الاستقامة بعد الحج

الدليل الشامل للحج والعمرة الاستقامة في حياة المسلم أمر مطلوب شرعًا، قال تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: ١١٢]. وعن عبد الله بن سفيان الثقفي رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: (قل آمنت بالله ثم استقم) (۱). والاستقامة هي الأخذ بمجامع الدين، ولزوم العدل في ذلك دون غلو وإفراط أو تقصير وتفريط، والثبات على ذلك. فالاستقامة لا تكون إلا بأمرين: أولاً : القيام بأمر الله جل وعلا وأمر رسوله ظاهرا وباطنًا، بلا غلو ولا تفريط. ثانيا : الثبات على ذلك حتى الممات.والاستقامة تنقسم إلى قسمين: جانب قلبي وهو أعمال القلوب. جانب بدني وهو أعمال الجوارح. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (والاستقامة تتعلق بالأقوال، والأفعال، والأحوال، والنيات)(2). والقلب ملك الجوارح، فمتى ما استقام القلب على الشريعة استقامت الجوارح، فهي تبع له. وبالاستقامة على دين الله تستقيم حياة المسلم، فتنعم نفسه ويطمئن قلبه، ويقوى قلبه ،وجوارحه فلا يشعر باضطراب أو تناقض في نفسه وسلوكه فيطابق ظاهره باطنه بلا غلو ولا تفريط بل بوسطية في المنهج والسلوك، وهو ما يجعل النفس والفطرة مستقرة ومطمئنة .  والاستقامة بعد الحج لها فضيلة خاصة ومعان دقيقة؛ ذلك أن الحاج إذا كان - بتوفيق الله - حجه مبرورًا، وسعيه مشكورًا وخرج - بفضل الله ورحمته - من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ فإنه يجب عليه أن يحافظ على هذه الجائزة العظيمة والمنحة الربانية، وذلك بالاستقامة بعد الحج، فلا يخلط بعد حجه عملاً صالحا وآخر سيئًا فيرجع إلى ما كان عليه من قبل، فقد يخسر ما ناله من تطهير للذنوب وصفاء للقلب والسريرة.  ولينظر الحاج الكريم إلى أكابر أصحاب رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» الذين بشروا بالجنة إما صراحة كالعشرة المبشرين بالجنة وإما ضمنًا كأهل بدر وبيعة الرضوان فإنهم رضوان الله عليهم قد اجتهدوا في العبادة وسارعوا في الخيرات بعد بشارتهم بالجنة أفضل من ذي قبل، وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى هذا المعنى قائلاً: ( وكذلك كل من بشره رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم»  بالجنة أو أخبره بأنه مغفور له، لم يَفْهَمْ منه هو ولا غيره من الصحابة إطلاق الذنوب والمعاصي له ومسامحته بترك الواجبات بل كان هؤلاء أشد اجتهادا وحذرًا وخوفًا بعد البشارة منهم قبلها، كالعشرة المشهود لهم بالجنة، وقد كان الصديق شديد الحذر والمخافة، وكذلك عمر، فإنهم علموا أن البشارة المطلقة مقيّدة بشروطها والاستمرار عليها إلى الموت، ومقيدة بانتفاء موانعها، ولم يفهم أحدٌ منهم من ذلك الإطلاق والإذن فيما شاءوا من الأعمال)(3).  فإذا كان هذا حال من بشروا بالجنة - حيث كانت استقامتهم على دين الله بعد البشارة أعظم من استقامتهم قبلها، وذلك خوفا من خسارة تلك البشارة العظيمة - فكيف حال من هم دونهم ممن لم يعلموا أقبل حجهم أم لا؟  وهل خرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم أم لا ؟ أليس الأولى أن يسيروا على طريقهم، فيستقيموا كما استقام أسلافهم. والحاج يجب عليه أن يلزم نفسه في الحج على الاستقامة، ليكون حجه مبرورًا، ولكي يأخذ درسًا تربويا عمليًا في الاستقامة ليقوى عوده ويستقيم قلبه وتنقاد جوارحه لما بعد الحج. فإن الحاج سيرجع بعد حجه إلى حياته اليومية من طلب الرزق ومشاغل الدنيا، ومخالطة من يقوى به إيمانه، ومن هو دون ذلك، فضلاً. عن فتن الشهوات والشبهات التي يعج بها كثير من المجتمعات. فالحاج الموفق من أخذ في حجه عدته، فروض نفسه وغذى قلبه، وسأل الله بصدق وافتقار أن يثبته وأن يرزقه الاستقامة. والله عز وجل لعباده في الحج ألطاف وكرامات، ومن الكرامة أن يُرزق العبد الاستقامة. يقول ابن القيم رحمه الله: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله تعالى روحه - يقول: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة)(4). قيل للحسن: (الحج المبرور جزاؤه الجنة؟ قال: آية ذلك: أن يرجع زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة، وقيل له: جزاء الحج المغفرة؟ قال آية ذلك : أن يدع سيئ ما كان عليه من العمل)). ولا يكون العبد زاهدًا في الدنيا راغبا في الآخرة، وتاركًا لسيئ ما كان عليه من العمل إلا بالاستقامة على الدين، والطريق القويم. مراجع رواه مسلم رقم (٦٢). (مدارج السالكين) (۲/ ۳۳۹) . (الفوائد) ص (۲۳)، طبعة دار علم الفوائد. (مدارج السالكين) (٢/ ٣٣٩) طبعة دار طيبة. (لطائف المعارف) لابن رجب ص (٦٨).
الاستقامة في حياة المسلم أمر مطلوب شرعًا، قال تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: ١١٢].
وعن عبد الله بن سفيان الثقفي رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: (قل آمنت بالله ثم استقم) (۱).
والاستقامة هي الأخذ بمجامع الدين، ولزوم العدل في ذلك دون غلو وإفراط أو تقصير وتفريط، والثبات على ذلك.

