أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا من تطبيقات الفيزياء التي يمارسها الانسان المعاصر ، استخدام الوشائع الكهربائية في عملية التسخين ،(كبب ملفوفة من خيوط نحاسية) إذ وظف الانسان قوانين المقاومة لسريان التيار الكهربي في الاسلاك وعمل منها وشائع تتوهج عند مرور التيار ناشرة كميات من الحرارة في الوسط الموجودة فيه ، وهذه الحرارة تُسَـخِّن السوائل الحاوية على هذه الوشائع ، وهي المستخدمة في كثير من الدِّلال والاباريق والسخانات الكهربية ... ولو قلت للقارئ الكريم أن العربي استخدم اسلوب نقل الحرارة الى السوائل المحيطة بحامل الحرارة ، منذ اكثر من ألفي سنة ، فماذا سيقول ؟؟؟  عاش العربي في صحراء ممتدة مترامية الاطراف ، تسـطع عليها شمس حارقة طيلة أكثر أيام السنة ، فتلهب الرمال والحصا والحجارة بكافة اشكالها ، اذ تصل درجة الحرارة في حجر تسطع عليه الشمس الى أكثر من سبعين الى ثمانين الى تسعين درجة مئوية .... ولقد استفاد العربي بخبرته وحاجته الى هذه الحريرات فعمل على نقلها من الرمال والصخور الى أدوات ٍ أفاد منها في حياته العملية ... جاء في لغة الجذور \ مادة ( ر ض ف ) : شِواء مَرْضُوفٌ: يُشْوَى على تلك الحجارة ( اي الحجارة الحامية بفعل أشعة الشمس ووهجها ) . والحَمَلُ ( الخروف أو الجدي الصغير ) المَرْضُوفُ : تُلْقَى تلك الحجارة إذا احمرَّت في جوفِه حتى ينشوي الحمل . قال شمر : سمعت أَعرابيّاً يصف الرَّضائف فقال : يُعْمَدُ إلى الجَدي فَيُلْبَأُ من لبن أُمه حتى يمتلئ ، ثم يذبح فَيُزَقَّقُ من قِبَلِ قفاه، ثم يُعْمَدُ إلى حجارة فتحرق بالنار ثم تُوضع في بطنه حتى ينشوي؛ وأَنشد بيت الكميت :  ومَرْضُوفَةٍ لم تُؤْنِ في الطَّبْخِ طاهِيـــاً = = = عَجِلْتُ إلى مُحْوَرِّها، حين غَــرْغَــرا لم تُؤْن أَي لم تَحْبِسْ ولم تُبْطِئْ . وفي هذا يقول الأَصمعي : الرضْفُ الحجارةُ المُحْماةُ في النار أَو الشمس ، واحدتها رضْفةٌ؛ قال الكميت بن زيد :  أَجِيبُوا رُقَى الآسِي النَّطاسِيِّ ، واحْذَروا مُطَفّئةَ الرَّضْفِ التي لا شِوَى لها قال : وهي الحَيّةُ التي تمرُّ على الرضْف فَيُطْفِئُ سمُّها نارَ الرضْف . والرقى جمع مفرده رقية ، والنطاسي هو الطبيب . وقال أَبو عمرو : الرضف حجارة يُوقد عليها حتى إذا صارت لهَباً أُّلقِيَتْ في القِدْرِ مع اللحم فأَنْضَجَتْه. والمَرْضُوفةُ: القدر أُنْضِجت بالرضف . وقلت عن الرضف ليس بالضرورة أن يوقد عليها ، إذ قد تكون حامية من أثر الشمس الطبيعية ، من وهج أشعة الشمس على رمال الصحراء . وجاء في لسان العرب لابن منظور : الرَّضْفُ: الحجارَةُ التي حَمِيَتْ بالشمس أَو النار، واحدتها رَضْفةٌ. غيره: الرَّضْفُ الحجارة المُحماةُ يُوغَرُ بها اللَّبَنُ ، واحدتها رَضْفةٌ . ويوغر اللبن أي يطبخ ويغلى فيتغير من حالٍ الى حال . وقال الأزهري: رأيت الأعراب يأخذون الحجارة يوقدون عليها، فإذا حميت رضفوا بها اللبن البارد الحقين، لتكسر من برده، فيشربونه، وربما رضفوا الماء للخيل إذا برد الزمان ،  وفي المثل : خذ من الرَّضْفةِ ما عليها . ورَضَفه يَرْضِفُه ، بالكسر، أَي كَواه بالرَّضْفةِ . والرَّضِيفُ اللبن يُغْلى بالرَّضْفةِ . وفي حديث الهِجْرة : فيَبِيتانِ في رِسْلِها ورَضِيفِها ؛ الرَّضِيفُ اللبن المَرْضُوفُ ، وهو الذي طَرِحَت فيه الحجارة المُحْماةُ لِيذْهب وخَمُه . وهو ما يفعله الانسان المعاصر ، يغلي اللبن فيصنع منه المرق ويضيف اليه قليلا من النشاء او الطحين ، فيعطيه قوامه المعروف ، ويسمونه في البادية الشامية وفي سيناء وحوران وفلسطين المرقة ، وهذه المرقة اللبنية(مع شيء من الدسم) يسكبونها على اللحم والثريد أو البرغل المطبوخ ، وهي أكلة معروفة ولذيذة في المناطق المذكورة ، تسمى لدى البدو " الهفيت " أو الثريد ، وفي الخليج خاصة يدعونها " فريد " بقلب الثاء فاءً ، او المنسف في الاردن أو المليحي في حوران ، باستخدام الأقِـط ، وبعضهم يسميه " الكثي " او الجميد او الكسيح ، وهو لبن مجمد ، يُحفظ على شكل كتل ذات طعم رائع .  