القاص والكاتب: عبد الجبار الحمدي - العراق
نلاحظ ان الخالق قال اسماء وليس صور.. وهذا هو المعنى العام للصور فلا يمكن ان تكون كلمة ذات معنى إن لم يكن لها صورة مخزونة، كما الحروف فالهاء تمثل دورة الهواء في الحلق و حين اللفظ، الكاف مثل كف اليد للعمل، الصاد كما هي الصنارة تستخدم للصيد وهكذا دواليك بقية الحروف التي اخذت عن الحضارة الاكدية التي جاءت بها وعددها إثنان وعشرون حرفا ثم بعدها اضيف إليها الحروف الست اخرى فصارت ثمانية وعشرون حرفا... فالسين اضيفت النقاط فاصبحت شين والصاد لها الضاد والحاء جيم و خاء الخ.. وهذه الحروف و ما يمثله شكلها إنما هي صور أبدع في استحضارها الانسان، تماما مثل مخرجات الحاسوب بعد ان يكون قد ملئت ذاكرته بمدخلات للتعامل معها... فكل شيء خلقه الله تحت مسمى ذريعة فالماء ذريعة الحياة والنور ذريعة للنهار والظلمة ذريعة لليل وهكذا جميع الموجودات... يبقى على الإنسان الذي يريد أن يدخل عالم الأدب أن يتلمس كل هذه المكنونات و الموجودات خلال منظار مختلف عن الانسان العادي مثل المتلقي القارئ، فالإنسان خلق بمستويات ثقافية مختلفة كما هو اختلاف المستويات الاجتماعية او البيئية... و أعني البيئة والتي اعتبرها المؤرخ الاول والاساس في إنماء العقل الباطن عندما يكون غض لم يعبئ بعد... فالعقل الباطن يسمى بمنطوق الذرائعي ( الملاك الحارس ) أي انه المراقب الأول للتعامل سواء بالنصوص او الصور أو الابعاد الإيحائية التي يرمز إليها الأدييب او الكاتب، فالنص كالإنسان علينا ان نتعامل معه بنفس المشاعر والأحاسيس التي تجعل من المتلقي في الكثير من الاحيان بأن يتفاعل مع النص الادبي بمشاعر قد تسبب له الحزن، الفرح، البهجة، و للبعض الآخر تسبب الكآبة أو الحقد على احد شخصيات الرواية...
خاصة إذا كان التعامل النفسي باديا عند البعض من المتلقين... فهناك حالات يتعامل معها المتلقي حين يقرأها كأنها تصفه او كُتِبت لشخصه وهذا واقع لا يمكن ان ننكره... يبقى اننا عندما نعمل على نقد أي نص أدبي أن نركب قارب الحياد ونتوشح بمعنى الجراح الذي يريد ان يحيي النص بحيادية ومن خلال تشريج جسد لديمومة حياة كي يكون عامل إيجابيا مساندا للإبداع... فليس كل من قرأ نص لرواية او قصيدة شعر جعل من نفسه ناقدا حصيفا يمكنه ان يُقَيم العمل بالشكل الصحيح، إلا عندما يقرأ العنوان او النص بشكل يرقى الى ان يجعل منه موروثا أدبيا... فَقُرّاء الرتم السريع الذي يشرحون النص بسطحية على أنه نقد لا يمكن ان يقيموا العمل الادبي كون له مقاييس ومعايير يتضمن دخوله الى عوالم و ابواب، فالقص القصير ليس مثل الشعر والشعر ليس مثل الرواية... ( إن الرواية كما يعرفها ميلان كونديرا: " ليست الرواية اعترافًا من اعترافات المؤلف, بل هي سبر ماهية الحياة الإنسانية في الفخ الذي استحاله العالم ) انتهى
( تعتبر من أصعب الفنون الأدبية على الإطلاق, وذلك لنفس الأسباب التي تبدو سهلة, وهى غياب الضوابط الشكلية أو التقاليد الثابتة التي تسهل على الكاتب مهمته، فهي لا تكتب نظمًا مثل الشعر، بل هي مقسمة إلى فصول ومشاهد تخضع لأعراف سائدة ومتأثرة بالظروف المحيطة، كما في المسرح، فالكاتب يسرد الأحداث دون أن يقيّده زمان أو مكان، ودون أن تحدّه حدود الطول ولا القصر، كما أنه ليس مقيّد اليدين إزاء الوصف والاستطراد، أو عدد الشخصيات, فهو يستطيع أن يقدم أي عدد من الشخصيات، وأن يتعدّى وحدة الانطباع فيخلق العديد من الانطباعات, أي أن الرواية الحديثة هي الفن الأدبي المنثور الذى حلّ محل القصة الشعرية الطويلة الملحمة وتحوّل هذا الفن من الشكل المسموع إلى الشكل المقروء، ومع أن الرواية طويلة، لكن لها خصائص مثل القصة القصيرة, أي تشترك مع القص القصر بنفس الخصائص والبناء... فالرواية لها القدرة على التكيف والتطوع والتطور، وقادرة على معالجة أي موضوع، وأثبتت قدرتها على البقاء في العالم رغم التنافس القوي من السينما والمسلسلات التي تمثل صورة للفن الروائي ). انتهى
