الحمد لله تعالى وأشهد أن لا ِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه والتابعين ومن استنَّ بسنّته واتبع هديه الى يوم الدين ، وبعد :
قال تعالى (( ورتل القرآن ترتيلا )).....ووردت أحاديث كثيرة تحث على قراءة القرآن وتذكر ما أعدّه الله من أجرٍ للقارئ بكل حرف من حروفه .
والمسلمون بحمد الله يُقبلون على قراءة القرآن في الشهر الفضيل ، ومنهم من يختمه مراتٍ عدّة في رمضان ، ولكن من الأخطاء المرتكبة في رمضان؛ قراءة القرآن بشكل سريع ، بلا تدبُّر أو خشوع وتفكّــر بل منهم من يقرؤه بشكل تسابقي :
فتجد أحدهم يقرأ القرآن في رمضان ويكثر من قراءته، والغرض من ذلك هو أن يختم القرآن أكثر من ختمة، وهذا خير كبير وأجره عظيم، ولكن تجد أن البعض يختم أكثر من ختمة ولا يتدبر في آية من آيات المصحف، وهذا خطأ كبير مخالف لقول رب العالمين:
﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
يقول الإمام القرطبي - رحمه الله -: قال العلماء:
يجب على القارئ إحضار قلبه، والتفكر عند قراءته، لأنه يقرأ خطاب الله الذي خاطب به عباده، فمَن قرأ ولم يتفكر فيه - وهو من أهل أن يدركه بالتذكر والتفكر - كان كمن لم يقرأه، ولم يصل إلى غرض القراءة من قراءته، فإن القرآن يشتمل على آيات مختلفة الحقوق، فإذا ترك التفكر والتدبر فيما يقرأه استوت الآيات كلها عنده، فلم يدع لواحدة منها حقها، فثبت أن التفكر شرط في القراءة، يتوصل به إلى إدراك أغراضه ومعانيه، وما يحتوى عليه من عجائبه. وهنا نسوق ما يقوله الإمام أبو حامد الغزالي - رحمه الله - في كتابه الموسوعة الرائعة والنافعة لكل مسلم "إحياء علوم الدين" (3/516):
فتأثر العبد بالتلاوة أن يصير بصفة الآية المتلوة، فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط، يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت، وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من الفرح، وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعًا لجلاله، واستشعارًا لعظمته، وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله - عز وجل - ، كذكرهم لله - عز وجل - ولدًا وصاحبة يغض صوته، وينكسر في باطنه حياء من قبح مقالتهم، وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقًا إليها، وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفًا منها.
ويقول الحافظ جلال الدين السيوطي في كتاب "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 106):
وتسن القراءة بالتدبر والتفهم، فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب....وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظه به، فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك، فإن كان قصَّر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوَّذ، أو تنزيه نزَّه وعظَّم، أو دعاء تضرَّع وطلب. ، واذا ما مرّ بآية عذاب قومٍ اعتبر وخشع ..
ونؤكد في هذه العجالة هنا أنه على الإنسان أن يحدد له وقتاً زمنيّاً يقرأ فيه ورده الذي تعوّده من القرآن، بغض النظر عن الكم الذي قرأه، لكن عليه أن يتفكر فيما يقرأ، ولو لم يخرج من هذه الجلسة إلا بجزء بسيط من القرآن ، قرأَهُ قراءة تفكر وتدبر، وفهم فيكون هذا أفضل وأنفع له. وكان السلف الصالح يكرهون ختم القرآن الكريم في أقل من ثلاثة أيام ، فما بالك بمن يختمه في اقل من يوم واحد ، صحيح أن هذا الامر جائز للقارئ كتاب الله تعهّـداً كي لا يتفلّـت منه فينساه ، أما القارئ تعبدا وتخشعا وتبتلا فلا ..
وروينا عن السلف ثلاثة أنواع من القراءات لكتاب الله تعالى :
.1ــ قراءة الحّـدْر وهي سريعة كتلك التي بقرؤها المشائخ في صلاة التراويح .
2ــ قراءة الترتيل والتدبر ببطء وتفهّـم وتمعن .
3ــ قراءة التدويـر وهي وسط بين القراءتين الآنفتين ، وذكروا أن أفضلها الترتيل لأنه يترافق مع الفهم والتدبر وحضور القلب ، والله الموفق وهو الهادي الى سواء السبيل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...
أكتب تعليقك هتا