الـبَـشِـع والبُشْــعَـة( ب ش ع ) بلغة الجذور

الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا البشع ( ب ش ع ) في لغة الجذور صفة تُطْلَق على كل مستكره غير مرغوب ولا تميل اليه النفس ، واليكم الامثلة مع الأدلــة الجذوريــة : البَشِعُ طَعُم كريه . والبشعة القبيحة من النساء . وطعام بَشِيع وبَشِع من البَشَع : كريه يأْخذُ بالحَلْق بَيِّنُ البَشاعة، فيه حُفُوف ومَرارَةٌ كالإِهْلِيلَجِ ونحوه، وقد بَشِعَ بَشَعا . ورجل بَشِيعٌ بَيِّنُ البشع إِذا أَكله فبَشِع منه . وأَكلنا طعاماً بَشِعاً : حافّاً يابساً لا أُدْمَ فيه . ورجل بَشِع المَنْظَر إِذا كان دَميماً غير جميل ولا وسامة أو ملاحة عليه . ورجل بَشِعُ النفْس أَي خَبيثُ النفس، وبَشِعُ الوجه إِذا كان عابِساً باسِراً . وثوب بَشِع : خَشِن . ورجل بشع الفم: كريه ريحِ الفم، والأُنثى بالهاء، لا يتَخلَّلان ولا يَسْتاكانِ، والمصدر البشَعُ والبَشاعةُ، وقد بَشِع بشعاً وبَشاعة . وبَشِع الوادي بالماء بَشَعاً: ضاق.  وَبَشِع بالشيء بشَعاً: بطَش به بَطْشاً مُنْكراً. وخشبة بَشِعة: كثيرة الأُبَنِ ، اي العُـقَـد في تلك الخشبة ،ورجل بَشِع الخُلُق إِذا كان سيِّءَ الخُلُقِ والعِشْرة. وبَشِع بالأَمر بشَعاً وبشاعةً : ضاق به ذَرعاً ؛ قال أَبو زبيد يصف أَسداً: شأْسُ الهَبُوطِ زنَاءُ الحامِيَيْنِ، مَتَى ===تَبْشَعْ بوارِدةٍ يَحْدُثْ لها فَزَعُ قوله شأْس الهَبوط يقول : الأَسد إِذا أَكل أَكلاً شديداً وشَبع ، ترك من فَرِيسته شيئاً في الموضــع الذي يفْترِسها ، فإِذا انتهت الظباء إِلى ذلك الموضع لترد الماءَ فَزِعت من ذلك لمكان الأَسد ،  وقيل : بوارِدة أَي بما يرده من الناس لها للواردة ،،، زناء الحامِيين: ضَيِّق الحاميين . تَبْشَع : تُغَصّ ، يحدث لها فزع لمكان الأَسد . وقال ابن فارس في مقاييس اللغة : ويقال رجل بَشِعٌ وامرأةٌ بشِعة، وهو الكريهُ ريحِ الفمِ مِن أنّه لا يتخلَّلُ ولا يَسْتَاك ، أي لا يستعمل السواك وهو مظهر حضاري ينوب عنه حاليا فرشاة الأسنان ، وجاء في الحديث الشريف :" المسواك مطهرة للفم مرضاة للرب مجلاة للبصر " .  والمصدَر البَشَع والبشَاعة . وقد بَشِعَ يَبْشَعُ بَشَعاً . والطعام البَشِع الذي لا يَسُوغ في الحَلْق . قال ابنُ دُريد: البَشَع تَضَايُق الحَلْق بالطّعام الخَشِن . قال ابنُ الأعرابيّ : البَشِع الذي لا يَجُوز ، أي كل شيء محرّم فهو بَشِـع ٌ. يقال بَشِعَ الوَادِي بالناس ، إذا كَثُروا فيه حَتّى يَضِيقَ بهم . وأنشــد :  إذا لقِيَ الغُصُونَ انْسَلَّ منهــا = = = فلا بَشِعٌ ولا جـافٍ جَـفُـوفُ و"البُشْـعَةُ" مصطلح في القضاء البدوي معروف ، ومعناه أن تُحمى محماصة القهوة (*) حتى الاحمرار تقريبا على الفحم المشتعل ، ثم يُطلب من المتَّـهـم أن يقرِّبها من وجهه ويقوم بلحسها على هذا الشكل ، رأيتُها في أحد مجالس البدو ، وكان مجلسا مُعَدَّاً للقضاء والبتّ في مسألةٍ تخص العِـرْض ، فجيء بالمتهم وأُحميتْ محماصةُ القهوة بعد سؤالِه إن كان يقبل بالبُشْـعَـة أم لا ؟ فأعلن القبول وأعلن القاضي البَــدْءَ يتطبيق الحكم ، وقُرِّبت المحماصة بوهجها الحامي المثير للهلع ، ودلع المتهم لسانه ليلحس المحماصة فأعلن القاضي براءته فبل اللحس واندفع المتحاكمون الى بعضهم ، يهنئون بعضهم مبتهجين ببراءة الوغيث (1) (أو الوغيف ببعض اللهجات ) سابقاً ( المجرم) وهو الآن بريء تمامــاً . وقد قال لي القاضي البدوي : إنَّ مَنْ هَـمَّ باللحس فقد لحس ، ولو لحسها لكانت بردا وسلاما عليه لأنه بريء، ولو كان وغيثـاً لحرقت المحماصة وجهه !! ولو رفض المتهم عملية البشعة من أصلها لأعلن القاضي تجريمه ، والعملية تقوم على الترهيب وتُمارس في الجزيرة العربية ، وسائر الشام والعراق وسيناء ، ورأيت في تاريخ الطبري اشارة للمسألة .  والعملية كلها نوع من العقوبات النفسية التي يمارسها البدو في قضائهم وبشكل معبّر عن ذكائهم الجبلّي الفطري ، وقد رأيتُ للمسألة جذورا في تراثنا ، وهي ما يسمونه " النَصَف " ... ورد في كتاب ابن الجوزي" المنتظم في تاريخ الآمم " عند ذكر "تُـبَّـع" قال : غزا تُـبَّع بيت المقدس فسبى أولاد الأحبار ، وقَـدِمَ بهم اليمن ، وقد أعْجِبَ بفتيةٍ منهم فأدنــاهـم منه ، وأخبروه عن الله تعالى والدار الآخرة ، فأعجِب بهم وخاف قومه أن يُدخِلوه في دينهم فبلغه ذلك ، فأعلم الفتية فقالوا : " بيننا وبينهم النّـصَـف "... قالوا: وما هو ؟؟؟ قال : " النار تحرقُ الكاذبَ ويَـبْـرأُ فيها الصـادق ، لا تحرقه النار ولا تؤذيه أبدا ً ...  وهكذا عرفنا أن البشـعـة ( ب ش ع ) أمر معروف منذ ما قبل الاسلام في تاريخنا البدوي وهو دالّ على ذكاء القوم وسبقهم في الكشف عن الجريمة والمجرم ، بطريقة نفســيّة قائمة على الترهيب والتخويف ، وأسموا ذلك بُشْعة لبشاعتها ، فهم يلجؤون اليها في حالاتٍ نادرة ، ولا يحبونها لبشاعتهــا ، ولكن لربما لجأ القاضي الى ماهو صعب ومؤلم أحياناً للوصول الى الحق وتطبيق العـدالة ، وهنا نلاحــظ أنَّ بعـض السلف القديم أسـموا العملية النَّصف أي العدل والمساواة والحق !! ومما يجدر فهمه وملاحظته جيدا في البشعة : هي طريقة من طرق التقاضى مألوفة لدى البدو ويلجؤون إليها لإظهار الجرم المنكَر وتوجد عائلات مخصوصة لذلك ولا يستطيع أى من البدو أن يكون مبشِّعاً ، المدعى هو الذى يطلب بشعة المدعى عليه فى أغلب الحالات وهو الذى يختار المبشع وخطوات البشعة. يُوضع محماص البن فى النار حتى يُصبح شديد الإحمرار . يُخرج المبشع المحماصة ثميفرك بها ذراعه ثلاث مرات لكى يؤكد أن النار لا تضر الأبرياء . يمد المحماصإلى الشخص المتهم ويقول له : " ابشع " . على المتهم أن يمد لسانه للحاضرينكى يريهم أن لسانه سليم وليميزوا حالة لسانه قبل البشعة وبعدهــا . يلحس المتهم المحماص ثلاث مرات وهو بيد المبشع ثم يتمضمض ببعض الماء وأكثر القضاة يكتفون بالمتهم أن يهمَّ باللحس فيعلنون براءته . إذا ظهر على لسانه أى أثر للنار قالوا " موغوف "أو " وغيث " أى مذنب وإلا فهو برىء وكلها أساليب للوصول الى الحق ، وللبدو مناحٍ عظيمة ومثيرة للاهتمام تدل على ذكاءٍ وحصافة وحسن تدبير ، وقد شهدتُ كثيرا من مجالسهم منها في مقام التخويف ، مجلس حلف اليمين وله طقوسه : يقف المتهم ليحلف اليمين الشرعي وحيداً أمام القوم منفردا بعيدا عنهم ، ولا يقف معه أحد ، بل يبتعد الناس والقاضي والاهل والجميع عنه ، ثم يقال له عن بُعْـدٍ : هل تحلف يا فلان أنك لم تفعل ؟ احلف . مقام مخيف بل مرعب إذ يحس بالوحدة وأنَّـه لا ينفعه أحد ، فيتجه الى الصدق بيمينه ، ويستحيل أن يكذب مما يساعد على كشف الحقيقة وإعلان البريء من الوغيث ! ومن أدبيات القضاء البدوي والعشائري البناء على الهَـمَّ والنية والقصد ، فإذا ما عزم المتهم على حلف اليمين ووقف موقف الحالف ، فإن الحضور يندفعون نحوه مباركين حلفه ولو لم يحلف ، فمَنْ هَـمَّ أن يحلف فقد حلف ، ويعامل معاملة الحالف ، ويعلن القاضي ذلك على المـلأ أي براءة ذمته و ساحته مما وُجِّـه إليه من اتهام عند اقتناعـه وهو يمثّل محكمة كاملة بانَّ المتهم بريء. وكل هذا بالطبع بناءً على قاعدة شرعية معروفة في الفقه الاسلامي وهي " البيّنةُ على من ادّعـى واليمينُ على مَنْ أنكَــر " ، ومن أدبيات القضاء لديهم أن المتهـم بريء حتى تثبت ادانته لدى قاضٍ عَـدْل ثقة ، ويسمونه " قاضي عشائري "وقضاؤه مبرم ، ويقبل النقاش اذا وجدت صور غامضة في المسـألة ، أو كان أحد أو كِلا المتخاصمين غائباً ووكيله لم يحسن أن يدلي بحجّـتـه . ومصطلحات أنظمة العرف القبلي ، يجهلها كثير من باحثي اليوم ، لكنها لا تزال راسخة في أذهان كبار السن من أبناء القبائل . و أنظمة العرف القبلي لها مشرّعون وهم شيوخ قبائل كبار ومعروفون . وهؤلاء إذا حكموا في واقعة ، ولم تقنع أحد الطرفين، فإنها تعرض على الخبراء، ويسمى ذلك (بالسومة)، فإن رأوا أنها صائبة أجازوها ، وإلا تمَّ تعديلها . تشابه محاكم الاستئناف والنقض ، و الحكم عادة يكون اما حكم رضى او حكم شدايد : و حكم الرضى يجبر المتنازعين على قبول ما يحكم به اهل العرف, و حكم الشدايد يرون فيه رأي القبائل الأخرى في الحكم و هل يواسونهم عليه أم لا ، وهي أمور تحتمل مجلدات .. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسـلّم ، وآخــــر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...  ======حـاشــيـة : (*)المحماس( المحماسة \ المحماصة ، بالسين او الصاد لهجتان صحيحتان ) : هو وعاء من الحديد مدور ومقعّـر له ذراع يمسك بها وتوضع فيه حبوب القهوة لتحميصها على النار .يد المحماصة او المحماسة وهى عتلة من حديد طويله تحرك وتقلب بها حبوب البن عند وضعها فى المحماس لكى يتم تحميصها بصورة جيدة . (1)الوغث والوغيث كلمة بدوية ذات أرومة فصحى ، تعني الفاسد الرديء والمهزول ، وهنا بمعنى المجرم !! وفي بعض اللهجات (وغيف)بالفاء ، إذ تتعاور الفاء والثاء في بعض المفردات ، مثل (( وفومـهــا....))بالقرآن الكريم .. (2)المنتَظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي 1\415 وتاريخ الامم والملوك لابي جعفر الطبري 1\566 .

الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا

البشع ( ب ش ع ) في لغة الجذور صفة تُطْلَق على كل مستكره غير مرغوب ولا تميل اليه النفس ، واليكم الامثلة مع الأدلــة الجذوريــة :
البَشِعُ طَعُم كريه . والبشعة القبيحة من النساء .
وطعام بَشِيع وبَشِع من البَشَع : كريه يأْخذُ بالحَلْق بَيِّنُ البَشاعة، فيه حُفُوف ومَرارَةٌ كالإِهْلِيلَجِ ونحوه، وقد بَشِعَ بَشَعا .
ورجل بَشِيعٌ بَيِّنُ البشع إِذا أَكله فبَشِع منه .
وأَكلنا طعاماً بَشِعاً : حافّاً يابساً لا أُدْمَ فيه . ورجل بَشِع المَنْظَر إِذا كان دَميماً غير جميل ولا وسامة أو ملاحة عليه .
ورجل بَشِعُ النفْس أَي خَبيثُ النفس، وبَشِعُ الوجه إِذا كان عابِساً باسِراً .
وثوب بَشِع : خَشِن .

ورجل بشع الفم: كريه ريحِ الفم، والأُنثى بالهاء، لا يتَخلَّلان ولا يَسْتاكانِ، والمصدر البشَعُ والبَشاعةُ، وقد بَشِع بشعاً وبَشاعة . وبَشِع الوادي بالماء بَشَعاً: ضاق.

وَبَشِع بالشيء بشَعاً: بطَش به بَطْشاً مُنْكراً.
وخشبة بَشِعة: كثيرة الأُبَنِ ، اي العُـقَـد في تلك الخشبة ،ورجل بَشِع الخُلُق إِذا كان سيِّءَ الخُلُقِ والعِشْرة.
وبَشِع بالأَمر بشَعاً وبشاعةً : ضاق به ذَرعاً ؛ قال أَبو زبيد يصف أَسداً:
شأْسُ الهَبُوطِ زنَاءُ الحامِيَيْنِ، مَتَى ===تَبْشَعْ بوارِدةٍ يَحْدُثْ لها فَزَعُ

قوله شأْس الهَبوط يقول : الأَسد إِذا أَكل أَكلاً شديداً وشَبع ، ترك من فَرِيسته شيئاً في الموضــع الذي يفْترِسها ، فإِذا انتهت الظباء إِلى ذلك الموضع لترد الماءَ فَزِعت من ذلك لمكان الأَسد ،

وقيل : بوارِدة أَي بما يرده من الناس لها للواردة ،،، زناء الحامِيين: ضَيِّق الحاميين . تَبْشَع : تُغَصّ ، يحدث لها فزع لمكان الأَسد .

وقال ابن فارس في مقاييس اللغة : ويقال رجل بَشِعٌ وامرأةٌ بشِعة، وهو الكريهُ ريحِ الفمِ مِن أنّه لا يتخلَّلُ ولا يَسْتَاك ، أي لا يستعمل السواك وهو مظهر حضاري ينوب عنه حاليا فرشاة الأسنان ، وجاء في الحديث الشريف :" المسواك مطهرة للفم مرضاة للرب مجلاة للبصر " .

والمصدَر البَشَع والبشَاعة . وقد بَشِعَ يَبْشَعُ بَشَعاً .

والطعام البَشِع الذي لا يَسُوغ في الحَلْق . قال ابنُ دُريد: البَشَع تَضَايُق الحَلْق بالطّعام الخَشِن . قال ابنُ الأعرابيّ : البَشِع الذي لا يَجُوز ، أي كل شيء محرّم فهو بَشِـع ٌ. يقال بَشِعَ الوَادِي بالناس ، إذا كَثُروا فيه حَتّى يَضِيقَ بهم . وأنشــد :

