شرح حديث إن الله تعالى أعطى نبيه ليلة الإسراء أن يغفر لمن لم يشرك بالله شيئا المقحمات

وكالة البيارق الإعلامية عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ : " لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ ، فَيُقْبَضُ مِنْهَا ، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا ، قَالَ : ( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ) [ النجم: 16] ، قَالَ : فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ ، قَالَ : فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا : أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا ، الْمُقْحِمَاتُ ) رواه مسلم .  و( الْمُقْحِمَاتُ ) : الذنوب العظام الكبائر ، التي تهلك أصحابها وتوردهم النار ، وتقحمهم إياها والتقحم الوقوع في المهالك . انتهى من " شرح صحيح مسلم للنووي ".  ووجه الإشكال في هذا الحديث : أنّ ظاهره يفيد ؛ أنّ كل من مات وهو موحد لله تعالى فهو مغفور له وإن كانت عنده كبائر من الذنوب.  وظاهر ذلك أيضا : أن هذه المغفرة ليست مقيدة بتوبتهم من هذه المقحمات ، بل الذي يشترط لها : ألا يشرك بالله شيئا .  وهذا يقتضي أنه لا يدخل النار أحد من الموحدين لله تعالى . وهذا المفهوم يعارض ما ثبت بالسنة المتواترة والإجماع أنّ أصنافا من الموحدين يدخلون النار بسبب ارتكابهم لبعض الذنوب .  قال النووي رحمه الله تعالى : " فقد تقررت نصوص الشرع ، وإجماع أهل السنة : على إثبات عذاب بعض العصاة من الموحدين " انتهى من " شرح صحيح مسلم" .  ولرفع هذا التعارض ذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بالغفران هو عدم الخلود في النار . وجعلوا دلالة هذا الحديث مطابقة للنصوص التي فيها خروج أهل التوحيد من النار بعد دخولهم فيها .  كحديث أنس بن مالك عن الشفاعة ؛ وفيه أن الله تعالى يقول : ( وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) رواه البخاري، ومسلم . لكن هذا الاحتمال بعيد ؛ لأن سياق الحديث يثبت أن هذا الأمر من خصائص هذه الأمة ، وعدم الخلود في النار لأهل المعاصي من المؤمنين ليس خاصا بهذه الأمة .  قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى : " وأبعد من قال : أراد بغفرانها أن لا يخلد أحد منهم في النار ، لا أن لا يعذب أصلا ؛ إذ فيه أنه لا خصوصية حينئذ ، قطعا " انتهى من " شرح الشفا ".  وذهب بعض أهل العلم إلى أن المقصود به بعض الموحدين وليس كلهم . قال النووي رحمه الله تعالى : " ويحتمل أن يكون المراد بهذا خصوصا من الأمة ، أي يغفر لبعض الأمة المقحمات ، وهذا يظهر على مذهب من يقول إن لفظة " من " لا تقتضي العموم مطلقا ، وعلى مذهب من يقول لا تقتضيه في الأخبار ، وإن اقتضته في الأمر والنهي ، ويمكن تصحيحه على المذهب المختار وهو كونها للعموم مطلقا ، لأنه قد قام دليل على إرادة الخصوص ، وهو ما ذكرناه من النصوص والإجماع . والله أعلم " انتهى من " شرح صحيح مسلم ".  وقد أشار عدد من أهل العلم إلى هذا ؛ أي عدم عموم هذا الحديث ، وإنما هو متعلق بمشيئة الله تعالى ، ومما استدلوا به قول الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء /48.  قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى : " ( وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ شَيْئًا ) أي من الشرك ( مِنْ أُمَّتِهِ ، الْمُقْحِمَاتُ ) أي السيئات المهلكات أهلها ، ولو من غير توبة .  وفيه إشارة إلى أنه من خصوصيات هذه الأمة المرحومة ، ببركة نبي الرحمة ، لكنه مع هذا تحت المشيئة ، ومختص بمن تعلقت به الإرادة لقوله تعالى : ( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) فاندفع ما أورده الدلجي من وجه الإشكال بقوله : يفيد ظاهره العموم ، فيلزم أنه لا يعذب أحد مع الإجماع على تعذيب بعض عصاة المؤمنين أي من هذه الأمة وإلا فلا إشكال " .  وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإثيوبي : " عندي أن ما تقدم في كلام النووي رحمه الله من حمل "من" على الخصوص للأدلة المقتضية لذلك هو الأولى ، جمعا بين الأدلة . والحاصل أن المراد بالأمة بعضهم ، فيغفر الله تعالى لبعض الأمة جميع ذنوبهم ؛ صغائرها وكبائرها ما عدا الشرك ، قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) ، فبعض الأمة هم الذين شاء الله تعالى أن يغفر ذنوبهم جميعها . فتبصر . والله تعالى أعلم " انتهى من " ذخيرة العقبى " .  فالحاصل ؛ أن أهل التوحيد من هذه الأمة اختصوا بأنّ منهم من تغفر له كبائر ذنوبه ، لكن هذا راجع إلى مشيئة الله تعالى . والله أعلم .

