أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

العولمة وعلاقة الأنا بالآخر

 العولمة وعلاقة الأنا بالآخر

العولمة وعلاقة الأنا بالآخر  أ.جمال زيدان علي سرير - شبكة المدونون العرب فرضت العولمة إعادة النظر في العديد من المسائل المتعلقة بالإنسان، وخاصة فيما يتعلق بالصورة التي كونها الأفراد عن أنفسهم وعن الآخرين، عن طريق وضع صياغة لأطرها الفكرية، وفق مرتكزات جديدة متصلة مباشرة بالمعرفة، في ظل إمكاناتها المطروحة الآن وبقوة، والتي تسعى من خلالها للتأويل والتبرير، وكذلك للإقناع أو التغرير.  إن هذه الأطر التي تسعى العولمة لبلورتها تفتح آفاقاً واسعة للمجتمعات لتعيش "ذروة تحول هائل، تحول نحو كونية جديدة"([1])، لها معالمها وانطباعاتها، من خلال طرح أدوات معرفية جديدة، لم تعرفها البشرية سابقاً، كالثورة المعلوماتية والاتصالية([2])، التي أحدثت تطوراً مذهلاً في سياق الممارسات العملية لبروز الثقافات وحوارها. لهذا يمكن القول إن العولمة أصبحت حقيقة واقعة تعيشها المجتمعات؛ حقيقة تعي ذاتها، ولها القدرة على اكتساب روافد ومصادر جديدة ومتجددة كل يوم، وكل لحظة، بل وكل ثانية، على مستوى العالم. والدليل على ذلك ما نراه من تطورات مذهلة في شتى المجالات والميادين([3]).  وفقاً لهذه التطورات المذهلة التي أحدثتها العولمة، بغية الوصول إلى الانفتاح العالمي والوصول إلى مجتمع عالمي واحد، فإنها تطرح بذلك بعداً جديداً للعلاقات بين المجتمعات، وفق مسميات جديدة للنقاش والحوار بين هذه المجتمعات، وخاصة بين الدول المتقدمة أو دول الرفاه في الشمال، والدول المتخلفة أو النامية في الجنوب، وعلى وجه الخصوص بين الإسلام والغرب، التي تندرج ضمن إشكالية العلاقة بين الأنا والآخر، بتراكماتها التاريخية المليئة بالهواجس والعداء والتناقض بين الأنا والآخر، غير أن ذلك لا ينفي وجود بعض عوامل الجذب والتعاون بينهما في بعض فترات التاريخ.  وفقاً لهذا المنظور فقد أثار مفهوم العولمة بما فرضه من تطورات متلاحقة العديد من التساؤلات حول مستقبل هذه العلاقة. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل العولمة تطرح آفاق الآخر في ضوء علاقة تبادلية تحيطها فكرة الأخذ والعطاء ما بين الحضارات؟ أم أنها تسعى إلى خلق علاقة أحادية الجانب، يكون فيها الطرف الأقوى هو صاحب الرسالة الجديدة للشعوب، التي تتضمن فصولها النظرة الاستعلائية، وفرض الرؤيا المغايرة، التي تبعد تماماً عن مكونات تلك الشعوب، وذلك من أجل تطويع العقول لخدمة مصالحها؟ وبمعنى آخر: هل العولمة تطرح آفاق الآخر لإعادة إنتاج نظام هيمنته القديم في قالب جديد، وفق تأثير منتظم تتعرض له المجتمعات؟  تشير المصادر في هذا الاتجاه إلى ما يسمى عقدة الحضارات بين الأنا والآخر، التي مرت بعدة مراحل متلاحقة، كانت أولاها فترة الحروب الصليبية، التي اتجهت باسم الصليب، وبناء المجد للعروش الصليبية، والطمع في الموارد والأرض العربية، وخاصة القدس، التي ذاع عنها في أوروبا كونها الأرض التي تفيض عسلاً ولبناً، فضلاً عن كونها الأرض المقدسة.  أما المرحلة الثانية، فتتمثل في الهجمة الاستعمارية على العالم، ورسالة الرجل الأبيض.  والمرحلة الثالثة فهي مرحلة صدام الحضارات، التي بدأت أحداثها من 11 سبتمبر، والدعوة إلى التصدي للإرهاب لأغراض مادية وسياسية، تسعى الدول الغربية إلى تحقيقها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية([4]).  لذا يمكن القول إن هذه العلاقة مليئة بالمشاكل التي صنعتها الحوافز والمصالح الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي ساعد في اتساع الهوة بينهما، ومن ثم فإنها "ليست مجرد موضوع لبحث علمي، بل هي أزمة وجودية تاريخية، تعبر عن صراع أكثر مما تعبر عن مجرد تضايف أو حوار، وقد تعبر عن إحساس مرضي، أو مركب نقص في مقابل مركب العظمة، المقهور والقاهر، المستعمِر والمستعمَر"([5]).  بهذا تطرح العولمة سياقاً جديداً لهذه العلاقة عبر معطيات جديدة، يتعامل العالم من خلالها، للدعوة إلى خلق نظام عالمي جديد، الأمر الذي يفرض على المجتمعات تحديد الذات وإثباتها، حتى تتلاءم مع ما تفرضه العولمة، ويتطلب أيضاً توضيح سمات الآخر وخصائصه ومدى العلاقات التي تربطه بها وخلفياتها([6])، كما "يبدو للوهلة الأولى أن العولمة موجهة نحو مقاصد المال والاستهلاك والأشياء المادية المحسوسة والمرئية، لكن في الواقع فإن سلاحها الحقيقي موجه نحو (عقلية) الإنسان، فهي غزو ثقافي بأكمله، لأنها موجهة لفكر الإنسان، بفضل حيازتها على معرفة منظمة ووسائل فاعلة لنشر هذه المعرفة، كل ما تصدره العولمة هو المعرفة الحديثة على النمط الغربي"([7])، التي تسعى إلى دمج المجتمعات تلقائياً في الآخر، لتكون جزءاً  من نظامه([8])، ولعل ما يطرح الآن من صياغات جديدة للمجتمعات، وفق مسميات عدة، كحقوق الإنسان والدعوة إلى الديمقراطية، وحق التدخل في الشؤون الداخلية، وحقوق المرأة، والدعوة لمكافحة الإرهاب..