فالاستقامة لا تكون إلا بأمرين:

أولاً : القيام بأمر الله جل وعلا وأمر رسوله ظاهرا وباطنًا، بلا غلو ولا تفريط.
ثانيا : الثبات على ذلك حتى الممات.والاستقامة تنقسم إلى قسمين:
  • جانب قلبي وهو أعمال القلوب.
  • جانب بدني وهو أعمال الجوارح.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (والاستقامة تتعلق بالأقوال، والأفعال، والأحوال، والنيات)(2).
والقلب ملك الجوارح، فمتى ما استقام القلب على الشريعة استقامت الجوارح، فهي تبع له.

وبالاستقامة على دين الله تستقيم حياة المسلم، فتنعم نفسه ويطمئن قلبه، ويقوى قلبه ،وجوارحه فلا يشعر باضطراب أو تناقض في نفسه وسلوكه فيطابق ظاهره باطنه بلا غلو ولا تفريط بل بوسطية في المنهج والسلوك، وهو ما يجعل النفس والفطرة مستقرة ومطمئنة .

والاستقامة بعد الحج لها فضيلة خاصة ومعان دقيقة؛ ذلك أن الحاج إذا كان - بتوفيق الله - حجه مبرورًا، وسعيه مشكورًا وخرج - بفضل الله ورحمته - من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ فإنه يجب عليه أن يحافظ على هذه الجائزة العظيمة والمنحة الربانية، وذلك بالاستقامة بعد الحج، فلا يخلط بعد حجه عملاً صالحا وآخر سيئًا فيرجع إلى ما كان عليه من قبل، فقد يخسر ما ناله من تطهير للذنوب وصفاء للقلب والسريرة.

ولينظر الحاج الكريم إلى أكابر أصحاب رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» الذين بشروا بالجنة إما صراحة كالعشرة المبشرين بالجنة وإما ضمنًا كأهل بدر وبيعة الرضوان فإنهم رضوان الله عليهم قد اجتهدوا في العبادة وسارعوا في الخيرات بعد بشارتهم بالجنة أفضل من ذي قبل، وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى هذا المعنى قائلاً: ( وكذلك كل من بشره رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم»  بالجنة أو أخبره بأنه مغفور له، لم يَفْهَمْ منه هو ولا غيره من الصحابة إطلاق الذنوب والمعاصي له ومسامحته بترك الواجبات بل كان هؤلاء أشد اجتهادا وحذرًا وخوفًا بعد البشارة منهم قبلها، كالعشرة المشهود لهم بالجنة، وقد كان الصديق شديد الحذر والمخافة، وكذلك عمر، فإنهم علموا أن البشارة المطلقة مقيّدة بشروطها والاستمرار عليها إلى الموت، ومقيدة بانتفاء موانعها، ولم يفهم أحدٌ منهم من ذلك الإطلاق والإذن فيما شاءوا من الأعمال)(3).

فإذا كان هذا حال من بشروا بالجنة - حيث كانت استقامتهم على دين الله بعد البشارة أعظم من استقامتهم قبلها، وذلك خوفا من خسارة تلك البشارة العظيمة - فكيف حال من هم دونهم ممن لم يعلموا أقبل حجهم أم لا؟

وهل خرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم أم لا ؟
أليس الأولى أن يسيروا على طريقهم، فيستقيموا كما استقام أسلافهم.
والحاج يجب عليه أن يلزم نفسه في الحج على الاستقامة، ليكون حجه مبرورًا، ولكي يأخذ درسًا تربويا عمليًا في الاستقامة ليقوى عوده ويستقيم قلبه وتنقاد جوارحه لما بعد الحج.
فإن الحاج سيرجع بعد حجه إلى حياته اليومية من طلب الرزق ومشاغل الدنيا، ومخالطة من يقوى به إيمانه، ومن هو دون ذلك، فضلاً.
عن فتن الشهوات والشبهات التي يعج بها كثير من المجتمعات.
فالحاج الموفق من أخذ في حجه عدته، فروض نفسه وغذى قلبه، وسأل الله بصدق وافتقار أن يثبته وأن يرزقه الاستقامة.
والله عز وجل لعباده في الحج ألطاف وكرامات، ومن الكرامة أن يُرزق العبد الاستقامة.
يقول ابن القيم رحمه الله: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله تعالى روحه - يقول: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة)(4).
قيل للحسن: (الحج المبرور جزاؤه الجنة؟ قال: آية ذلك: أن يرجع زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة، وقيل له: جزاء الحج المغفرة؟ قال آية ذلك : أن يدع سيئ ما كان عليه من العمل)).
ولا يكون العبد زاهدًا في الدنيا راغبا في الآخرة، وتاركًا لسيئ ما كان عليه من العمل إلا بالاستقامة على الدين، والطريق القويم.

مراجع

  1. رواه مسلم رقم (٦٢).
  2. (مدارج السالكين) (۲/ ۳۳۹) .
  3. (الفوائد) ص (۲۳)، طبعة دار علم الفوائد.
  4. (مدارج السالكين) (٢/ ٣٣٩) طبعة دار طيبة.
  5. (لطائف المعارف) لابن رجب ص (٦٨).
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -
    news-releaseswoman