أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الثامن من آذار ومكانة المرأة العربية..من أجل حركة نسوية عربية تحطم أصنام الوثنية الفكرية

الدكتورة: ميرا جميل - فلسطين لا يصدق انه في قرننا الحادي والعشرين ، تتواصل عقليات وقوانين لا يمكن ان نتوقع وجودها في دولة ومجتمع معاصرين .. وربما نستهجن وجودها حتى في دول محاكم التفتيش من القرون الوسطى.  بعض ما نشر في وسائل الاعلام من الصعب هضمه، ويتعلق بتعامل مع المرأة بصفتها ما دون الانسان ، وربما ما دون الحيوان الأليف ، تتحدث عن سجينات في السعودية أنهين مدة محكوميتهن ، ولكن بسبب عدم حضور ما يسمى ”محرم ” لإستلامها من سجنها ، لذا لا يطلق سراحها وقد تقضي كل عمرها في السجن ، حتى تجد قريبا( محرم ) يأتي لتحريرها ، ولن يوجد مثل هذا المخلوق . من الواضح ان محرمها لا يريدها .. لأنها حسب عقلية مجتمعه القبلي تشكل عارا عليه وعلى عائلته ، او هي طريقة للتخلص من مسؤولية ثقيلة عن ” قليلة دين وقليلة عقل !!” ، فالسجن ( وأد معاصر للنساء) يضمن ”شرفها” وكرامة العائلة .. وقد تكون جريمتها انها تحدثت مع رجل في مكان عملها ، وسبق وان نشر في السابق ان امرأة أعمال سعودية ، اعتقلت وسجنت مع أحد موظفيها لأنها جلست تشرب فنجان قهوة معه بسبب عطل كهربائي في مؤسستها ، وهي فرصة للتشاور حول العمل ، ولكن في دولة ترى بالمرأة موضوعا جنسيا فقط ، وخطرا متحركا على الذكور ، ومركب عار يجب مراقبته وملاحقته منعا لتلويث شرف القبيلة ، يعتبر هذا التصرف الانساني والأخلاقي ، جريمة يعاقب عليها القانون الذي ينفذ من هيئة مشكلة من عقليات انقرضت من عالمنا منذ العصر الحجري الأول.  يقولون عن الغرب انه دول كافرة ، وعلمانيتة تجعلهم من أهل النار .. ويقف شيوخ دين طويلي اللحى يفتون بأخلاقيات زواج الأطفال ، حتى طفلة بجيل سنة يمكن تزويجها قال طويل اللحية مبررا ذلك بأن والدها قد يكون على سفر ولا يوجد محرم يتحمل مسؤوليتها ، والحل هو تزويجها ، اما الدخول بها فهذا يترك لمحرمها ، أي ربما عندما تبلغ السادسة . وفتاوى ضرب المرأة منتشرة في الشبكة العنكبوتية، أحدهم تحدث عن ثلاثة أصناف من النساء ، وكأنه يتحدث عن أصناف البطيخ ، وكيف يجب ضرب كل صنف بشكل مختلف من أشكال الضرب. وبعض هذه الأصناف صرخ : ” الله يكون بمساعدة زوجها ، تحتاج الى ضرب مبرح يوميا ليستقيم حالها” .  لا انتقد المجتمع السعودي .. حتى في سوريا التي يدافع عنها البعض بحجة علمانية النظام ، قراءة ”الدستور الجديد” الذي صوت عليه بشار وشبيحته يظهر مسائل بالغة الخطورة، المرأة هي ما دون الرجل ، لا يحق لها ان تكون رئيسة لسوريا، الرئاسة للرجال ”كاملي العقل والدين” أمثال بشار الأسد وعصابة القتلة التي تحيط به. حتى بثينة شعبان لا تليق للرئاسة ومكانها محدد سلفا للشبح. وسائر حقوق المرأة يسقطها دستور الشبيحة الجديد.ان استمرار دونية المرأة السورية هو استمرار عقلية دونية الشعب السوري بالمقارنة مع قبيلة السلطة الأسدية.  