إلى آخر ذلك من المسميات والذرائع، التي تعمل الحضارة الغربية على صياغتها، من خلال طرحها لهذه الأفكار، وفق رؤيتها الخاصة، يبين مدى سعي هذه الحضارة إلى تحقيق المصالح والمنافع، على حساب غيرها، وفق تأويلها للحياة وتبريرها لوجودها. ويشير محمد عمارة في هذا الخصوص إلى أن العولمة "تتمثل في اجتياح الشمال للجنوب، واجتياح الحضارة الغربية، ممثلة في النموذج الأمريكي، للحضارات الأخرى، وهي التطبيق العملي لشعار نهاية التاريخ الذي أرادوا به الادعاء بأن النموذج الغربي الرأسمالي هو القدر الأبدي للبشرية جمعاء"([9]).  إن العولمة من حيث إنها ظاهرة قادمة من الغرب، من مجتمعات متقدمة حضارياً إلى مجتمعات نامية متخلفة، تعبر عن مركزية دفينة في الفكر الغربي، بمضمونه الرأسمالي الذي يفرض على الشعوب نوعية خاصة من التبعية والهيمنة. ويؤكد على هذا الرأي عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، الذي يرى في العولمة ليبرالية جديدة شرسة ووحشية؛ إذ إنها تقوم على التنافس والصراع، بمنطق دارويني اصطفائي، بقدر ما تدمر بشكل منهجي الأطر التي تحفظ التوازن، وتؤمن التضامن في المجتمع"([10])، غير عابئة بالقيم المشتركة والتعددية والتنوع بين كافة الشعوب وكافة الثقافات. ومن ثم فإن "العولمة كظاهرة تتعامل مع العالم بين الشمال والجنوب كقوة مسيطرة في تفكيك الصيغ المألوفة، وإعادة تركيبها من جديد على أسس غير مألوفة البتة"([11]).  من هذا المنطلق تكون العولمة بمثابة إنهاء لقاعدة التعارف والتعامل والتثاقف بين الشعوب، التي كانت سائدة وفق نموذج الحوار المتبادل وفكرة الأخذ والعطاء بين تلك المجتمعات.  "ومن ثم فإن هذا الوضع المتضارب من شأنه أن يعرقل التوجه نحو عالم تسوده المبادئ الإنسانية الرفيعة، ويجعل الأفراد في تردد بين القيم المرجعية والعادات الانتمائية، وترمي بهم في متاهات الضياع، وآفات التمزق"([12]).  وهنا يجدر التنويه بأن العولمة بهذا الوصف تتبنى النظرة الدونية للثقافات والحضارات الأخرى الخارجة عن مجالها وأسسها المبنية عليها.  وعلى ضوء ذلك يراه البعض "كبديل للاستعمار، أي أنها في النهاية تسعى لتكريس هيمنة الدول الأكثر تقدماً على الدول النامية، من خلال أدوات تختلف عن أدوات الحرب الباردة، بمعنى آخر فإن أهداف الاستعمار كانت السيطرة على الشعوب للاستفادة من إمكاناتها الاستراتيجية، عن طريق قوة السلاح، بينما مفهوم العولمة يهدف إلى السيطرة على الشعوب، ولكن من خلال توجيهها لاتباع نمط تنموي يخدم أساساً مصالح الدول المتقدمة"([13])، لكي يتسنى للآخر تصنيع أسطورته في إطار المركزية الغربية، ومن ثم يبلور صورة عن ذاته، وبخلق بشكل مواز صورة ممسوخة عن الآخر، ليؤكد ذاتيته، وقد تم ذلك عبر إرساء قواعد منظوماتية فكرية ترمي من ورائها هذه الحضارة إلى الهيمنة والسيطرة على المجتمعات، ومحاولة إقصائها ونبذها بحجة التطلع إلى خلق إنسان عالمي وفق هذا المنظور الغربي([14]).  وبالطبع سوف يؤدي هذا الأمر إلى انعدام التكافؤ بين المجتمعات نتيجة للتفاوت الاجتماعي والمادي، ومن ثم فإن علميات التغير الاجتماعي والتحديث الاقتصادي، التي تسعى إليها العولمة، سوف تؤدي إلى الفصل والتغريب بين الشعوب وهويتها ومرجعياتها، وخلق عقدة من النقص لديها، من حيث إنها تتعرض للخصوصيات المحلية للشعوب وانتماءاتها، وذلك من خلال "الترويج لمفاهيم مثل التفاعل الثقافي والتداخل الحضاري وحوار الحضارات والتبادل الثقافي، التي تنصب جميعها في قالب ثقافة المركز، التي يجب أن تسود، وأن الثقافات الأخرى عليها أن تحذو حذو المركز لكي تقترب منه"([15]).  والجدير بالذكر هنا هو أن الحضارات لا تستطيع أن تنمو وتتطور في عزلة، ودون حوار خصب فيما بينها، "فالحضارة الإسلامية -على سبيل المثال-أثرت مضامينها، وحققت انطلاقتها وشموليتها بعلاقتها مع الحضارات الأخرى السابقة والمعاصرة لها، كالحضارة الفارسية والبيزنطية والرومانية وغيرها، كما أن حضارة الغرب استفادت كثيراً من الحضارة العربية الإسلامية، وأخذت عنها ما وفر لها مستلزمات التطور والنهوض"([16]).  غير أن ما يحدث الآن على الساحة العالمية هو منطق جديد لحوار الحضارات، "فهو منطق لعولمة تقصي، عوض أن تدمج، وتفرق عوض أن توحد، وتقوض عوض أن تبني. فيصبح الإنسان المعاصر تحت تأثير الصدمات المتتالية التي أتت على المراجع التقليدية فنسفتها"([17])، وزادت من حدة التمزقات والفروقات بين الأفراد ومجتمعاتهم، ما نتج عنه إشكاليات فكرية وثقافية أدت إلى تعبيرات مختلفة من قبل هؤلاء الأفراد. ولعل ما يؤكد ذلك هو "انبعاث الولاءات العرقية والقبلية والطائفية في عصر العولمة، المفترض أصلا أنها تزيل الحواجز والحدود بين الدول والمجتمعات البشرية"([18]).  