وكالة البيارق الإعلامية

عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ : " لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ ، فَيُقْبَضُ مِنْهَا ، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا ، قَالَ : ( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ) [ النجم: 16] ، قَالَ : فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ ، قَالَ : فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا : أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا ، الْمُقْحِمَاتُ ) رواه مسلم .

و( الْمُقْحِمَاتُ ) : الذنوب العظام الكبائر ، التي تهلك أصحابها وتوردهم النار ، وتقحمهم إياها والتقحم الوقوع في المهالك . انتهى من " شرح صحيح مسلم للنووي ".

ووجه الإشكال في هذا الحديث : أنّ ظاهره يفيد ؛ أنّ كل من مات وهو موحد لله تعالى فهو مغفور له وإن كانت عنده كبائر من الذنوب.

وظاهر ذلك أيضا : أن هذه المغفرة ليست مقيدة بتوبتهم من هذه المقحمات ، بل الذي يشترط لها : ألا يشرك بالله شيئا .

وهذا يقتضي أنه لا يدخل النار أحد من الموحدين لله تعالى .

وهذا المفهوم يعارض ما ثبت بالسنة المتواترة والإجماع أنّ أصنافا من الموحدين يدخلون النار بسبب ارتكابهم لبعض الذنوب .

قال النووي رحمه الله تعالى :

" فقد تقررت نصوص الشرع ، وإجماع أهل السنة : على إثبات عذاب بعض العصاة من الموحدين " انتهى من " شرح صحيح مسلم" .

ولرفع هذا التعارض ذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بالغفران هو عدم الخلود في النار .

وجعلوا دلالة هذا الحديث مطابقة للنصوص التي فيها خروج أهل التوحيد من النار بعد دخولهم فيها .

كحديث أنس بن مالك عن الشفاعة ؛ وفيه أن الله تعالى يقول : ( وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) رواه البخاري، ومسلم .

لكن هذا الاحتمال بعيد ؛ لأن سياق الحديث يثبت أن هذا الأمر من خصائص هذه الأمة ، وعدم الخلود في النار لأهل المعاصي من المؤمنين ليس خاصا بهذه الأمة .

قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى :

" وأبعد من قال : أراد بغفرانها أن لا يخلد أحد منهم في النار ، لا أن لا يعذب أصلا ؛ إذ فيه أنه لا خصوصية حينئذ ، قطعا " انتهى من " شرح الشفا ".

وذهب بعض أهل العلم إلى أن المقصود به بعض الموحدين وليس كلهم .
قال النووي رحمه الله تعالى :

" ويحتمل أن يكون المراد بهذا خصوصا من الأمة ، أي يغفر لبعض الأمة المقحمات ، وهذا يظهر على مذهب من يقول إن لفظة " من " لا تقتضي العموم مطلقا ، وعلى مذهب من يقول لا تقتضيه في الأخبار ، وإن اقتضته في الأمر والنهي ، ويمكن تصحيحه على المذهب المختار وهو كونها للعموم مطلقا ، لأنه قد قام دليل على إرادة الخصوص ، وهو ما ذكرناه من النصوص والإجماع . والله أعلم " انتهى من " شرح صحيح مسلم ".

وقد أشار عدد من أهل العلم إلى هذا ؛ أي عدم عموم هذا الحديث ، وإنما هو متعلق بمشيئة الله تعالى ، ومما استدلوا به قول الله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء /48.

قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى :

" ( وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ شَيْئًا ) أي من الشرك ( مِنْ أُمَّتِهِ ، الْمُقْحِمَاتُ ) أي السيئات المهلكات أهلها ، ولو من غير توبة .

وفيه إشارة إلى أنه من خصوصيات هذه الأمة المرحومة ، ببركة نبي الرحمة ، لكنه مع هذا تحت المشيئة ، ومختص بمن تعلقت به الإرادة لقوله تعالى : ( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) فاندفع ما أورده الدلجي من وجه الإشكال بقوله : يفيد ظاهره العموم ، فيلزم أنه لا يعذب أحد مع الإجماع على تعذيب بعض عصاة المؤمنين أي من هذه الأمة وإلا فلا إشكال " .

وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإثيوبي :
" عندي أن ما تقدم في كلام النووي رحمه الله من حمل "من" على الخصوص للأدلة المقتضية لذلك هو الأولى ، جمعا بين الأدلة .

والحاصل أن المراد بالأمة بعضهم ، فيغفر الله تعالى لبعض الأمة جميع ذنوبهم ؛ صغائرها وكبائرها ما عدا الشرك ، قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) ، فبعض الأمة هم الذين شاء الله تعالى أن يغفر ذنوبهم جميعها . فتبصر . والله تعالى أعلم " انتهى من " ذخيرة العقبى " .

فالحاصل ؛ أن أهل التوحيد من هذه الأمة اختصوا بأنّ منهم من تغفر له كبائر ذنوبه ، لكن هذا راجع إلى مشيئة الله تعالى .
والله أعلم .
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -
    news-releaseswoman