الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
بكت عيني اليسرى فلما زجرتهـا = = = عن الجهل بعد الحلم أسبلتـا معـا
قفا وَدِّعا نجداً ومن حـل بالحمـى = = = وقـلَّ لنجـــدٍ عندنـا أن يُـوَدَّعـــــا.
أفاطم ابكي ولا تســــــــأمى =* = بصبحكِ ما طلــع الكـوكـبُ
هو المرء يبكى وحق البكاء = * = هـو الماجـدُ السـيدُ الطيبُ
تَبْكي عليكَ نجومَ الليلِ والقَمرا = = =الشمسُ طالعةٌ ليست بكاسـفةٍ
بَكَتْ عيني، وحقَّ لها بُكاها،= = = وما يُغْني البُكاءُ ولا العَـويــلُ
على أَسَد الإلهِ غَداةَ قالـــوا:= = = أَحَمْزَةُ ذاكم الرجلُ القتيـــــلُ ؟
أُصِيبَ المسلمون به جميعاً = = =هناك، وقد أُصيب به الرســولُ
أَبا يَعْـلى لك الأَركـانُ هُـدَّتْ،= = = وأَنتَ الماجدُ البـَرُّ الوَصــــولُ
عليك سلامُ ربِّـك في جِنـــانٍ،= = = مُخالطُهـــــــــــا نَعيمٌ لا يزولُ
دَفَعْتُ بك الخُطوبَ وأَنت حيٌّ، = = = فمن ذا يَدْفَعُ الخَطْبَ الجَليلا؟
إذا قَبُحَ البُكــاء على قَتيـل، = = = رأَيتُ بكاءَك الحَسَـــنَ الجميلا
والبكاء هو مظهر من مظاهر انفعال النفس الإنسانية كما إنه تصرُّفُ فطرةٍ بشريّةٍ صادقة يعتري النفس الانسانية في لحظة صدق وضعف ، فالمرء عند الضعف يكون صادقا في التعبير عن انفعالاته ..؛أما التباكي ( تفاعل ) فهو تكلّف البكاء زورا ونفاقا ، لغاية ما كالبكاء على أصحاب المناصب وذويهم ! وليأذنْ لي القارئ الكريم أن أدعوه " البكاء الليبرالي " فهو مزيف ينضح بالرياء من ألفِـهِ الى يائِـهِ .مثله مثل الليبرالية !
خليل بن ايبك الصفدي ، وأبكتني رسالة منه ( أي من والدي رحمه الله ) بعثها اليَّ بُعـيـدَ سفري مغتربـاً الى الخليج مطلع التسعينات من القرن الماضي ، وكان مشهورا بالبلاغة والفصاحة يقول في مطلعها : " يا يوسف الفراق اعلم أني يعقوب الاشتياق " ففاضت دموعي علانية رغم عني ، وحاولت ان أكفكفها ولم افلح ، وقرأ زملائي الرسالة يومها وشاركني بعضهم في أحزاني باستذكار أبي !!!
وهنا أسجل الفرق بين الباكي والمتباكي في ذاكرة القارئ المحترم ، الفرق بين الانفعال التلقائي العفوي البريء ، وبين المتكلَّف الصناعي الكاذب غالبا ، ولذلك قالوا : " ليست النائحةُ كالثكلى " ولعل الاسلام حرم النياحة من هذا الباب لخلوّها من الصدق ، وشيوع الكذب فيها ، كما حـرّم شق الجيوب ولطم الخدود ومظاهر التفجع المزيّـفـة غير المتحضرة ، وكان اغلبها شائعا في الجاهلية ومما يُستملح لابي الطيب المتنبي :
إذا اشتبكت دموعٌ في خدود ٍ.=.= =. تَبَـيَّـن مَنْ بكى ممن تباكى
فِدًى لكَ مَن يُقَصّرُ عَن مَداكــا= = = فَلا مَلِكٌ إذَنْ إلاّ فَدَاكَــــا
وَلَوْ قُلْنا فِدًى لكَ مَن يُساوي = = = دَعَوْنَا بالبَقَاءِ لِمَنْ قَلاكَــا
البكاء جلاء للهموم والتماس للراحة ورقة للقلب ونقاوة للنفس وهو بالنهاية ملجأ كل مصاب يسلو إليه ويرى عزاءه فيه .. فالبكاء المخرج الأفضل لكل التوترات النفسية والإنفعالات ..