إذا لقِيَ الغُصُونَ انْسَلَّ منهــا = = = فلا بَشِعٌ ولا جـافٍ جَـفُـوفُ

و"البُشْـعَةُ" مصطلح في القضاء البدوي معروف ، ومعناه أن تُحمى محماصة القهوة (*) حتى الاحمرار تقريبا على الفحم المشتعل ، ثم يُطلب من المتَّـهـم أن يقرِّبها من وجهه ويقوم بلحسها على هذا الشكل ، رأيتُها في أحد مجالس البدو ، وكان مجلسا مُعَدَّاً للقضاء والبتّ في مسألةٍ تخص العِـرْض ، فجيء بالمتهم وأُحميتْ محماصةُ القهوة بعد سؤالِه إن كان يقبل بالبُشْـعَـة أم لا ؟ فأعلن القبول وأعلن القاضي البَــدْءَ يتطبيق الحكم ، وقُرِّبت المحماصة بوهجها الحامي المثير للهلع ، ودلع المتهم لسانه ليلحس المحماصة فأعلن القاضي براءته فبل اللحس واندفع المتحاكمون الى بعضهم ، يهنئون بعضهم مبتهجين ببراءة الوغيث (1) (أو الوغيف ببعض اللهجات ) سابقاً ( المجرم) وهو الآن بريء تمامــاً . وقد قال لي القاضي البدوي : إنَّ مَنْ هَـمَّ باللحس فقد لحس ، ولو لحسها لكانت بردا وسلاما عليه لأنه بريء، ولو كان وغيثـاً لحرقت المحماصة وجهه !! ولو رفض المتهم عملية البشعة من أصلها لأعلن القاضي تجريمه ، والعملية تقوم على الترهيب وتُمارس في الجزيرة العربية ، وسائر الشام والعراق وسيناء ، ورأيت في تاريخ الطبري اشارة للمسألة .

والعملية كلها نوع من العقوبات النفسية التي يمارسها البدو في قضائهم وبشكل معبّر عن ذكائهم الجبلّي الفطري ، وقد رأيتُ للمسألة جذورا في تراثنا ، وهي ما يسمونه " النَصَف " ... ورد في كتاب ابن الجوزي" المنتظم في تاريخ الآمم " عند ذكر "تُـبَّـع" قال :

غزا تُـبَّع بيت المقدس فسبى أولاد الأحبار ، وقَـدِمَ بهم اليمن ، وقد أعْجِبَ بفتيةٍ منهم فأدنــاهـم منه ، وأخبروه عن الله تعالى والدار الآخرة ، فأعجِب بهم وخاف قومه أن يُدخِلوه في دينهم فبلغه ذلك ، فأعلم الفتية فقالوا : " بيننا وبينهم النّـصَـف "... قالوا: وما هو ؟؟؟ قال : " النار تحرقُ الكاذبَ ويَـبْـرأُ فيها الصـادق ، لا تحرقه النار ولا تؤذيه أبدا ً ...

وهكذا عرفنا أن البشـعـة ( ب ش ع ) أمر معروف منذ ما قبل الاسلام في تاريخنا البدوي وهو دالّ على ذكاء القوم وسبقهم في الكشف عن الجريمة والمجرم ، بطريقة نفســيّة قائمة على الترهيب والتخويف ، وأسموا ذلك بُشْعة لبشاعتها ، فهم يلجؤون اليها في حالاتٍ نادرة ، ولا يحبونها لبشاعتهــا ، ولكن لربما لجأ القاضي الى ماهو صعب ومؤلم أحياناً للوصول الى الحق وتطبيق العـدالة ، وهنا نلاحــظ أنَّ بعـض السلف القديم أسـموا العملية النَّصف أي العدل والمساواة والحق !! ومما يجدر فهمه وملاحظته جيدا في البشعة :
  1. هي طريقة من طرق التقاضى مألوفة لدى البدو ويلجؤون إليها لإظهار الجرم المنكَر وتوجد عائلات مخصوصة لذلك ولا يستطيع أى من البدو أن يكون مبشِّعاً ، المدعى هو الذى يطلب بشعة المدعى عليه فى أغلب الحالات وهو الذى يختار المبشع وخطوات البشعة.
  2. يُوضع محماص البن فى النار حتى يُصبح شديد الإحمرار .
  3. يُخرج المبشع المحماصة ثميفرك بها ذراعه ثلاث مرات لكى يؤكد أن النار لا تضر الأبرياء .
  4. يمد المحماصإلى الشخص المتهم ويقول له : " ابشع " .
  5. على المتهم أن يمد لسانه للحاضرينكى يريهم أن لسانه سليم وليميزوا حالة لسانه قبل البشعة وبعدهــا .
  6. يلحس المتهم المحماص ثلاث مرات وهو بيد المبشع ثم يتمضمض ببعض الماء وأكثر القضاة يكتفون بالمتهم أن يهمَّ باللحس فيعلنون براءته .
  7. إذا ظهر على لسانه أى أثر للنار قالوا " موغوف "أو " وغيث " أى مذنب وإلا فهو برىء
وكلها أساليب للوصول الى الحق ، وللبدو مناحٍ عظيمة ومثيرة للاهتمام تدل على ذكاءٍ وحصافة وحسن تدبير ، وقد شهدتُ كثيرا من مجالسهم منها في مقام التخويف ، مجلس حلف اليمين وله طقوسه :
يقف المتهم ليحلف اليمين الشرعي وحيداً أمام القوم منفردا بعيدا عنهم ، ولا يقف معه أحد ، بل يبتعد الناس والقاضي والاهل والجميع عنه ، ثم يقال له عن بُعْـدٍ : هل تحلف يا فلان أنك لم تفعل ؟ احلف .
مقام مخيف بل مرعب إذ يحس بالوحدة وأنَّـه لا ينفعه أحد ، فيتجه الى الصدق بيمينه ، ويستحيل أن يكذب مما يساعد على كشف الحقيقة وإعلان البريء من الوغيث !

