الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
في القرآن الكريم سورة كريمة اسمها " سورة العصر " كان السلف الصالح لا ينفضون من أي اجتماع لهم حتى يقرؤنها على بعضهم ، قال تعالى : { والعصر * إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر } ولنلاحظ صيغة " الذين آمَنُواْ" فهل النساء لم يؤمنّ ؟ والجواب كما يقول الشيخ الشعراوي : لا ، انما أدخل الله المؤنث في المذكر لأن المذكر هو الأصل والمؤنث جاء منه فرعا ، وأقول هنا : ( وهذا يتسق مع قصة الخلق الاولى ، فالله تعالى خلق آدم عليه السلام ، ومن ضلعه تم استنساخ حواء عليها السلام ) ، فالمؤنث هو الذي يدخل مع المذكر في الأمور المشتركة في الجنس . { يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة : 21 ] { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } [ النساء : 124 ] ...إن الذكر والأنثى هنا يدخلان في وصف واحد هو { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } إذن فعندما يأتي الأمر في المعنى العام الذي يُطلب من الرجل والمرأة فهو يُضمر المرأة في الرجل لأنها مبنية على الستر والحجاب ، مطمورة فيه داخلة معه فإذا قال الحق سبحانه لمريم { واركعي مَعَ الراكعين } فالركوع ليس خاصا بالمرأة حتى يقول : « مع الراكعات » ولكنه أمر عام يشمل الرجل والمرأة ، لذلك جاء الأمر لمريم عليها السلام بأن تركع مع الراكعين .
اما في الامور المتكاملة المتواجدة في الجنسين بآن واحد فاللفظ مشترك ، محايد ، لا مذكر ولا مؤنث ،، والمثال البارز لفظا ن هما : " زوج " و : " انسان " فلا يوجد انسانة ولا زوجة ، والاستعمال الدارج عند العامة للفظ زوجة \\ زوجتي ، غير صحيح وهو من الخطأ الشائع ويتغاضى عنه اللغويون عادة بعد شيوع اللحن في الناس وابتعادهم عن السليقة السليمة .
فالزوج سواء كان ذكرا أم أنثى مكافئ للزوج ، والانسان كائن مكرّم بنوعيه ، ولغة الفطرة تقرر ذلك بوضوح تام غير قابل للتأويل والتخرصات والتكهنات ...
الواقع أن البلاد الإسلامية تتغشَّاها موجة ثائرة قاسية من حب التقليد الأوربي، والانغماس فيه إلى الأذقان. ولا يكفي بعض الناس أن ينغمسوا هذا الانغماس في التقليد، بل هم يحاولون أن يخدعوا أنفسهم بأن يديروا أحكام الإسلام وفق هذه الأهواء الغربية الغريبة عن سليقتنا وفطرتنا وبيئتنا ، ويستغلوا سماحة هذا الدين، ومرونة أحكامه استغلالاً سيئًا، يخرجها عن صورتها الإسلامية إخراجًا كاملاً، ويجعلها نظمًا أخرى، لا تتصل به بحال من الأحوال، ويهملون كل الإهمال روح التشريع الإسلامي، وكثيرًا من النصوص التي لا تتفق مع أهوائهم . والمهم الآن أن ننظر إلى الأحكام الإسلامية نظرًا خاليًا من الهوى ، وأن نعدَّ أنفسنا ونهيئها لقبول أوامر الله تعالى ونواهيه، وبخاصة في هذا الأمر الذي يعتبر أساسيًّا وحيويًّا في نهضتنا الحاضرة ، هذا وبالله التوفيق .
أكتب تعليقك هتا