المجتمع هو نتيجة عملية تطور او ”لا تطور” .. المسؤولية هي مسؤولية نظام وأجهزة تربية وتعليم وبرامج تربوية وتثقيفية، وقوانين تكفل حقوق الانسان الأولية من رجال ونساء. ان الوهم ان الرجل هو العاقل والمرأة هي بنصف عقل ، وجعل ذلك قانونا سائدا ، هذا ببساطة انتحار اجتماعي بطيئ، يقود المجتمع المصاب به ، الى التفكك والى مزيد من التخلف . ربما أموال النفط تعطي ”مشروعية اقتصادية ” لما يجري ، ولكنها مشروعية مزورة ومؤقته وتحمل في داخلها كتلا من الانفجارات الاجتماعية والسياسية. وتغطية هذه العقلية بالدين ، هو اهانة للدين الذي جاء لتحرير العقول ودفعها للعلم والتقدم الحضاري .  التمييز ضد النساء ليس ظاهرة سعودية أو عربية أو اسلامية .. انما ظاهرة تاريخية بدأت تتحرر منها البشرية منذ القرن الثامن عشر ، مع ظهور فجر الفلسفة النسوية في كتاب ماري فولستونكرافط ” مصداقية حقوق النساء” ، والذي كتبته معارضة للفيلسوف التنويري جان جاك روسو ، والذي رغم رؤيته التنويرية الا انه اقترح مدارس نسائية أدنى مستوى من مدارس الذكور. اذن دونية المرأة كانت ضاربة عميقا في العقل الانساني ..  اما القفزة الكبرى ، اذا كان مناسبا ان نطلق هذا التعبير ، فكان في كتاب ، صديقة العمر للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر ، الفيلسوفة والكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار في كتابها المشهور ”الجنس الثاني ” حيث اعلنت ان:”النسوية هي مجرد قميص مجانين يفرضه الرجال على النساء . وأن على النساء ان يتحررن من أجل انتاج صيغة عن ذاتهن ، حول ماذا يعني ان تكوني أمرأة؟”  الحركة النسوية التي أطلقتها بقوة سيمون دي بوفوار ،تعلن اليوم انه من الناحية الجنسية كلنا نساء ورجالا نولد متشابهين ”مثل اللوح الناعم ” ، اما تعريف هويتنا فنحصل عليها بوقت متأخر أكثر بعد ولادتنا ، من المجتمع ومن أهلنا . ان تعليم الأدوار للجنسين ، الذكور والاناث ، صار اليوم مهمة أكثر تعقيدا من السابق .  عندما نقارن الفكر النسوي وواقع المرأة الأوروبية ، مع واقع المرأة الشرقية والعربية بالتحديد، نجد فجوة تتسع باستمرار وكاننا نتحدث عن سكان كوكبين مختلفين ، او عالمين لا يجوز اقامة المقارنة بينهما. الأول عالم بشري والثاني عالم يخاف حكامه الإلهيين من الانضواء تحت الصيغة البشرية ، للأسف نفي الصيغة البشرية ليس عن النساء فقط ، انما عن المواطن الرجل أيضا الذي يتعرض من صغره لعملية تشويه اخلاقية وجنسية وحقوقية ودينية.  هل الأدوار المعرفة التقليدية ، تتعلق فقط بالمبنى الاجتماعي الذي أوجده الرجال ( بصفتهم راس النظام) من أجل الحفاظ على سيطرتهم على النساء شكليا وفي الواقع على الرجال أيضا عبر تشويه اخلاقياتهم الجنسية ، ونشر الوهم ان الأدوار قررت حسب نظام بيولوجي مصدره السماء؟  هذان السؤالان يشغلان حتى اليوم الكثير من الفلاسفة وعلماء النفس ، وأعرف انه في الغرب أيضا هناك من يصر على أن التركيبة البيولوجية مقررة في الأدوار ، أي اصرار واضح على دونية المرأة. والقصد هنا يختلف عن المنهج الوهابي السعودي الذي يسود اليوم الفكر الاسلامي بمعظمه، حول دونية المرأة ، حيث تنزل قيمتها الى ما دون المخلوق البشري.  القصد في الفكر الغربي مختلف وهو انساني بمضمونه، بفهمه ان طبيعة المرأة أكثر انسانية من طبيعة الرجل وهذا يعطيها دورا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا مختلفا ولا يمكن ان يستبدل بدور الرجل . مثلا لاعب كرة قدم لو واجه اشكالية بين ان ينقذ طفلا او يمنع تسجيل هدف في مرمى فريقه يختار منع تسجيل الهدف .. المرأة بنفس الحالة تختار انقاذ الطفل . ربما هذا ما قصده فرويد عندما قال ان ما يقرر بالأدوار هو مبنى الجسم النسوي بقوله ان ”الأنطوميا هي المصير” (الانطوميا – علم التشريح) موضحا ان مبنى جسم المرأة يحدد دورها في المجتمع .