أمريكا لن تتخلى عن إسرائيل... هناك روحها وإكسير حياتها

أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

أمريكا لن تتخلى عن إسرائيل... هناك روحها وإكسير حياتها

فراس ياغي هناك ما يزال البعض ممن يعتقدون ان أهداف الحكومة الإسرائيلية الصهيو-دينية يتناغم ويتوافق تماما مع أهداف رئيسها السيد 'نتنياهو" بما يختص استمرار الحرب على غزة اولا وإستمرار الحروب في المنطقة ككل ثانيا، وفي نفس الوقت إرتباط ذلك ليس بالقدرة فحسب بل بالإستعداد لدى المؤسسة العسكرية والأمنية لتحقيق تلك الاهداف مجتمعة، اي اهداف اليمين الصهيوني، واهداف الإنتهازي الفاسد "الميكافلي" نتنياهو وفق كلام الجنرال غيورا آيلاند رئيس مجلس الأمن القومي السابق ولكي نفصل علينا اولا أن نقول ان المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية قد حققت إنجازات تكتيكية كبيرة على مستوى مجمل الجبهات ما عدا جبهة إيران وتريد ان يتم ترسيخها إستراتيجيا من قبل النظام السياسي القائم وهذا ما لا يمكن تحقيقه لأسباب شخصية لدى رئيس الحكومة نتنياهو من جهة، واسباب أيديولوجية صعبة التحقيق عسكريا من جهة أخرى  ماذا يعني ذلك؟ ببساطة تتقاطع الأهداف الشخصية لرئيس الوزراء مع الأهداف الأيديولوجية، لكن إذا ما تحققت الأهداف الشخصية للسيد نتنياهو تصبح الأهداف الأيديولوجية بالنسبة له لا قيمة لها لأنه لحظتها سيعود إلى برغماتيته السياسية المعهودة في كل الجبهات ما عدا جبهة الضفة، وهنا نتنياهو إذا ما وجد سبيلا للتخلص من التهم القضائية الحالية والقادمة التي تثقل كاهله سيكون مستعدا للذهاب سياسيا إلى أبعد الحدود ما عدا بما يتعلق بالضفة والقدس، طبعا في إئتلافه الحاكم هناك الأحزاب الحريدية أيضا ستكون على جاهزية للتعاطي الكامل مع توجهات نتنياهو ما دام يستطيع توفير لهم الاموال ويحد من تجنيدهم في الجيش، في حين أحزاب الصهيونية الدينية، وهما حزبي "بن غفير" و "بتسيلئيل سموتريتش" توجهاتهم ايديولوجية أساسها الإبادة والتهجير والضم والإستيطان  إذا نتنياهو إرتبطت حياته السياسية وما كان يريد ان يؤرخ عنه في التاريخ الصهيوني مرتبط بشكل كامل بالوزير "سموتريتش" على إعتبار ان الوزير "بن غفير" لا يستطيع السيطرة عليه بشكل كامل، ومن هنا فهو مستعد للتعاطي مع شروط "سموتريتش" لأجل البقاء السياسي، طبعا وزيري الصهيونية الدينية يعلمان نقطة ضعف نتنياهو، ويعرفان أنه لا يستطيع تجاهل شروطهما معا، بل يمكن تجاهل شروط "بن غفير" وقد فعل ذلك في هدنة كانون ثاني "يناير"، اما "سموتريتش" فيبدو أنه خط احمر بالنسبة لاي قرار سيتخذه نتنياهو اما بما يختص بالأهداف المعلنة وتلك التي لم يتم الإعلان عنها والتي أصبحت معلنة بعد خطة الرئيس "ترامب" الداعية إلى تهجير سكان قطاع غزة، نستطيع ان نقول ان أهم الفاعلين في تلك