ومن "هنا احتلت العلاقة بالآخر اهتماماً فائقاً على ضوء التمايز الحادث بين المجموعات العرقية والثقافية وبين القيم المفترضة للعولمة"([19]).  ووفقاً لذلك يمكن القول إن العولمة بنمطها الرأسمالي هي حالة من الهيمنة والاستتباع، وذلك بفرضها ثقافة معية على بقية الأمم، بمعنى أنها تقضي على التفرد الثقافي الإنساني([20])، وهي بذلك الرفض للأشكال الإنسانية الأخرى تعمل على وضع مستقبل الإنسانية في خطر حقيقي، كما يشير روجيه غارودي، "الذي يرى ضرورة محاكمة ثقافة وحضارة الغرب، على دورها الهدام للثقافات الأخرى طبقاً للفكرة الملعونة -الشعب المختار- التي تتم عبر رفض الآخر وإنكاره حتى إبادته"([21]). ولعل ما ذهب إليه جوان جراي في كتابه (الفجر الكاذب: أوهام الرأسمالية العالمية) فيما يتعلق بالهيمنة الغربية ودور العولمة فيها، يساند الرأي السابق، حيث يرى أن العولمة ما هي إلا أداة للتعبير عن الفروق الثقافية وتعميقها، بطمس الخصائص المحلية، باقتلاعها للأنشطة والعلاقات من أصولها وثقافاتها المحلية([22])، من خلال طرحها للثقافة الاستهلاكية، التي تضع تأكيداً خاصاً على مبدأ الإمتاع الذاتي الآني، والتي تهاجم حتى العقيدة والدين، لأن العقيدة السائدة بين مفكري الغرب هو أن الدين انحراف واهن غير عقلاني، حسب تفكيرهم ونمطهم المادي، ومن ثم فإن هذه الثقافة تطرح فكرة العداء مع الديانات الأخرى، وعلى رأسها الإسلام، حسب رأي زبغنيو بريجنسكي([23]).  من هنا يتضح أن العولمة تشير إلى ذوبان الثقافات في ثقافة الآخر، وفق منظور الثقافة الواحدة، التي يجب أن تسود العالم، وهي ثقافة الغرب بمفاهيمها وأنماطها المختلفة، بفضل سيطرتها المادية والتقنية على شتى الوسائل والأدوات المعرفية، التي تصل إلى كل فرد، دون قيود أو حدود، ومن ثم تسيطر على وعيه وإدراكه، بحيث يصبح مجرد أداة متتبعة، بدلاً من أن يكون  (أنا) فاعلة، "وهذا بدوره أدى إلى خلق عقدة عظمة لدى الغرب، فهو حضارة العقل والعلم والحرية والعدالة والتقدم والعمران..التاريخ تاريخه، والعلم علمه، والقيم قيمه، والثورة ثورته، واللغات لغته، والثقافة ثقافته، ومن تبقى الشعوب الأخرى مجرد ناقلة ومقلدة وتابعة ومتعلمة وهامش على المركز، وفي محيطه، الغرب يبدع وهي تستهلك، الغرب يفكر وهي تنقل"([24]).  وهكذا أضحت العولمة في طورها الراهن أداة من أدوات هذا العالم الجديد، الذي يراد له أن يتشكل على غرار ثقافة الغرب، التي أعطت بعداً آخر للعلاقة السائدة بين المجتمعات، من خلال الهجوم على الخصوصيات الثقافية والمرجعيات الانتمائية والقضاء على التنوع الذي عرفته الشعوب على مر عصورها، وذلك وفقاً لمنظور البقاء للأقوى والأصلح  قائمة المصادر والمراجع أولاً - الكتب: 1-            السيد يسين، حسن حنفي وآخرون، خطابات عربية وغربية في حوار الحضارات، ط 1 (دار السلام، القاهرة، 2004).  2-            إدريس هاني ، حوار الحضارات، ط1 (المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2002).  3-            بركات محمد مراد، ظاهرة العولمة رؤية نقدية، ط1، كتاب الأمة (سلسلة دورية تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 2001م).  4-            جون جراي، الفجر الكاذب أوهام الرأسمالية العالمية، ترجمة: أحمد فؤاد بلبع، ط1 (مكتبة الشروق، 2000م).  5-                     محسن أحمد الخضيري، العولمة مقدمة في فكر واقتصاد وإدارة عصر اللادولة، ط1 (مجموعة النيل العربية، القاهرة، 2000م).  6-            رويجه جارودي، أمريكا طليعة الانحطاط، تقديم: كامل زهيري، تعريب: عمرو زهيري، ط1 (دار الشروق، القاهرة، 1999م).  7-            زبغنيو بريجنسكي، الفوضى، الاضطراب العالمي عند مشارف القرن الحادي والعشرين، ترجمة: مالك فاضل، ط1 (الأهلية للنشر والتوزيع، لبنان، 1998م).  8-            سيار الجميل، العولمة والمستقبل، استراتيجية تفكير، ط1 (الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن، 2000م).  9-            صادق جلال العظم، حسن حنفي، ما العولمة؟ ط2 (دار الفكر، دمشق، 2002م).  10-      عبد الله عثمان التوم، عبد الرؤوف محمد آدم، العولمة دراسة تحليلية نقدية، ط1 (دار الوراق، لندن، 1999م).  11-      عبد المنعم المحجوب، ورثة اللوغوس بصدد الآخر والذات الثقافية، ط1 (منشورات المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، 2004م).  12-      علي النجدي ناصف، الدين والأخلاق في شعر شوقي، ط2 (مكتبة نهضة مصر، القاهرة، 1964م).  