ولكنه لم يشرح فكرته بتوسع .  يجب التمييز بين رؤية فرويد والرؤية القروسطية السائدة في الفكر الأصولي الاسلامي. فرويد لم يشرح قصده ، ولكن من نظرة الى مجتمعه ، نفهم انه كان يقصد ان هناك وظائف ملائمة للمرأة أكثر مما هي ملائمة للرجل والعكس صحيح . ومع كل رفض الحركة النسوية لهذه العقلية التمييزية، يمكن الوصول الى حقوق انسانية متساوية ، ويبقى الخيار من حق المرأة فقط.  مع عقلية المحرم لا يمكن الوصول الا الى قبر المرأة اجتماعيا وانسانيا. مثلا عدد الطبيبات في الولايات المتحدة يساوى تقريبا نصف عدد الأطباء ، في روسيا أكثر من ثلثي عدد العاملين بمجال الصحة هم من النساء . تخيلوا لو أن كل طبيبة او عاملة صحية ،رافقها محرمها في الدراسة والتجول والسفر والعمل وغرفة الجراحة ، وكل اختلاء برجل ، حتى مع طبيب للتشاور يقود الى السجن والجلد ، وربما لو شاركت متسابقات سعوديات في سباق الجري في الأولمبيادة مثلا ، لركضت كل متسابقة ومحرمها يركض الى جانبها . والله لا أضحك ، انما ابكي!!  انتقد الفيلسوف الأمريكي توماس كاتكرت ، نظرية فرويد ، بقوله هل يعني ذلك ان دور الرجال يحدد أيضا بيولوجيا؟ مثلا ، هل مبنى أجسام الرجال ، يقرر لهم سلفا ان يستعملوا مقاييس بدائية في خيارهم للزوجة ؟  وروى الفيلسوف الأمريكي هذه القصة ليشرح بوضوح أكثر موقفه قال : ” ظهر الله لآدم وحواء في الجنة، وقال لهما انه توجد لديه هديتان ، هدية لكل واحد منهما ، وطلب منهما ان يقررا من يحصل على كل هدية، وقال الهدية الأولى هي القدرة على التبول بالوقوف. آدم صرخ أولا :دون تفكير ، التبول وانا واقف ، عظيم ، هذا مغري جدا ، انا اريد هذه الهدية. قال له الرب : حسنا هذه لك يا آدم، اما انت يا حواء فتحصلين على الهدية الثانية، القدرة على الوصول الى المتعة الجنسية مرات كثيرة ” .  بيولوجيا من الرابح ؟ ان النتائج الملموسة لنضال الحركات النسوية اجتماعيا وسياسيا وقانونيا كثيرة، ليس فقط في حق التصويت وقوانين العمل التي تعطي المرأة شروطا أفضل بحالة الحمل مثلا ، والقوانين التي تتعامل مع الاعتداءات الجنسية وجرائم القتل بحجة الشرف.. انما وهذا الأهم ، جعل المرأة تحمل مسؤولية مجتمعها ليس أقل من الرجل ، وقدرتها على الوصول لأي منصب في مجتمعها.. بالطبع بدون محرم يعد عليها انفاسها ، باعتبار انها حتما سترتكب خطيئة ، بينما الرجل ، الله يبارك ، أخلاق مثل المسك ، لا ينظر يمينا ولا شمالا ، ولا يتزوج زواج الفرند والسياحة والمتعة والمسيار وعشرين نوع آخر (في السعودية يوجد طلاق واحد كل نصف ساعة بسبب زواج المسيار ، هكذا تكرم المرأة!!) ولا يوجد أفضل منه لتمويل مواخير الغرب الكافر الذي يرفض ان يشاركه بأعياده وعاداته والعابه ومناسباته ويناصبهم العداء في اقامته بينهم ، فقط في المواخير يصبح غربي ابن غربي ومن أهل النار …  والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: متى نشهد حركة نسوية عربية ، ولا بد ان تكون علمانية ، تحطم أصنام الوثنية الفكرية في العالم العربي؟

