كيف نرد على الجهلاء الذين يشككون في القيمة والعظمة الإسلامية للمسجد الأقصى في بيت المقدس؟

وكالة البيارق الإعلامية المسجد الأقصى أحد أكبر مساجد العالم وأحد المساجد الثلاثة التي يشد المسلمون الرحال إليها، كما قال الرسول النبي محمد؛ وهو أيضًا أول القبلتين في الإسلام. يقع داخل البلدة القديمة بالقدس في فلسطين.  وهو كامل المنطقة المحاطة بالسور واسم لكل ما هو داخل سور المسجد الأقصى الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة المسورة.  تبلغ مساحته قرابة 144000 متر مربع، ويشمل قبة الصخرة والمسجد القِبْلي والمصلى المرواني ومصلى باب الرحمة، وعدة معالم أخرى يصل عددها إلى 200 معلم. ويقع المسجد الأقصى فوق هضبة صغيرة تُسمى «هضبة موريا»، وتعد الصخرة أعلى نقطة فيه، وتقع في قلبه.  ذُكر المسجد الأقصى في القرآن: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . وكثرت في الأونة الأخيرة أقاويل المرجفين في الأرض ،وظهرت بشكل جلي أحقادهم على الدين الإسلامي ،ووصلت حد التشكيك بوجود المسجد الأقصى في بيت المقدس بفلسطين المحتلة.  وللرد على هؤلاء نجيبهم بالتالي:    أولا :  الهيكل هو المعبد ، وأن ما يسميه اليهود بـ "هيكل سليمان" لا حقيقة له ، وإنما هو خرافة وأكذوبة من أكاذيب اليهود . وأن المعبد الذي ثبت أن سليمان عليه السلام بناه فعلاً هو المسجد الأقصى ، وكان بناؤه له تجديدا لبنائه ، ولم يكن إنشاءً له لأول مرة . ثانيا : أول مسجد بني على وجه الأرض لعبادة الله تعالى وحده هو المسجد الحرام ، كما قال تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) آل عمران/96 ، قال علي رضي الله عنه : كانت البيوت قبله، ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله تعالى . " تفسير ابن كثير ".  ثم بعده بأربعين سنة بنى إبراهيم ، أو حفيده يعقوب عليهما السلام المسجد الأقصى . وقد أخبرنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه البخاري ، ومسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ، قَالَ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ : أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ) ، قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى ) قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : ( أَرْبَعُونَ سَنَةً ) " .  يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله : " الظاهر أن إبراهيم لما مر ببلاد الشام ، ووعده الله أن يورث تلك الأرض نسله ، عيَّن الله له الموضع الذي سيكون به أكبر مسجد تبنيه ذريته ، فأقام هنالك مسجدا صغيرا ، شكرا لله تعالى ، وجعله على الصخرة المجعولة مذبحا للقربان . وهي الصخرة التي بنى سليمان عليها المسجد ، فلما كان أهل ذلك البلد يومئذ مشركين دثر ذلك البناء ، حتى هدى الله سليمان إلى إقامة المسجد الأقصى عليه . وهذا من العلم الذي أهملته كتب اليهود " ..  وقال ابن كثير رحمه الله : "وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ : أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الَّذِي أَسَّسَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى ، وَهُوَ مَسْجِدُ إِيلِيَا، وَهُوَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ شَرَّفَهُ اللَّهُ .  وَهَذَا مُتَّجِهٌ ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْحَدِيثِ". وغني عن البيان أن يقال : إن هذا المسجد (المسجد الأقصى) لم يُبْنَ على أنه معبد خاص باليهود ، بل بُنِيَ مسجدا للمؤمنين الموحدين ، يعبدون الله تعالى فيه .  