فزاعة القرن الواحد والعشرين

القاص والكاتب : عبد الجبار الحمدي - العراق لم تتوقع ريتا ان ترى شيطان البحر عاريا من المشاعر يسير على الساحل... شيطان البحر الذي طالما ناجته ليلا في كثير من ساعاته المعتمة و هي ترجوه تسأله عن سر فقدها من احبت بعد أن ابتلعه في آخر رحلة له على سطحه... سارعت تلحق به في محاولة للإمساك به كي تستنطقه بفضول مجنونة إن كان عنده خبر ما عن حبيبها فبريتسيو، لم تلحق به لقد اختفى من امامها فجأة!! فراحت تُتمتم... اللعنة عليك فعلا أنك شيطان لئيم؟ لم تكمل لعنتها إلا وهو يقف الى جانبها تقدح عيناه بحمرة الغضب... لم تلعنيني وأنا لا علاقة لي بمصير من تحبين؟؟ لِمَ اكون الملعون دائما وانتم قبلي تستحقون اللعنة؟! يا لكم من بشر حقير مخادق، تُشبهون أنفسكم بالمثالية و أنتم حمقى سُذج ما ان تعتريكم الحياة مقبلة مبتسة حتى تتسابقون الى احضانها مثل الهُبل والسذج، أقولها من الأخير لا استطيع ان اقدم لك اي مساعدة كوني لا أريد أن اكون طرفا فأنا شيطان يبحث عن الحيادية ( مع ابتسامة مخادعة ) فتلك السمة هي من تجعلني بعيدا عن مسلمات اختياراتكم، لذا كفي تذللا لا تسكب دموع الحيات على ساحل الوهم الذي تقفين إليه، لعل أسمه يدل عن معناه... ساحل الوهم الذي تتمسكين بذكرياتك و انت ترمين بنظرك الى البعيد حيث مرمى مهبط الشمس التي تسارع ان تخبئ ضيائعا مخافة العتمة التي سرقت من تحبين بعدما كان يمسك بخاصرة قنينة خمر يطارح فوهتها بشفاهه ثم يلعقها بلسانه متخيلا انها شفاهك... يا له من احمق!!!  - توقف ارجوك ها أنت تدهشني!!! كيف تقول إنك لا تعرف عنه أي شيء و ها انت تصفه وهو يتذكرني!! يستطعم شفاهِ التي إلتهبت بحرارة أنفاسه، أذابت عنفوان أنوثتي لأكون بين يديه دون حيلة أو إرادة يداعبني بشغف مراهق يتذوق و لأول مرة جسد أنثى... أرجوك لا تنكر لقد سمعتك جيدا  - الواقع لا انكر لكن هذا ما نقله لي هاجس البحر الذي كان يستشيط غضبا وهو يرى من تحبين غير آبه بموجه العاتي او هزيم رعد من كان مواكبا معه، أظنه شعر بالإهانة استفزه بشكل غريب!!! ثارت ثورته فلطم السفينة حتى أطاح بهما مبتلعا إياه الى قعره المظلم مع الحطام، المسكين كانت عيناه دامعة تحمل صورك الى أن أغمض جفنيه عليها وهو يقول: إفعل ما شئت فبرغم قوتك و جبروتك و طغيانك لم تنل من صورها او تؤثر في حبي لها... إنك مجرد فزاعة إبليس للسفن تلبس قوتك منقادا بهوس ليس لك فما أنت إلا مجرد أداة منفذة لمن اوجدك فأفعل ما شئت فأنا وهي سنلتقي إن لم يكن في عالمنا الحقيقي سيكون لقائنا في عالمنا الروحي فإلى الجحيم بما تصنع... زاد جنون البحر فعمد الى العناد دولبه دون ان يجعله يستقر في مكان، جاب به سحط البحر وباطنه حتى سمع صوتك و انت تدعينه بأن يرأف بك و لو لمرة بأن تري من تحبين شرط انك ترهنين نفسك إليه... أظنه وا فق لحظتها، توقف فلفظ بمن تحبين بعيدا هناك حيث عهدك بِرَهن نفسك له، لعله يكون حيا أو بآخر رمق هيا إلحقيه علك تستطيعين انقاذه... ما ذكرت ذلك لولا آمر منه  سارعت بجنون أنثى الى المكان الذي اشار إليها... كان مسجى على رمال البحر والموج يأتي بجسده و يأخذه كأنه يفعل ذلك ليغيظها... طرحت نفسها على جسده وهي تصرخ فبريتسيو حبيبي ارجول أفق إني ريتا ها انا الى جانبك والى الابد لن اتركك.. لم اكن اعني ما قلته لك فقط عد إلي سأمتثل لما ترغب سأعيش معك في كوخك الصغير لا اريد قصرا او جواهر اريد حبك فقط... لقد استمالني الغرور... غرور الشيطان فرحت أكيل لك العتب أعنفك على فقرك وانت تغدق علي بحبك وحنانك يا لي من امرأة سخيفة... فبريتسيو هل تسمعني؟؟ لكنه لم يكن في عالمها كان مجرد جثة راكدة في حضنها، اما الشيطان فكان يستمع الى ما تقوله له فما ان ذكرته حتى صاح... ما شأني انا بترهات غرورك!؟ يا لكم من بشر ما ان تقعون في الخظأ او الخطيئة حتى جررتم بأذيالي الى اني المتسبب.. اللعنة عليكم، اسمعيني جيدا سأريحك من كل معاناتك، سأرأف بك وذلك لأني لا اريد ان تعيش حياتك وحيدة بعيدا عمن تحبين إني اشعر بالحسرة وانت تتألمين الوحدة والفراق... انظر الى الافق البعيد ها هي الشمس تستفيق من جديد و انت لا زلت تتوسلين من تحبين ان يعود الى الحياة.. لكن اي حياة يروم بعدما كسرت قلبه و حولتيه الى إنسان يتمنى الموت على الحياة الى جانبك... غرور إمرأة أطاح بعالمها أظن إن ذلك هو العنوان المناسب الى حالتك، هيا سارعي لقد حان تسديد الرهان ها انت حظيت بفرصتك مع من تحبين كما وعدتك لكنه دون رمق للحياة فذلك ليس لي يد فيه...  ما ان أشرقت الشمس و راحت تنشر ضيائها على ساحل البحر ك حتى بانت ريتا تحتضن فبريتسو وهي منكبة عليه دون حراك في عالمهما الروحي. القاص والكاتب : عبد الجبار الحمدي - العراق عقدت محكمة في قرية نائية أكثر سكانها من الحمير.. الى جانب عدد قليل من الخيول، قرية بائسة همها ان تصفع الذكاء بنعل متسول لا يحرك ساكنا، في يوم من الايام جلبوا بغل مكبلا بالقيود وقد الجموا فمه و منعوه من الحديث ادخل القفص بعد عناء فقد كان يرفض المحاكمة جملة وتفصيلا مما اضطر الى استخدام العنف معه وتحجيم حركته... رضخ أخيرا فالكثرة وشدة الضرب وجور السلطة جعلت من عزيمته توهن وقد ترك لأيام في سجن القرية دون أكل أو شرب... لم يتأثر بكل الحمير التي حضرت المحاكمة ولا ذلك الحصان الذي كان يوثق الاحداث لم يعول عليه بأن يكون متعاطفا معه فحتى محامية حمار بإمتياز يكره من هم ليسوا من صنفه أو على شاكلته لكنه عادل....  نهض المدعي العام متجها الى المحلفين وقد كان عددهم ست محلفيين ثلاث من ذكور الحمير وثلاث من إناثها... فتوجه بالقول يا سادة إننا اليوم أمام قضية عويصة وخطيرة في نفس الوقت فيما إذا انتشرت و كظاهرة تفشت بيننا وهي كذلك او وصلت الى القرى المجاورة التي تدين بغير ديننا، فهذا البغل الذي امامكم هو إبن زنا لقيط لا ملة له ولا أصول، جاء محض مصادفة وغريزة حمار فاسق الى أنثى فرس عاهرة جمحت نفسه الدنيئة الى الحمار ومالت الى غير بني جنسها مما جعله شاذا أم ميثليا يبحث عن اللذة والشذوذ الى الذكور من بني جنسة او الى جنس إناث الاحصنة... لم اتخيل يوما وقد قضيت عمري في هذه القرية اب عن جد ان اشاهد مثل هذا العار من الفضح والخدش العام... الواقع انني اخجل ان انتمي الى مثل هكذا جنس من الحمير التي لا تعي نفسها و تصون سلالتها... إن التحرر والقوانين الحديثة التي طالب بها البعض وسمحت الدولة بإضافتها الى بنود الدستور هي من شجعت مثل تلك الحمير على هذا الفعل المشين، لذا ومن خلال محكمة الحمير الموقرة بقضاتها و محلفيها المحترمين ان يصدروا قرار بإعدام اي بغل يولد و لا تأخذهم رحمة فهم إن تكاثروا افسدوا الأرض وزادوا في النسل خبالا وجنون.. شكرا لكم  قال القاضي... الكلمة الآن الى محامي المتهم المحامي: يبدو أنك متحامل قليلا يا زميلي على هذا البغل او البغال عموما، أيها السيد لا تثريب عليك فمهمتك و خلفيتك التي نعلم تمنحك ان تلقي بالتهم جزافا على كل من تكرهه لكنك أخطأت... فهذا البغل الذي حكمت عليه وعلى امثاله من البغال بالاعدام وقتلهم دون رحمة ليسوا السبب الرئيس فكما ترى إنه ولد من اب حمار وأم فرس شاءت غريزة الشيطان أن تغريهم فمارسوا الجنس بذلك العنوان غريزة حيوان اي لا ممسك لها سوى القيام بها... وإليك و الى السادة القضاة والمحلفين والسادة الحمير من الحضور الامثلة الكثير لكني اكتفي بواحد.. الإنسان ذلك الذي يمتلك العقل في جعله متميزا عنا إنه وحين تعتريه الغريزة والرغبة في الرذيلة رغم أن تعاليمه الدينية تمنع ذلك لكنه يفعلها سواء خلسة او في العلن كما غيره من المجتمعات البشرية التي لها شرائع وعقائد، كان لزاما عليهم ان يتمسكوا بها و يحتكمون إليها، إلا انهم كثيرا ما يكسرون القاعدة تحديا لكل القيود فهم يعتبرون القوانين وضعت كي تكسر وهذا ما تأثرنا به نحن الحمير كما هي بقية الاصناف الحيوانية فشراكتنا مع الانسان ومعاشرته اصابنا الداء واقسم وهذا لا يخفى على بيئة الحيوانات ان هناك من البشر من يمارسون الرذيلة مع الكثير من الحيوانات سواء من الذكور منهم أو الإناث... إن جريرة هذا البغل أنه جاء نتيجة غريزة لا ذنب له فيها، وُلد كي يكون