13-      محمد صالح الهرماسي، مقاربة في إشكالية الهوية، المغرب العربي المعاصر، ط1 (دار الفكر، دمشق، 2001م).  14-      محمد عمارة، مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، ط1 (دار نهضة مصر، 1999م).  15-      محمد نوار، العولمة: هيمنة منفردة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ط1 (دار جهاد، 1999م).  ثانياً - الدوريات: 1- صلاح سالم، "الإسلام والغرب بين عقد الحضارات ونزوعات الهيمنة"، مجلة كراسات مستقبلية، سلسلة غير دورية، تصدر عن المكتبة الأكاديمية، القاهرة، ط1 ، 2004م.  2- عبد الباقي الهرماسي، "العولمة والهوية الوطنية"، مجلة العربي، 482، يناير 1999م.   3- عبد الجليل كاظم الوالي، "جدلية العولمة بين الاختيار والرفض"، المستقبل العربي، العدد 275، 2002م.  4- سليمان إبراهيم العسكري، "إعلام العولمة، قيم جديدة أم انكفاء على الذات"، مجلة العربي، عدد 517، ديسمبر، 2001م.  5- نبيل غزلان، "بين الكوكبية والدفاع عن الهوية، العرب والآخر"، مجلة العربي، عدد 516، نوفمبر 2001م.  ·         نعني بالأنا والآخر المعنى الشمولي للفظين فلسفياً، الذات والمغاير من الآخرين جنساً ومعتقداً، وعلى وجه الخصوص أعني به المسلم وغير المسلم، العربي والأوروبي، المتقدم والنامي، الشمال والجنوب.  ([1]) محسن أحمد الخضيري، العولمة: مقدمة في فكر واقتصاد وإدارة عصر اللادولة، ط1 (مجموعة النيل العربية، القاهرة، 2000م),ص151.  ([2]) بركات محمد مراد، "العولمة ذلك المفهوم المراوغ"، مجلة العربي، عدد 526، سبتمبر 2002م، ص28.  ([3]) انظر: محسن أحمد الخضيري، العولمة مقدمة في فكر واقتصاد وإدارة عصر اللادولة، مرجع سبق ذكره، ص111.  ([4]) انظر: صلاح سالم، "الإسلام والغرب بين عقد الحضارات ونزوعات الهيمنة"، مجلة كراسات مستقبلية، سلسلة غير دورية تصدر عن المكتبة الأكاديمية، القاهرة، ط1، 2004، ص13-14.       -إدريس هاني، حوار الحضارات، ط1 (المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2002) ص112-113.  ([5]) حسن حنفي، صادق جلال العظم، ما العولمة؟ ط2 (دار الفكر، دمشق، 2002م) ، ص42.  ([6]) انظر: محمد صالح الهرماسي: مقاربة في إشكالية الهوية، ط1 (دار الفكر، دمشق، 2001م)، ص137.  ([7]) عبد الله عثان التوم، عبد الرؤوف محمد آدم، العولمة دراسة تحليلية نقدية، ط1 (دار الوراق، لندن 1999م) ص130.  ([8]) عبد المنعم المحجوب، ورثة اللوغوس بصدد الآخر والذات والثقافة، ط1 (منشورات المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، 2004م) ص11.  ([9]) محمد عمارة، مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، ط1 (دار نهضة مصر، القاهرة، 1999م) ص14.  ([10]) علي حرب، حديث النهايات، فتوحات العولمة ومآزق الهوية،، ط1 (المركز الثقافية العربي، الدار البيضاء، 2000م) ، ص44.  ([11])     سيار الجميل، العولمة والمستقبل، استراتيجية تفكير، ط1 (الأهلية للنشر والتوزيع، لبنان، 2000م) ص32.  ([12])     عبد الباقي الهرماسي، "العولمة والهوية الوطنية"، مجلة العربي، ع482، يناير 1999م، ص35.  ([13])     يوسف الشاروني، "الثقافة الكونية هل هي تحديد للهوية الأضعف"، مجلة العربي، ع527، أكتوبر 2002م، ص28.  ([14])     غريغوار منصور مرشو، سيد صادق الحسيني، نحن والآخر، ط1 (دار الفكر، دمشق، 2001م) ص16.  ([15])     عبد الجليل كاظم الوالي، "جدلية العولمة بين الاختيار والرفض"، المستقبل العربي، ع275، 2002م، ص64.  ([16]) عبد الباقي الهرماسي، العولمة والهوية الوطنية، مجلة العربي، 482، يناير 1999م ، ص36.  ([17])     المرجع السابق، ص36.  ([18]) سليمان إبراهيم العسكري، "إعلام العولمة: قيم جديدة أم انكفاء على الذات"، مجلة العربي، ع517، ديسمبر 2001م، ص13.  ([19])     نبيل غزلان، بين الكوكبية والدفاع عن الهوية، العرب والآخر، مجلة العربي، ع516، نوفمبر 2001م، ص27.  ([20])     انظر: محمد نوار، العولمة: هيمنة منفردة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ط1 (دار جهاد، 1999م) ص77.  ([21]) روجيه غارودي، أمريكا طليعة الانحطاط، تقديم: كامل زهيري، تعريب: عمرو زهيري، ط1 (دار الشروق، القاهرة، 1999م) ص142-143.  ([22])     جون جراي، الفجر الكاذب أوهام الرأسمالية العالمية، ترجمة: أحمد فؤاد بلبع، ط1 (مكتبة الشروق، 2000م) ص83-87.  ([23])     زبغنيو بريجنسكي، الفوضى الاضطراب العالمي عند مشارف القرن الحادي والعشرين، ترجمة: مالك فاضل، ط1 (الأهلية للنشر والتوزيع، لبنان، 1998م) ص178، 188،189.  ([24])     السيد يسين، حسن حنفي وآخرون، خطابات عربية وغربية في حوار الحضارات، ط1 (دار السلام، القاهرة، 2004م) ص63.