فالمؤمنون أتباع الأنبياء في كل عصر : هم الأحق بهذا المسجد ، حتى انتهت الرسالة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، فصار هو الأحق بهذا المسجد ، لأنه لا يصح إيمان أحد ، ولا يعتد به ، بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ، إلا إذا آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، نبيا ورسولا ، واتبعه على ذلك .  وقد صلى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إماما بالأنبياء جميعا في هذا المسجد ، وذلك ليلة الإسراء والمعراج . وفي هذا إشارة إلى أن قيادة البشرية إلى التوحيد والدين الصحيح ، قد انتقلت إليه صلى الله عليه وسلم ، وأن الواجب على جميع الناس – بمن فيهم أتباع الأنبياء السابقين – أن يكونوا من أتباعه صلى الله عليه وسلم ، فصار هو الأحق بهذا المسجد ، وورث أتباعه هذه الأحقية إلى قيام الساعة .  ثالثا : القول بأنه لا يوجد مسجد قبل الإسلام ، قول باطل بلا شك ، فالإسلام (بمعنى توحيد الله وطاعته) هو دين الأنبياء جميعا ، والبناء الذي يبنى للسجود لله تعالى فيه ، والتعبد فيه : هو مسجد ، وهذه التسمية كانت معروفة قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .  فهذا المسجد المبارك لم يًبْنَ ، أولَ ما بُني ، لخصوصية الديانة اليهودية ، ولم يُسمَّ في جميع النصوص القرآنية والنبوية باسم دور عبادة اليهود " الصلوات "، رغم ورودها في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) الحج/40. قال ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة في معنى (الصلوات): إنها كنائس اليهود .  قال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله : " الصلوات : جمع صلاة ، وهي هنا مراد بها كنائس اليهود ، معربة عن كلمة ( صلوثا )، فلما عُرِّبت : جعلوا مكان الثاءِ تاءً، وجمعوها كذلك " انتهى من " التحرير والتنوير " .  فما يسميه القرآن الكريم ( مسجدا ) لا يمكن أن يكون بِيعةً نصرانية ، أو كنيسا يهوديا ، بل هو مسجد في مصطلح ديانة الإسلام الأولى ، ملةِ إبراهيم الخليل عليه السلام .  ولما ورثه اليهود والنصارى من ملة التوحيد ، بقي على وصف ( المسجدية )، ولم ينتقل إلى كونه معبدا خاصا بعبادة هاتين الديانتين. حتى في عهود الأنبياء الكرام موسى وسليمان وعيسى... وغيرهم ، كان يسمى مسجدا؛ فليس من حق أتباع هؤلاء الأنبياء مصادرة هذا الوصف المسجدي الأصلي الأول .  لذلك جاء في حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَجَمَعَ يَحْيَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ ، فَقُعِدَ عَلَى الشُّرَفِ ) رواه الإمام أحمد في " المسند " (28/404) وصححه المحققون . وأيضا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ اللهَ ثَلَاثًا ، أَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ ، وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَهُ الثَّالِثَةُ : فَسَأَلَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ ، فَأَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ . وَسَأَلَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ . وَسَأَلَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ [المسجد الأقصى] خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ . فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ) رواه الإمام أحمد في " المسند " .  وقد قال الله عز وجل حاكيا عن أهل الكهف : ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) .  