عابر سبيل يمتطيه بنو البشر ويسخروه كعبد لهم يقضي حوائجهم واعمالهم دون امتعاض او شكوى... وله من الإيباء مالم نمتلكه نحن الحمير او الخيول او بني البشر فعندما تعتريه فكرة ان كرامته قد طعنت او مُست او أنه تعرض الى الاضطهاد يقوم بالانتحار ناكرا الحياة ناكثا عهده منها تلك التي لا يرغب أن يتواجد فيها... , لعلي حين اطلب الاستماع الى ما يود قوله لا اعيب قوانين عدالة محكمة الحمير فهو وإن كان من فئة البغال إلا ان له الحق في التحدث والتعبير عن رأيه فنحن في زمن الحريات بلاقيود سواء كان منزلة من السماء او جاء بها رسل وأنبياء او أنها سنت على يد حمير بدستور ذو قياسات وسعات لفئات دون أخرى... ارجو من سيادة القاضي ان يسمح له بالنزول حيث يمكنه ان يدلي برأيه..  القاضي: لا بأس يمكنه ذلك و لكن من حيث هو سادتي وسيداتي الحمير... سأبدا من حيث انتهى محامي الدفاع، لا أعلم كيف أطرح ما بداخلي لكني سأوجز ما أريدكم ان تفهموه بما يجيش به صدري ونفسي، فأنا بغل مشرد لفظني الذي انجبني كما هو بالنسبة للتي انجبتني... تعرضت للإحتقار والإهانة و الدعة منذ اول لحظة وطئت هذه الأرض مع علم ومعرفة الجميع أن لا ذنب لي في الوجود بينكم... فتحت عيناي على نبذ الحمير والاحصنة لي او حتى التعامل معي، شرعت في العمل اكثر من اي حمار في القرية كنت اعوض ضجري وحنقي بالعمل فأنا بغل شديد لا يكل ولا يمل من العمل رغم ما يقدم لي من الطعام القليل و الشراب كأني استجديه لا استحقه على ما أؤديه من عمل اضعاف تلك الحمير التي لاهم لها سوى النهيق على المقاهي او في المنتديات او اماكن اللهو وبيوتات دولة او حتى العبادة، اعترف أني لست مذنبا ولم أؤذي أي فرد حمار من هذا المجتمع.. ارجوكم انظروا الى حالي كمخلوق أرتضى بمعاناته، فأنا لا يمكنني ان اتناسل او اتكاثر فقد حكم علي بالموت اصلا منذ ولادتي... وها انتم تجعلون من انفسكم جلادين في منطوق احكامكم، تحيون من تشاؤون و تميتون من تشاؤون واعتقد حسب معرفتي ان الحياة ليس بهذا العنوان... فأنا مخلوق ميت في الأصل فمن لا يتناسل او يتكاثر هو ميت لا محالة.. إن الجرم الذي تحاكمونني عليه ليس جرمِ أنا، ربما اكون إبن زنا وهذا رغما عني و ليس ذنبي... إننا مقبلون على عوالم لا يمكن لقوانين موضوعة او دساتير تحكمها... فبعد ظاهرة المثلية او زواج الأنثى بالأنثى لا تكون هناك جرائم ابشع منها لذا ادعوكم بالتروي في مسألتي وعليك بالحمار والفرس اللذان دفعت بهما غريزتها الى الإتيان بي بينكم دون إرادتي...  بعد مداولة قصيرة صوت المحلفين بأن المتهم بريء من جريمته وتحول القضية الى الامم المتحدة للنظر في مصير اللقطاء وابناء الزنا بمسميات الحرية للنظر في كيفية الحفاظ على الجنس البشري او الحيواني. القاص والكاتب : عبد الجبار الحمدي - العراق تعثرت وأنا أكرع قوافي شعر ابو نؤاس، يبدو أن السكر قد نال مني، و يحي!! أهكذا كنت بمجونك عندما تستبيح بيوت الشعر فتغزوا حروفها، أظنك كنت تختلس النظر إليها اولا ومن ثم تُغير على أسرتها ليلا، تشبعها لثما و هي مسلمة أمرها طواعية إليك، تُشعرك بلذة ما تتذوقه، أجدني على غرارك اليوم اسير أبحث عن الجيوب الجانبية عَلَّ هناك من تستحق أن أخرج ثعابيني من تحت ردائي ليسبر عالم لم ادخله في حياتي، ها انا بلغت ما يقارب الأربعين ولا زلت بِكرا.... أظنني موبوء أو أن شيطان عهري قد تاب فغفر الله له، حتى أنه قد صام الدهر بعيدا عن ملذات عالم الرغبة... بغداد يا لذة العاشقين وغربة الفقراء والمساكين، يا زهو زرياب والموصلي، يا طرب ناظم و أم كلثوم، وعبد الوهاب، يا شواطي دجلة... يا ابواب جهنم الماتعة التي تفتح فيموج على صخب باراتها الراقصات و بائعات الهوى.... انظر الى حالي يا أبا نؤاس عاشق بائس، لفظه القدرة من بطن حرمان ثم ألقى به حيث تراني، اجوب الأزقة والطرق المعبدة والغير منها، أبيع وهما لنفسي، أمنيها بأبيات شعرك الذي حفظت ولا اخفيك ليس وحدك من أحفظ شعره فهناك المتنبي الذي ما ان أسكر حتى ألبس رداء الشدة و الكِبر ثم اسمع كلماتي من به صمم... لكن يبدو ليس