أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

التـقعـُّـرُ في الحديث ( جذوراً وفـقها وسـلـوكـاً )

الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا التقعـر ( تفعّـل ) من الجذر الثلاثي الصحيح ( ق ع ر ) ، ومضارعه " التقعير " : من عيوب التحدث مع الآخرين ، وهو مكروه وينافي التواضع وآداب الحديث والمجالسة ،جاء في لسان العرب لابن منظور (مادة\ق ع ر ) : قعر : قعر كل شيء : أقصاه ، وجمعه قعور . وقعر البئر وغيرها : عمقها . ونهر قعير : بعيد القعر ، وكذلك بئر قعيرة وقعير ، وقد قعرت قعارة . وقصعة قعيرة : كذلك . وقعر البئر يقعرها قعرا : انتهى إلى قعرها ، وكذلك الإناء إذا شربت جميع ما فيه حتى تنتهي إلى قعره . وقعر الثريدة : أكلها من قعرها . وأقعر البئر : جعل لها قعرا . وقال ابن الأعرابي : قعر البئر يقعرها عمقها ، وقعر الحفر كذلك ، وبئر قعيرة وقد قعرت قعارة . ورجل بعيد القعر أي الغور على المثل . وقعر الفم : داخله . وقعر في كلامه وتقعر تشدق وتكلم بأقصى قعر فمه ، وقيل : تكلم بأقصى حلقه . ورجل قيعر وقيعار : متقعر في كلامه . والتقعير : التعميق . والتقعير في الكلام : التشدق فيه . والتقعر : التعمق . وقعر الرجل إذا روى فنظر فيما يغمض من الرأي حتى يستخرجه . وفي التنزيل العزيز :(كأنهم أعجاز نخل منقعر ) ،والمنقعر : المنقلع من أصله . وقعرت النخلة إذا قلعتها من أصلها حتى تسقط ، وقد انقعرت هي . وفي الحديث : أن رجلا تقعر عن مال له ، وفي رواية : انقعر عن ماله أي انقلع من أصله . يقال : قعره إذا قلعه ، يعني أنه مات عن مال له . وفي حديث ابن مسعود : أن عمر لقي شيطانا فصارعه فقعره أي قلعه ، وقيل : كل ما انصرع فقد انقعر وتقعر ، قال لبيد :  وأربد فارس الهيجا إذا مـــا === تقعرت المشــاجر بالفئــام أي انقلبت فانصرعت ، وذلك في شدة القتال عند الانهزام . ابن الأعرابي : قالت الدبيرية : القعر الجفنة وكذلك المعجن والشيزى والدسيعة ، روى ذلك كله الفراء عن الدبيرية . وقعرت الشاة : ألقت ولدها لغير تمام عن ابن الأعرابي ، وأنشد : أبقى لنا الله وتقعير المجر === ســودا غرابيبَ كأظلال الحجر قال أبو علي القالي صاحب " الأمالـي " : التقعير أن يتكلم بأقصى قعر فمه، يقال: قَعّـَر في كلامه تقعـيرا، وهو مأخوذ من قولهم: قَعَّـرْتُ البئر وأقعـرتها، إذا عظمتَ قـعـرها، وإناء قعـران إذا كان عظيم القعـر، فكأن المقعِّـر الذي يتوسع في الكلام ويتشدق، ويجوز أن يكون من قولهم: قَعـَرْتُ النخلة فانقعـرتْ، إذا قلعتها من أصلها فلم تُبْقِ منها شيئا، فيكون معنى المقعـر من الرجال الذي لا يبقي غاية من الفصاحة والتشدق إلا أتى عليها . وورد الجذر في محكم التنزيل ، قال تعالى: ((كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ(19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) )) سورة القمـر ، ولعل التقعير سمي استدلالا بابتعاد صاحبه عن الفطرة والمنطق ! وقال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة : ونستحب له – يعني للكاتب – أن يدع في كلامه التقعير والتقعيب . وقال أبو علي القالي:  " التقعيب" أن يصيِّر فمه عند التكلم كالقَعْب، وهو القدح صغيراً كان أو كبيراً ". ونقول : خلاصة القول في التقعير أو التقعّـر اصطلاحا أن يحتوي الكلام على ما ينفر السامع لغرابته وكونه حوشيا وحشيا ليس بسلس في الأذن ولا يسرع الذهن إلى فهمه، بل هو حال مروره بالذهن كمن يشرب الشراب {يتجرعه ولا يكاد يسيغه}، ولا خلاف بين فقهاء البلغاء وفصحاء الأدباء أن هذا التقعير منافٍ للبلاغة ناءٍ عن الفصاحة، إذ الفصاحة على التحقيق: معنى لطيف في لفظ رشيق، فمتى كان المعنى سيئا لم يكن الكلام بليغا، وإن لبس ثوبا من محاسن الألفاظ، ومتى كان اللفظ شائنا لم يكن لمعناه وقع على القلوب ولا تأثير على النفوس، وإن كان معناه حسناً ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن من البيان لسحرا)) ، وعَـدَّ بعضهم حسن الخط من البيان ، ونحن بالمقابل نعــدُّ المبالغة في ذلك من التـَّقـعُّـر الممجوج ، فكل شيء جاوز حـده انقلب الى ضـدِّه كما يقال في أدبياتنا وأمثالنا الدارجــة . وقال العلماء: حسن السؤال نصف العلم ، وقيل حسن البيان ، وقال الحكماء: (( يبلغ المرء بالمقال ما لا يبلغ بالفَعَال)) ، ولذلك أيضا كانت سقطات اللسان مُهْلِكة دونَها زلة الرِّجـل ، وهذا بحث له موضع آخر.  