أ.جمال زيدان علي سرير - شبكة المدونون العرب

فرضت العولمة إعادة النظر في العديد من المسائل المتعلقة بالإنسان، وخاصة فيما يتعلق بالصورة التي كونها الأفراد عن أنفسهم وعن الآخرين، عن طريق وضع صياغة لأطرها الفكرية، وفق مرتكزات جديدة متصلة مباشرة بالمعرفة، في ظل إمكاناتها المطروحة الآن وبقوة، والتي تسعى من خلالها للتأويل والتبرير، وكذلك للإقناع أو التغرير.
إن هذه الأطر التي تسعى العولمة لبلورتها تفتح آفاقاً واسعة للمجتمعات لتعيش "ذروة تحول هائل، تحول نحو كونية جديدة"([1])، لها معالمها وانطباعاتها، من خلال طرح أدوات معرفية جديدة، لم تعرفها البشرية سابقاً، كالثورة المعلوماتية والاتصالية([2])، التي أحدثت تطوراً مذهلاً في سياق الممارسات العملية لبروز الثقافات وحوارها. لهذا يمكن القول إن العولمة أصبحت حقيقة واقعة تعيشها المجتمعات؛ حقيقة تعي ذاتها، ولها القدرة على اكتساب روافد ومصادر جديدة ومتجددة كل يوم، وكل لحظة، بل وكل ثانية، على مستوى العالم. والدليل على ذلك ما نراه من تطورات مذهلة في شتى المجالات والميادين([3]).
وفقاً لهذه التطورات المذهلة التي أحدثتها العولمة، بغية الوصول إلى الانفتاح العالمي والوصول إلى مجتمع عالمي واحد، فإنها تطرح بذلك بعداً جديداً للعلاقات بين المجتمعات، وفق مسميات جديدة للنقاش والحوار بين هذه المجتمعات، وخاصة بين الدول المتقدمة أو دول الرفاه في الشمال، والدول المتخلفة أو النامية في الجنوب، وعلى وجه الخصوص بين الإسلام والغرب، التي تندرج ضمن إشكالية العلاقة بين الأنا والآخر، بتراكماتها التاريخية المليئة بالهواجس والعداء والتناقض بين الأنا والآخر، غير أن ذلك لا ينفي وجود بعض عوامل الجذب والتعاون بينهما في بعض فترات التاريخ.
وفقاً لهذا المنظور فقد أثار مفهوم العولمة بما فرضه من تطورات متلاحقة العديد من التساؤلات حول مستقبل هذه العلاقة. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل العولمة تطرح آفاق الآخر في ضوء علاقة تبادلية تحيطها فكرة الأخذ والعطاء ما بين الحضارات؟ أم أنها تسعى إلى خلق علاقة أحادية الجانب، يكون فيها الطرف الأقوى هو صاحب الرسالة الجديدة للشعوب، التي تتضمن فصولها النظرة الاستعلائية، وفرض الرؤيا المغايرة، التي تبعد تماماً عن مكونات تلك الشعوب، وذلك من أجل تطويع العقول لخدمة مصالحها؟ وبمعنى آخر: هل العولمة تطرح آفاق الآخر لإعادة إنتاج نظام هيمنته القديم في قالب جديد، وفق تأثير منتظم تتعرض له المجتمعات؟
تشير المصادر في هذا الاتجاه إلى ما يسمى عقدة الحضارات بين الأنا والآخر، التي مرت بعدة مراحل متلاحقة، كانت أولاها فترة الحروب الصليبية، التي اتجهت باسم الصليب، وبناء المجد للعروش الصليبية، والطمع في الموارد والأرض العربية، وخاصة القدس، التي ذاع عنها في أوروبا كونها الأرض التي تفيض عسلاً ولبناً، فضلاً عن كونها الأرض المقدسة.
أما المرحلة الثانية، فتتمثل في الهجمة الاستعمارية على العالم، ورسالة الرجل الأبيض.
والمرحلة الثالثة فهي مرحلة صدام الحضارات، التي بدأت أحداثها من 11 سبتمبر، والدعوة إلى التصدي للإرهاب لأغراض مادية وسياسية، تسعى الدول الغربية إلى تحقيقها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية([4]).
لذا يمكن القول إن هذه العلاقة مليئة بالمشاكل التي صنعتها الحوافز والمصالح الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي ساعد في اتساع الهوة بينهما، ومن ثم فإنها "ليست مجرد موضوع لبحث علمي، بل هي أزمة وجودية تاريخية، تعبر عن صراع أكثر مما تعبر عن مجرد تضايف أو حوار، وقد تعبر عن إحساس مرضي، أو مركب نقص في مقابل مركب العظمة، المقهور والقاهر، المستعمِر والمستعمَر"([5]).
بهذا تطرح العولمة سياقاً جديداً لهذه العلاقة عبر معطيات جديدة، يتعامل العالم من خلالها، للدعوة إلى خلق نظام عالمي جديد، الأمر الذي يفرض على المجتمعات تحديد الذات وإثباتها، حتى تتلاءم مع ما تفرضه العولمة، ويتطلب أيضاً توضيح سمات الآخر وخصائصه ومدى العلاقات التي تربطه بها وخلفياتها([6])، كما "يبدو للوهلة الأولى أن العولمة موجهة نحو مقاصد المال والاستهلاك والأشياء المادية المحسوسة والمرئية، لكن في الواقع فإن سلاحها الحقيقي موجه نحو (عقلية) الإنسان، فهي غزو ثقافي بأكمله، لأنها موجهة لفكر الإنسان، بفضل حيازتها على معرفة منظمة ووسائل فاعلة لنشر هذه المعرفة، كل ما تصدره العولمة هو المعرفة الحديثة على النمط الغربي"([7])، التي تسعى إلى دمج المجتمعات تلقائياً في الآخر، لتكون جزءاً من نظامه([8])، ولعل ما يطرح الآن من صياغات جديدة للمجتمعات، وفق مسميات عدة، كحقوق الإنسان والدعوة إلى الديمقراطية، وحق التدخل في الشؤون الداخلية، وحقوق المرأة، والدعوة لمكافحة الإرهاب..إلى آخر ذلك من المسميات والذرائع، التي تعمل الحضارة الغربية على صياغتها، من خلال طرحها لهذه الأفكار، وفق رؤيتها الخاصة، يبين مدى سعي هذه الحضارة إلى تحقيق المصالح والمنافع، على حساب غيرها، وفق تأويلها للحياة وتبريرها لوجودها. ويشير محمد عمارة في هذا الخصوص إلى أن العولمة "تتمثل في اجتياح الشمال للجنوب، واجتياح الحضارة الغربية، ممثلة في النموذج الأمريكي، للحضارات الأخرى، وهي التطبيق العملي لشعار نهاية التاريخ الذي أرادوا به الادعاء بأن النموذج الغربي الرأسمالي هو القدر الأبدي للبشرية جمعاء"([9]).
