الباحث : رضوان بوسنينة - المغرب
ولذلك يناقش موضوع التحول في خطاب الإسلام السياسي الذي ركب على موجة رياح التغيير العربي 2011والتي أعطت بروز الإسلاميين المعتدلين في الوطن العربي وخاصة الدول التي تعيش نوع من الديمقراطية الدستورية والانتقال الديمقراطي.
العقل الإسلامي وسؤال التجديد
ومن المفكرين الفرنسيين الذين كتبوا في الظاهرة الإسلامية –اوليفيه روا –في كتابه *فشل الإسلام السياسي *،رغم ما وجه له من انتقادات لتحيزه ولغياب العلمية في تحليل الظاهرة وسرعة الاحكام .
وذهب هذا المفكر في تحليله للظاهرة ان هناك ثلاثة عوامل رئيسية مصاحبة ومساعدة في استمرار ظاهرة الإسلام السياسي.
وفي نفس السياق؛ كان هناك الباحث الفرنسي الشهير آلان روسيون الذي رفض هو الآخر أطروحة "ما بعد الإسلام السياسي"، لكنه لم يفعل كما فعل بورغا بطرح رؤية تفسيرية للقضية من وجهة نظر لا تختزل الظاهرة في إطار نظري شامل، وتقيم على أساسه رؤيتها التفسيرية المطلقة للظاهرة تكون غير قابلة للنقاش والبحث والاختبار؛ وهو ما ترك مثل هذه الرؤية في حالة من اللايقين العلمي والمنهجي.
ومن هذا المنطلق أيضاً؛ كانت رؤية الباحث المصري الراحل حسام تمام، الذي دعاه (عام 2007) مركز دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية (بالقاهرة) للتعقيب على ورقة عمل قدمها روسيون ذاته وكان عنوانها: "في انتظار ما بعد الإسلاموية"؛ فكانت ورقة التعقيب من قبل تمام بعنوان: "في انتظار الغائب الذي لا يجيء: نماذج تتحدى فرضية ما بعد الإسلام السياسي".
ولذلك فتجربة الإسلام السياسي لا يمكن اختزالها في حزب او حركة، بل هي تجاذبات وتدافعات بنيوية بين انساق متناقضة فيما بينها.
وكما يذهب العديد من الباحثين فانه يجب عدم القطع والتسليم بمثل هذه المقولات المطلقة كانتهاء الإسلام السياسي، وأن يتأسس منظور مختلف ينبع من خصوصية الباحث العربي المسلم في رؤيته للظاهرة الإسلامية، ويمكن أن يكتشف من خلاله اختلاف مناهج النظر وموقع السياسة في مشروع الحركة الإسلامية.
ولا يغفل -في هذا السياق-المقاربة التي سبق أن طرحها عام 1996 الباحث الأميركي ذو الأصل الإيراني آصف بيات، في مقال شهير له بعنوان: "قدوم مجتمعات ما بعد الإسلام السياسي"، وطورها لاحقا إلى كتاب صدر عام 2007 بعنوان: "جعل الإسلام ديمقراطياً: الحركات الاجتماعية وخطاب ما بعد الأسلمة".
لكن المقاربة التي وضعها بيات كانت ترتكز بدرجة رئيسية على فكرة أن هذه التحولات التي تشهدها الحالة الإسلامية السياسية، تتموضع حول فكرة أن حالة "ما بعد الإسلام السياسي" ليست مجرد شرط، بل هي أيضا مشروع: أي محاولة واعية لوضع تصور واستراتيجية لمنطق وطرائق السمو على "الإسلام السياسي" في المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية.
ويمكن اسقاط الحالة المغربية في انها مرحلة شرنقة يمكن التفكير بإخراج انموذج جديد لما بعد الإسلام السياسي الذي عاش سنوات من التجاذب السياسي الطفولي بين تيارات معاكسة لتوجهه أو تزاحمه في المشروع السياسي الذي كان يطمح في إخراجه ،وهنا يجب استحضار ان الحركة الإسلامية بالمغرب لاتتوفر على رؤية واضحة المعالم في تناول القضايا المختلفة ومنها الانية منها وخاصة مابعد الاسلاموية .
وحاولت هاتين التجربتين عقد مزاوجة للإسلام مع حق الفرد في الاختيار والحرية، ومع الديمقراطية والحداثة ، لتحقيق بعض ما وصفه البعض بـ"الحداثة البديلة".
