الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
والمُهاجِرُونَ : الذين ذهبوا مع النبي ، صلي الله عليه وسلم وسكنوا المدينة بجوار الانصـار ، مشتق منه . أو هاجروا منضوين تحت مسمى إحدى ثلاث الهجرات : هجرتين الى الحبشة ، وهجرة الى المدينة المنوّرة . وأنا أرجح أنَّ هجرة الحبشة لم تكن الى الحبشة بله الى السودان ، والدليل أن لا شواطئ للحبشة ، الا أن يُراد أنها أي أرش السودان كانت تحت الحكم الحبشي .
وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه : هاجِرُوا ولا تَهَجَّروا ؛ قال أَبو عبيد : يقول أَخْلِصُوا الهِجْرَةَ لله ولا تَشَبَّهُوا بالمهاجِرِينَ على غير صحة منكم ، فهذا هو التَّهَجُّر ، وهو كقولك فلان يَتَحَلَّم وليس بحليم ويَتَشَجَّع أَي أَنه يظهر ذلك وليس فيه ويتأنّق وما هو بأنيق . قال الأَزهري: وأَصل المُهاجَرَةِ عند العرب خروجُ البَدَوِيّ من باديته إِلى المُدنِ ؛ يقال: هاجَرَ الرجلُ إِذا فعل ذلك؛ وكذلك كل مُخْلٍ بِمَسْكَنِه مُنْتَقِلٍ إِلى قوم آخرين بِسُكناهُ، فقد هاجَرَ قومَه.
وسمي المهاجرون مهاجرين لأَنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نَشَؤُوا بها لله، ولَحِقُوا بدار ليس لهم بها أَهل ولا مال حين هاجروا إِلى المدينة؛ فكل من فارق بلده من بَدَوِيٍّ أَو حَضَرِيٍّ أَو سكن بلداً آخر، فهو مُهاجِرٌ، والاسم منه الهِجْرة. قال الله عز وجل : (( ومن يُهاجِرْ في سبيل الله يَجِدْ في الأَرض مُراغَماً كثيراً وسَعَةً )) سورة النسـاء \ 100 .
وكذلك إِذا أَكثر الكلام فيما لا ينبغي فقد قال هُجْـراً . ، ومنه الحديث الشريف ، قول النبي، صلي الله عليه وسلم : (( إِني كنت نَهَيْتُكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هُجْراً )) ، وفي القاموس المحيط : هَجَرٌ ، محركةً: بلدة باليمن ، بينها وبينَ عَثَّرَ يومٌ وليلةٌ، مُذَكَّرٌ مَصروفٌ، وقد يُؤَنَّثُ ويُمْنَعُ، والنِّسْبَةُ : هَجَرِيٌّ وهاجِرِيٌّ، واسمٌ لجميعِ أرضِ البَحْرَيْنِ ، ومنه المَثَلُ: "كمُبْضِعِ تَمْرٍ إلى هَجَرَ" او " كناقل التمر الى هجر " ، ذلك أن هجر مشهورة بزراعة النخيل ومن يجلب التمر اليها ليبيعه فهو تاجر أحمق ، كمن يبيع الماء في حارة السَّـقّائين ، وأطنها أي "هـجـر " تقع اليوم في دولة الامارات العربية المتحدة ، قرب مدينة العين ، وتسمى " الهَـيَـر\ هَـيَـر " كعادتهم ابدال الجيم ياءً ، وهي من أرض البحرين كما يعرف الجغرافيون ،،، وقولُ سيدنا عُمَرَ، رضي الله تعالى عنه :
والهجــرة أبرز حدَثٍ في تاريخ الدعوة الاسلامية يعير عن خصوصيتها ، اذ انتقل النبي الاعظم بالدعوة الى مناخ جديد ، وأُفُقٍ جديد يناسب التبليغ ، بعد أن رمى المشركون بدعم يهوديّ وقـح المسلمين عن قوسٍ واحدة ، وكان يُتَوَقّع منهم أن يناصروا الدعوة ، كونهم ذوي خبرة ودراية بالنبوّات ووحي السماء ، لكن اللؤم والحقد دفعهم لما سألهم مشركو مكة عن دعوة محمد وصحبه ، فقالوا بخبث : أنتم على حق ومحمد على باطل ، عبَّـرَ القرآن عن هذا بقوله تعالى : (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * )) سورة النساء\\51
وفي الحديث الشريف : ((عن عطاء عن عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة فقال لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا)) رواه مسلم في صحيحه » كتاب الإمارة » باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد ؛ و الجهاد محاربة الأَعداء ، وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أَو فعل ، والمراد بالنية إِخلاص العمل لله أَي أَنه لم يبقَ بعد فتح مكة هجرة لأَنها قد صارت دار إِسلام ، وإِنما هو الإِخلاص في الجهاد وقتال الكفار . ومن هنا أطلق علماء العقيدة المسلمون على المقام الثالث من مقامات الدين ، وهو الاحســان ، اسم الهجرة ، وجاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال صلى الله عليه وسلم : " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " ( رواه الامام البخاري ) .
