتلك المتعة الجنسية بمثابة العبادة ! نعم اذا نوى الانسان بالزواج تقوى الله وتنفيذ امره حيث امره سبحانه بالنكاح ، ففي ذلك اجر ، وكذا لو نوى اعفاف نفسه بالحلال والبعد عن الحرام ، فان تلك النية التي مقصدها تقوى الله جعلت ذلك الفعل عبادة وأجرا ، فالميزان واضح : فلو زنا الانسان لكان عليه اثم لانه فعل حراما ، ففي المقابل لو جامع زوجته بالحلال كان له اجر؛ لأنه فعل حلالا أمره الله به، واتوقع ان هذا المثال كاف لكي تقيس عليه غيره ؛ فتجعل جميع اعمالك الدنيوية عبادات او بمثابة العبادات ؛ فتؤجر عليها جميعها ، وتصبح حياتك اليومية كاملة ؛ من الفجر الى الفجر كلها اجور وعبادات وطاعات .

سادساً : لو اردنا ان نفصل في كل شي لطال المقال ، ولكن في ما ذكرناه كفاية ، وقس عليها .

سابعاً : وهناك جانب اخر من فضل الله ورحمته ؛ وهو ان مايصيب المسلم من مرض او هم او غم او مصائب ؛ فان الله يمحو بها من ذنوبه ؛ حتى الشوكة فان الله يكفر بها من خطاياه ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مايصيب المسلم من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا حزن ولا اذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها ، الا كفر الله بها من خطاياه ) ان ذلك فضل من الله ورحمة ، وزيادة على محو الذنوب فان الله يرفع بها درجات الانسان إذا صبر واحتسب ولم يتسخط ؛ فانظر الى تلك الرحمات والخيرات العظيمة من اكرم الأكرمين سبحانه ؛ فاحمده حمدا كثيرا واشكره واعبده .

والخلاصة : انك تستطيع أن تجعل كل اعمالك اليومية الحياتية ، من وظيفة واعمال وذهاب ومجيئ واكل وشرب ، وأسواق وتمشبات وسفريات .. تستطيع ان تجعل كل ذلك عبادة تاخذ عليها الثواب من الله ، اذا اخلصت النية لوجه الله؛ وقصدت بكل تلك الاعمال طاعة الله، وكان هدفك منها الاستعانة على عبادته ومرضاته
اتمنى ان يكون الموضوع واضحا مفهوما ؛ واسأل الله التوفيق والهداية للجميع
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -
    news-releaseswoman