ومن المجاز عند القوم ، مطفئة الرضف : وهي الداهية تنسي التي قبلها فتطفئ حرها، ومنه المثل: جاء فلان بمطفئة الرضف ، قاله أبو عبيدة ، وقال الليث: مطفئة الرضف: شحمة إذا أصابت الرضفة ذابت فأخمدت حرَّ الرضفة الحامية . وفي التراجم يطالعنا شاعر عربي اسمه " المستوغـر " (1) ، وهـو المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد . و قال عنه المرزباني في معجم الشعراء : المستوغر و اسمه عمرو ابن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم .وقيل إنه مات في صدر الإسلام ، و يقال أنه عاش إلى أول أيام معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه ، و لكن أبو حاتم السجستاني يقول : عاش ثلاثاً و ثلاثين و ثلاثمائة سنة ، و قال آخرون أقل من ذلك .و ذكر النسابون إنه عاش ثلاثمائة وعشرين سنة ، فأدرك الإسلام أو كاد يدرك أوله ، و قال ابن سلام : كان المستوغر قديماً ، و بقي بقاء طويلا حتى قال :  ولقد سئمتُ من الحياة وطولهـــــــــــا = = = و عمـرْتُ مـن عـدد السنيـن مئينــــــــــــا هــــل مــــا بــقــى إلا كــمــا قــــد فـاتــنــا= = = يـــــــوم يــــــمــــــرّ ولــــيــــلـــــة تــــحـــدونـــــا و قال المفضل الضبي : عاش زماناً طويلاً ، و كان من فرسان العرب قبل الإسلام . و في تقدير عمره مبالغات تجانب الحقيقة ، والاختلاف في اسمه جواب لكل من يبالغ و يرسل تسلسلات النسب إلى ما قبل الإسلام تخميناً وظنَّـاً ، فكل المؤرخين و النسّاب اختلفوا بأسماء المشهورين من الرجال و النساء فكيف للمغمورين الذين سحقتهم عجلة الزمن و ذرتهم رياح العصور . و قد ذهب مثلا قوله ذلك : " لعلني مضلَّلأ كعامر" . (2) و قال أبو حاتم : إنما المثل حسبتني مضللا كعامر ، و أوردنا طرفا من ترجمة المستوغر هنا لغاية جذورية مهمة وهي لماذا لُـقّب بالمستوغـر ، أو طالب الوغــر والوغيـر ؟؟؟  والجواب كما يقول اصحاب التراجم ، أنه سُـمّي بذلك بسبب قول قاله يصف فرسه وقد تعرَّقت ، وهـو : يــنــشّ الــمــاء فـــــي الــربـــلات مـنــهــا= = = نشيش الرضف في اللبن الوغيـر وهذا البيت هو مكان الشاهد لحديثنــــا ... ورد في البيت لفظ "الرَّبَلات " وهي : جمع رَبْلَةٍ ورَبَلَة ، وهي باطن الفخذ .  والرَّضْف ( نعيد ما أسلفنا ) : حجارة تحمى وتطرح في اللبن ليَجْمُد ، وقيل: الوغِيرُ اللبن يُغْلى ويُطْبَخُ . وقال الجوهري : الوَغِيرَةُ اللبن يُسَخَّنُ بالحجارة المحماة ، وكذلك الوغير . وقال اللغوي ابن سيده : والوَغِيرَةُ اللبن وحده مَحْضاً يسخن حتى يَنْضَجَ ، وربما جعل فيه السمن ، وقد أَوغَرَه، وكذلك التوغِيرُ؛ قال الشاعر: فَسائِلْ مُراداً عن ثلاثةِ فِتْيَةٍ، وعن أُثْر ما أَبْقى الصَّرِيحُ المُوَغَّرُ والإِيغارُ: أَن تُسخن الحجارة وتُحْرِقَها ثم تلقيها في الماء لتسخنه . وقد قدمنا بما فيه الكفاية وما يغني عن الاعادة ويقطع بان العرب قد عرفوا المرق والمليحي واللبن المطبوخ منذ القدم وأسموه باللبن الوغير ، وقطعا كانوا يضيفونه سكباً على الخبــز المثرود أو البرغل وما ضارعه . وهكذا عرفنا أن العرب كانوا سباقين في فن نقل الحرارة ، والرضائف ( جمع رضف ورضفة ورضيفة ) هي حجارة بمواصفات معلومة تخزن الحرارة والطاقة الشمسية ، ثم تؤخذ ليغلى بها الماء واللبن او يسخن بها الطعام بل شووا بها ذبائحهم ، فما المانع أن نسمي الوشائع المعاصرة رضائف ، فالوشيعة ( في لغة الجذور ) : كُبَّةُ الغَزْلِ .  