الأهداف هي وفق التالي:  أولاـ الفاعل الرئيسي هو نتنياهو رئيس وزراء دولة إسرائيل يبحث عن البقاء السياسي اولا، وتحقيق الطموحات في إحداث تغيير جيو سياسي في المنطقة ثانيا، وذلك لكي يكتب في تاريخية المؤرخين الصهاينة بالذات النقطة البيضاء التي ستضعه في مصاف ملوك بني إسرائيل وبما يتجاوز ما كتب عن المؤسس الصهيوني "بن غوريون" بعد ان إمتلأ تاريخه بنقاط العار وعدم الأمانة والخداع والكذب والإخفاقات وعلى رأس تلك إخفاق السابع من تشرين أول/أكتوبر ، وبما يتطلب ذلك من توجيه ضربة لإيران منفردة أو مشتركة مع الولايات المتحدة، ولكن بضوء اخضر امريكي وبمساعدة أمريكية في العمليات اللوجستية والدفاعية لأي ضربة لإيران، خاصة أن نتنياهو يعتقد "هو إعتقاد واقعي" بأنه حقق إنجازات إستراتيجية في جبهتي لبنان وسوريا، اما في جبهة غزة فالامر مختلف لأن الإنجاز الذي تحقق رغم فداحته وكارثيته، وعلى الرغم تحول غزة إلى "خرابة"، إلا أن ذلك لا يخدمه في مواجهة إتهامات وخلل السابع من تشرين أول / اكتوبر، لذلك تبقى الإنجازات ناقصة دون إخضاع المقاومة وحماس في غزة بقوة وأيضا الضبابية بما يتعلق بإيران والتي سيحسم نتيجتها المفاوضات بين امريكا وإيران، "رغم قناعتي الشخصية بأن تلك المفاوضات ليست سوى حجة لتبرير توجيه الضربة الأمريكية- الإسرائيلية لإيران"  ثانيا- الفاعل الثاني هي احزاب الصهيونية الدينية والتي وجدت في السابع من تشرين/أكتوبر لحظتها لكي تفرض سياستها بما يتعلق بالسكان والجغرافيا ما بين النهر والبحر، بل وأبعد من ذلك بكثير، اي إقامة مملكة إسرائيل من النيل إلى الفرات، لذلك تريد هذه الأحزاب تطبيق خطة الإبادة والإخضاع والتهجير والضم، وتعمل على ذلك بقوة من خلال رفضها لأي صفقة تبادل للاسرى تؤدي لإنهاء الحرب في غزة، وتقوم بإستغلال وإبتزاز واضح تدفع رئيس الوزراء نتنياهو للإستسلام لمطالبهم والتي هي مطالبه ما دام بقاءه الشخصي السياسي مهدد، لذلك تضغط على المؤسسة العسكرية لتوسيع العملية العسكرية في غزة وتهدد بإسقاط الحكومة اذا ما دخلت مساعدات غذائية وطبية وإدخال الطاقة إلى غزة دون وجود آلية لكيفية توزيع تمنع حصول حكومة حماس على اي فائدة او عوائد من تلك المساعدات، وهذه الأحزاب تريد ان يفرض الجيش سيطرته على كل قطاع غزة "إحتلال القطاع" لتنفيذ سياستها في التهجير والاستيطان والضم  ثالثا- الفاعل الثالث هي المعارضة وهي عامل حتى الآن غير فاعل في تقرير طبيعة الحرب على غزة، وغير قادر على فرض أجندة جديدة تعمل على إحداث تغيير حكومي او إسقاط الحكومة، كون هذه المعارضة حتى الآن بلا شخصية مركزية لديها القدرة على منافسة نتنياهو وقادرة على تجميع عامة الشعب من مختلف مشاربه وتوجهاته حوله، كما ان هذه المعارضة متفقة مع توجهات الحكومة لكنها مختلفة حول الاولوية والطريقة، اي أن