الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
جاز والابتلاء ...((وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام ))الانبياء\8
قال : وما جعلناهم ذوي أجساد إلا ليأكلوا الطعام ، والعرب اذا جاءت بين كلامين بجحدين ( أي سالبين )كان الكلام إخبارا ، وهو ما نعبر عنه بلغة اليوم بعبارة " نفي النفي ايجاب" ومن هنا قيل لكل ما ياكل الطعام أجسادا والملائكة لا تأكل الطعام وما لم يكن ذا جسد فهو ذو جثمان .
- المُجَسّـد : ثوب مصبوغ بالزعفران وقيل بل هو الاحمر ، والمجسّد ما أشبع صبغه من الثياب جمعه مجاسد ، قال مليح الهذلـيّ :
- السؤال : هل "جسد " أطلقت على البشر كونهم يأكلون الطعام أم كونهم ذوي دماء ؟
- نحن نعلم في العربية أن الاصل في الجسد هو الدم اليابس الجامد ، قال الطرماح يصف سهاماً بنصالها :
- فِراغٌ عواري الليطِ ، تُكسى ظباتُـهـا ===سبائبَ ، منهـا جاسدٌ ونجيع
- الفراغ جمع فريغ وهو العريض من السهام ، والليط القشر ، وظباتها أطرافها ، والسبائب طرائق الدم ، والنجيع الدم نفسه والجاسد اليابس .. قال الجوهري في الصحاح : الجسد الدم ، مستشهداً بالنابغة :
- " وما هُـريق على الأنصـابِ من جَسَــدِ "
- وكانوا يذبحون على النصب والتماثيل المنصوبة حول الكعبة ثم يلطخونها بالدماء قربى لله عن طريق الاصنام التي عبدوها لتقربهم الى الله زلفى بزعمهم .
- والجسد مصدر قولك (جَسِدَ به الدم يجسَد) اذا لصق به فهو جاسد وجَسِدَ ، والمجسد كما مر الثوب الذي يلي جسد المرأة فتعرق فيه ويتعشق رائحتها ،،،
- وبناءً على محاكمة جذورية عقلية بسيطة ندرك أن كلا الاحتمالين وارد ، فالأجساد ذوات دم والاجساد تأكل الطعام ، ويجب توافر الشرطين معا، وهو ما يميز البشر عن غيرهم من اجسام البهائم فلا يقال : جسد الحمار ولا الغزال برغم أنه يأكل وهو ذو دم ، كما لا يقال جسد الفـأر ولا العصفور ...
- أما الجسـم : (ج س م ) فيطلق على ذوي الاعضاء من الناس والابل وسائر الدواب من الانواع العظيمة الخلق ، فلا يُقال جسم النمل ولا الضفدع او العصفور ، بل يقال جسم الجمل والفيل والحمار ، ويُقال جسم الانسان أيضـا ...ومن كان ذا جسم كبير وعقل صغير قيل فيه : " جسم البغال وأحلام العـصـافيـر "
- والجُسمان مثل الجثمان وزنا ومعنىً ، والجسمان أيضا جماعة الجسم فنقول : فلان نحيف الجسمان وجماعة نحيفو الجسمان ، ورجل جثماني وجسماني واحد اذا كان ضخم الجثـة .. وجَســم الشيء عَـظُـمَ فهو جسيم والانثى جسيمة .
- وتجسّـمت فلانا بين القوم اصطفيته كأنك اخترت جسمه ، وهذا يفسر ما قاله ياقوت الحموي في معجم البلدان عن بلدتنا " جاسـم"الغالية ، من " تجسّمت الأمر "، وهي بلدة من أعمال حوران شمال نوى حاضرة الامام النووي رحمه الله ، وقرب الجابية ، العاصمة الصيفية لبني أمية ، واليها يُنسب كثير من أهل العلم أمثال هبة الله الجاسمي وابي تمام الطائي ، وعديّ بن الرقاع الاموي القائل عن حبيبته :
- لولا الحياءُ وأن رأسي قد عـسـا=== فيه المشيبُ لزرْتُ أمَّ القاســم
- وكأنهـا بين النســاء أعـارهـــــا=== عينيه أحـورُ من جـآذرِ جـاسمِ
وإذا لـَمَسْتَ لمستَ أجثـمَ جاثِـمـا === مُـتَـحَـيّـرا بمكـانـهِ ملءَ اليـدِ
وقرأت في ديوان النابغة( متحيـّزا بالزاي بدل متحيرا) ويقال : ليث جاثم مجازا لا يبرح مكانه، وفي الطب يقال : " ان العسل يجثم على المعدة ثم يقذف بالداء" وقال تعالى : ((فأصبحوا في ديارهم جاثـمـيـن ))هود \67 أي أجسادا هامدة ملقاة في الارض ، والجاثم البارك على رجلين كما يجثم الطير ،، والجثام والجاثوم كابوس يراه النائم فيشل حركته ، وجثم الليل انتصف ، والجثمان الجسم ، الجسمان جامع لكل شيء تريد به جسمه والواحه ، ويقال : ما احسن جثمانه وجسمانه اي جسده ! قال الممزق العبدي :
وقد دَعَـوْا ليَ اقوامـا وقد غسلوا ===بالسـدرِ والماء جثماني وأطباقي
والخلاصـة فيما سبق : نقـول إنَّ الاصل في :
- جـســـد : هو جسم الانسان ولا يقال لغيره .
- جـســـم : هو بدن ذوي الأعـضـاء الضخمة كالابل والدواب الكبيرة .
- الجثمان : هو للطيور خاصة وما كان ذا رِجْـلـَيْن اثنتين ،والحيوانات الصغيرة عامة كالارنب واليربوع ، كما يطلق على جثة الميت ،،،والجاثم البارك على رجليه كما يجثم الطير للسفاد واستُعمل لغير ذي الرجلين الاثنتين مجازا ،، وما خالف ذلك انما هو من باب الكنايات والصفات والجوازات وغيره من اساليب البيان عند العرب، والله أعلم ، وصلى الله على سينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
وكالة البيارق الإعلامية www.bayariq.net
bayariqmedia@gmail.com
المدير العام ورئيس التحرير
محمد توفيق أحمد كريزم