والوَشِيعُ : خشَبةُ الحائِكِ التي يُسَمِّيها الناسُ الحَفَّ ، وهي عند العرب الحِلْوُ إِذا كانت صغيرة، والوَشِيعُ إِذا كانت كبيرة . تُكبكب عليها الخيوط والغزل . والوَّشِيعةُ: خشَبةٌ أَو قصَبةٌ يُلَفُّ عليها الغَزْلُ ، وقيل : قصبة يَجْعلُ فيها الحائِك لُحْمةَ الثوبِ للنسْجِ ، والجمع وَشِيعٌ ووَشائِعُ ؛ قال ذو الرمة :  به مَلْعَبٌ من مُعْصِفاتٍ نَسَجْنَه = = = كَنَسْجِ اليَماني بُرْدَه بالوَشائِعِ والتوْشِيعُ: لَفُّ القُطْنِ بعد النَّدْفِ، وكلُّ لَفِيفةٍ منه وَشِيعةٌ؛ قال رؤْبة: فانْصاعَ يَكْسُوها الغُبارَ الأَصْيَعا، نَدْفَ القِياسِ القُطنَ المُوَشَّعا الأَصْيَعُ: الغُبارُ الذي يجيءُ ويذهب، يَتَصَيَّع ويَنْصاعُ: مرة ههنا ومرة ههنا.  وقال الأَزهري : هي قصبة يُلْوى عليها الغزلُ من أَلوان شَتى من الوَشْيِ وغير أَلوان الوشي، ومن هناك سميت قصَبةُ الحائِكِ الوَشِيعة ، وجمعها وشائع، لأَن الغزل يُوشَّعُ فيها أي يُلَف ويكبكب . والوشيعة الحرارية تُلَفُّ كما كبَّـة الغزل ، إلا أن تسميتها بالرضفة أدق وأوكد وأقرب الى الجذور !!! ----------------------------------------الحاشية : و(1)جاء في (حديث مقطوع) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ ، نَا سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، نَا الْأَصْمَعِيُّ ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَابْنِ الْعَجَّاجِ : " إِنَّ الْمُسْتَوْغِرَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ مَرَّ مَرَّةً بِعُكَاظٍ وَهُوَ يَقُودُ ابْنَ ابْنِهِ خَرِفًا وَابْنِ الْعَجَّاجِ : إِنَّ الْمُسْتَوْغِرَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ مَرَّ مَرَّةً بِعُكَاظٍ وَهُوَ يَقُودُ ابْنَ ابْنِهِ خَرِفًا ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ! أَحْسِنْ إِلَيْهِ ، فَطَالَمَا أَحْسَنَ قَالَ : أَوَتَدْرِي مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هُوَ أَبُوكَ أَوْ جَدُّكَ . قَالَ : هُوَ وَاللَّهِ ابْنُ ابْنِي . فَقَالَ الرَّجُلُ : لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَطُّ فِي الْكَذِبِ وَلَا مُسْتَوْغِرَ بْنَ رَبِيعَةَ " . قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ : وَعَاشَ الْمُسْتَوغِرُ ثَلَاثَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً " .  (2) في أمثال بيهس زاد حبيب بن عيسى بعد أن أورد المثل ((لعلني مضلل كعامر)) قال: ومما زاده في هذا الحديث/ المثل ما قاله المستوغر ((إن المعافى غير مخدوع)) ، فهذا الثاني زيادة لا ندري من أضافها، وإن أصبحت في كتب الأمثال من بعد هي المعتمدة ، وتوارى المثل الأول ((لعلني مضلل كعامر)) أو انقطعت صلته بأخيه المثل السابق .  وإن هذين المثلين يدلان على أن النقل عن المفضل الضبي لدى كل من الميداني والعسكري لم يكن يتم بالاطلاع المباشر على كتابه بل بالواسطة، أو قد يدلان على عدم اتفاق النسخ التي احتفظت بأمثال الضبي، فالميداني أورد للمثل ((إن المعافى..)) قصة لا علاقة لها بالقصة التي أوردها المفضل، ثم أورد ((لعلني مضلل كعامر)) ، فاختصر القصة التي أوردها المفضل. وأما العسكري فإنه لا يعرف شيئاً عن المثل الأول؛ وإنما أورد الثاني في حرف الحاء ((حسبتني مضللاً كعامر)) ثم قال: ولا نعرف عامراً هذا ؛ ومثل هذين الفرضين قد يفسران اختفاء أمثال - أوردها المفضل - من المجاميع كان يهدف إلى الاستقصاء في الجمع والتبويب .

الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا

من تطبيقات الفيزياء التي يمارسها الانسان المعاصر ، استخدام الوشائع الكهربائية في عملية التسخين ،(كبب ملفوفة من خيوط نحاسية) إذ وظف الانسان قوانين المقاومة لسريان التيار الكهربي في الاسلاك وعمل منها وشائع تتوهج عند مرور التيار ناشرة كميات من الحرارة في الوسط الموجودة فيه ، وهذه الحرارة تُسَـخِّن السوائل الحاوية على هذه الوشائع ، وهي المستخدمة في كثير من الدِّلال والاباريق والسخانات الكهربية ...

ولو قلت للقارئ الكريم أن العربي استخدم اسلوب نقل الحرارة الى السوائل المحيطة بحامل الحرارة ، منذ اكثر من ألفي سنة ، فماذا سيقول ؟؟؟

عاش العربي في صحراء ممتدة مترامية الاطراف ، تسـطع عليها شمس حارقة طيلة أكثر أيام السنة ، فتلهب الرمال والحصا والحجارة بكافة اشكالها ، اذ تصل درجة الحرارة في حجر تسطع عليه الشمس الى أكثر من سبعين الى ثمانين الى تسعين درجة مئوية .... ولقد استفاد العربي بخبرته وحاجته الى هذه الحريرات فعمل على نقلها من الرمال والصخور الى أدوات ٍ أفاد منها في حياته العملية ...

جاء في لغة الجذور \ مادة ( ر ض ف ) :

شِواء مَرْضُوفٌ: يُشْوَى على تلك الحجارة ( اي الحجارة الحامية بفعل أشعة الشمس ووهجها ) .

