واجهت الرواية الفلسطينية تحديات كبيرة، داخلية وخارجية. داخلياً، يشكل الانقسام بين حركتي فتح وحماس عائقاً كبيراً. أما خارجياً فإن الاحتلال الإسرائيلي وقمع الأصوات الفلسطينية تعيق إمكانات حركة المقاومة الفلسطينية التي تناضل من أجل التحرير تحت وطأة آلاف السنين من السيطرة الاستعمارية. ومن أهم شروط التحرر، الارتقاء بالخطاب الفلسطيني على المستويين المفاهيمي والوطني في كافة المجالات، وخاصة في فترة الجمود السياسي.
في السياق الفلسطيني، التاريخ ليس مجرد مقدمة، بل هو متأصل بعمق وينتقل بين الأجيال، مما يشكل مشاعر وعناصر متبادلة والتي تشكل الهوية الوطنية بشكل تدريجي. إن جذور الهوية الفلسطينية تسبق ظهور وعي فلسطيني عام بهذه الهوية، حيث بدأ سكان فلسطين ينظرون إلى أنفسهم كوحدة سياسية متميزة في أوائل القرن العشرين. وحتى يومنا هذا، يمكن القول إن الهوية الفلسطينية لا تزال تتطور وتشهد تغيرات بسبب عوامل مثل الاحتلال الإسرائيلي، والنضال من أجل الوحدة الوطنية، والتغيرات الإقليمية والعالمية، والخوف من فقدان مستقبل هذه الهوية أو تشويهها.
النقد أم النقض
نشر الكاتب والباحث السياسي الصديق عمر حلمي الغول عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية مقالاً قبل يومين بعنوان "قلب الحقائق مهنتهم" تناول فيه رفض حركة حماس الحوار الثنائي مع فتح في بكين، والتهرب ـ كما ذكر الكاتب ـ من استحقاق المصالحة. وخلص إلى أن هذا الرفض يعود ـ من وجهة نظره ـ إلى تناغم حركة حماس مع ما تقوم به مجموعة المفكر والأكاديمي الفلسطيني "عزمي بشارة" و"مصطفى البرغوثي" الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، والعضو السابق في المجلس الثوري لحركة فتح "معين الطاهر" من محاولات لتشكيل إطار بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مما أثار غضب البعض الذين كالوا الشتائم للكاتب ووجهوا له اتهامات طالت شخصه دون سند.
فإن كان الغرض الرئيسي من النقد هو تقويم الأفكار وتوجيه المواقف للبناء عليها، فإن لهذا النقد ضوابط طي لا يلتبس النقد بالنقض. وحتى لا يتحول النقد إلى ظاهرة صوتية استعراضية لذلك سأتناول بعض النقاط بعجالة.
ثانياً: أؤكد على أن النقد هو الاطلاع على الأشياء والتمعن فيها لدراستها وبحثها بهدف معرفة ما لها وما عليها، والإشارة إلى ما يمكن تفاديه. أما النقض فهو الهدم، وإفساد الأمر بعد إحكامه.
رابعاً: يجب أن يستند النقد والأحكام للمنطق والتفكير العقلاني، وليس للعواطف والضغوط، والأهواء الشخصية، أو إلى الإملاءات المختلفة.
سادساً: إن الفكر الذي يعتمد المصادرة من خلال مصادرة حق المخالفين في التعبير عن الرأي هو فكر يستبطن علتين كبيرتين هما العجز عن المحاججة الفكرية، فالمصادرة هي سلاح العاجز. وعلة ثانية هي الوصاية على الناس واعتبارهم قاصرين فكرياً.
أخيراً، جميع الممارسات سالفة الذكر تخلق بيئة سلبية تعزز حالة الانقسام، ولا تؤسس لحوار مشترك بين أصحاب الأفكار والمواقف المختلفة، وإنما هي سبب للمجادلات بلا قيمة ولا هدف، وهي مظنة للاتهامات والتراشق بين الأطراف، وخوض معارك جانبية. ومن شأن هذا الجدال في الوسط الفلسطيني أن يُضعف من حالة التضامن الشعبية العربية والإسلامية مع القضية الفلسطينية. إن حلّت ثقافة التخوين مكان ثقافة التنوع، والانفتاح، والاختلاف، فذلك يعني قمع حرية الرأي والتعبير، ومحاربة النقد الموضوعي، ورفض المعارضة السياسية، والإلغاء.
أكتب تعليقك هتا