الدكتورة: ميرا جميل - فلسطين

لا يصدق انه في قرننا الحادي والعشرين ، تتواصل عقليات وقوانين لا يمكن ان نتوقع وجودها في دولة ومجتمع معاصرين .. وربما نستهجن وجودها حتى في دول محاكم التفتيش من القرون الوسطى.

بعض ما نشر في وسائل الاعلام من الصعب هضمه، ويتعلق بتعامل مع المرأة بصفتها ما دون الانسان ، وربما ما دون الحيوان الأليف ، تتحدث عن سجينات في السعودية أنهين مدة محكوميتهن ، ولكن بسبب عدم حضور ما يسمى ”محرم ” لإستلامها من سجنها ، لذا لا يطلق سراحها وقد تقضي كل عمرها في السجن ، حتى تجد قريبا( محرم ) يأتي لتحريرها ، ولن يوجد مثل هذا المخلوق . من الواضح ان محرمها لا يريدها .. لأنها حسب عقلية مجتمعه القبلي تشكل عارا عليه وعلى عائلته ، او هي طريقة للتخلص من مسؤولية ثقيلة عن ” قليلة دين وقليلة عقل !!” ، فالسجن ( وأد معاصر للنساء) يضمن ”شرفها” وكرامة العائلة .. وقد تكون جريمتها انها تحدثت مع رجل في مكان عملها ، وسبق وان نشر في السابق ان امرأة أعمال سعودية ، اعتقلت وسجنت مع أحد موظفيها لأنها جلست تشرب فنجان قهوة معه بسبب عطل كهربائي في مؤسستها ، وهي فرصة للتشاور حول العمل ، ولكن في دولة ترى بالمرأة موضوعا جنسيا فقط ، وخطرا متحركا على الذكور ، ومركب عار يجب مراقبته وملاحقته منعا لتلويث شرف القبيلة ، يعتبر هذا التصرف الانساني والأخلاقي ، جريمة يعاقب عليها القانون الذي ينفذ من هيئة مشكلة من عقليات انقرضت من عالمنا منذ العصر الحجري الأول.

يقولون عن الغرب انه دول كافرة ، وعلمانيتة تجعلهم من أهل النار .. ويقف شيوخ دين طويلي اللحى يفتون بأخلاقيات زواج الأطفال ، حتى طفلة بجيل سنة يمكن تزويجها قال طويل اللحية مبررا ذلك بأن والدها قد يكون على سفر ولا يوجد محرم يتحمل مسؤوليتها ، والحل هو تزويجها ، اما الدخول بها فهذا يترك لمحرمها ، أي ربما عندما تبلغ السادسة . وفتاوى ضرب المرأة منتشرة في الشبكة العنكبوتية، أحدهم تحدث عن ثلاثة أصناف من النساء ، وكأنه يتحدث عن أصناف البطيخ ، وكيف يجب ضرب كل صنف بشكل مختلف من أشكال الضرب. وبعض هذه الأصناف صرخ : ” الله يكون بمساعدة زوجها ، تحتاج الى ضرب مبرح يوميا ليستقيم حالها” .

لا انتقد المجتمع السعودي .. حتى في سوريا التي يدافع عنها البعض بحجة علمانية النظام ، قراءة ”الدستور الجديد” الذي صوت عليه بشار وشبيحته يظهر مسائل بالغة الخطورة، المرأة هي ما دون الرجل ، لا يحق لها ان تكون رئيسة لسوريا، الرئاسة للرجال ”كاملي العقل والدين” أمثال بشار الأسد وعصابة القتلة التي تحيط به. حتى بثينة شعبان لا تليق للرئاسة ومكانها محدد سلفا للشبح. وسائر حقوق المرأة يسقطها دستور الشبيحة الجديد.ان استمرار دونية المرأة السورية هو استمرار عقلية دونية الشعب السوري بالمقارنة مع قبيلة السلطة الأسدية.