يقول الألوسي رحمه الله : " وظاهر ما تقدم أن المسجد اتُّخِذ لأن يعبد اللهَ تعالى فيه من شاء " انتهى من " روح المعاني " . وقد كان أهل الكهف -على ما ذكره بعض المفسرين- نصارى . وجاء في " المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ": " المسجد : من الألفاظ المعروفة عند الجاهليين ، وهو البيت الذي يسجد فيه ، وكل موضع يتعبد فيه ، فهو مسجد " .  وذلك يعني أنه ليس ثمة أي خطأ في تسمية " المسجد الأقصى " قبل البعثة النبوية باسم " المسجد "؛ وهو الاسم الذي سماه الله به في قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1، ولما نزلت هذه الآية لم يعترض المشركون ، ولم يقولوا : لا نعرف المسجد الأقصى، ولم ينكروا هذا الاسم ، مما يدل على أن هذه التسمية كانت معروفة عندهم .  وبهذا نعلم أن المسجد الأقصى هو الاسم والمسمى الخالد إلى يوم القيامة بإذن الله ، وهو في الوقت نفسه الاسم التاريخي الذي سماه به الأنبياء . رابعا : أما القول بأن كل من كان موجودا في عهد سليمان عليه السلام فهو يهودي ، فهو قول لا يقل في البطلان عن سابقه . فالشريعة اليهودية ليست دينا عاما لكل البشر ، بل هي شريعة خاصة بجنس خاص من البشر ، وهم ذرية يعقوب عليه السلام .  ومنذ أن وجد يعقوب عليه السلام كان يوجد معه أجناس أخرى من البشر ، من العرب وغيرهم ، واستمر الأمر على هذا في جميع الأزمان ، في زمن يوسف ثم موسى ثم داود وسليمان ... ثم عيسى .  ففي كل هذه الأزمان كان يوجد الموحدون من غير اليهود . وذلك كله من مسلمات الشريعة اليهودية التي تقرر خصوصية الديانة وليس عالميتها ، وتسلم بأن كثيرا من الأمم والأقوام من حول اليهود كانوا من الموحدين على ملة إبراهيم ، ولم يبعث إليهم موسى عليه السلام باليهودية .  ولكن المكابرة تجعل الإنسان ينكر المسلمات والحقائق ، ويجور في الحكم ، ليستر الاحتلال والقتل والغصب ، ويروج للمشروع الصهيوني الإرهابي باسم الدين ، أو التاريخ !! خامسا : أما مملكة يهوذا ، ومملكة إسرائيل ؛ فبعد وفاة سليمان عليه السلام اختلف أولاده ، فانقسمت مملكته إلى مملكتين ، على كل مملكة أحد أبناء سليمان عليه السلام . الأولى في الشمال ، وهي "مملكة إسرائيل" ، وتسمى أيضا : "مملكة السامرة" وعاصمتها "شكيم" (نابلس) ، وملكها "يربعام" وقد بايعه أسباط بني إسرائيل ، إلا يهوذا وبنيامين .  والثانية في الجنوب وهي "مملكة يهوذا" وعاصمتها "أورشليم" [القدس] وملكها "رصبعام" ، وقد بايعه سبطان من أسباط بني إسرائيل . وهما : يهوذا وبنيامين . وقد دمرت وانتهت مملكة الشمال "إسرائيل" ، وذلك في عام 721 ق . م .  وفي عام 586 ق . م دخل القائد البابلي "نبوخذ نصر" (بختنصر) القدس ودمرها ، ودمر الهيكل وأحرقه ، وأخذ معه آلافا من اليهود وسباهم إلى بابل ، فيما عرف في التاريخ بالسبي البابلي الأول ، ثم عاد إليها ودمرها مرة أخرى ، فيما عرف بالسبي البابلي الثاني ، وبه انتهت مملكة يهوذا . ويسعى اليهود إلى استعادة مملكتهم وإعادة بناء الهيكل .  ورد في " دائرة المعارف البريطانية " طبعة 1926 م : " أن اليهود يتطلعون إلى اجتماع الشعب اليهودي في فلسطين ، واستعادة الدولة اليهودية ، وإعادة بناء الهيكل وإقامة عرش داود في القدس ثانية وعليه أمير من نسل داود " انتهى  سادسا : أما ضلال اليهود وتحريفهم للتوراة ، رغم مجيء الكثير من الأنبياء إليهم : فذلك أمر واقع لا يخفى ؛ فقد ارتدوا عن التوحيد إلى الشرك بعد موت موسى عليه السلام عدة مرات ، وقد كان الله تعالى يبعث إليهم النبي من أنبيائه ، ليحيي شريعة التوراة ، ويقودهم إلى التوحيد ، ولكنهم كانوا – في الغالب – يكذبون هؤلاء الأنبياء ويحاربونهم ، وقد قتلوا بعضهم ، قال الله تعالى : (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) البقرة/ 87.  وقد حرفوا كتابهم وزادوا فيه ونقصوا .