هناك من به صمم غير وحدتي الخرساء... لكن هناك زبانية سلطة متخفين بهيئة سكارى وما هم بسكارى، فألحق ذيل خوفي بأسناني ثم ألوذ هاربا إلى شارعك، أُُمني نفسي بمتعة مع أنثى أي أنثى فعالمي الذي يحيط بي مجرد من كل أنوثة او لمسة منها، إني محاط بخنازير سلطة، كأن لا هم لها سواي مع أني لم أقل شيء يدين أفعالها وما تقوم به من فساد او نهب أو سرقات، حتى جرائم القتل والخطف والمفخخات لم أتحدث عنها مع غيري رغم أني وغيري نراها، كنت أهرب بعيدا رغم أني شاهد عيان.... لا لست شاهد عيان أشطب هذه العبارة يا أبا نؤاس... أعلم جيدا أنك شهدت ورايت وسمعت الكثير لكنت بقيت صامتا اخرس لم تبح إلا عن مجون مخمور... أدرك انك لست المتنبي الذي راح ضحية لسانه، قُتل في صحراء بيوت خالية من الشعر... حتى نصبه أرأيته؟!! لا زال من ذاق و مؤمن في بيوت الشعر التي صاغها يتطلع الى ما يشير إليه على نهر دجلة... دجلة الخير أم البساتين... ضاع وتاه في حبك الجواهري من تعرفيه و لا تعرفيني.... ارايت؟؟ إن حب دجلة وبغداد يصنع من المتسكعين مثلي شعراء و اقسم ليس شعراء مصادفة... إني أقرض الشعر كما يقرض الفأر ما يطوله منذ ان كان درصا، يا له من تشبيه لقد صرنا نشبه انفسنا بالفئران فزمن ان تكون شبلا لذلك الاسد قد ولى... على أية حال.. ها انا استبق ظلي كي أحظى بزجاجة من مخمور قد نال منه السكر و سقط في وحل الخيال، كم أرغب أن تكون الى جانبي نديمة جميلة تنادمني ثغرها و انا أضع بأناملي النقاط التي لم توضع على حروفها الغائرة، أفترش عباءة رجل متدين، أحكي له قصة الصدق والكذب حينما ارتدى الكذب ملابس الصدق بعد ان اغراه بالسباحة معه، فأرتدى الكذب ملابسه و هرب، وحين سار الصدق بملابس الكذب بين العامة لم يصدقوه فكان كل ما يقوله كذب رغم أنه صادق... هكذا عالمنا الأبيض اسود و الاسود ابيض.... ثق بي يا أبا نؤاس إن حياتك الماجنة كانت قبلة للمتسكعين اما توبتك فكانت قبلة لرجال الدين... استحضر من ابيات الشعر التي قلت في حق نفسك يا ربّ إن عظمتْ ذنوبي كثرةً فلقد علمتُ بأن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم أدعوك ربّ كما أمرت تضرّعاً فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم مالي إليك وسيلةٌ إلا الرجـا وجميل عفوك.. ثم إن مسلم أظنك تنشد التوبة؟ لقد باتت عناوين مداخل ابواب طلب غفران من كان المجون حرثه، ها انا أمامك لا أؤمن بأي شيء سوى ما بين يدي قنينة الخمر هاته التي أظنها توأم نفسي الأمارة بالسوء فلا حظ لي بغيرها... أطمع ان يجسدوا حياتي وسيرتي بِنَصب يكون قبلة للمتسكعين في عالم التسكع فيه يحتاج الى شهادات عليا، يتوشح بها من يصبو لأن يكون دكتور او ثور.... إضحك لِمَ لا تضحك؟؟؟ لا اظنك منهم فأنت فارس الخمر المعتق من تظهه يكون مثلك، انا لا اقصدك او من هم على شاكلتك... إنما عنيت عصرنا هذا او تراه صباح او مساء.... لا عليك سأكتم ضحكتي، يبدو ان مزاجك ليس كما أتوقعه منك في كل مرة سأغادرك حيث رأس المنصور.. سأضع رأسي الى رأسه سأتناطح معه بسؤاله أينا رأسه اكبر أنا أم أنت أم الحمار او الثور، فلا بد أجد عنده الإجابة لأن رأسه كبير جدا. لاشك سيكون جوابه رأس الجسر أكبر.... الجسر الذي شهد الكثير من القتلى والموتى الشهداء وغير الشهداء دون أن يحرك ساكنا، كأننا نرث الاحداث رضاعة من صدور أمهات ثكلى فهناك على الجسر تركوا نعش من كانت الطامورة بيتا له، تركوه بعد أن نالوا منه بسم زعاف... و ها نحن نتجرع السم من متشدقي التدين والدين بعناوين إسلامية كتب عنها المتنبي وابو نؤاس وتغنت بها ولادة وغيرها الكثير... لا أعرف لم نحن المغضوب عليهم و لم نحن الضالين.... حسنا... حسنا لا تشح بوجهك عني، سأرحل يبدو أني قد إنحرفت عن مساري الطبيعي، سأحمل نفسي حيث الزقاق المظلم الذي تقبع على جانبيه المواخير والحانات... و عرابي الأجساد البشرية، لا تخشى شيئا لست منهم بل انا لي حاوية نفايات أراودها عن نفسها كل ليلة فتجعلني انام معها.. أعني بداخلها هكذا هي حياتي بين زقاق و شارع آخر وبينك وبين الرشيد دون هارون. القاص