الأهم في الأمر هو أن الظاهرة الإسلامية متنوعة ومتعددة بشكل كبير ولافت، ليس على مستوى الظاهرة ككل بل وعلى مستوى الجماعة والتيار الواحد هناك تباين كبير وأكثر من توجه داخل الجماعة الوحدة؛ فكل يرى أنه الأقرب إلى التفسير الصواب للفكرة، مما يضعنا أمام حالة متنوعة يصعب معها القياس والحكم على الظاهرة ككل.
في المقابل؛ لا يخفى على المراقب بروز شريحة نخبوية شابة في القلب الحركة الإسلامية، ولكي نكون أكثر دقة نقول إنها قادمة من قلب حركة الإسلام السياسي وفاعل إعلامي وثقافي كبير فيه، وكانت جزءا لا يتجزأ من شرارة ثورات الربيع العربي.
وهذه الشريحة النخبوية الشابة ليست معزولة عن ظهير فكري تنظيري عالي المستوى في قلب الحركة الإسلامية، وممن ينظر في هذه المرحلة لضرورة الفصل أو التمييز بين السياسي والدعوي، وضرورة مغادرة حالة التيه -التي وجدت الحركة الإسلامية نفسها داخلها بسبب الاشتباك السياسي والدعوي القائم على فكرة دولة الشريعة والحاكمية- إلى دولة الحقوق والحريات المدنية.
الدعوي أولا ...ام السياسي أولا ؟
وبمعنى آخر؛ فإن الحديث عن ظاهرة "ما بعد الإسلام السياسي" كواقع لا يمكن معه الهروب من مقولة فيها الكثير من المبالغات وعدم الدقة، رغم بعض المؤشرات التي لا يمكن القياس عليها بشأن تحولات الظاهرة الإسلامية ككل. وبمعنى أكثر دقة؛ فإن بقاء ظاهرة الإسلام السياسي مرتبط جذريا بتعقيدات وتفاعلات الواقع السياسي للعالم الإسلامي ككل.
وافول هاته التنظيمات راجع الى ان هناك إشكالية نخبة وخاصة بعد الهفوات التربوية التي اثرت على اتزان هاته التنظيمات والتي كانت بحاجة الى إعادة تنظيم البيت الداخلي لها وخاصة بعد وفاة الشيخ –عبد السلام ياسين –نموذجا أو استقالة احمد الريسوني كنموذج آخر .
وبصفة عامة ، تعيش حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية هذه الأيام ضمورا سياسيا وخمولا ميدانيا، ويعاني معظمها من ضبابية حادة في الرؤية إزاء سبل التعامل مع الأنظمة العربية في بلدانها، وتتنازعها جواذب اجتهاد في اتجاهات ومسارات مختلفة بين فترة وأخرى.
إلا أن واقع معظم حركات الإسلام السياسي يشي بقدر عالٍ من التشتت والاضطراب، ويعزز مناخات الجمود التقليدية التي رانت على فكر وتصورات هذه الحركات على مدى العقود الماضية، وحرمها دينامية الانفتاح على الواقع وتطورات الأحداث في إطار مراجعات نقدية، لم يتوسل أصحابها إلا بظاهرها القشري بحجة التمسك بالثوابت والمبادئ القديمة.
ومن تلك الأخطاء أن هذه الحركات تعاملت مع أحداث ومخرجات الربيع العربي بسطحية مفرطة واستخفاف كبير، وانساقت وراء عواطفها التي زينت لها انطواء المحن ووردية الطريق، وأن المرحلة قد باتت مرحلتها بلا منازع، فخاضت المسار السياسي دون حسابات دقيقة، وقفزت قفزات غير محسوبة وجانبها التوفيق.
ومن بين الأخطاء أيضا، أن بعض حركات الإسلام السياسي -التي فازت في الانتخابات ببلدانها- عجزت عن الانتقال من المرحلة الحزبية الضيقة إلى المرحلة الفسيحة التي تجعل منها خيار الجميع، وتمنحها القدرة على مخاطبة وتلمّس هموم وآمال وطموحات واحتياجات كافة الشرائح الاجتماعية في بلدانها، عبر سياسات عملية بعيدا عن لغة العواطف والشعارات.