وكالة البيارق الإعلامية

المسجد الأقصى أحد أكبر مساجد العالم وأحد المساجد الثلاثة التي يشد المسلمون الرحال إليها، كما قال الرسول النبي محمد؛ وهو أيضًا أول القبلتين في الإسلام. يقع داخل البلدة القديمة بالقدس في فلسطين. 

وهو كامل المنطقة المحاطة بالسور واسم لكل ما هو داخل سور المسجد الأقصى الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة المسورة.

تبلغ مساحته قرابة 144000 متر مربع، ويشمل قبة الصخرة والمسجد القِبْلي والمصلى المرواني ومصلى باب الرحمة، وعدة معالم أخرى يصل عددها إلى 200 معلم. ويقع المسجد الأقصى فوق هضبة صغيرة تُسمى «هضبة موريا»، وتعد الصخرة أعلى نقطة فيه، وتقع في قلبه.

ذُكر المسجد الأقصى في القرآن: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

وكثرت في الأونة الأخيرة أقاويل المرجفين في الأرض ،وظهرت بشكل جلي أحقادهم على الدين الإسلامي ،ووصلت حد التشكيك بوجود المسجد الأقصى في بيت المقدس بفلسطين المحتلة.

وللرد على هؤلاء نجيبهم بالتالي:


أولا :

 الهيكل هو المعبد ، وأن ما يسميه اليهود بـ "هيكل سليمان" لا حقيقة له ، وإنما هو خرافة وأكذوبة من أكاذيب اليهود .
وأن المعبد الذي ثبت أن سليمان عليه السلام بناه فعلاً هو المسجد الأقصى ، وكان بناؤه له تجديدا لبنائه ، ولم يكن إنشاءً له لأول مرة .

ثانيا :

أول مسجد بني على وجه الأرض لعبادة الله تعالى وحده هو المسجد الحرام ، كما قال تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) آل عمران/96 ، قال علي رضي الله عنه : كانت البيوت قبله، ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله تعالى . " تفسير ابن كثير ".

ثم بعده بأربعين سنة بنى إبراهيم ، أو حفيده يعقوب عليهما السلام المسجد الأقصى .

وقد أخبرنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه البخاري ، ومسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ، قَالَ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ : أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ) ، قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى ) قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : ( أَرْبَعُونَ سَنَةً ) " .

يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :

" الظاهر أن إبراهيم لما مر ببلاد الشام ، ووعده الله أن يورث تلك الأرض نسله ، عيَّن الله له الموضع الذي سيكون به أكبر مسجد تبنيه ذريته ، فأقام هنالك مسجدا صغيرا ، شكرا لله تعالى ، وجعله على الصخرة المجعولة مذبحا للقربان . وهي الصخرة التي بنى سليمان عليها المسجد ، فلما كان أهل ذلك البلد يومئذ مشركين دثر ذلك البناء ، حتى هدى الله سليمان إلى إقامة المسجد الأقصى عليه . وهذا من العلم الذي أهملته كتب اليهود " ..

وقال ابن كثير رحمه الله :

"وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ : أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الَّذِي أَسَّسَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى ، وَهُوَ مَسْجِدُ إِيلِيَا، وَهُوَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ شَرَّفَهُ اللَّهُ .

وَهَذَا مُتَّجِهٌ ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْحَدِيثِ".

وغني عن البيان أن يقال : إن هذا المسجد (المسجد الأقصى) لم يُبْنَ على أنه معبد خاص باليهود ، بل بُنِيَ مسجدا للمؤمنين الموحدين ، يعبدون الله تعالى فيه .

فالمؤمنون أتباع الأنبياء في كل عصر : هم الأحق بهذا المسجد ، حتى انتهت الرسالة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، فصار هو الأحق بهذا المسجد ، لأنه لا يصح إيمان أحد ، ولا يعتد به ، بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ، إلا إذا آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، نبيا ورسولا ، واتبعه على ذلك .