المجتمع هو نتيجة عملية تطور او ”لا تطور” .. المسؤولية هي مسؤولية نظام وأجهزة تربية وتعليم وبرامج تربوية وتثقيفية، وقوانين تكفل حقوق الانسان الأولية من رجال ونساء. ان الوهم ان الرجل هو العاقل والمرأة هي بنصف عقل ، وجعل ذلك قانونا سائدا ، هذا ببساطة انتحار اجتماعي بطيئ، يقود المجتمع المصاب به ، الى التفكك والى مزيد من التخلف . ربما أموال النفط تعطي ”مشروعية اقتصادية ” لما يجري ، ولكنها مشروعية مزورة ومؤقته وتحمل في داخلها كتلا من الانفجارات الاجتماعية والسياسية. وتغطية هذه العقلية بالدين ، هو اهانة للدين الذي جاء لتحرير العقول ودفعها للعلم والتقدم الحضاري .

التمييز ضد النساء ليس ظاهرة سعودية أو عربية أو اسلامية .. انما ظاهرة تاريخية بدأت تتحرر منها البشرية منذ القرن الثامن عشر ، مع ظهور فجر الفلسفة النسوية في كتاب ماري فولستونكرافط ” مصداقية حقوق النساء” ، والذي كتبته معارضة للفيلسوف التنويري جان جاك روسو ، والذي رغم رؤيته التنويرية الا انه اقترح مدارس نسائية أدنى مستوى من مدارس الذكور. اذن دونية المرأة كانت ضاربة عميقا في العقل الانساني ..

اما القفزة الكبرى ، اذا كان مناسبا ان نطلق هذا التعبير ، فكان في كتاب ، صديقة العمر للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر ، الفيلسوفة والكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار في كتابها المشهور ”الجنس الثاني ” حيث اعلنت ان:”النسوية هي مجرد قميص مجانين يفرضه الرجال على النساء . وأن على النساء ان يتحررن من أجل انتاج صيغة عن ذاتهن ، حول ماذا يعني ان تكوني أمرأة؟”

الحركة النسوية التي أطلقتها بقوة سيمون دي بوفوار ،تعلن اليوم انه من الناحية الجنسية كلنا نساء ورجالا نولد متشابهين ”مثل اللوح الناعم ” ، اما تعريف هويتنا فنحصل عليها بوقت متأخر أكثر بعد ولادتنا ، من المجتمع ومن أهلنا . ان تعليم الأدوار للجنسين ، الذكور والاناث ، صار اليوم مهمة أكثر تعقيدا من السابق .

عندما نقارن الفكر النسوي وواقع المرأة الأوروبية ، مع واقع المرأة الشرقية والعربية بالتحديد، نجد فجوة تتسع باستمرار وكاننا نتحدث عن سكان كوكبين مختلفين ، او عالمين لا يجوز اقامة المقارنة بينهما. الأول عالم بشري والثاني عالم يخاف حكامه الإلهيين من الانضواء تحت الصيغة البشرية ، للأسف نفي الصيغة البشرية ليس عن النساء فقط ، انما عن المواطن الرجل أيضا الذي يتعرض من صغره لعملية تشويه اخلاقية وجنسية وحقوقية ودينية.

هل الأدوار المعرفة التقليدية ، تتعلق فقط بالمبنى الاجتماعي الذي أوجده الرجال ( بصفتهم راس النظام) من أجل الحفاظ على سيطرتهم على النساء شكليا وفي الواقع على الرجال أيضا عبر تشويه اخلاقياتهم الجنسية ، ونشر الوهم ان الأدوار قررت حسب نظام بيولوجي مصدره السماء؟

هذان السؤالان يشغلان حتى اليوم الكثير من الفلاسفة وعلماء النفس ، وأعرف انه في الغرب أيضا هناك من يصر على أن التركيبة البيولوجية مقررة في الأدوار ، أي اصرار واضح على دونية المرأة. والقصد هنا يختلف عن المنهج الوهابي السعودي الذي يسود اليوم الفكر الاسلامي بمعظمه، حول دونية المرأة ، حيث تنزل قيمتها الى ما دون المخلوق البشري.

القصد في الفكر الغربي مختلف وهو انساني بمضمونه، بفهمه ان طبيعة المرأة أكثر انسانية من طبيعة الرجل وهذا يعطيها دورا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا مختلفا ولا يمكن ان يستبدل بدور الرجل . مثلا لاعب كرة قدم لو واجه اشكالية بين ان ينقذ طفلا او يمنع تسجيل هدف في مرمى فريقه يختار منع تسجيل الهدف .. المرأة بنفس الحالة تختار انقاذ الطفل . ربما هذا ما قصده فرويد عندما قال ان ما يقرر بالأدوار هو مبنى الجسم النسوي بقوله ان ”الأنطوميا هي المصير” (الانطوميا – علم التشريح) موضحا ان مبنى جسم المرأة يحدد دورها في المجتمع .ولكنه لم يشرح فكرته بتوسع .