والحَمَلُ ( الخروف أو الجدي الصغير ) المَرْضُوفُ : تُلْقَى تلك الحجارة إذا احمرَّت في جوفِه حتى ينشوي الحمل . قال شمر : سمعت أَعرابيّاً يصف الرَّضائف فقال : يُعْمَدُ إلى الجَدي فَيُلْبَأُ من لبن أُمه حتى يمتلئ ، ثم يذبح فَيُزَقَّقُ من قِبَلِ قفاه، ثم يُعْمَدُ إلى حجارة فتحرق بالنار ثم تُوضع في بطنه حتى ينشوي؛ وأَنشد بيت الكميت :

ومَرْضُوفَةٍ لم تُؤْنِ في الطَّبْخِ طاهِيـــاً = = = عَجِلْتُ إلى مُحْوَرِّها، حين غَــرْغَــرا

لم تُؤْن أَي لم تَحْبِسْ ولم تُبْطِئْ . وفي هذا يقول الأَصمعي : الرضْفُ الحجارةُ المُحْماةُ في النار أَو الشمس ، واحدتها رضْفةٌ؛ قال الكميت بن زيد :

أَجِيبُوا رُقَى الآسِي النَّطاسِيِّ ، واحْذَروا مُطَفّئةَ الرَّضْفِ التي لا شِوَى لها قال : وهي الحَيّةُ التي تمرُّ على الرضْف فَيُطْفِئُ سمُّها نارَ الرضْف . والرقى جمع مفرده رقية ، والنطاسي هو الطبيب .
وقال أَبو عمرو : الرضف حجارة يُوقد عليها حتى إذا صارت لهَباً أُّلقِيَتْ في القِدْرِ مع اللحم فأَنْضَجَتْه.
والمَرْضُوفةُ: القدر أُنْضِجت بالرضف . وقلت عن الرضف ليس بالضرورة أن يوقد عليها ، إذ قد تكون حامية من أثر الشمس الطبيعية ، من وهج أشعة الشمس على رمال الصحراء .

وجاء في لسان العرب لابن منظور : الرَّضْفُ: الحجارَةُ التي حَمِيَتْ بالشمس أَو النار، واحدتها رَضْفةٌ. غيره: الرَّضْفُ الحجارة المُحماةُ يُوغَرُ بها اللَّبَنُ ، واحدتها رَضْفةٌ . ويوغر اللبن أي يطبخ ويغلى فيتغير من حالٍ الى حال . وقال الأزهري: رأيت الأعراب يأخذون الحجارة يوقدون عليها، فإذا حميت رضفوا بها اللبن البارد الحقين، لتكسر من برده، فيشربونه، وربما رضفوا الماء للخيل إذا برد الزمان ،

وفي المثل : خذ من الرَّضْفةِ ما عليها .
ورَضَفه يَرْضِفُه ، بالكسر، أَي كَواه بالرَّضْفةِ .
والرَّضِيفُ اللبن يُغْلى بالرَّضْفةِ .

وفي حديث الهِجْرة : فيَبِيتانِ في رِسْلِها ورَضِيفِها ؛ الرَّضِيفُ اللبن المَرْضُوفُ ، وهو الذي طَرِحَت فيه الحجارة المُحْماةُ لِيذْهب وخَمُه . وهو ما يفعله الانسان المعاصر ، يغلي اللبن فيصنع منه المرق ويضيف اليه قليلا من النشاء او الطحين ، فيعطيه قوامه المعروف ، ويسمونه في البادية الشامية وفي سيناء وحوران وفلسطين المرقة ، وهذه المرقة اللبنية(مع شيء من الدسم) يسكبونها على اللحم والثريد أو البرغل المطبوخ ، وهي أكلة معروفة ولذيذة في المناطق المذكورة ، تسمى لدى البدو " الهفيت " أو الثريد ، وفي الخليج خاصة يدعونها " فريد " بقلب الثاء فاءً ، او المنسف في الاردن أو المليحي في حوران ، باستخدام الأقِـط ، وبعضهم يسميه " الكثي " او الجميد او الكسيح ، وهو لبن مجمد ، يُحفظ على شكل كتل ذات طعم رائع .

ومن المجاز عند القوم ، مطفئة الرضف : وهي الداهية تنسي التي قبلها فتطفئ حرها، ومنه المثل: جاء فلان بمطفئة الرضف ، قاله أبو عبيدة ، وقال الليث: مطفئة الرضف: شحمة إذا أصابت الرضفة ذابت فأخمدت حرَّ الرضفة الحامية . وفي التراجم يطالعنا شاعر عربي اسمه " المستوغـر " (1) ، وهـو المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد . و قال عنه المرزباني في معجم الشعراء : المستوغر و اسمه عمرو ابن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم .وقيل إنه مات في صدر الإسلام ، و يقال أنه عاش إلى أول أيام معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه ، و لكن أبو حاتم السجستاني يقول : عاش ثلاثاً و ثلاثين و ثلاثمائة سنة ، و قال آخرون أقل من ذلك .و ذكر النسابون إنه عاش ثلاثمائة وعشرين سنة ، فأدرك الإسلام أو كاد يدرك أوله ، و قال ابن سلام : كان المستوغر قديماً ، و بقي بقاء طويلا حتى قال :

