الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
نستخدم كلمة " الاسكافي " لتدل على الحـذّاء او مصلِح الاحذية والخِفاف ، فما مدى دقة هذا الاستخدام ؟
يطالعنا في لغة الجذور ، سكف ( س ك ف ) : قالت العرب في معاجمها : الأُسْكُفّةُ والأَسْكُوفةُ: عَتَبةُ البابِ التي يُوطَأُ عليها ، والسَّاكِفُ أَعلاه الذي يَدُورُ فيه الصائرُ، والصائرُ أَسْفَلُ طَرَفِ البابِ الذي يَدُور أَعلاه ؛ وهو ما يسميه بعضهم ( صعرور ) وأَنشد ابن بري لجرير أَو الفرزدق ، والشكُّ منه :
ما بالُ لَوْمِكَها وجِئْتَ تَعْتِلُهـــا ،
حتى اقْتَحَمْتَ بها أُسْكُفَّةَ البابِ
كِلاهما حِينَ جَدَّ الجَرْيُ بينهما
قد أَقْلَعا، وكِلا أَنْفَيْهِما رابــــي
(* هذان البيتان للفرزدق ، قالهما في أم غيلان بنت جرير، وكان جريرزوّجها الأبلق الأسدي.) وجعله أَحمد بن يحيى من اسْتَكَفَّ الشيءُ أَي انْقبَض.قال ابن جني: وهذا أَمْرٌ لا يُنادَى وَلِيدُه. أَبو سعيد: يقال لا أَتَسَكَّفُ لك بيتاً مأْخوذ من الأَسْكُفّةِ أَي لا أَدخل له بيتاً . والأُسْكُفُّ: مَنابِتُ الأَشْفار، وقيل: شعر العين نفسُه ؛ الأَخيرة عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد :
تُخِيلُ عَيْناً حالِكاً أُسْكُفُّهـــــــــا
لا يُعْزِبُ الكحلَ السَّحِيقَ ذَرْفُها
أُسكفها: منابتُ أَشفارها، وقوله لا يُعزبُ الكحلَ السحيق ذَرْفُها ، يقول: هذا خِلْقة فيها ولا كُحْل ثَمّ، وذَرْفُها: دَمْعُها؛ وأَنشد
أَيضاً : حَوْراء، في أَسْكُفِّ عَيْنَيها وَطَفْ
وفي الثَّنايا البِيض منْ فِيهـا رَهَــــــــــفْ
الرَّهَفُ: الرقة . وقال الجوهري : الإسكافُ واحد الأَساكِفةِ . وقال ابن سيده :
والسَّيْكَفُ والأَسكَفُ والأُسْكُوفُ والإسكافُ كله الصانعُ ، أَيّاً كان ، وخصَّ بعضهم به النَّجّارَ ؛ فقال :
لم يَبْقَ إلا مِنْطَقٌ وأَطْرافْ،
وبُرْدَتانِ وقَمِيصٌ هَفْهافْ،
وشُعْبَتا مَيْسٍ بَراها إسْكافْ
المِنْطَقُ والنِّطاقُ واحد، ويروى مَنْطِقٌ، بفتح الميم، يريد كلامه ولسانه، وأَراد بالأَطْرافِ الأَصابعَ، وجعلُ النجّارِ إسْكافاً على التوهم، أَراد براها النَّجار ؛ كما قال ابن أَحمر :
لم تَدْرِ ما نَسْجُ اليَرَنْدَجِ قَبْلَهـا ،
ودِراسُ أَعْوَصَ دارِسٍ مُتَخَدِّدِ
اليرندج : الجِلد الأَسود يُعْمَلُ منه الخِفافُ، وظنّ ابن أَحمر أَنه يُنْسَج ، وأَراد أَنها غِرَّة نشأَت في نَعْمة ، ولم تَدْرِ عَوِيصَ الكلام ، وقال الأَصمعي: يقول خَدَعْتها بكلامَ حسن كأَنه أَرَنْدَجٌ منسوج ،
وقوله دارِس متخدد أَي يَغْمَضُ أَحْياناً ويظهر أَحياناً؛ وقال أَبو نخيلة : بَرِّيّة لم تأْكلِ المُرَقّقا ،
ولم تَذُقْ مِن البُقُولِ فُسْتُقا
(قلت : قوله «برية» المشهور : جارية ) .