فالرواية تعتمد على السارد والمسرود له بما تحتوية من صور بلاغية ومحاكاة إنسانية تسمو بالتعبير لتجعل من العمل بناء متكاملا يرقى لأن يكون ابداعا... ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان يبدع الاديب مالم يمتلك هبة الملكة الادبية فهي نفحة إلهية ليس كل من كتب صار اديبا او كاتبا فالشاعر لا يمكن ان يبدع بكتابة رواية كما يبدع في كتابة الشعر... وهكذا دواليك إن مجالات الكتابة كثيرة والاقلام التي تحترف قليلة فرواية الشيخ واليحر لهمنغواي من الادب الانجليزي او البؤساء من الادب الروسي و روايات غابريل غارسيا وشارل ديكنيز أو تولستوي في آنا كارنينا وغيرهم من المبدعين يعتبرون طفرات زمنية لعصرهم و لازل الى الان لا احد يستطيع ان يكتب بنفس المستوى و النفس وذلك لإختلاف المعاناة و الحالات النفسية التي انخرطت الى عمق نفسه الروائي ليسردها مع اختلاطه مع البئة و العصر محاط بالضغوطات السياسية فالعصر الذي كتبت فيه للثقافة موروثها الخاص حينها مستحضرين الجانب النفسي والاخلاقي، هناك كتاب وأدباء كتبوا الكثير لكنهم ابدعوا في رواية او أثنتين ومن العرب يعتبر عبد الرحمن منيف من الادباء الذين اتقنوا الكتابة بجدارة و ابدعوا بالعديد من كتابة الروايات مثل ( الآن هنا، الشرق المتوسط ، الاشجار واغتيال مرزوق الى جانب سلسلته الابداعية التيه والاخدود .. الخ مثله مثل الكتاب العالميين.. نعم هناك غيره من مصر ومن العراق ومن السودان كما رواية الطيب عرس الزين وغيرهم بالطبع لايوجد مجال لذكرهم...
وسؤال... لم انتشرت النظرية الذراعية؟ فمن خلال حوارات مع بعض الادباء العرب والنقاد من مصر والمغرب وتونس ولبنان وكندا اعتبروا النظرية الذرائعية مدخل جديد الى عالم النقد العلمي الادبي الذي استشرى مثل وباء محمود الجانب في الوطن العربي وحتى الاوربي... فالتجدد حالة صحية فيما إذا وجدت القلوب النيرة والعقول المنفتحة... إن النظرية الذرائعية عائلة تمتلك الادوات الصحيحة لتشريح النص الادبي فحين يقرأ الناقد الذرائعي نص ما يعيش حالة من حالات التفؤد أي أنه يجعل من نفسه صورة قارئة لكل حرف من حروف الرواية و جعل قراءتها تتطلب استخدام الادوات اللازمة لإبداء المعنى بعيدا عن القراءات الأدبية السطحية، فالناقد الذرائعي يبحث عن الرسائل الخفية في النص ينظر إليها بمنظور جمالي إيحائي سيمانتيكي براغماتيكي يختلف عمن يقرأها بشكل عام، اي انه سؤال وجواب ( لم، لماذا، كيف، و الغرض من ) مع استحضار الزمكانية التي تشغل حيز الرواية الماضي الحاضر أو المستقبل، كما ان خلفية الراوي الاجتماعية والمؤثرات التي يعيشها تصنع منه أداة ناقلة للواقع او تجعل من عقله انسانا يهرب الى الفنتازيا والخيال، او كما يقول باختين ( أن الروائي قد ينطلق من خلفية لسانية سيميائية, متخليًا عن ذلك الربط بين الرواية والطبقة البرجوازية, وتبنى معطيات التحليل التاريخي للمجتمع, معتبرًا الرواية مجالًا لتوليد المعاني الجديدة ).
علينا ان لا ننسى ان الرواية قد وصلت للوطن العربي متأخرة في مطلع القرن العشرين عن طرق مختلفة منها التبادل المعرفي والاختلاط بين الثقافات من خلال نقل السير او ترجمة الكتب... و لا ننسى أيضا ان جميع الرويات العربية في بداياتها كانت قصصا قصيرة.. تنشر في المجلات العربية لترويجها..
أكتب تعليقك هتا