هذه المعارضة ببساطة لا يوجد لديها برنامج بديل لبرنامج حكومة اليمين الصهيوني المتطرفة. رابعا- الفاعل الرابع هي المؤسسة العسكرية والأمنية، وهذه تائهة بين الواقع وبين متطالبات نتنياهو وإئتلافه، وخياراتها محدودة بسبب مفهوم القدرة والإمكانية وليس بسبب رفضها لما يريده المستوى السياسي، ووفق صحيفة يديعوت احرنوت فإن النقاشات السياسية والعسكرية الأخيرة وضعت أربع سيناريوهات بما يتعلق بالوضع في غزة، وقد جائت كالتالي:  السيناريو الأول- إستمرار "الضغط العسكري"، العملية العسكرية بنسقها الحالي دون توسيعها والعمل للتوصل إلى صفقات تهدئة جزئية مؤقتة ونقاش اليوم التالي للحرب، للوصول إلى صيغة تحقق من خلالها الاهداف المعلنة للحرب، وهذا السيناريو فشل ويستمر بالفشل السيناريو الثاني- إستمرار الضغط العسكري وتوسيع تدريجي للعملية العسكرية وإدخال المساعدات للقطاع وفق آلية تمنع سيطرة حماس عليها، لفرض صفقات تبادل اسرى جزئية وبما يؤدي ذلك لإخضاع حماس والمقاومة، وهذا السيناريو يفضله نتنياهو ويبدو انه الذي سيعمل به  السيناريو الثالث- الذهاب إلى صفقة شاملة تؤدي للإفراج عن جميع الاسرى ووقف الحرب والإتفاق على طبيعة اليوم التالي للحرب اساسه هو إخراج حماس من مشهد الحكم، لكن يبقى موضوع نزع سلاح القسام والمقاومة هو الشرط الذي يضعه نتنياهو لعرقلة هذا السيناريو الذي لا يفضله ولا يسعى لتحقيقه السيناريو الرابع- عملية واسعة في قطاع غزة عبر إستحضار عدة فرق عسكرية سيكون نهايتها إحتلال كل قطاع غزة، والعمل خلال ذلك للأفراج عن الاسرى...هذا السيناريو يفضله "بن غفير" و "سموتريتش" وبعض أعضاء الكنيست من الليكود الذين يحسبون على الصهيونية الدينية، لكن هذا السيناريو لا يفضله الجيش ويهابه نتنياهو، لان ذلك يعني التورط في وحل غزة وبما يعني ذلك من خسائر بشرية وإقتصادية اولا، واستخدام الحد الاقصى من جنود الإحتياط الذين لا يريدون العودة للخدمة اصلا نتيجة إلى طول مدة الحرب وخساراتهم الشخصية ثانيا، كما ان ذلك سيؤدي إلى إستنفاذ قدرات الجيش في جبهات اخرى وخاصة الضفة ثالثا، وعدم وجود إجماع داخلي على إستمرار الحرب رابعا، وأخيرا قد يؤدي ذلك لتوجيه ضربة قاتلة لخطة السلام التي يريدها الرئيس ترامب واساسها توسيع ما يسمى الإتفاقيات "الإبراهيمية" يعني التطبيع مقابل اي شيء للفلسطيني، وهذا الشيء هو إنهاء الحرب وكيانية في غزة تتبع لها الكانتونات التسعة في الضفة إداريا وماليا.  