إن العولمة من حيث إنها ظاهرة قادمة من الغرب، من مجتمعات متقدمة حضارياً إلى مجتمعات نامية متخلفة، تعبر عن مركزية دفينة في الفكر الغربي، بمضمونه الرأسمالي الذي يفرض على الشعوب نوعية خاصة من التبعية والهيمنة. ويؤكد على هذا الرأي عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، الذي يرى في العولمة ليبرالية جديدة شرسة ووحشية؛ إذ إنها تقوم على التنافس والصراع، بمنطق دارويني اصطفائي، بقدر ما تدمر بشكل منهجي الأطر التي تحفظ التوازن، وتؤمن التضامن في المجتمع"([10])، غير عابئة بالقيم المشتركة والتعددية والتنوع بين كافة الشعوب وكافة الثقافات. ومن ثم فإن "العولمة كظاهرة تتعامل مع العالم بين الشمال والجنوب كقوة مسيطرة في تفكيك الصيغ المألوفة، وإعادة تركيبها من جديد على أسس غير مألوفة البتة"([11]).
من هذا المنطلق تكون العولمة بمثابة إنهاء لقاعدة التعارف والتعامل والتثاقف بين الشعوب، التي كانت سائدة وفق نموذج الحوار المتبادل وفكرة الأخذ والعطاء بين تلك المجتمعات.
"ومن ثم فإن هذا الوضع المتضارب من شأنه أن يعرقل التوجه نحو عالم تسوده المبادئ الإنسانية الرفيعة، ويجعل الأفراد في تردد بين القيم المرجعية والعادات الانتمائية، وترمي بهم في متاهات الضياع، وآفات التمزق"([12]).
وهنا يجدر التنويه بأن العولمة بهذا الوصف تتبنى النظرة الدونية للثقافات والحضارات الأخرى الخارجة عن مجالها وأسسها المبنية عليها.
وعلى ضوء ذلك يراه البعض "كبديل للاستعمار، أي أنها في النهاية تسعى لتكريس هيمنة الدول الأكثر تقدماً على الدول النامية، من خلال أدوات تختلف عن أدوات الحرب الباردة، بمعنى آخر فإن أهداف الاستعمار كانت السيطرة على الشعوب للاستفادة من إمكاناتها الاستراتيجية، عن طريق قوة السلاح، بينما مفهوم العولمة يهدف إلى السيطرة على الشعوب، ولكن من خلال توجيهها لاتباع نمط تنموي يخدم أساساً مصالح الدول المتقدمة"([13])، لكي يتسنى للآخر تصنيع أسطورته في إطار المركزية الغربية، ومن ثم يبلور صورة عن ذاته، وبخلق بشكل مواز صورة ممسوخة عن الآخر، ليؤكد ذاتيته، وقد تم ذلك عبر إرساء قواعد منظوماتية فكرية ترمي من ورائها هذه الحضارة إلى الهيمنة والسيطرة على المجتمعات، ومحاولة إقصائها ونبذها بحجة التطلع إلى خلق إنسان عالمي وفق هذا المنظور الغربي([14]).
وبالطبع سوف يؤدي هذا الأمر إلى انعدام التكافؤ بين المجتمعات نتيجة للتفاوت الاجتماعي والمادي، ومن ثم فإن علميات التغير الاجتماعي والتحديث الاقتصادي، التي تسعى إليها العولمة، سوف تؤدي إلى الفصل والتغريب بين الشعوب وهويتها ومرجعياتها، وخلق عقدة من النقص لديها، من حيث إنها تتعرض للخصوصيات المحلية للشعوب وانتماءاتها، وذلك من خلال "الترويج لمفاهيم مثل التفاعل الثقافي والتداخل الحضاري وحوار الحضارات والتبادل الثقافي، التي تنصب جميعها في قالب ثقافة المركز، التي يجب أن تسود، وأن الثقافات الأخرى عليها أن تحذو حذو المركز لكي تقترب منه"([15]).
والجدير بالذكر هنا هو أن الحضارات لا تستطيع أن تنمو وتتطور في عزلة، ودون حوار خصب فيما بينها، "فالحضارة الإسلامية -على سبيل المثال-أثرت مضامينها، وحققت انطلاقتها وشموليتها بعلاقتها مع الحضارات الأخرى السابقة والمعاصرة لها، كالحضارة الفارسية والبيزنطية والرومانية وغيرها، كما أن حضارة الغرب استفادت كثيراً من الحضارة العربية الإسلامية، وأخذت عنها ما وفر لها مستلزمات التطور والنهوض"([16]).