ولقد سئمتُ من الحياة وطولهـــــــــــا = = = و عمـرْتُ مـن عـدد السنيـن مئينــــــــــــا
هــــل مــــا بــقــى إلا كــمــا قــــد فـاتــنــا= = = يـــــــوم يــــــمــــــرّ ولــــيــــلـــــة تــــحـــدونـــــا

و قال المفضل الضبي : عاش زماناً طويلاً ، و كان من فرسان العرب قبل الإسلام . و في تقدير عمره مبالغات تجانب الحقيقة ، والاختلاف في اسمه جواب لكل من يبالغ و يرسل تسلسلات النسب إلى ما قبل الإسلام تخميناً وظنَّـاً ، فكل المؤرخين و النسّاب اختلفوا بأسماء المشهورين من الرجال و النساء فكيف للمغمورين الذين سحقتهم عجلة الزمن و ذرتهم رياح العصور . و قد ذهب مثلا قوله ذلك : " لعلني مضلَّلأ كعامر" . (2) و قال أبو حاتم : إنما المثل حسبتني مضللا كعامر ، و أوردنا طرفا من ترجمة المستوغر هنا لغاية جذورية مهمة وهي لماذا لُـقّب بالمستوغـر ، أو طالب الوغــر والوغيـر ؟؟؟

والجواب كما يقول اصحاب التراجم ، أنه سُـمّي بذلك بسبب قول قاله يصف فرسه وقد تعرَّقت ، وهـو :
يــنــشّ الــمــاء فـــــي الــربـــلات مـنــهــا= = = نشيش الرضف في اللبن الوغيـر
وهذا البيت هو مكان الشاهد لحديثنــــا ...

ورد في البيت لفظ "الرَّبَلات " وهي : جمع رَبْلَةٍ ورَبَلَة ، وهي باطن الفخذ .

والرَّضْف ( نعيد ما أسلفنا ) : حجارة تحمى وتطرح في اللبن ليَجْمُد ، وقيل: الوغِيرُ اللبن يُغْلى ويُطْبَخُ . وقال الجوهري : الوَغِيرَةُ اللبن يُسَخَّنُ بالحجارة المحماة ، وكذلك الوغير . وقال اللغوي ابن سيده : والوَغِيرَةُ اللبن وحده مَحْضاً يسخن حتى يَنْضَجَ ، وربما جعل فيه السمن ، وقد أَوغَرَه، وكذلك التوغِيرُ؛ قال الشاعر: فَسائِلْ مُراداً عن ثلاثةِ فِتْيَةٍ، وعن أُثْر ما أَبْقى الصَّرِيحُ المُوَغَّرُ والإِيغارُ: أَن تُسخن الحجارة وتُحْرِقَها ثم تلقيها في الماء لتسخنه . وقد قدمنا بما فيه الكفاية وما يغني عن الاعادة ويقطع بان العرب قد عرفوا المرق والمليحي واللبن المطبوخ منذ القدم وأسموه باللبن الوغير ، وقطعا كانوا يضيفونه سكباً على الخبــز المثرود أو البرغل وما ضارعه . وهكذا عرفنا أن العرب كانوا سباقين في فن نقل الحرارة ، والرضائف ( جمع رضف ورضفة ورضيفة ) هي حجارة بمواصفات معلومة تخزن الحرارة والطاقة الشمسية ، ثم تؤخذ ليغلى بها الماء واللبن او يسخن بها الطعام بل شووا بها ذبائحهم ، فما المانع أن نسمي الوشائع المعاصرة رضائف ، فالوشيعة ( في لغة الجذور ) : كُبَّةُ الغَزْلِ .