إذا حين مناقشة الأهداف في إستمرارية حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة فعلينا دائما أن نأخذ بعين الإعتبار التلاقي والتعارض الذي قد يصل حد التناقض بين الفاعلين الأربعة في دولة الإحتلال في هذه الحرب، ونرى ان الفاعلين الأربعة متفقين ومختلفين على التالي: أولا- الضفة الغربية أمنيا وايديولوجيا وسياسيا لا خلاف جوهري حولها حتى مع المعارضة غير الفاعلة حتى الآن، اي الكل متفق على إستمرار الإستيطان والعمل العسكري والأمني والخلاف هو بين الضم الكلي او الضم الإستيطاني والأمني، وبين بقاء السلطة الفلسطينية أو تقويضها ثانيا- تقويض حماس سياسيا وعسكريا والإختلاف على الطريقة، فالبعض يريدها إخضاع بالقوة كما يريد نتنياهو وإئتلافه الحاكم، وهناك من يرى مثل "مؤسسة الجيش والامن" و "المعارضة" ان ذلك ممكن عبر التعاون مع الدول العربية والسلطة الفلسطينية  ثالثا- الإفراج عن الاسرى، فهناك من يراها اولوية الاولويات "المعارضة والجزء الغالب من مؤسسة الجيش والامن"، وهناك من يرى ذلك ليس الاولوية امام القضاء على غزة "حماس" وتهجير وابادة سكانها "الأحزاب الصهيونية"، ونتنياهو يرى في ذلك سياسة لكسب الوقت وإستمرار الحرب حتى يحدث الرب شيئا ما ينقذه سياسيا وشخصيا.  رابعا- هناك توافق حد الإجماع بما يتعلق بجبهة لبنان وسوريا مع ضرورة التنسيق مع الولايات المتحدة حول ذلك بحيث يتم نزع سلاح حزب الله ومنع تشكيل جبهات مقاومة قريبة من حدود دولة الإحتلال، بينما أحزاب "الصهيونية الدينية" ترى في إستمرار وجود جيش الإحتلال في جنوب لبنان وجنوب سوريا البدايات نحو توسيع الإستيطان وبما يحقق تشكيل مملكة إسرائيل من النيل إلى الفرات حقيقة وليس نفوذا فقط كما تنظر الأغلبية في دولة الإحتلال. خامسا- هناك تقريبا إجماع يصل إلى حوالي 90% من دولة الإحتلال بما يتعلق ب "إيران"، حيث يرى هؤلاء بأن تفكيك المفاعلات النووية الإيرانية وفق النموذج الليبي هو المطلوب عبر إتفاق أو عبر توجيه ضربة عسكرية مباشرة منفردة او مشتركة مع الولايات المتحدة، المهم يجب الاخذ بعين الإعتبار الموقف الأمريكي، لكن هذا لا يعني أن دولة الإحتلال تريد ضوء أخضر امريكي، لأنها تعلم أن أمريكا لن تتخلى عنها لا في السراء ولا في الضراء، لا بوجود رئيس ديموقراطي ولا رئيس جمهوري، لذلك نسمع نتنياهو يتحدث عن خطوطه الحمر وعن توجهه لتوجيه ضربة منفردة لإيران  هناك فاعل خامس لم نتطرق له اعلاه، وهو الصراع الداخلي السياسي في دولة الإحتلال حول إستمرار الحرب، لانه فاعل غير مؤثر عمليا في سياسة إتخاذ القرار خاصة بما يتعلق بالوضع الكارثي في قطاع غزة وفي مسألة تبادل الاسرى، لكن هذا الفاعل قد يتغير ويصبح مركزي إذا ما اخذ دوره ووصل إلى حد شل الدولة مدنيا وإقتصاديا يتضح أن محاولة تبسيط الأمور بقضية البقاء السياسي لنتنياهو وحكومة اليمين الصهيوني المتطرف ليست سوى محاولة للتعمية على واقع الامر وعلى حقائق الأمور، لأن وجود المعارضة الحالية ومعها الصاعد رئيس الوزراء السابق "بني بنيت" تريد نفس ما يريده نتنياهو، لكنها تختلف معه بانها تريد ذلك بعد ان تفرج عن جميع الأسرى والمحتجزين وعبر إتاحة الفرصة للدول العربية