وعن معاني اختيار الهجرة كمبتدأ للتاريخ الإسلامي فترد أسئلة محتملة على البال في هذا المجال ، أولها : لماذا لم يختر الصحابة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم منطلقاً للتاريخ الإسلامي ؟ ومن المعلوم أنّ مولد الرسول صلى الله عليه وسلم كان عام الفيل ، (وهو العام الذي قصد فيه أبرهه الحبشي الكعبة ليهدمها وجلب معه الفيلة في حملته تلك ، ولكن الله حفظ الكعبة وحدثت المعجزة بأن سلط عليهم طيراً أبابيل فأهلكتهم ، وتحدثت عن ذلك "سورة الفيل" في القرآن الكريم ) ، ومما يقوّي هذا الاتجاه بأنّ دولة الروم كانت قد اتخذت ولادة المسيح عليه السلام منطلقاً لتأريخهــا، فلماذا لم يجعل المسلمون من مولد الرسول صلى الله عليه وسلم منطلقاً لتأريخهم الخاص بهم مع أنّ مولده ليس مولداً نكرة بل كان مولداً مترافقاً مع أحداث بارزة ومشهورة في الجزيرة العربية كلها ، عززته آيات قرآنية؟ أرجّح أنّ ذلك ثمرة لتربيتهم القائمة على تقديم المنهج على الشخص وتقديم الرسالة على الرسول ، وقد رسخ الإسلام ذلك ويتضح ذلك بعـدّة وقائـــع منها : تسمية دينهم الإسلام وليس "الدين المحمدي" أو "المحمدية" ، وتسميتهم المسلمين وليس "المحمديين" ، وتقديم قول الرسول صلى الله عليه وسلم على فعـله في أصول الفقه في حال تعارضهما لأنّ القول يعني الرسالة والفعل يعني الرسول ، في حين أجاز غيرهم – وحسب منهجيتهم أيضاً – أن ينتسبوا الى نبيّهم ، فهناك الدين المسيحي أو الشريعة الموسوية والمسيحية ،،،، أما لدينا فالاسلام والاسلام فقط هم ما ننتسب اليه ، الى منهج لا الى شخص ولعل هذا ابلغ دليل على أن الاسلام هو الدين الخاتم : (( إن الدين عند الله الإســلام ،
ومن ناحية أخرى فان اتخاذ المسلمين تاريخا لهم ، مغاير لتاريخ الفرنجة والفرس والاحباش وو.....غيرهم من الشعوب المجاورة ، انما جاء تأكيدا بأننا أمة ذات كيان مستقل ، ولسنا تبعا لأحد ، وكانت بداية هذا الاستقلال لما حُوِّلتْ القبلة ، ليؤكد لنا استقلالية الأمة الإسلامية ، تلك الاستقلالية التي أراد الخليفة الثاني للمسلمين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - أن يؤكد عليها بإعلان التأريخ الهجري تأريخا خاصا بالمسلمين ، وذلك في شهر ربيع الأول سنة ست عشرة أو سبع عشرة للهجرة .
فقد جاء عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ جمع الناس ( وكان لا يقضي أمرا دون مشورتهم ) فأخبرهم عن رغبته في اتخاذ تأريخ خاص بالمسلمين ، ثم سألهم فقال : من أي يوم نكتب التاريخ ؟؟ فقال علي ـ رضي الله عنه ـ من يوم هاجـر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك ، فرضي ذلك المسلمون (1) ،،،
أكتب تعليقك هتا