ويقول الدكتور سمير جمال (طبيب عيون) :- لا يشكل البكاء غسولاً للعين فقط وإنما للنفس أيضا ولفهم فوائد البكاء بتفصيل أكبر لابد من التحدث قليلاً عن ماهية الدمع ووظائفه حيث إنه يشكل المادة الأساسية للبكاء وهو سائل كالبلازما الدموية (المصورة) دون وجود كريات دم وهو غني بالبوتاسيوم ( أربعة أضعاف تركيزه في الدم ) ويحتوي على عناصر مناعية دفاعية وهي الجلوبولينات المناعية وخاصة Iga (200 ملغ/ل) وكذلك Igm وige ودورها معروف في الدفاع عن الجسم ضد الأخطار الخارجية كالجراثيم والفيروسات وكذلك على خميرة انزيم الليزوزيم (15 جرام/لتر) وهي خميرة ذات قدرة كبيرة مضادة للبكتيريا وذلك بحلها للغلاف الخلوي لبعض الجراثيم «موجبة الجرام» لاحتوائها على مورامينيدايز ..وتكلم الاطباء كثيرا في دموع سيدنا يعقوب على ولده سيدنا يوسُف عليهما وعلى نبينا افضل الصلوات واتم التسليم !!
وقد قام العلماء بتحليل الدموع وجدوا أنها تحتوي على 25% من البروتين وجزء من المعادن خاصة المغنيسيوم وهي مواد سامة يتخلص منها الإنسان عند البكاء كما تبين في أحد البحوث للدكتور وليم فراي بإنجلترا عن الدموع أن المرأة تبكي 65 مرة في العام بينما يبكي الرجل 15 مرة ولكنهما أي الرجل والمرأة يبكيان في وقت واحد عند الخروج من رحم الأم ويربت عليهما الطبيب ليدفعهما إلى البكاء سواء أرادا أم لا، فما سر البكاء والدموع ؟
(أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) (ســـورة مريم \ 58) ،،، وعن أبى معشر قال : رأيت عون بن عبد الله في مجلس أبى حازم يبكى ويمسح وجهه بدموعه فقيل له لم تمسح وجهك بدموعك ؟ قال : بلغني أنه لا تصيب دموع الإنسان مكانا من جسده إلا حرم الله عز وجل ذلك المكان على النار .
وقد عوتب يزيد الرقاشى على كثرة بكائه، وقيل له: لو كانت النار خُلِقتْ لك ما زدت على هذا ؟! قال: وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن و الإنس؟؟ . والتباكي ليس فيه من هذه الآثار والثمرات شيء ...وهناك فئة في تاريخ أسلافنا ونقرؤها في أدبيات الصوفيين الصالحين يُدعون بالكائين ..وختاما للبحث هذه طائفة من الهدي النبوي عن البكاء من خشية الله ، أقصدُ البكاء من أجل هدف استشعاراً وتبياناً لمراقبة الله تعالى للمؤمن الساعي الى مقام الاحسان ، والسائر في مدارج السالكين نحو مقام المشاهدة والمراقبة ، انطلاقا من قولهم : الله معي ، الله ناظرٌ إليّ ( فلا أجعله أهون الناظرين إليّ ) :
7 - عن أنس رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً " ، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ، وفي رواية : بلَغَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال : " عرضت عليَّ الجنة والنار فلم أرَ كاليوم من الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً " فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه ، غطوا رؤوسهم ولهم خنين " . رواه الامام البخاري ( 4345 ) ، والامام مسلم ( 2359 ). والخنين البكاء ذو الصوت العالي ، وصلى الله على سيدنا محمد معلم الناس الخير وآله وصحبه والتابعين ومقلديهم باحسان الى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين ...
- الصمة بن عبد الله بن الطفيل القشيري شاعر إسلامي بدوي من شعراء بني أمية. قيل أنه هوي امرأة من قومه من بني عمه يقال لها العامرية بنت عطيف وقيل اسمها " رَيّـا " وقيل بل ريّـا اسم كان يكني به عن ابنة عمه هذه ، التي خطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه إياها، وخطبها عامر بن بشر الجعفري فزوجه إياها، فلما بنى بها زوجها وجد بها وجدا شديدا، فزوَّجَه ُ أهله امرأة منهم يقال لها جبرة، فأقام معها يسيرا ثم رحل إلى الشام غضبا على قومه وله أشعار في محبوبته غزلا ، وفي قومه توبيخا وهجاءً . وما استشهدنا به أعلاه مطلع قصيدة له تُعَـدُّ من عيون الشعر العربي .
- ينظر :الوافي بالوفيات للصفدي. وذكر وفاته في سنة 95 هـ وكتاب قول على قول لحسن سعيد الكرمي.
أكتب تعليقك هتا