والسلطة الفلسطينية وبالتنسيق مع الولايات المتحدة واوروبا لتحقيقها، في حين نتنياهو ربط كل شيء بمستقبله الشخصي وإئتلافه اليميني المتطرف الحاكم، اذا الخلاف هنا هو على مصير الأسرى وقف الحرب وعلى طريقة تحقيق أهداف الحرب، الخلاف ايضا حول الأولويات، الدولة ام نتنياهو، الخلاف على طبيعة دولة ما بعد السابع من تشرين اول/اكتوبر، دولة نتنياهو الديكتاتورية وضم كل الضفة وإحتلال غزة، ام الدولة الصهيونية الليبرالية مع ضم أجزاء من الضفة وفرض ترتيبات امنية في غزة والجبهات القريبة بالتنسيق مع الولايات والدول العربية وعبر توسيع التطبيع ليشمل حتى "سوريا الجديدة"  بين ما تريده الأغلبية ومعها أغلبية المؤسسة العسكرية والأمنية من سياسات تحقق إسرائيل الكبرى من حيث النفوذ عبر التطبيع وإعطاء الدور في الموضوع الفلسطيني للعرب ومعها السلطة الفلسطينية، وبين ما يريده نتنياهو وإئتلافه اليميني المتطرف من حيث إسرائيل الكبرى عبر مفهوم الإخضاع بالقوة او ما يسمونه "السلام بالقوة"، يقف المارد الامريكي والرئيس ترامب ومعه جوقته التوراتية التي تدعم توجهات نتنياهو، مع الاخذ بعين الإعتبار ان الرئيس ترامب يريد إعطاء فرصة لمفهوم الإخضاع بالقوة عبر الدبلوماسية قبل إستخدام أسلوب نتنياهو العنيف، اي أن الكل بقف في دائرة واحدة إسمها الإخضاع ولكن لكل طريقه، والاقرب هو إستخدام طريقة نتنياهو كما يبدو  أخيرا، يجب دائما التمييز بين الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني ان كان في غزة او الضفة، وبين الجبهات الاخرى، فالموضوع الفلسطيني تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية شأن داخلي إسرائيلي، في حين بقية الجبهات هي شأن امريكي اولا وإسرائيلي ثانيا، لذلك نتنياهو دائما بحاجة إلى ضوء اخضر امريكي للقيام باي تحرك في هذه الجبهات، ولنكون اكثر دقة، مع مجيء الرئيس ترامب للبيت الأبيض وتشكيل حكومته الداعمة بشكل مطلق لدولة الإحتلال، اصبحت التوجهات اكثر تناغما واكثر توافقا، واي خلاف او تعارض يأتي في باب تبرير الضربة القادمة "المفاوضات مع إيران"، او تقاسم نفوذ ووضع ترتيبات محددة كما في سوريا "تركيا وإسرائيل"، او في باب تقوية ودعم الاصدقاء دون الضغط على إسرائيل لتنفيذ الاتفاق الموقع كما في "لبنان"  من طرح فكرة التهجير بشكل علني هو الرئيس "ترامب"، رغم أنها كانت هدف إسرائيلي غير معلن، ومن هدد وتوعد المنطقة بالسلام بالقوة وبتوجيه ضربات مميتة لإيران وغيرها هو الرئيس "ترامب"، ومن بدأ بشن حملة قصف جوي على اليمن بطريقة غير مسبوقة ويحضر للإستعانة برياً عبر إستئناف الحرب الأهلية اليمنية هي "أمريكا ترامب"، هذه إشارات ان الكل الأمريكي والإسرائيلي في دائرة واحدة لكن في داخل هذه الدائرة هناك دوائر لها بداية تخلف عن الأخرى لكن نهايتها واحدة