والكاتب : عبد الجبار الحمدي - العراق أقتفي ظلي وهو يضع الكِمامة، يسير بعيدا عني في بضعة أمتار، لم أتصور في يوم أنه سيفارقني خوفا على حياته، صار يلوذ هاربا بدل أن يلتصق بي ضاحكا... عجيب أمر هذا العالم!! والأعجب الإنسان المخرب الذي خلقه الله ليعمر في الأرض مستخلفاْ إياه فيها، كارثة شيطانية نعيشها جميعا الجن والإنس، الحجر، البشر الشجر حتى الحيوان بات يخاف بيئته... دلفت الى شارع عريض طويل مليء بالحفر تملئه القذارة والنفايات أكثر من البشر سارعت عيناي تلتقط صور هشة لعظام وطن نخرته المحاصصة والتدين الزائف عن الحق، صار وطني متسولا يعيش الأرصفة دون مارة تتصدق عليه ثياب مهلهلة مثل العلم الذي نرفعة متفاخرين بوطن ممزق والعار الأكبر كتب عليه أسم الله يا لها من سخرية!!! رميت بثقل أقدامي محدثا صوتا علَّ هناك من يفتح بابا او نافذة يرى من صاحب الضوضاء في شوارع خرساء لا هم لها سوى لعق أتربه ونفايات ناهيك عن حاويات مليئة ببقايا أطعمة بطون صار الأكل لها قضاء وقت وحاجة... سددت أنفي عن رائحة القمامة يبدو انها قبعت منذ زمن حتى فاحت رائحة النتانة شأنها شأن أي سياسي أو برلماني ومسئول في وطني... إنها قاذورات الزمن القابع خلسة في محراب يتعبد للدمار والبقاء وحيدا، يسترضى من يتف في كأس ماء ليشفي غليله أو كما الدخلاء تسربوا مثل الزئبق بمسميات راقت للبسطاء والمغفلين أن يترونقوا لهم بعبارات افتقدوا حسحستها في الدين فماجت أيديهم الى صدور انتفخت ذلا فضربت حتى تتأدب لكنها ابدا لن تتب عن عادات سحقت عناوين وهج الذكر الحقيقي لرمز الحياة والحرية... بان في آخر الفرع الضيق الذي دخلت صوت مذياع ورائحة شاي يبدو ان المقهى التي على ناصية الشارع هناك قد فتحت ابوابها... يا للفرج أسمعت نفسي صوتي الذي حبسته عن الحديث مع غير من سكنوا الدار معي، فلقد كان حالي حال الكرسي او الطاولة أو حتى الطابوق الذي رُصِف في داري... سارعت أمد الخطى دخلت عيناي قبل أقدامي متهللة.. لكن سرعان ما عادت لتبشرني بخيبة أمل فالمقهى عارية من لباس روادها لم يكن فيها غير رجل عجوز استوطن المقهى قبل اربعين عاما يبدو انه اراد ان يكون قبره حتى النهاية... تفرجت اساريره وهو يراني فأسمعني ترحابا مثل الذي سمعت عنه وقرأت، اراد ان يرمي بنفسه علي لكني تراجعت خوفا من كورونا... لاحظ فعلتي فأرتد بصوته لا تخف لست مصابا دون تردد أجبته وما أدراني!؟ ... وما أدراك انت؟ ابتسم عن فم فقد أضراسه بعد ان طحنتها ايام ضروس بمعاول هم وكِبر متاهات حديث، لعل لسانه الأن بات أكثر حرية بعد أن استفرغ فمه كل مقدمات وأسس الحروف فبات السين شين والراء مدغمة والجيم دال، مع ذلك تراجعت عن قراري ورحبت به مصافحا إياه لا عليك أبا نعيم لقد صرنا نخاف حتى خيال ظلنا... على فكرة هل رأيت ظلي؟ لقد كان يسير أمامي حتى أني حسبته يهرب، أو لعله خدعني و فر دون أن أشعر به... باغتني ابا نعيم بالضحك طويلا ورد قائلا: يبدو ان الوحدة والخوف من كورونا أورثاك الجنون كما حالي، فغالبا ما اتصور نفسي اسير ويرافقني أحد، مع العلم أنه لا يوجد أحد سواي وظلي رافقني حتى أنحنى ظهره قبلي، لا عليك سيأتي ما ان تنوي قدميك الرحيل للعودة... هيا أجلس دعني اصب لك شايا مُهيل يعيد لبراعم أنفك النشوة فتغير رحيق فراغ واتربة استنشقتها في وحدتك، حرك لسانك بعيدا عن مفردات الصخب يا ولد ... لا اريد صوت، أطفيء النور، كفوا عن اللعب، هكذا كنت أفعل مع اولاد أبني الذي يعيش معي في بيتي ولا أدري كم سيطول عمر هذا الوباء الذي استفردت به بلدان تريد السيطرة على مقدرات العالم... إن حديث السياسة يزكم أنفي فأرجوك أستاذ حمزه لا تتحدث عن أي شيء بهذا الخصوص فقط أسمع معي اغاني الزمن الجميل لو غيمت دنياي .. رديت..يا حريمة.. حتى أنت... سالت عنك.. حاسبينك..