والوَشِيعُ : خشَبةُ الحائِكِ التي يُسَمِّيها الناسُ الحَفَّ ، وهي عند العرب الحِلْوُ إِذا كانت صغيرة، والوَشِيعُ إِذا كانت كبيرة . تُكبكب عليها الخيوط والغزل . والوَّشِيعةُ: خشَبةٌ أَو قصَبةٌ يُلَفُّ عليها الغَزْلُ ، وقيل : قصبة يَجْعلُ فيها الحائِك لُحْمةَ الثوبِ للنسْجِ ، والجمع وَشِيعٌ ووَشائِعُ ؛ قال ذو الرمة :

به مَلْعَبٌ من مُعْصِفاتٍ نَسَجْنَه = = = كَنَسْجِ اليَماني بُرْدَه بالوَشائِعِ

والتوْشِيعُ: لَفُّ القُطْنِ بعد النَّدْفِ، وكلُّ لَفِيفةٍ منه وَشِيعةٌ؛ قال رؤْبة: فانْصاعَ يَكْسُوها الغُبارَ الأَصْيَعا، نَدْفَ القِياسِ القُطنَ المُوَشَّعا الأَصْيَعُ: الغُبارُ الذي يجيءُ ويذهب، يَتَصَيَّع ويَنْصاعُ: مرة ههنا ومرة ههنا.

وقال الأَزهري : هي قصبة يُلْوى عليها الغزلُ من أَلوان شَتى من الوَشْيِ وغير أَلوان الوشي، ومن هناك سميت قصَبةُ الحائِكِ الوَشِيعة ، وجمعها وشائع، لأَن الغزل يُوشَّعُ فيها أي يُلَف ويكبكب . والوشيعة الحرارية تُلَفُّ كما كبَّـة الغزل ، إلا أن تسميتها بالرضفة أدق وأوكد وأقرب الى الجذور !!!

----------------------------------------الحاشية :

و(1)جاء في (حديث مقطوع) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ ، نَا سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، نَا الْأَصْمَعِيُّ ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَابْنِ الْعَجَّاجِ : " إِنَّ الْمُسْتَوْغِرَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ مَرَّ مَرَّةً بِعُكَاظٍ وَهُوَ يَقُودُ ابْنَ ابْنِهِ خَرِفًا وَابْنِ الْعَجَّاجِ : إِنَّ الْمُسْتَوْغِرَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ مَرَّ مَرَّةً بِعُكَاظٍ وَهُوَ يَقُودُ ابْنَ ابْنِهِ خَرِفًا ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ! أَحْسِنْ إِلَيْهِ ، فَطَالَمَا أَحْسَنَ قَالَ : أَوَتَدْرِي مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هُوَ أَبُوكَ أَوْ جَدُّكَ . قَالَ : هُوَ وَاللَّهِ ابْنُ ابْنِي . فَقَالَ الرَّجُلُ : لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَطُّ فِي الْكَذِبِ وَلَا مُسْتَوْغِرَ بْنَ رَبِيعَةَ " . قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ : وَعَاشَ الْمُسْتَوغِرُ ثَلَاثَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً " .

(2) في أمثال بيهس زاد حبيب بن عيسى بعد أن أورد المثل ((لعلني مضلل كعامر)) قال: ومما زاده في هذا الحديث/ المثل ما قاله المستوغر ((إن المعافى غير مخدوع)) ، فهذا الثاني زيادة لا ندري من أضافها، وإن أصبحت في كتب الأمثال من بعد هي المعتمدة ، وتوارى المثل الأول ((لعلني مضلل كعامر)) أو انقطعت صلته بأخيه المثل السابق .

وإن هذين المثلين يدلان على أن النقل عن المفضل الضبي لدى كل من الميداني والعسكري لم يكن يتم بالاطلاع المباشر على كتابه بل بالواسطة، أو قد يدلان على عدم اتفاق النسخ التي احتفظت بأمثال الضبي، فالميداني أورد للمثل ((إن المعافى..)) قصة لا علاقة لها بالقصة التي أوردها المفضل، ثم أورد ((لعلني مضلل كعامر)) ، فاختصر القصة التي أوردها المفضل. وأما العسكري فإنه لا يعرف شيئاً عن المثل الأول؛ وإنما أورد الثاني في حرف الحاء ((حسبتني مضللاً كعامر)) ثم قال: ولا نعرف عامراً هذا ؛ ومثل هذين الفرضين قد يفسران اختفاء أمثال - أوردها المفضل - من المجاميع كان يهدف إلى الاستقصاء في الجمع والتبويب .
تعليقات