فراس ياغي

هناك فرق بين إسرائيل التي تم صناعتها وفق رؤية غربية من حيث الوظيفة والأيديولوجيا وبين طموحات نتنياهو الشخصية والمغلفة أيضا برغائب أيديولوجية، لذلك الرؤيا الترامبية للشرق الأوسط تندرج في سياق الصناعة من حيث الايديولوجيا ومن حيث الوظيفة، وهذا يتعارض بشكل كبير مع طموحات نتنياهو وفريق إئتلافه الحاكم بقوة الأغلبية البرلمانية، وعليه أعتقد أن الخلافات القائمة لا تتعلق بالإستراتيجيات المتفق عليها، وإنما ترتبط بالواقع الداخلي في إسرائيل والذي تهيمن عليه الأقلية التي لها أغلبية في الكنيست، وهذه الأقلية يحكمها مصالح إما شخصية أو قطاعية او أيديولوجية، ولا يحكمها منطق إستراتيجي دولاتي، أي أن إستراتيجية الدولة وفقا لرؤيا الصانع لها والداعم تتقاطع مع رؤية الأغلبية فيها، في حين تتعارض مع رؤية اصحاب الأجندات الخاصة وعلى رأسها نتنياهو

وعليه فإن نقاش واقع الحال الذي وصلت إليه العلاقة الأمريكية - الإسرائيلية يجب النظر لها بمنظارين، وليس بمنظار السيد والتابع، وهنا اقصد:

أولا- هناك خلاف بين رؤيا الر ئيس ترامب وإدارته وبين تطلعات نتنياهو ورفاقه من سموتريتش وبن غفير

ثانيا- هناك توافق بين مشروع ترامب وإدارته وبين الدولة في إسرائيل، فالنظام السياسي الدولاتي في إسرائيل يتفق مع الرؤيا الأمريكية لأنها تنقذه اولا واخيرا من دولة نتنياهو والصهيونية الدينية التي تريد أن تهيمن وتسيطر على النظام الدولاتي في الدولة، وبما يؤسس لنظام دولة منبوذ لا يشكل قاسم مشترك او وعاء للكل اليهودي ولا يتماشى مع رؤية الصانع الغربي، اي أنها رؤية تعزل نفسها وتترك إسرائيل النتنياهوية كسفينة في بحر تتلاطمه الامواج

إن الخلاف والقطيعة بين ترامب ونتنياهو، هو خلاف جوهري وليس شكلاني، اي أن المعضلة تكمن في المشروع الذي يريد أن يطرحه الرئيس ترامب، وهذا المشروع الذي يعطي إسرائيل ما ليس لها ويتناقض مع قرارات الشرعية الدولية اصلا، لا يوافق عليه نتنياهو واقطاب حكومته، لأن مجرد الموافقة تعني بداية النهاية لدولة إسرائيل المصطنعة

إذا ما هو مشروع ترامب للمنطقة؟ ولماذا يرفضه نتنياهو؟

بداية أشير إلى الجوهر في الخلاف بين الإثنين ليس في حرب الإبادة على غزة، ولكنها اصبحت خط البداية وخط النهاية، بمعنى أنها فتحت آفاق للتطهير العرقي والتهجير والضم والسيطرة في عقلية من وجد في الطوفان "السابع من تشرين/اكتوبر"، فرصة لتنفيذ أجندة تنقذ رقبته من حبل المشنقة وتؤسس له تاريخ يؤرخ الإنجازات غير المسبوقة بدل أن تسجل في تاريخه وصمات عار وعلى رأسها الإخفاق بل الهزيمة المخزية في السابع من تشرين/اكتوبر

إذا البداية أعلاه تلخص الموقف من مشروع الرئيس ترامب والذي يعتمد على عناصر تؤسس له الحصول على جائزة نوبل للسلام الذي يطمح في الحصول عليها، ومشروعه مرتبط بمفهوم السلام بالقوة، اي فرض السلام بشكل قسري على كل الأطراف في المنطقة، وبحيث يؤدي إلى:

اولا- توسيع الإتفاقيات الإبراهيمية ويتصدر ذلك التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وهذا يتطلب وقف الحرب على غزة ومسار حل للقضية الفلسطينية

ثانيا- حل القضية الفلسطينية وفقا لرؤيا كيانية في غزة تتبع لها كانتونات الضفة الغربية التسعة "كتبنا مقال تفصيلي حول ذلك عام 2018"، وهذا يتطلب وجود حكومة في إسرائيل تدعم ذلك " الآن غير موجودة"، ووجود قيادة فلسطينية توافق على ذلك "تم تحضيرها بمسمى الإصلاحات"