وقد صلى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إماما بالأنبياء جميعا في هذا المسجد ، وذلك ليلة الإسراء والمعراج .

وفي هذا إشارة إلى أن قيادة البشرية إلى التوحيد والدين الصحيح ، قد انتقلت إليه صلى الله عليه وسلم ، وأن الواجب على جميع الناس – بمن فيهم أتباع الأنبياء السابقين – أن يكونوا من أتباعه صلى الله عليه وسلم ، فصار هو الأحق بهذا المسجد ، وورث أتباعه هذه الأحقية إلى قيام الساعة .

ثالثا :

القول بأنه لا يوجد مسجد قبل الإسلام ، قول باطل بلا شك ، فالإسلام (بمعنى توحيد الله وطاعته) هو دين الأنبياء جميعا ، والبناء الذي يبنى للسجود لله تعالى فيه ، والتعبد فيه : هو مسجد ، وهذه التسمية كانت معروفة قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

فهذا المسجد المبارك لم يًبْنَ ، أولَ ما بُني ، لخصوصية الديانة اليهودية ، ولم يُسمَّ في جميع النصوص القرآنية والنبوية باسم دور عبادة اليهود " الصلوات "، رغم ورودها في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) الحج/40.

قال ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة في معنى (الصلوات): إنها كنائس اليهود .

قال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :

" الصلوات : جمع صلاة ، وهي هنا مراد بها كنائس اليهود ، معربة عن كلمة ( صلوثا )، فلما عُرِّبت : جعلوا مكان الثاءِ تاءً، وجمعوها كذلك " انتهى من " التحرير والتنوير " .

فما يسميه القرآن الكريم ( مسجدا ) لا يمكن أن يكون بِيعةً نصرانية ، أو كنيسا يهوديا ، بل هو مسجد في مصطلح ديانة الإسلام الأولى ، ملةِ إبراهيم الخليل عليه السلام . 
ولما ورثه اليهود والنصارى من ملة التوحيد ، بقي على وصف ( المسجدية )، ولم ينتقل إلى كونه معبدا خاصا بعبادة هاتين الديانتين.

حتى في عهود الأنبياء الكرام موسى وسليمان وعيسى... وغيرهم ، كان يسمى مسجدا؛ فليس من حق أتباع هؤلاء الأنبياء مصادرة هذا الوصف المسجدي الأصلي الأول .

لذلك جاء في حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَجَمَعَ يَحْيَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ ، فَقُعِدَ عَلَى الشُّرَفِ ) رواه الإمام أحمد في " المسند " (28/404) وصححه المحققون .

وأيضا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ اللهَ ثَلَاثًا ، أَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ ، وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَهُ الثَّالِثَةُ : فَسَأَلَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ ، فَأَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ . وَسَأَلَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ . وَسَأَلَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ [المسجد الأقصى] خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ . فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ) رواه الإمام أحمد في " المسند " .

وقد قال الله عز وجل حاكيا عن أهل الكهف : ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) .

يقول الألوسي رحمه الله : " وظاهر ما تقدم أن المسجد اتُّخِذ لأن يعبد اللهَ تعالى فيه من شاء " انتهى من " روح المعاني " .
وقد كان أهل الكهف -على ما ذكره بعض المفسرين- نصارى .

وجاء في " المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ": " المسجد : من الألفاظ المعروفة عند الجاهليين ، وهو البيت الذي يسجد فيه ، وكل موضع يتعبد فيه ، فهو مسجد " .

وذلك يعني أنه ليس ثمة أي خطأ في تسمية " المسجد الأقصى " قبل البعثة النبوية باسم " المسجد "؛ وهو الاسم الذي سماه الله به في قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1، ولما نزلت هذه الآية لم يعترض المشركون ، ولم يقولوا : لا نعرف المسجد الأقصى، ولم ينكروا هذا الاسم ، مما يدل على أن هذه التسمية كانت معروفة عندهم .