لا تستغرب لقد شغفت بالأبوذية والدارمي والمواويل حفظت الكثير لكني أجاري زمن السبعينيات والثمانينيات الذي عشق فيه أبني واحب إبنة خالته حتى الجنون، كان يحب أو بالأصح يذوب في سماع مثل تلك الأغاني وغيرها الكثير، آه يا بويه علاء.. أستشهد وراحت أحلامه الى الأبد أثخنني فراقه وجعا لا يمكن ان يعوضه أي مخلوق حتى أخوته وأخواته... كان الشاي طعمه مغاير لما شربت من قبل شعرت أن مذاقه مختلف عن كل ما تذوقته من قبل في نفس المقهى أو في البيت... تركته يسترسل في الحديث، دخلت عالم الوحدة الذي أحب أن أعيش فلقد دخل أبا نعيم عالمه الحزين لبس السواد وجهه، ماجت روحه في معتق الالم تركته لغيوم هَمِهِ.. دون مبالاة لما يدور حولي لا أسمع سوى ملعقة تدور تضرب باطن كاس الشاي كأنها تريد أن تدير عقارب الساعة خاصة أني لا أحرك الملعقة إلا في الإتجاه المعاكس لحركة عقارب الساعة كإتجاه معاكس.. عقارب ساعة يا لها من مفردات غيرت وجه الحقيقة والحياة، باتت تمثلنا في الرتم السياسي والديني والاجتماعي، تفترش الأرض باسلاك شائكة حولتها العقول المريضة الى مفخخات وسيارات ملغومة، أحزمة ناسفة، حولتها الى عقول ترقص على الإغتصاب وقطع الرؤوس، الى سحق الجمال والتحول نحو العبودية كما الجاهلية خليفة وأمير، والي وغفير، وجوه طمست الرحمة لبست الجريمة والخطيئة وجها آخر لدين استفحل بعدالة الشياطين سيقت إليه رغبات زناة جدد من فتاوى رجالات جعلهم الله كما تصورا دعاة له سخطهم كالشياطين أبناء أبالسة، ألبسهم طوق وقيد العبودية، سبايا يستحدثونها على غير نسائهم او غلمانهم، روجوا للزنا بالجهاد، وروجوا لِلواط بفتوى الشهادة، تبرقعوا الدين وجه الجاهلية قطاع الطرق، أوغلوا بأسم الدين فحرقوه، صار مكروها لدى أجيال لم تعرف عن الأسلام او الدين سوى داعش والدماء، السبايا وجهاد النكاح... هززت رأس كأني أغير موجة السياسة الى موجة أخرى بحثت في زوايا بدايات الشارع والافرع التي كانت قبالة المقهى عن أي شخص يمكن ان يجالسني الحديث فلم اجد، عدت الى محيط رقعتي رشفت من الشاي قليلا لسعة منه أفاقت نفسي عليها، وجدت ابا نعيم لا زال يتحدث عن وجعه.. شاركته لِلحظات همومه حتى أنهيت كاس الشاي اخرجت علبة السجائر التي فقدت عد ما دخنته ثم قاطعته قائلا: الله يعينك ويعين كل أب، كم اب أو أم يأنون مثل أنينك، إن ما تشعر به لا يمس من قادوا العراق الى الهلكة، إنهم بعيدون كل البعد عن معاناتك.. أنظر كم شخص يموت في اليوم بل في الساعة من الذين نعرف أو لا نعرف بسبب وباء كورونا، الحكومة لاهية في المناصب والنهب والشعب لاه في وادي دار السلام يبحث لفقيده عن خرم ابرة، إنه زمن اراد ان يُشهِد الله فيه البشر على ولاة طغاة سحقوا أبناء جلدتهم لنيل رضى من تمسحوا بأسته لعقا بألسنة تردد خطبا ماجت بالعقول وأفرغوها حتى أستفرغت ترهات دين ملوث بعيد عن الحق، لقد قالها سيد البلغاء لقد ملئتم قلبي قيحا... أنظر ابا نعيم هاهو ظلي قد عاد، سأذهب الآن فلا أريد أن يقال عني الرجل الذي فقد ظله، فمن دونه لن استطيع إستيعاب الحياة وحدي، ها انا افرغت قلامة ظفر مما اريد في مقهاك هذا وظلك الذي جعلته خيط دخان بينك وبين من فارقت.. لم يأخذ مني ثمن كأس الشاي قال إنه على حسابه... ترى اي حساب منهم الدنيوي او الأخروي، يا للسخرية!! ترى كم سيطول وقوفنا امام صاحب الحساب؟ كم هي الرؤوس التي ستشهق من الخوف ساعة الوقوف الأعظم؟ نكزني ظلي عن اية خبالة تتحدث... هيا سارع فالظلمة داهمت بالدخول والشوارع ستمتلئ بالكلاب التي اتمنى ألا تكون كلاب بوليسة، فوطنك يا هذا لا يقطنه إلا من كان تابعا للسلطة وجلاد أو قابض ارواح أم تراك نسيت؟ لا ابدا لم أنسى هيا خذ بأقدامي وطر بي قبل ان تختفي ويأتي وهنك الليلي فتعيد لرأسِ صور تخاريف العزلة التي اريد نسيانها، هيا سارع فضجيج الأولاد رغم جنونه إلا أنه أرحم من وحدة الموت الذي نعيشه خوفا وهلعا. القاص والكاتب : عبد الجبار الحمدي - العراق لم يقنعوا بحالهم أو يقتنعوا بما تحت أيديهم، سعت أدمغة الرؤوس التي استحوذت على أغلب مقدرات مساحات الأرض ان تستبدع شيئا مغايرا جديدا، يجعل من البشر عبيدا مطواعين الى الأوامر، عبيد حتى في الجينات الوراثية، اجتمعوا فيما بينهم، و خلال مداولات أخذ و رد وبعد ان نبذوا الفزاعة الخشبية والورقية و رجل الصفيح ودراكيولا وغيرهم... اعجبتهم فكرة