ثالثا- متطلبات المشروع الترامبي تتوافق مع الرؤيا الأيديولوجية للمسيحانيبن "الانجليين الصهاينة"، من حيث السيطرة والسيادة على القدس وعلى أغلبية الضفة الغربية وبقاء كل الاستيطان تقريبا ما عدا العشوائي وضم الأغوار

رابعا- متطلبات المشروع الترامبي تعني توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين والعنوان لذلك هي سوريا "الشرع"
خامسا- تكامل إقتصادي وأمني في المنطقة عبر إعتبار الدولة اليهودية جزء لا يتجزأ من المنطقة وبشكل طبيعي، بعد إنهاء مفهوم الصراع القائم والذي اساسه ومركزه القضية الفلسطينية

سادسا- تحقيق ذلك سيؤسس لنفوذ أمريكي نقي تقريبا على المنطقة ككل بعد الاتفاق النووي مع إيران وإدخالها أيضا في المنطقة، مما يعزز موقف واشنطن وصراعها مع الصين، ويتم إستغلال المنطقة الغنية بالثروات لإعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى

هذا المشروع بالتأكيد هو لصالح الدولة الصهيونية، لكنه يتناقض كليا مع مشروع نتنياهو الخاص ومشروعه الأيديولوجي المشترك مع الصهيونية الدينية، وهو مشروع القوة ومزيد من القوة وفرض الإخضاع والسيطرة والضم والتهجير على الضفة وغزة والمحيط العربي وفق رؤيا السيد الصهيوني والتابع العربي، وهذا المشروع يؤسس ويدفع نحو مزيد من الصراع ويورط أمريكا في حروب "الحرب مع الحوثي قبل الاتفاق" وعلى رأس ذلك مع "إيران"، وعليه فإن مشروع الرئيس ترامب سيؤدي إلى:

  1. وقف الحرب على غزة أولا والتطبيع بين السعودية وإسرائيل ثانيا وفتح مسار للتسويات السياسية ثالثا
  2.  سيؤدي حتما لسقوط نتنياهو ومحاكمته لاحقا وسقوط حكومته
  3. سيضع حد للتطلعات الناتجة عن الإنجازات التكتيكية الإسرائيلية ما بعد السابع من تشرين/أكتوبر، وسينهي حلم نتنياهو في تسجيل تاريخ جديد يؤرخ له ويغطي فيه على وصمات العار التي تلاحقه من فساد ورشوة وإحتيال وخيانة الأمانة، وفوق ذلك كله الإخفاق والسقوط للهاوية في الطوفان السنواري
  4. سيوسع الإتفاقيات الإبراهيمية لتشمل سوريا ولبنان "توطين اللاجئين الفلسطينيين"
إذا مشروع الرئيس ترامب بالضرورة يستدعي إحداث تغيير في الداخل الإسرائيلي والداخل الفلسطيني، كون البقية من العرب هي أصلا جاهزة، والعجم "إيران" تبحث عن اتفاق نووي مشرف، و "تركيا" نفذت المطلوب منها في "سوريا" وتبحث عن دور لها في المنطقة
نستطيع القول أن الوضع الفلسطيني يتم تحضيره جيدا، بل يبدو لي انه اصبح تقريبا في حالة الجهوزية، كارثة غزة فرضت واقع جديد وتستدعي حل إنقاذي، وما اسموه إصلاح "نائب الرئيس" سيكون دوره في إعطاء الضوء الأخضر بالموافقة على مشروع ترامب وتحت حجة إنقاذ ما يمكن إنقاذه

المشكلة كالعادة كانت ولا تزال وستبقى في إسرائيل ومع نتنياهو وحكومته الذين لن يوافقوا مطلقا على مشروع الرئيس ترامب للحل النهائي "سابقا لم يوافقوا على صفقة القرن الأولى بسبب وجود مصطلح دولة فلسطينية"، بإعتبار ذلك لا يخدم لا التطلعات الشخصية للسيد نتنياهو، ولا التطلعات الأيديولوجية الأخرى