وأصحاب التقعير إن لحنوا كانوا في الغاية من القبح ، فهم بذلك يجمعون بين سوء وسوء ، كما قال الجاحظ: (( ثم اعلم أن أقبح اللحن لحن أصحاب التقعير والتقعيب والتشديق والتمطيط والجهورة والتفخيم)) . فالتقعير والتقعيب ماذكرناه آنـفــا ، أما التشديق والتشدق فهو التكلف في إخراج الحروف من الأشداق ، ظنا من بعضهم أنهم يقتربون بذلك من الفصحاء البلغاء ، وإنما يقتربون من البلهاء الثقلاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخللَ الباقرة بلسانها) . والمقصود بالبليغ الذي يتظاهر بالبلاغة ، وأورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى في سننه باباً أسماه : ( باب ما جاء في المتشدق في الكلام) ، وفي بعض النسخ : [ باب التشدق في الكلام ] والمقصود بذلك الإنسان الذي يتفاصح ، ويتقعر ويتعمق في الكلام ويتكلفه، ولم يكن ذلك له سليقة وسجية طبيعية اعتادها ، فيتكلف ويأتي بشيء عجيب غريب عن طريق التكلف، أما إذا كان من غير تكلف بأن يعطي الله الإنسان فصاحة وبلاغة ، فيتكلم ويستخدم فصاحته وبلاغته في بيان الحق ، فإن ذلك غير مذموم . وذكر أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي الكريم ، صلى الله عليه وسلم قال :  (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها) ، وفي بعض ألفاظ الحديث " البقرة "وهذا الحديث فيه أن الله يبغض الذي يتكلف البلاغة، ويأتي بشيء عن تقعر وتكلف ، ووصفه بأنه يشبه البقرة التي تتخلل بلسانها وتحرك لسانها وتديره وتمده، يعني: أنه يتكلف ويتقعر كما أن البقرة هذا شأنها وهذه طريقتها في كونها تستعمل لسانها في أكلها، وقيل: إن البقرة ليست كالبهائم ؛ لأن البهائم تتناول الشيء بأسنانها، وأما هي فتتناول الشيء بلسانها. فشـبَّـهَ مَنْ يتفاصح ويتكلف البلاغة والفصاحة بالبقرة التي تحرك لسانها وتمده وتميله يميناً وشمالا...  أما التمطيط فهو اطالة بعض الحروف ومدّها علما ان طبيعتها لا تقبل ذلك ، فلا مد في لغة العرب الا في المدود المعروفة وهو بحث في علم التجويد ، واذكر هنا أن متعالما كان يؤمنا في الصلاة بغياب الامام وياتي بعجائب منكرة ، ولما حاولت معه ان يصحح لسانه قال لي : ألا ترى المقرئين يمطمطون الحروف ؟ وانا أفعل مثلهم ! والجهورة ان يلفظ الحروف المهموسة جهرية والعكس بالعكس ، والتفخيم عيب من عيوب الكلام وهو أن يلفظ الحرف المرقق مفخما والعكس بالعكس أيضا ، ومن الجدير بالذكر أن السليقة الصافية والنشأة العربية تأبى على صاحبها ذلك ! فاللام في لفظ الجلالة لا ترقق الا اذا سبقها حرف مكسور ، والراء لا ترقق الا في مواضع معروفة ، و.....هكذا .  ولنا أن نتساءل ما الحكمة من قوله تعالى في موضع : ((تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ)) سورة القمر\20 وفي موضع آخر يقول عزَّ من قائل : ((فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8))سورة الحاقة ،،، أقول : ألا يدل هذا من طرف خفي على أن التقعر وعائلته من التمطيط والتكلف والتشدق ، لا يصدر إلا عن نفس فارغة وفكر خــاوٍ ليس فيه أثــارة من فكر او عقل او نور ؟؟!!  النخل المنقعر نخل بلا رؤوس ، والنخلة الخاوية نخلة فارغة ، والجامع بينهما الموت وانعدام الحياة فيهما ، لكن هناك مشاكلة سببية أشرنا إليها بحسب علمي التأويل و الدلالـة , فاستدلالنا تأويلي لا تفسيري ، يشفع لنا فيه ما أورده المفسرون من تفسير متطابق للآيتين 7من سورة الحاقة ، و20 من سورة القمر ، يقول ابن كثير رحمه الله والبغوي : "كانت الريح تاتي على أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الابصار ثم تنكسه على أم رأسه فيسقط على الأرض فتثلغ رأسه\\تشدخه فيبقى جثةً بلا رأس " . ينظر تفسير ابن كثير 7\479 و8\209 ومعالم التنزيل للبغوي 8\208 بألفاظ متقاربة جدا .  وقانا الله وإياكم من التشدق والتقعير والتقعيب والتكلف والتعقيد والتمطيط و........( التفحيط والتزحيط) ، وما الأخيران إلا من الزمرة عينهـا بعدا عن المنطق ... هذا والله أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ...

الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا

التقعـر ( تفعّـل ) من الجذر الثلاثي الصحيح ( ق ع ر ) ، ومضارعه " التقعير " : من عيوب التحدث مع الآخرين ، وهو مكروه وينافي التواضع وآداب الحديث والمجالسة ،جاء في لسان العرب لابن منظور (مادة\ق ع ر ) :

قعر : قعر كل شيء : أقصاه ، وجمعه قعور . وقعر البئر وغيرها : عمقها . ونهر قعير : بعيد القعر ، وكذلك بئر قعيرة وقعير ، وقد قعرت قعارة . وقصعة قعيرة : كذلك . وقعر البئر يقعرها قعرا : انتهى إلى قعرها ، وكذلك الإناء إذا شربت جميع ما فيه حتى تنتهي إلى قعره . وقعر الثريدة : أكلها من قعرها . وأقعر البئر : جعل لها قعرا . وقال ابن الأعرابي : قعر البئر يقعرها عمقها ، وقعر الحفر كذلك ، وبئر قعيرة وقد قعرت قعارة . ورجل بعيد القعر أي الغور على المثل . وقعر الفم : داخله . وقعر في كلامه وتقعر تشدق وتكلم بأقصى قعر فمه ، وقيل : تكلم بأقصى حلقه . ورجل قيعر وقيعار : متقعر في كلامه . والتقعير : التعميق . والتقعير في الكلام : التشدق فيه . والتقعر : التعمق . وقعر الرجل إذا روى فنظر فيما يغمض من الرأي حتى يستخرجه . وفي التنزيل العزيز :(كأنهم أعجاز نخل منقعر ) ،والمنقعر : المنقلع من أصله . وقعرت النخلة إذا قلعتها من أصلها حتى تسقط ، وقد انقعرت هي . وفي الحديث : أن رجلا تقعر عن مال له ، وفي رواية : انقعر عن ماله أي انقلع من أصله . يقال : قعره إذا قلعه ، يعني أنه مات عن مال له . وفي حديث ابن مسعود : أن عمر لقي شيطانا فصارعه فقعره أي قلعه ، وقيل : كل ما انصرع فقد انقعر وتقعر ، قال لبيد :