غير أن ما يحدث الآن على الساحة العالمية هو منطق جديد لحوار الحضارات، "فهو منطق لعولمة تقصي، عوض أن تدمج، وتفرق عوض أن توحد، وتقوض عوض أن تبني. فيصبح الإنسان المعاصر تحت تأثير الصدمات المتتالية التي أتت على المراجع التقليدية فنسفتها"([17])، وزادت من حدة التمزقات والفروقات بين الأفراد ومجتمعاتهم، ما نتج عنه إشكاليات فكرية وثقافية أدت إلى تعبيرات مختلفة من قبل هؤلاء الأفراد. ولعل ما يؤكد ذلك هو "انبعاث الولاءات العرقية والقبلية والطائفية في عصر العولمة، المفترض أصلا أنها تزيل الحواجز والحدود بين الدول والمجتمعات البشرية"([18]).
ومن "هنا احتلت العلاقة بالآخر اهتماماً فائقاً على ضوء التمايز الحادث بين المجموعات العرقية والثقافية وبين القيم المفترضة للعولمة"([19]).
ووفقاً لذلك يمكن القول إن العولمة بنمطها الرأسمالي هي حالة من الهيمنة والاستتباع، وذلك بفرضها ثقافة معية على بقية الأمم، بمعنى أنها تقضي على التفرد الثقافي الإنساني([20])، وهي بذلك الرفض للأشكال الإنسانية الأخرى تعمل على وضع مستقبل الإنسانية في خطر حقيقي، كما يشير روجيه غارودي، "الذي يرى ضرورة محاكمة ثقافة وحضارة الغرب، على دورها الهدام للثقافات الأخرى طبقاً للفكرة الملعونة -الشعب المختار- التي تتم عبر رفض الآخر وإنكاره حتى إبادته"([21]). ولعل ما ذهب إليه جوان جراي في كتابه (الفجر الكاذب: أوهام الرأسمالية العالمية) فيما يتعلق بالهيمنة الغربية ودور العولمة فيها، يساند الرأي السابق، حيث يرى أن العولمة ما هي إلا أداة للتعبير عن الفروق الثقافية وتعميقها، بطمس الخصائص المحلية، باقتلاعها للأنشطة والعلاقات من أصولها وثقافاتها المحلية([22])، من خلال طرحها للثقافة الاستهلاكية، التي تضع تأكيداً خاصاً على مبدأ الإمتاع الذاتي الآني، والتي تهاجم حتى العقيدة والدين، لأن العقيدة السائدة بين مفكري الغرب هو أن الدين انحراف واهن غير عقلاني، حسب تفكيرهم ونمطهم المادي، ومن ثم فإن هذه الثقافة تطرح فكرة العداء مع الديانات الأخرى، وعلى رأسها الإسلام، حسب رأي زبغنيو بريجنسكي([23]).
من هنا يتضح أن العولمة تشير إلى ذوبان الثقافات في ثقافة الآخر، وفق منظور الثقافة الواحدة، التي يجب أن تسود العالم، وهي ثقافة الغرب بمفاهيمها وأنماطها المختلفة، بفضل سيطرتها المادية والتقنية على شتى الوسائل والأدوات المعرفية، التي تصل إلى كل فرد، دون قيود أو حدود، ومن ثم تسيطر على وعيه وإدراكه، بحيث يصبح مجرد أداة متتبعة، بدلاً من أن يكون (أنا) فاعلة، "وهذا بدوره أدى إلى خلق عقدة عظمة لدى الغرب، فهو حضارة العقل والعلم والحرية والعدالة والتقدم والعمران..التاريخ تاريخه، والعلم علمه، والقيم قيمه، والثورة ثورته، واللغات لغته، والثقافة ثقافته، ومن تبقى الشعوب الأخرى مجرد ناقلة ومقلدة وتابعة ومتعلمة وهامش على المركز، وفي محيطه، الغرب يبدع وهي تستهلك، الغرب يفكر وهي تنقل"([24]).
وهكذا أضحت العولمة في طورها الراهن أداة من أدوات هذا العالم الجديد، الذي يراد له أن يتشكل على غرار ثقافة الغرب، التي أعطت بعداً آخر للعلاقة السائدة بين المجتمعات، من خلال الهجوم على الخصوصيات الثقافية والمرجعيات الانتمائية والقضاء على التنوع الذي عرفته الشعوب على مر عصورها، وذلك وفقاً لمنظور البقاء للأقوى والأصلح
قائمة المصادر والمراجع
أولاً - الكتب:
1- السيد يسين، حسن حنفي وآخرون، خطابات عربية وغربية في حوار الحضارات، ط 1 (دار السلام، القاهرة، 2004).

2- إدريس هاني ، حوار الحضارات، ط1 (المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2002).

3- بركات محمد مراد، ظاهرة العولمة رؤية نقدية، ط1، كتاب الأمة (سلسلة دورية تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 2001م).

4- جون جراي، الفجر الكاذب أوهام الرأسمالية العالمية، ترجمة: أحمد فؤاد بلبع، ط1 (مكتبة الشروق، 2000م).
5- محسن أحمد الخضيري، العولمة مقدمة في فكر واقتصاد وإدارة عصر اللادولة، ط1 (مجموعة النيل العربية، القاهرة، 2000م).
6- رويجه جارودي، أمريكا طليعة الانحطاط، تقديم: كامل زهيري، تعريب: عمرو زهيري، ط1 (دار الشروق، القاهرة، 1999م).
7- زبغنيو بريجنسكي، الفوضى، الاضطراب العالمي عند مشارف القرن الحادي والعشرين، ترجمة: مالك فاضل، ط1 (الأهلية للنشر والتوزيع، لبنان، 1998م).
8- سيار الجميل، العولمة والمستقبل، استراتيجية تفكير، ط1 (الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن، 2000م).
9- صادق جلال العظم، حسن حنفي، ما العولمة؟ ط2 (دار الفكر، دمشق، 2002م).
10- عبد الله عثمان التوم، عبد الرؤوف محمد آدم، العولمة دراسة تحليلية نقدية، ط1 (دار الوراق، لندن، 1999م).
11- عبد المنعم المحجوب، ورثة اللوغوس بصدد الآخر والذات الثقافية، ط1 (منشورات المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، 2004م).