ومن أهم الأخطاء -التي سقطت في شراكها- عجزُها عن التفريق بين الثابت والمتغير، وبين الإستراتيجية والتكتيك، إذ هيمنت عليها مفردات الجمود عقودا، وبقيت حبيسة القناعات الصخرية والأفكار المقولبة التي ترى أن الباطل لا يأتيها من بين يديها ولا من خلفهوفي سياقات عملها الحركي وجهدها التربوي؛ لم تبتدر هذه الحركات -منذ عقود- مراجعة حقيقية تتوخى الفرز بين الأهداف والغايات المنشودة من جهة، وآليات ووسائل تحقيقها من جهة أخرى، فتحولت هذه الآليات والوسائل إلى أدوات مقيمة على الدوام في الحضن الحركي رغم ضعف جدواها، وبدا أنها أضحت أهدافا وغايات بحد ذاتها، مع ما يحمله ذلك من مخاطر كبرى على المسار التربوي والاجتماعي لهذه الحركات.
وحين يختلط السياسي بالدعوي، وتخوض الكوادر الحركية الإسلامية المسارين معا؛ فإن السياسة تلوث أصحابها في كثير من الأحيان، أو تضعهم موضع النقد والتشريح والاتهام على أقل تقدير، بسبب الأوضاع والاجتهادات المتغيرة، واختلاف زوايا الرؤى وتقدير المصالح بين الحركات والأحزاب السياسية.
حركة التفكير أو النقذ الذاتي الحركي:
وفيما لاحت لهذه الحركات الفرصةُ الذهبيةُ مع اندلاع ثورات الربيع العربي؛ فإن قدرتها على استثمار المتغيرات الحاصلة بدت ضعيفة للغاية، وبدلا من أن تحمل مشروع إنقاذ للأمة وشعوبها وإصلاح لواقعها المتردي في مختلف المجالات، فإنها تقوقعت في إطار البحث عن مصالحها الحركية أولا.
ومردُّ ذلك هو الانغلاق على نمطية أحادية في التفكير السياسي والاجتماعي، والبقاء في أسر المعايير والمناهج والمفاهيم المرتبطة بها والدائرة حولها، والخوف من التجديد، والركون إلى الفكر القديم الذي تجاوزت الأحداثُ الكثيرَ من مبناه وآلياته ومعانيه.
صناعة القادة أم صياغة القدوة :
والمقصود هنا لا يتعلق بقدح هذه القيادات في صميم صفاتها الأخلاقية، بل يتعلق بتواضع صفاتها وشمائلها الشخصية والقيادية، وانحسار مستوى الهمم والعزائم المحركة لها وتحققها بالمواصفات الإيمانية والخبرات السياسية الرفيعة التي تجعلها قادرة على نيل ثقة شعوبها، والصمود في وجه عواصف المحن والتحديات، وخوض غمار التنافس والصراع مع البيئة والمكونات المحيطة بعظام قوية لا تعرف الخور أو الانكسار.
ولعل تفحّص أدبيات حركات الإسلام السياسي بهذا الخصوص يكشف عن اختلال واضح في تحديد الأولويات السياسية، والكثير من قصَر النظر في التعاطي مع الأحداث السياسية وقضايا المجتمع، مما زجّها في مربع النقد والاتهام بضعف الفهم وعدم المسؤولية في كثير من الأحيان.
ولكي تثبت هذه الحركات أهليتها السياسية؛ فإن عليها إرساء رؤية سياسية واضحة المعالم ومجردة من البعد الشعاراتي الفضفاض، وتوفير إجابات دقيقة عن كافة الأسئلة السياسية والاقتصادية التي تشغل بال الشرائح والمكونات الشعبية المختلفة في بلدانها.
وباختصار؛ فإن حركات الإسلام السياسي ليست بحاجة إلى كثير من جلد الذات والغرق في بحار الجدل العقيم، بقدر ما تحتاج إلى همم عالية وعزائم كبيرة تحملها على سلامة تشخيص الأدواء والأخطاء الإستراتيجية التي ألقت بالكثير منها إلى هامش الأحداث، والشروع في تبني الصيغ والسبل الكفيلة باستدراك ما فات، والنهوض مجددا لما فيه صالح هذه الحركات ومستقبل شعوبها.
أكتب تعليقك هتا