صناعة رجل البراز، الذي سيكون المحفز والحامي والطارد لجميع الطامعين، رجل سيكون صناعته من برازهم كونهم النخبة التي تُخرج أنتن الروائح و أعفن مخلفات بشرية، شرط ان يشاركوا النخبة فقط في صناعته، لا ضير إن صنعوه مشوها، فكلما كان مخيفنا منتنا زاد في ابتعاد الناس عن التقرب إليه والسؤال عما يفعله، لكنهم اشترطوا ان يجعلوا رجلا يقوم على خدمته، سادنا يحافظ على بقاءه محتفظا بنتانته وقاذوراته... حفروا بركة كبيرة ثم راحوا يتغوطون بها لمدة شهر كامل إلى أن امتلئت، وحتى لا يغبنون رأي الشعب او جعلهم يستفردون في مواد صناعته طلبوا من الشحاذين و البؤساء ان يشاركونهم في التغوط أيضا... استغرب الشحاذون والبؤساء حين تغوطوا على حواف الحفرة وهم يتبرمون قائليبن: حتى تغوطهم يفرق عن تغوطنا فرائحته اكثر نتانة وأكثر قذارة عن ما نتغوطه، اجاب احد الشحاذين ردا على سؤال البائس ذلك بسبب اكلهم السحت ولوطهم مع شياطين إبليس... اخرسه احدهم بعد ان لطمه على وجهه وهو يقول: إنك كاذب بل رائحة تغوطهم اعفن وانتن من رائحة تغوط الخنازير التي تمرح في حقولهم وحظائرهم، سلني أنا فقد عملت ذات مرة لديهم... دخل السادن وهو محمر العينين هيا يا رعاع الناس ففي بقائكم مدة اطول سيتعفن التغوط من رائحة عرق اجسامكم، اللعنة عليكم كم انتم نتنون... هيا الى الجحيم بكم.. في نفس الصباح حضرت النخبة ثم شمرت عن ثيابها، دخلوا الى بركة الغائط يتجادلون في هيئة ما يصنعونه كفزاعة جديدة، بعضهم اراد أن يكون له ذيل مثل الشيطان تقربا إليه، والبعض أراد ان يكون له رأس كبير كالحمار، والبعض انتدب رأيا قرأه بأن يكون على شكل طائر كبير مثل التنين، غير ان احد الشحاذين لم يكن قد دلف بعيدا بعد، سمع جدالهم، فجاة أبدى برايه رغم ان السادن طاح به ضربا وركلا... فصاح سادتي هل يمكن ان أدلي برأي؟؟ إن راق لكم اخذتم به وإن لم يكن صرفتموني بعيدا... تعرف عليه احدهم قائلا: إني اعرف هذا الحيوان لقد عمل في فترة ما في أحد حظائر الخنازير عندي، دعونا نسمع له فقد كنت قد أخذت ببعض أراءه و كانت ذات عائد لا بأس به، حتى ظن نفسه عبقريا واراد ان يصبح سيدا على الخنازير فعنفته وضربته ثم طردته شر طردة... هات ما عند يا حيوان، سمعا وطاعة يا سيدي، أرى أنكم تريدون صناعة رجلا لا تنينا او رجل برأس حمار، لكن لدي رأي واظنه يقنع الناس ويخيفهم ويكسبكم الزهو فمثلكم علية القوم عليهم ان يأتوا بالجديد، وأظنكم بعد ان أدخلتم انفسكم مستنقع تغوطاتكم عليكم ان تصنعوا فزاعة كبيرة شرط ان تكون على هيئة رجل ضخم جدا كرجل الهولك أو كوازيمودا مخيف شرط ان يكون ذو عين واحدة يقف على قمة هرم ينظر الى البعيد من تطلعاتكم، ارى ذلك اكثر هيبة لكم ويعكس مدى استحواذكم على ما مد البصر إليه برغباتكم وتطلعاتكم بتلك العين، غير مبال بما تحته من المخلوقات.. ما رأيكم؟؟؟ صاح من كان سيدا له مرحى لك أيها الحقير، اجده رأيا ملائما و ممكنا و مبتكر جديد... ماذا تقولون؟؟ راق للجميع رأي الشحاذ غير ان أحدهم رغم موافقته طلب من السادن ان يدفن ذلك الشحاذ حيا حتى لا يشيع أن فكرة الفزاعة فكرته وتضيع جهودهم هواء في شبك... فكان له ذلك في لحظتها، قال احدهم: يبدو أننا برغم ما نريد ان نصنعه كي نسيطر على هذا العالم نتعب من إيجاد الافكار وأظننا و نحن في خضم ذلك يأتي حثالة القوم الذين كنا مثلهم يخرج برأي كنا نفكر فيه قبل ان نعتلي مناصب السلطة... لعلكم ترون أننا حين انغمسا في هذا الوحل من التغوطات لم نتذمر او نتعالى على فعلتنا لأننا رجعنا الى أصولنا التي جئنا منها، مستنقع الحضيض لكنه حضيض الدعة والسياسة التي أصبحنا على الإنصياع الى جميع الخطايا والرذيلة والفسوق شرط ان لا نترك او نبتعد عن حظيرة الخنازير التي إنغمسنا في مستنقعها المصنوع بأيدي لا تعرف أي دين او عُرف او تقاليد أو ملة... أظن أن رجل الفزاعة الجديد كفيل بأن يبقينا الى حين، حتى يأذن ذلك الرب الذي نعرف بظاهرة جديدة، صفق له الجميع، ثم شكروا الذباب الطنان الذي راح يصفق لهم وهو يحوم حولهم متراقصا بفزاعة القرن الواحد والعشرين.