ومن أدبيات القضاء البدوي والعشائري البناء على الهَـمَّ والنية والقصد ، فإذا ما عزم المتهم على حلف اليمين ووقف موقف الحالف ، فإن الحضور يندفعون نحوه مباركين حلفه ولو لم يحلف ، فمَنْ هَـمَّ أن يحلف فقد حلف ، ويعامل معاملة الحالف ، ويعلن القاضي ذلك على المـلأ أي براءة ذمته و ساحته مما وُجِّـه إليه من اتهام عند اقتناعـه وهو يمثّل محكمة كاملة بانَّ المتهم بريء. وكل هذا بالطبع بناءً على قاعدة شرعية معروفة في الفقه الاسلامي وهي " البيّنةُ على من ادّعـى واليمينُ على مَنْ أنكَــر " ، ومن أدبيات القضاء لديهم أن المتهـم بريء حتى تثبت ادانته لدى قاضٍ عَـدْل ثقة ، ويسمونه " قاضي عشائري "وقضاؤه مبرم ، ويقبل النقاش اذا وجدت صور غامضة في المسـألة ، أو كان أحد أو كِلا المتخاصمين غائباً ووكيله لم يحسن أن يدلي بحجّـتـه . ومصطلحات أنظمة العرف القبلي ، يجهلها كثير من باحثي اليوم ، لكنها لا تزال راسخة في أذهان كبار السن من أبناء القبائل . و أنظمة العرف القبلي لها مشرّعون وهم شيوخ قبائل كبار ومعروفون . وهؤلاء إذا حكموا في واقعة ، ولم تقنع أحد الطرفين، فإنها تعرض على الخبراء، ويسمى ذلك (بالسومة)، فإن رأوا أنها صائبة أجازوها ، وإلا تمَّ تعديلها . تشابه محاكم الاستئناف والنقض ، و الحكم عادة يكون اما حكم رضى او حكم شدايد : و حكم الرضى يجبر المتنازعين على قبول ما يحكم به اهل العرف, و حكم الشدايد يرون فيه رأي القبائل الأخرى في الحكم و هل يواسونهم عليه أم لا ، وهي أمور تحتمل مجلدات .. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسـلّم ، وآخــــر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...

======حـاشــيـة :

(*)المحماس( المحماسة \ المحماصة ، بالسين او الصاد لهجتان صحيحتان ) : هو وعاء من الحديد مدور ومقعّـر له ذراع يمسك بها وتوضع فيه حبوب القهوة لتحميصها على النار .يد المحماصة او المحماسة وهى عتلة من حديد طويله تحرك وتقلب بها حبوب البن عند وضعها فى المحماس لكى يتم تحميصها بصورة جيدة .
(1)الوغث والوغيث كلمة بدوية ذات أرومة فصحى ، تعني الفاسد الرديء والمهزول ، وهنا بمعنى المجرم !! وفي بعض اللهجات (وغيف)بالفاء ، إذ تتعاور الفاء والثاء في بعض المفردات ، مثل (( وفومـهــا....))بالقرآن الكريم ..
(2)المنتَظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي 1\415 وتاريخ الامم والملوك لابي جعفر الطبري 1\566 .
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -
    news-releaseswoman