وأربد فارس الهيجا إذا مـــا === تقعرت المشــاجر بالفئــام
أي انقلبت فانصرعت ، وذلك في شدة القتال عند الانهزام . ابن الأعرابي : قالت الدبيرية : القعر الجفنة وكذلك المعجن والشيزى والدسيعة ، روى ذلك كله الفراء عن الدبيرية . وقعرت الشاة : ألقت ولدها لغير تمام عن ابن الأعرابي ، وأنشد :
أبقى لنا الله وتقعير المجر === ســودا غرابيبَ كأظلال الحجر

قال أبو علي القالي صاحب " الأمالـي " : التقعير أن يتكلم بأقصى قعر فمه، يقال: قَعّـَر في كلامه تقعـيرا، وهو مأخوذ من قولهم: قَعَّـرْتُ البئر وأقعـرتها، إذا عظمتَ قـعـرها، وإناء قعـران إذا كان عظيم القعـر، فكأن المقعِّـر الذي يتوسع في الكلام ويتشدق، ويجوز أن يكون من قولهم: قَعـَرْتُ النخلة فانقعـرتْ، إذا قلعتها من أصلها فلم تُبْقِ منها شيئا، فيكون معنى المقعـر من الرجال الذي لا يبقي غاية من الفصاحة والتشدق إلا أتى عليها . وورد الجذر في محكم التنزيل ، قال تعالى: ((كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ(19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) )) سورة القمـر ، ولعل التقعير سمي استدلالا بابتعاد صاحبه عن الفطرة والمنطق ! وقال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة : ونستحب له – يعني للكاتب – أن يدع في كلامه التقعير والتقعيب . وقال أبو علي القالي:

" التقعيب" أن يصيِّر فمه عند التكلم كالقَعْب، وهو القدح صغيراً كان أو كبيراً ". ونقول :
خلاصة القول في التقعير أو التقعّـر اصطلاحا أن يحتوي الكلام على ما ينفر السامع لغرابته وكونه حوشيا وحشيا ليس بسلس في الأذن ولا يسرع الذهن إلى فهمه، بل هو حال مروره بالذهن كمن يشرب الشراب {يتجرعه ولا يكاد يسيغه}، ولا خلاف بين فقهاء البلغاء وفصحاء الأدباء أن هذا التقعير منافٍ للبلاغة ناءٍ عن الفصاحة، إذ الفصاحة على التحقيق: معنى لطيف في لفظ رشيق، فمتى كان المعنى سيئا لم يكن الكلام بليغا، وإن لبس ثوبا من محاسن الألفاظ، ومتى كان اللفظ شائنا لم يكن لمعناه وقع على القلوب ولا تأثير على النفوس، وإن كان معناه حسناً ،

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن من البيان لسحرا)) ، وعَـدَّ بعضهم حسن الخط من البيان ، ونحن بالمقابل نعــدُّ المبالغة في ذلك من التـَّقـعُّـر الممجوج ، فكل شيء جاوز حـده انقلب الى ضـدِّه كما يقال في أدبياتنا وأمثالنا الدارجــة . وقال العلماء: حسن السؤال نصف العلم ، وقيل حسن البيان ، وقال الحكماء: (( يبلغ المرء بالمقال ما لا يبلغ بالفَعَال)) ، ولذلك أيضا كانت سقطات اللسان مُهْلِكة دونَها زلة الرِّجـل ، وهذا بحث له موضع آخر.

وأصحاب التقعير إن لحنوا كانوا في الغاية من القبح ، فهم بذلك يجمعون بين سوء وسوء ، كما قال الجاحظ: (( ثم اعلم أن أقبح اللحن لحن أصحاب التقعير والتقعيب والتشديق والتمطيط والجهورة والتفخيم)) . فالتقعير والتقعيب ماذكرناه آنـفــا ، أما التشديق والتشدق فهو التكلف في إخراج الحروف من الأشداق ، ظنا من بعضهم أنهم يقتربون بذلك من الفصحاء البلغاء ، وإنما يقتربون من البلهاء الثقلاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :

(إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخللَ الباقرة بلسانها) . والمقصود بالبليغ الذي يتظاهر بالبلاغة ، وأورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى في سننه باباً أسماه : ( باب ما جاء في المتشدق في الكلام) ، وفي بعض النسخ : [ باب التشدق في الكلام ] والمقصود بذلك الإنسان الذي يتفاصح ، ويتقعر ويتعمق في الكلام ويتكلفه، ولم يكن ذلك له سليقة وسجية طبيعية اعتادها ، فيتكلف ويأتي بشيء عجيب غريب عن طريق التكلف، أما إذا كان من غير تكلف بأن يعطي الله الإنسان فصاحة وبلاغة ، فيتكلم ويستخدم فصاحته وبلاغته في بيان الحق ، فإن ذلك غير مذموم . وذكر أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي الكريم ، صلى الله عليه وسلم قال :

(إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها) ، وفي بعض ألفاظ الحديث " البقرة "وهذا الحديث فيه أن الله يبغض الذي يتكلف البلاغة، ويأتي بشيء عن تقعر وتكلف ، ووصفه بأنه يشبه البقرة التي تتخلل بلسانها وتحرك لسانها وتديره وتمده، يعني:

أنه يتكلف ويتقعر كما أن البقرة هذا شأنها وهذه طريقتها في كونها تستعمل لسانها في أكلها، وقيل: إن البقرة ليست كالبهائم ؛ لأن البهائم تتناول الشيء بأسنانها، وأما هي فتتناول الشيء بلسانها. فشـبَّـهَ مَنْ يتفاصح ويتكلف البلاغة والفصاحة بالبقرة التي تحرك لسانها وتمده وتميله يميناً وشمالا...

أما التمطيط فهو اطالة بعض الحروف ومدّها علما ان طبيعتها لا تقبل ذلك ، فلا مد في لغة العرب الا في المدود المعروفة وهو بحث في علم التجويد ، واذكر هنا أن متعالما كان يؤمنا في الصلاة بغياب الامام وياتي بعجائب منكرة ، ولما حاولت معه ان يصحح لسانه قال لي : ألا ترى المقرئين يمطمطون الحروف ؟ وانا أفعل مثلهم !

والجهورة ان يلفظ الحروف المهموسة جهرية والعكس بالعكس ، والتفخيم عيب من عيوب الكلام وهو أن يلفظ الحرف المرقق مفخما والعكس بالعكس أيضا ، ومن الجدير بالذكر أن السليقة الصافية والنشأة العربية تأبى على صاحبها ذلك ! فاللام في لفظ الجلالة لا ترقق الا اذا سبقها حرف مكسور ، والراء لا ترقق الا في مواضع معروفة ، و.....هكذا .

ولنا أن نتساءل ما الحكمة من قوله تعالى في موضع : ((تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ)) سورة القمر\20 وفي موضع آخر يقول عزَّ من قائل : ((فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8))سورة الحاقة ،،، أقول : ألا يدل هذا من طرف خفي على أن التقعر وعائلته من التمطيط والتكلف والتشدق ، لا يصدر إلا عن نفس فارغة وفكر خــاوٍ ليس فيه أثــارة من فكر او عقل او نور ؟؟!!

النخل المنقعر نخل بلا رؤوس ، والنخلة الخاوية نخلة فارغة ، والجامع بينهما الموت وانعدام الحياة فيهما ، لكن هناك مشاكلة سببية أشرنا إليها بحسب علمي التأويل و الدلالـة , فاستدلالنا تأويلي لا تفسيري ، يشفع لنا فيه ما أورده المفسرون من تفسير متطابق للآيتين 7من سورة الحاقة ، و20 من سورة القمر ، يقول ابن كثير رحمه الله والبغوي : "كانت الريح تاتي على أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الابصار ثم تنكسه على أم رأسه فيسقط على الأرض فتثلغ رأسه\\تشدخه فيبقى جثةً بلا رأس " . ينظر تفسير ابن كثير 7\479 و8\209 ومعالم التنزيل للبغوي 8\208 بألفاظ متقاربة جدا .

وقانا الله وإياكم من التشدق والتقعير والتقعيب والتكلف والتعقيد والتمطيط و........( التفحيط والتزحيط) ، وما الأخيران إلا من الزمرة عينهـا بعدا عن المنطق ...
هذا والله أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ...
تعليقات