وعقب وقف جزئي للقصف أعلنته إسرائيل الأحد تحت ضغط دولي بسبب خطر المجاعة، بدأت المساعدات الإنسانية تدخل مجددا القطاع المحاصر، ولكن بكميات اعتبرتها المنظمات الدولية غير كافية إلى حد كبير.
ويشهد مراسلو وكالة فرانس برس يوميا على مشاهد مأسوية حيث تهرع حشود يائسة من الناس، مخاطرين بحياتهم في كثير من الأحيان، إلى مركبات محملة بأكياس الغذاء أو إلى مواقع الإنزالات الجوية للمساعدات التي نفذتها في الأيام الأخيرة الإمارات والأردن وبريطانيا وفرنسا.
وقال أمير زقوت الذي جاء بحثا عن الإغاثة لوكالة فرانس برس “دفع الجوع الناس إلى التناحر. الناس يتقاتلون بالسكاكين” في محاولة للحصول على بعض المساعدات.
لتجنب انفلات الأوضاع، طُلب من سائقي برنامج الأغذية العالمي التوقف وترك الناس يأخذون المساعدات بأنفسهم. لكن ذلك لم يمنع الحوادث المأسوية.
– “لا مفر” –
يضيف الرجل البالغ 42 عاما “فجأة، سمعنا طلقات نارية (…) لم يكن هناك مفر. بدأ الناس يركضون، يتدافعون، أطفال، نساء، وشيوخ”، واصفا “مشهدا مأسويا: دماء في كل مكان، جرحى، وقتلى”.
وتندد المنظمات الدولية أيضا منذ أشهر بالعراقيل المتكررة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية، مثل رفض إصدار تصاريح عبور الحدود للقوافل الإنسانية، وبطء التخليص الجمركي، ومحدودية نقاط الوصول، والطرق الخطرة، وغيرها. وتؤكد المنظمات أن ذلك يؤجج الفوضى.
جنوبا، عند معبر كرم أبو سالم، يؤكد مسؤول في منظمة غير حكومية فضّل أيضا عدم كشف هويته أن “هناك طريقان ممكنان للوصول إلى مستودعاتنا (الواقعة في وسط قطاع غزة) أحدهما آمن نسبيا، والآخر مسرح دائم للقتال والنهب وهو الطريق الذي يتم إجبارنا على سلوكه”.
– “تجربة داروينية” –
يقول محمد شحادة وهو باحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “إنها تجربة داروينية لا يبقى بموجبها على قيد الحياة إلا الأقوى: أما الأكثر جوعا فلا يملكون الطاقة لمطاردة شاحنة، أو الانتظار ساعات تحت أشعة الشمس، أو القتال على كيس دقيق”.
ويضيف أن هذه الإمدادات يتم بيعها بعد ذلك “لأولئك الذين لا يزالون قادرين على شرائها” في أسواق مدينة غزة، حيث يمكن أن يتجاوز سعر كيس الدقيق الذي يزن 25 كيلوغراما 400 دولار.
واستخدمت هذه الاتهامات لفرض الحظر شامل على دخول المساعدات إلى غزة بين شهري آذار/مارس وأيار/مايو، حتى بروز “مؤسسة غزة الإنسانية” في نهاية أيار/مايو بدعم من إسرائيل والولايات المتحدة. وتزعم المؤسسة أنها أصبحت مذاك الجهة الرئيسية لتوزيع المساعدات، لكن بقية المنظمات الإنسانية ترفض العمل معها.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الاثنين “لقد سرقت حماس (…) المساعدات الإنسانية من شعب غزة مرارا من خلال إطلاق النار على الفلسطينيين”.
لكن بحسب مسؤولين عسكريين إسرائيليين كبار تحدثوا إلى صحيفة نيويورك تايمز في 26 تموز/يوليو، فإن حماس ربما استولت على قسم من المساعدات من بعض المنظمات، لكن “ليس هناك أي دليل” على أنها سرقت بانتظام الغذاء من الأمم المتحدة.
ويقول الباحث محمد شحادة إن حماس أصبحت الآن ضعيفة للغاية، وتتكون في الأساس من “خلايا مستقلة غير مركزية تختبئ هنا وهناك في نفق أو منزل مدمر. إنهم (مقاتلو حماس) لم يعودوا مرئيين على الأرض، لأن الطائرات المسيّرة الإسرائيلية ترصدهم على الفور وتتعقبهم”.
– “موافقة” إسرائيلية –
تقول بشرى الخالدي مديرة السياسات في منظمة أوكسفام في غزة “لقد دعت الوكالات والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية السلطات الإسرائيلية مرارا إلى تسهيل وحماية قوافل المساعدات ومواقع التخزين في مستودعاتنا”، مضيفة “لكن هذه الدعوات قوبلت بتجاهل واسع النطاق”.
وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية وفلسطينية، تعمل في المنطقة الجنوبية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية مجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم “القوات الشعبية”، تتكون من أفراد من قبيلة بدوية بقيادة ياسر أبو شباب.
وبحسب ميكائيل ميلشتاين من مركز موشيه ديان في تل أبيب، فإن العديد من أعضاء مجموعة أبو شباب متورطون في “جميع أنواع الأنشطة الإجرامية”، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات عبر شبه جزيرة سيناء المصرية.
ويؤكد أحد العاملين في المجال الإنساني هذه الاتهامات، قائلا “لا يمكن أن يحدث أي من هذا في غزة من دون موافقة ضمنية على الأقل من الجيش الإسرائيلي”.
أكتب تعليقك هتا