وقال زهير:
فَتُنْتَجْ لكم غِلمانَ أَشأَم ، كلُّهُمْ
كأَحْمَرِ عاد ثم تُرْضِعْ فَتَفْطِـمِ
وقال آخر : جائِفُ القَرْعة أَصْنَع ،،، حَسِبَ أَنَّ القَرْعة معمولةٌ ؛ قال ابن بري: هذا مثل يقال لمن عَمِلَ عملاً وظنَّ أَنه لا يَصْنع أَحد مِثْله ، فيقال: جائفُ القرعةِ أَصنعُ منكَ، وحِرْفةُ الإسْكافِ السِّكافةُ والأُسْكُفّةُ ؛ الأَخيرة نادرة عن الفراء . وقال الليث : الإسْكاف مصدره السِّكافةُ ، ولا فِعْل له ، قال ابن الأَعرابي :
أَسْكَفَ الرجلُ إذا صار إسْكافاً. والإسكافُ عند العرب: كلُّ صانعٍ غيرِ مَن يعمل الخِفاف، فإذا أَرادوا معنى الإسكاف في الحضَر قالوا هوالأَسْكَفُ؛ وأَنشد :
وَضَعَ الأَسْكَفُ فيه رُقَعاً ،
مِثْلَ ما ضَمّدَ جَنْبَيْه الطَّحَلْ
قال الجوهري : قولُ من قال كلُّ صانع عند العرب إسْكافٌ غير معروف ؛ قال ابن بري : وقول الأَعشى :
أَرَنْدَج إسْكاف خطا (* هكذا بالأصل ) خطأٌ . قال شمر : سمعت ابن الفَقْعَسيّ يقول : إنك لإسْكافٌ بهذا الأَمر
أَي حاذِقٌ ؛ وأَنشد يصف بئراً : حتى طَوَيْناها كَطَيِّ الإسْكافْ
قال: والإسْكافُ الحاذِقُ، قال : ويقال رجل إسْكافٌ وأُسْكُوف للخَفّاف . والخفاف جمع الخف ، والخف للانسان بمثابة الخف للجمل والناقة ...
وقال ابن فارس صاحب مقاييس اللغة :
السين والكاف والفاء ليس أصلاً، وفيه كلمتان : أحدهما أُسْكُفَّة الباب : العَتَبة التي يُوطأ عليها .
وأُسْكُفّ العين ، مشبّه بأُسْكُفَّة الباب .
وأمّا الإسكاف فيقال إن كلَّ صانعٍ إسكافٌ عند العرب . وهذا ليس على الاطلاق .
يقول الزبيدي صاحب " تاج العروس " :
الأَسْكَفُ بِالفَتْحِ على أَفعَل والإِسْكَافُ بِالكَسْرِ والأُسْكُوفُ بِالضِّمِّ واقْتَصَرَ عَلَيْهَما الجَوْهَرِيُّ . والسَّكَّافُ كَشَدَّادٍ والسَّيْكَفُ كَصَيْقَلٍ لُغَاتٌ أَرْبَعَةٌ : الخَفَّافُ وجَمْعُ الإِسْكَافِ : الأَسَاكِفَةُ أَو الإِسْكَافُ عندَ العَرَبِ : كُلُّ صَانِعٍ سِوَى الخَفَّافِ فَإِنَّهُ الأَسْكَفُ كأَحْمَد وذلك إِذا أَرادُوا مَعْنَى الإِسْكَافِ في الحَضَرِ نَقَلَهُ ابنُ الأَعْرَابِيِّ وأَنْشَدَ : وَضَعَ الأَسْكَفُ فِيهِ رُقَعاً ... مِثْلَ مَا ضَمَّدَ جَنْبَيْهِ الطَّحِلْ وقال شَمِرٌ : رَجُلٌ إِسْكَافٌ وأُسْكُوفٌ : لِلْخَفَّافِ أَو الإِسْكَافُ : النَّجَّارُ قَالَهُ أَبو عمروٍ وفي المُحْكَمِ : الإِسْكَافُ - وكذا لُغَاتُهُ الثَّلاثةُ - : الصَّانِعُ أَيَّا كَانَ وخَصَّ بعضهُمْ به النَّجَّارَ وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ قَوْلَ الشَّمَّاخِ : " لَمْ يَبْقَ إلاَّ مِنْطَقٌ وأَطْرَافْ " وبُرْدَتَانِ وقَمِيصٌ هَفْهَافْ" وشُعْبَتَا مَيْسٍ بَرَاهَا إِسْكَافْ قال : جَعَلَ النَّجَّارَ إسْكَافاً على التَّوَهُّمِ أراد : بَرَاهَا النَّجَّارُ قال الجَوْهَرِ يُّ : قَوْلُ مَن قال كُلُّ صَانِعٍ عندَ العَربِ إِسْكَافٌ غَيْرُ مَعْرُوفٌ ...
وبالنتيجة إذن فلفظ " الاسكافي " عربية ، لكن هو الصانع عموما وليس الخاص بصانع الاحذية او مصلحها – عند بعض اللغويين - ، قلتُ : وإنما أطلقوا اللفظ خاصة على صانع الأحذية لأن العرب كانوا حفاة عراة غالب أوقاتهم قبل الاسلام ، فرأوا في صانع الأحذية حذقا ومهارة صناعية لا تجتمع في غيره من أصحاب المهن والصنائع الاخرى ، أدهشهم بصناعةٍ غـيَّـرتْ مجرى حياة أكثرهم ، والله أعلم ...
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين
==================الحاشية :
* لسان العرب / مادة ( س ك ف ) . وتاج العروس ومقاييس ابن فارس وغيرها .
وكالة البيارق الإعلامية www.bayariq.net
bayariqmedia@gmail.com
المدير العام ورئيس التحرير
محمد توفيق أحمد كريزم