وبهذا نعلم أن المسجد الأقصى هو الاسم والمسمى الخالد إلى يوم القيامة بإذن الله ، وهو في الوقت نفسه الاسم التاريخي الذي سماه به الأنبياء .

رابعا :

أما القول بأن كل من كان موجودا في عهد سليمان عليه السلام فهو يهودي ، فهو قول لا يقل في البطلان عن سابقه .

فالشريعة اليهودية ليست دينا عاما لكل البشر ، بل هي شريعة خاصة بجنس خاص من البشر ، وهم ذرية يعقوب عليه السلام .

ومنذ أن وجد يعقوب عليه السلام كان يوجد معه أجناس أخرى من البشر ، من العرب وغيرهم ، واستمر الأمر على هذا في جميع الأزمان ، في زمن يوسف ثم موسى ثم داود وسليمان ... ثم عيسى .

ففي كل هذه الأزمان كان يوجد الموحدون من غير اليهود .

وذلك كله من مسلمات الشريعة اليهودية التي تقرر خصوصية الديانة وليس عالميتها ، وتسلم بأن كثيرا من الأمم والأقوام من حول اليهود كانوا من الموحدين على ملة إبراهيم ، ولم يبعث إليهم موسى عليه السلام باليهودية .

ولكن المكابرة تجعل الإنسان ينكر المسلمات والحقائق ، ويجور في الحكم ، ليستر الاحتلال والقتل والغصب ، ويروج للمشروع الصهيوني الإرهابي باسم الدين ، أو التاريخ !!

خامسا :

أما مملكة يهوذا ، ومملكة إسرائيل ؛ فبعد وفاة سليمان عليه السلام اختلف أولاده ، فانقسمت مملكته إلى مملكتين ، على كل مملكة أحد أبناء سليمان عليه السلام .

الأولى في الشمال ، وهي "مملكة إسرائيل" ، وتسمى أيضا : "مملكة السامرة" وعاصمتها "شكيم" (نابلس) ، وملكها "يربعام" وقد بايعه أسباط بني إسرائيل ، إلا يهوذا وبنيامين .

والثانية في الجنوب وهي "مملكة يهوذا" وعاصمتها "أورشليم" [القدس] وملكها "رصبعام" ، وقد بايعه سبطان من أسباط بني إسرائيل . وهما : يهوذا وبنيامين .

وقد دمرت وانتهت مملكة الشمال "إسرائيل" ، وذلك في عام 721 ق . م .

وفي عام 586 ق . م دخل القائد البابلي "نبوخذ نصر" (بختنصر) القدس ودمرها ، ودمر الهيكل وأحرقه ، وأخذ معه آلافا من اليهود وسباهم إلى بابل ، فيما عرف في التاريخ بالسبي البابلي الأول ، ثم عاد إليها ودمرها مرة أخرى ، فيما عرف بالسبي البابلي الثاني ، وبه انتهت مملكة يهوذا .

ويسعى اليهود إلى استعادة مملكتهم وإعادة بناء الهيكل .

ورد في " دائرة المعارف البريطانية " طبعة 1926 م : " أن اليهود يتطلعون إلى اجتماع الشعب اليهودي في فلسطين ، واستعادة الدولة اليهودية ، وإعادة بناء الهيكل وإقامة عرش داود في القدس ثانية وعليه أمير من نسل داود " انتهى 

سادسا :

أما ضلال اليهود وتحريفهم للتوراة ، رغم مجيء الكثير من الأنبياء إليهم : فذلك أمر واقع لا يخفى ؛ فقد ارتدوا عن التوحيد إلى الشرك بعد موت موسى عليه السلام عدة مرات ، وقد كان الله تعالى يبعث إليهم النبي من أنبيائه ، ليحيي شريعة التوراة ، ويقودهم إلى التوحيد ، ولكنهم كانوا – في الغالب – يكذبون هؤلاء الأنبياء ويحاربونهم ، وقد قتلوا بعضهم ، قال الله تعالى : (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) البقرة/ 87.

وقد حرفوا كتابهم وزادوا فيه ونقصوا .
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -
    news-releaseswoman