القاص والكاتب : عبد الجبار الحمدي - العراق

لم يقنعوا بحالهم أو يقتنعوا بما تحت أيديهم، سعت أدمغة الرؤوس التي استحوذت على أغلب مقدرات مساحات الأرض ان تستبدع شيئا مغايرا جديدا، يجعل من البشر عبيدا مطواعين الى الأوامر، عبيد حتى في الجينات الوراثية، اجتمعوا فيما بينهم، و خلال مداولات أخذ و رد وبعد ان نبذوا الفزاعة الخشبية والورقية و رجل الصفيح ودراكيولا وغيرهم... اعجبتهم فكرة صناعة رجل البراز، الذي سيكون المحفز والحامي والطارد لجميع الطامعين، رجل سيكون صناعته من برازهم كونهم النخبة التي تُخرج أنتن الروائح و أعفن مخلفات بشرية، شرط ان يشاركوا النخبة فقط في صناعته، لا ضير إن صنعوه مشوها، فكلما كان مخيفنا منتنا زاد في ابتعاد الناس عن التقرب إليه والسؤال عما يفعله، لكنهم اشترطوا ان يجعلوا رجلا يقوم على خدمته، سادنا يحافظ على بقاءه محتفظا بنتانته وقاذوراته... حفروا بركة كبيرة ثم راحوا يتغوطون بها لمدة شهر كامل إلى أن امتلئت، وحتى لا يغبنون رأي الشعب او جعلهم يستفردون في مواد صناعته طلبوا من الشحاذين و البؤساء ان يشاركونهم في التغوط أيضا... استغرب الشحاذون والبؤساء حين تغوطوا على حواف الحفرة وهم يتبرمون قائليبن: حتى تغوطهم يفرق عن تغوطنا فرائحته اكثر نتانة وأكثر قذارة عن ما نتغوطه، اجاب احد الشحاذين ردا على سؤال البائس ذلك بسبب اكلهم السحت ولوطهم مع شياطين إبليس... اخرسه احدهم بعد ان لطمه على وجهه وهو يقول: إنك كاذب بل رائحة تغوطهم اعفن وانتن من رائحة تغوط الخنازير التي تمرح في حقولهم وحظائرهم، سلني أنا فقد عملت ذات مرة لديهم... دخل السادن وهو محمر العينين هيا يا رعاع الناس ففي بقائكم مدة اطول سيتعفن التغوط من رائحة عرق اجسامكم، اللعنة عليكم كم انتم نتنون... هيا الى الجحيم بكم..

في نفس الصباح حضرت النخبة ثم شمرت عن ثيابها، دخلوا الى بركة الغائط يتجادلون في هيئة ما يصنعونه كفزاعة جديدة، بعضهم اراد أن يكون له ذيل مثل الشيطان تقربا إليه، والبعض أراد ان يكون له رأس كبير كالحمار، والبعض انتدب رأيا قرأه بأن يكون على شكل طائر كبير مثل التنين، غير ان احد الشحاذين لم يكن قد دلف بعيدا بعد، سمع جدالهم، فجاة أبدى برايه رغم ان السادن طاح به ضربا وركلا... فصاح سادتي هل يمكن ان أدلي برأي؟؟ إن راق لكم اخذتم به وإن لم يكن صرفتموني بعيدا... تعرف عليه احدهم قائلا: إني اعرف هذا الحيوان لقد عمل في فترة ما في أحد حظائر الخنازير عندي، دعونا نسمع له فقد كنت قد أخذت ببعض أراءه و كانت ذات عائد لا بأس به، حتى ظن نفسه عبقريا واراد ان يصبح سيدا على الخنازير فعنفته وضربته ثم طردته شر طردة... هات ما عند يا حيوان، سمعا وطاعة يا سيدي، أرى أنكم تريدون صناعة رجلا لا تنينا او رجل برأس حمار، لكن لدي رأي واظنه يقنع الناس ويخيفهم ويكسبكم الزهو فمثلكم علية القوم عليهم ان يأتوا بالجديد، وأظنكم بعد ان أدخلتم انفسكم مستنقع تغوطاتكم عليكم ان تصنعوا فزاعة كبيرة شرط ان تكون على هيئة رجل ضخم جدا كرجل الهولك أو كوازيمودا مخيف شرط ان يكون ذو عين واحدة يقف على قمة هرم ينظر الى البعيد من تطلعاتكم، ارى ذلك اكثر هيبة لكم ويعكس مدى استحواذكم على ما مد البصر إليه برغباتكم وتطلعاتكم بتلك العين، غير مبال بما تحته من المخلوقات.. ما رأيكم؟؟؟ صاح من كان سيدا له مرحى لك أيها الحقير، اجده رأيا ملائما و ممكنا و مبتكر جديد... ماذا تقولون؟؟ راق للجميع رأي الشحاذ غير ان أحدهم رغم موافقته طلب من السادن ان يدفن ذلك الشحاذ حيا حتى لا يشيع أن فكرة الفزاعة فكرته وتضيع جهودهم هواء في شبك... فكان له ذلك في لحظتها، قال احدهم: يبدو أننا برغم ما نريد ان نصنعه كي نسيطر على هذا العالم نتعب من إيجاد الافكار وأظننا و نحن في خضم ذلك يأتي حثالة القوم الذين كنا مثلهم يخرج برأي كنا نفكر فيه قبل ان نعتلي مناصب السلطة... لعلكم ترون أننا حين انغمسا في هذا الوحل من التغوطات لم نتذمر او نتعالى على فعلتنا لأننا رجعنا الى أصولنا التي جئنا منها، مستنقع الحضيض لكنه حضيض الدعة والسياسة التي أصبحنا على الإنصياع الى جميع الخطايا والرذيلة والفسوق شرط ان لا نترك او نبتعد عن حظيرة الخنازير التي إنغمسنا في مستنقعها المصنوع بأيدي لا تعرف أي دين او عُرف او تقاليد أو ملة... أظن أن رجل الفزاعة الجديد كفيل بأن يبقينا الى حين، حتى يأذن ذلك الرب الذي نعرف بظاهرة جديدة، صفق له الجميع، ثم شكروا الذباب الطنان الذي راح يصفق لهم وهو يحوم حولهم متراقصا بفزاعة القرن الواحد والعشرين.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -
    news-releaseswoman