العرب ومعهم إيران وتركيا، لن يعترضوا وسوف يتعاونون ما دامت شروطهم مقبولة، إيران تبحث عن إتفاق نووي يرفع العقوبات، والسعودية تبحث صفقات عسكرية واتفاق دفاعي مشترك ومفاعل نووي سلمي، في حين وقف الحرب على غزة ومسار التسوية للقضية الفلسطينية هو مقابل التطبيع، وتركيا تبحث عن دور ونفوذ في المنطقة يحقق لها مصالحها ضمن دائرة نقاسم النفوذ

الآن الامور تتضح، رغم انها كانت واضحة لمن قرأ توجهات الرئيس ترامب والذي يبحث عن حلول نهائية وفرضها على جميع الأطراف بالقوة الناعمة اولا قبل اي شيء آخر، والمشهد جاهز للعرض ومن يعطله فقط "نتنياهو"، ومن هنا حدثت القطيعة بين الرئيس ترامب ونتنياهو، أو بالعامية الرئيس ترامب حردان ودار وجهه عن صديقه نتنياهو

إن الضجة الإعلامية ومحاولة تضخيم الخلافات بين الرئيس ترامب ونتنياهو وبالذات في دولة إسرائيل، يأتي في سياق الضغط إما لدفع نتنياهو للموافقة وأجزم أن هذا مستبعد في الحالة الراهنة، أو للدفع لإسقاط نتنياهو وحكومته أي إحداث تغيير في المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي، ومن سيتصدر ذلك هي الأحزاب الحريدية "حزبي شاس ويهود هتوراة"، لماذ؟ لأن إستمرار الحروب سوف تدفع وتعجل التجنيد الإجباري للحريديم تحت عنوان توزيع الأعباء، لكن وقفها سيؤخر من ذلك بعض الشيء وقد يكون ذلك ضمن صفقة مع المعارضة بضغط أمريكي، وبحيث يحدث توافق بين الحريديم وبين الصاعد "بينت" والطامح "غانتس"

الأيام القادمة ستظهر بوضوح إذا ما كان نتنياهو سيخفض رأسه للعاصفة القادمة وتحت عنوان المناورة لكسب الوقت "التلاعب الذي يكرهه الرئيس ترامب والذي كان سبب في القطيعة"، أو الرفض المباشر وهذا ما صرح به نتنياهو عندما تحدث عن "الدفاع عن النفس منفردا"، أي أن خططه لا تزال هي مشروعه القائم

إستعجال الرئيس ترامب للإعلان عن مشروعه سيشكل أداة ضغط كبيرة ضد نتنياهو، لكن لن يرافق ذلك عقوبات أو تخلي عن إسرائيل، بل ستبقى أمريكا تدافع عن إسرائيل، لذلك نحن في مرحلة خطرة جدا قد تدفع نتنياهو نحو الهروب للأمام وإستدعاء حرب أخرى "إيران"، إضافة إلى تنفيذ الخطط الخاصة بقطاع غزة ويبدو أن نقل الدبابات الجاري يوضح القادم

بين واقعية الرئيس ترامب وبرغماتيته وطموحه في فرض السلام في العالم والحصول على جائزة نوبل للسلام، وأوهام نتنياهو تكمن كل القضية الآن، وبين الإستعجال في ما يريده الرئيس ترامب وما يريده نتنياهو، تقف الدبابات الإسرائيلي على تخوم غزة إستعدادا لتنفذ خطة رئيس الأركان إيال زمير

لحظات الحقيقة تتسارع ومعها لحظات التصعيد وقلب الطاولة على مشروع الرئيس ترامب، والعنوان القادم بعد او مع "غزة" هي "إيران"، خاصة انه مهما فعل نتنياهو حتى لو قام بتوجيه ضربة منفردة ل "إيران" فأمريكا لن تتخلى عن إسرائيل، فهناك روحها وإكسير حياتها
تعليقات