يجب التمييز بين رؤية فرويد والرؤية القروسطية السائدة في الفكر الأصولي الاسلامي. فرويد لم يشرح قصده ، ولكن من نظرة الى مجتمعه ، نفهم انه كان يقصد ان هناك وظائف ملائمة للمرأة أكثر مما هي ملائمة للرجل والعكس صحيح . ومع كل رفض الحركة النسوية لهذه العقلية التمييزية، يمكن الوصول الى حقوق انسانية متساوية ، ويبقى الخيار من حق المرأة فقط.

مع عقلية المحرم لا يمكن الوصول الا الى قبر المرأة اجتماعيا وانسانيا.

مثلا عدد الطبيبات في الولايات المتحدة يساوى تقريبا نصف عدد الأطباء ، في روسيا أكثر من ثلثي عدد العاملين بمجال الصحة هم من النساء . تخيلوا لو أن كل طبيبة او عاملة صحية ،رافقها محرمها في الدراسة والتجول والسفر والعمل وغرفة الجراحة ، وكل اختلاء برجل ، حتى مع طبيب للتشاور يقود الى السجن والجلد ، وربما لو شاركت متسابقات سعوديات في سباق الجري في الأولمبيادة مثلا ، لركضت كل متسابقة ومحرمها يركض الى جانبها . والله لا أضحك ، انما ابكي!!

انتقد الفيلسوف الأمريكي توماس كاتكرت ، نظرية فرويد ، بقوله هل يعني ذلك ان دور الرجال يحدد أيضا بيولوجيا؟ مثلا ، هل مبنى أجسام الرجال ، يقرر لهم سلفا ان يستعملوا مقاييس بدائية في خيارهم للزوجة ؟

وروى الفيلسوف الأمريكي هذه القصة ليشرح بوضوح أكثر موقفه قال : ” ظهر الله لآدم وحواء في الجنة، وقال لهما انه توجد لديه هديتان ، هدية لكل واحد منهما ، وطلب منهما ان يقررا من يحصل على كل هدية، وقال الهدية الأولى هي القدرة على التبول بالوقوف. آدم صرخ أولا :دون تفكير ، التبول وانا واقف ، عظيم ، هذا مغري جدا ، انا اريد هذه الهدية. قال له الرب : حسنا هذه لك يا آدم، اما انت يا حواء فتحصلين على الهدية الثانية، القدرة على الوصول الى المتعة الجنسية مرات كثيرة ” .

بيولوجيا من الرابح ؟

ان النتائج الملموسة لنضال الحركات النسوية اجتماعيا وسياسيا وقانونيا كثيرة، ليس فقط في حق التصويت وقوانين العمل التي تعطي المرأة شروطا أفضل بحالة الحمل مثلا ، والقوانين التي تتعامل مع الاعتداءات الجنسية وجرائم القتل بحجة الشرف.. انما وهذا الأهم ، جعل المرأة تحمل مسؤولية مجتمعها ليس أقل من الرجل ، وقدرتها على الوصول لأي منصب في مجتمعها.. بالطبع بدون محرم يعد عليها انفاسها ، باعتبار انها حتما سترتكب خطيئة ، بينما الرجل ، الله يبارك ، أخلاق مثل المسك ، لا ينظر يمينا ولا شمالا ، ولا يتزوج زواج الفرند والسياحة والمتعة والمسيار وعشرين نوع آخر (في السعودية يوجد طلاق واحد كل نصف ساعة بسبب زواج المسيار ، هكذا تكرم المرأة!!) ولا يوجد أفضل منه لتمويل مواخير الغرب الكافر الذي يرفض ان يشاركه بأعياده وعاداته والعابه ومناسباته ويناصبهم العداء في اقامته بينهم ، فقط في المواخير يصبح غربي ابن غربي ومن أهل النار …

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: متى نشهد حركة نسوية عربية ، ولا بد ان تكون علمانية ، تحطم أصنام الوثنية الفكرية في العالم العربي؟
تعليقات