12- علي النجدي ناصف، الدين والأخلاق في شعر شوقي، ط2 (مكتبة نهضة مصر، القاهرة، 1964م).
13- محمد صالح الهرماسي، مقاربة في إشكالية الهوية، المغرب العربي المعاصر، ط1 (دار الفكر، دمشق، 2001م).
14- محمد عمارة، مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، ط1 (دار نهضة مصر، 1999م).
15- محمد نوار، العولمة: هيمنة منفردة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ط1 (دار جهاد، 1999م).
ثانياً - الدوريات:
1- صلاح سالم، "الإسلام والغرب بين عقد الحضارات ونزوعات الهيمنة"، مجلة كراسات مستقبلية، سلسلة غير دورية، تصدر عن المكتبة الأكاديمية، القاهرة، ط1 ، 2004م.
2- عبد الباقي الهرماسي، "العولمة والهوية الوطنية"، مجلة العربي، 482، يناير 1999م.
3- عبد الجليل كاظم الوالي، "جدلية العولمة بين الاختيار والرفض"، المستقبل العربي، العدد 275، 2002م.
4- سليمان إبراهيم العسكري، "إعلام العولمة، قيم جديدة أم انكفاء على الذات"، مجلة العربي، عدد 517، ديسمبر، 2001م.
5- نبيل غزلان، "بين الكوكبية والدفاع عن الهوية، العرب والآخر"، مجلة العربي، عدد 516، نوفمبر 2001م.
· نعني بالأنا والآخر المعنى الشمولي للفظين فلسفياً، الذات والمغاير من الآخرين جنساً ومعتقداً، وعلى وجه الخصوص أعني به المسلم وغير المسلم، العربي والأوروبي، المتقدم والنامي، الشمال والجنوب.
([1]) محسن أحمد الخضيري، العولمة: مقدمة في فكر واقتصاد وإدارة عصر اللادولة، ط1 (مجموعة النيل العربية، القاهرة، 2000م),ص151.
([2]) بركات محمد مراد، "العولمة ذلك المفهوم المراوغ"، مجلة العربي، عدد 526، سبتمبر 2002م، ص28.
([3]) انظر: محسن أحمد الخضيري، العولمة مقدمة في فكر واقتصاد وإدارة عصر اللادولة، مرجع سبق ذكره، ص111.
([4]) انظر: صلاح سالم، "الإسلام والغرب بين عقد الحضارات ونزوعات الهيمنة"، مجلة كراسات مستقبلية، سلسلة غير دورية تصدر عن المكتبة الأكاديمية، القاهرة، ط1، 2004، ص13-14.
-إدريس هاني، حوار الحضارات، ط1 (المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2002) ص112-113.
([5]) حسن حنفي، صادق جلال العظم، ما العولمة؟ ط2 (دار الفكر، دمشق، 2002م) ، ص42.
([6]) انظر: محمد صالح الهرماسي: مقاربة في إشكالية الهوية، ط1 (دار الفكر، دمشق، 2001م)، ص137.
([7]) عبد الله عثان التوم، عبد الرؤوف محمد آدم، العولمة دراسة تحليلية نقدية، ط1 (دار الوراق، لندن 1999م) ص130.
([8]) عبد المنعم المحجوب، ورثة اللوغوس بصدد الآخر والذات والثقافة، ط1 (منشورات المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، 2004م) ص11.
([9]) محمد عمارة، مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، ط1 (دار نهضة مصر، القاهرة، 1999م) ص14.
([10]) علي حرب، حديث النهايات، فتوحات العولمة ومآزق الهوية،، ط1 (المركز الثقافية العربي، الدار البيضاء، 2000م) ، ص44.
([11]) سيار الجميل، العولمة والمستقبل، استراتيجية تفكير، ط1 (الأهلية للنشر والتوزيع، لبنان، 2000م) ص32.
([12]) عبد الباقي الهرماسي، "العولمة والهوية الوطنية"، مجلة العربي، ع482، يناير 1999م، ص35.
([13]) يوسف الشاروني، "الثقافة الكونية هل هي تحديد للهوية الأضعف"، مجلة العربي، ع527، أكتوبر 2002م، ص28.
([14]) غريغوار منصور مرشو، سيد صادق الحسيني، نحن والآخر، ط1 (دار الفكر، دمشق، 2001م) ص16.
([15]) عبد الجليل كاظم الوالي، "جدلية العولمة بين الاختيار والرفض"، المستقبل العربي، ع275، 2002م، ص64.
([16]) عبد الباقي الهرماسي، العولمة والهوية الوطنية، مجلة العربي، 482، يناير 1999م ، ص36.
([17]) المرجع السابق، ص36.
([18]) سليمان إبراهيم العسكري، "إعلام العولمة: قيم جديدة أم انكفاء على الذات"، مجلة العربي، ع517، ديسمبر 2001م، ص13.
([19]) نبيل غزلان، بين الكوكبية والدفاع عن الهوية، العرب والآخر، مجلة العربي، ع516، نوفمبر 2001م، ص27.
([20]) انظر: محمد نوار، العولمة: هيمنة منفردة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ط1 (دار جهاد، 1999م) ص77.
([21]) روجيه غارودي، أمريكا طليعة الانحطاط، تقديم: كامل زهيري، تعريب: عمرو زهيري، ط1 (دار الشروق، القاهرة، 1999م) ص142-143.
([22]) جون جراي، الفجر الكاذب أوهام الرأسمالية العالمية، ترجمة: أحمد فؤاد بلبع، ط1 (مكتبة الشروق، 2000م) ص83-87.
([23]) زبغنيو بريجنسكي، الفوضى الاضطراب العالمي عند مشارف القرن الحادي والعشرين، ترجمة: مالك فاضل، ط1 (الأهلية للنشر والتوزيع، لبنان، 1998م) ص178، 188،189.
([24]) السيد يسين، حسن حنفي وآخرون، خطابات عربية وغربية في حوار الحضارات، ط1 (دار السلام، القاهرة، 2004م) ص63.
تعليقات